أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - بين مذبحة كنيسة -سيدة النجاة- ومذبحة كنيسة -مار الياس- المسيحية الشرقية قد هزمت















المزيد.....

بين مذبحة كنيسة -سيدة النجاة- ومذبحة كنيسة -مار الياس- المسيحية الشرقية قد هزمت


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 02:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين مذبحة كنيسة "سيدة النجاة" ومذبحة كنيسة "مار الياس" المسيحية الشرقية قد هزمت

أثار الاعتداء الإرهابي الدموي الذي نفذ يوم الاحد الفائت على كنيسة "مار الياس" في حي دويلعة في العاصمة السورية دمشق موجة من ردود الفعل المستنكِرة والرافضة. كانت الجريمة كبيرة وبشعة، ودماء عشرات الضحايا الأبرياء استفزت الكثيرين وأدت الى موجة من الاستنكارات والشجب في سوريا وخارجها.
يستطيع القارئ أن يتابع تفاصيل الجريمة من سيل الأخبار التي تطرقت الى هذه الحادثة. اخبار سيطويها الزمن وسيطمرها غباره، زمن الدم والحقد والجهل والتفاهة والكراهية.
سوف تنضم هذه الجريمة الى سابقاتها من جرائم نفذت على خلفيات طائفية، واعتداءات أسقطت أعدادا من الضحايا الذين أصبحوا ذاكرة للتاريخ؛ وستُراكم، كما راكمت سابقاتها أيضا، جرعات من الخوف في نفوس من بقوا أحياء من أبناء الأقلية المسيحية، ويواجهون شرقا عليلا لا يترك لأهله فرصا للعيش، الا بمذلة وبخوف او بالبحث عن نجاة وملجأ خارج أوطانهم. لقد أعادتنا جريمة كنيسة مار الياس الى أزمة مسيحيي الشرق، وذكّرتنا بأحد أهم أسباب تناقص أعدادهم في معظم دول المنطقة، وبالتلاشي كليا في أجزاء منها. لا تقتصر أزمة المسيحيين العرب على سوريا وحسب، وان كانت أحداثها تتصدر اليوم ما يجري في منطقتنا، فلقد سبقتها أزمات شبيهة في فلسطين ومصر ولبنان والعراق. في كل مرة تحدث جريمة، كتلك التي ارتكبت هذا الاسبوع في دمشق، تتزاحم اقلام الكتاب العرب في التأكيد على كون هؤلاء المسيحيين عربًا أقحاحًا، سكنوا البلاد قبل كل وافد ومحتل، وأنهم أصحاب حضارة عريقة وثقافة وهوية شرقية خالصة، وقد بنوا مع من سكنوا حاضراتهم وأسَّسوا نسيجًا راقيًا لمجتمع شرقي أضاء فضاء المنطقة والجوار.
لقد كانت عروبتهم ساطعة وانتماؤهم لأوطانهم خالصا، وقد وقفوا وساندوا أبناء قومهم فقاسموهم الأرض والخبز، والحلم والتحدي. هكذا يمضي المحللون وبعض المؤرخين ويذكرونا بانه حتى عندما غزا بعض الطامعين أرضهم المقدسة تخندق مسيحيو البلاد مع أبناء أمتهم، وذادوا عنها في حرب أصاب من سمّاها حروب"الفرنجة" لا "الحروب الصليبية"، ليدلل على أن الصليب، الذي تمسَّح به هؤلاء الغزاة الطامعون، ما هو إلا ذريعة وأداة تمويه وخدعة. فصليب عيسى وحنا وعلي وجمال في فلسطين والشرق، كان الصليب الحق، صليب الناصرة والقدس ودمشق الذي حافظوا عليه جيلا بعد جيل وإن كانت طريقهم طريق آلام وآمال.
"ليل سوريا طويل" وليل فلسطين طويل وبارد، فهنا أيضا ، لا في العراق وسوريا فحسب، في مهد المسيح والمسيحية، يتبخر المسيحيون وتقل أعدادهم يومًا بعد يوم. لا حاجة لإغراق القارئ بالإحصائيات وهي كثيرة، فقد نشرها كُتَّابٌ كانوا قد تطرقوا إلى ظاهرة هجرة مسيحيي الشرق أو تهجيرهم. لقد حلل هؤلاء الكتاب وسبروا عوالم وعوالم، ولخَّصوا وأجادوا؛ فالظاهرة تقلق، لا الكتاب المسيحيون وحدهم، بل كل عاقل وغيور على ما بُني من نسيج اجتماعي صحي في مجتمعات عرفت كيف تمتزج فيها الثقافات والحضارات وقيم الديانات والإنسانية.
مع كل جريمة تكثر المدائح في حق التعددية والتسامح وفضل الهوية الجامعة على خناجر الفتنة والطائفية والتكفير والقتل. يكتبون من إجل ايقاف النزف ودرء اكتمال المصيبة وتنتشر لقاءات التسامح ومنصات يملؤها رجال دين وكأنهم لا يعيشون بين مجتمعاتهم والمصلين لا يأمون معابدهم. نسمعهم يرددون تعاليم الديانات السمحة المسالمة المحبة لمن ليس على دينهم ونقول فليكن، فبعض هذا الكلام أحسن من عدمه، نقول ونعرف ان المجزرة التالية آتية، فنتذكر أن قضية مسيحيي الشرق هي قضية كل أهل الشرق وهي أكبر من لقاء للتسامح، ومأساتهم أعمق وأعقد من وعظة عن التآخي.
يعتقد البعض أن المشكلة تكمن في "الدين" نفسه؛ فلا دين يرضى أن يعيش في عباءة دين آخر أو تحت عمامته؛ ويقول آخر أن المشكلة ليست في الأديان نفسها بل بمن يدَّعيها بعصبية وبجهل وعندما يجند الدعاة دينهم حتى يصبح مولدات لاقصاء الغير وأدوات لذبحه، مثلما حصل مرارا في عدة معابد ومؤخرا في كنيسة مار الياس- دويلعه.
عانى مسيحيو فلسطين ما عاناه مسيحيو الشرق كلهم، بيد أن أزمتهم تفاقمت في عام النكبة التي "أرخت سدولها"على جميع الفلسطينيين ولم ترحم من بينهم احدا، مسلما كان أم مسيحيا، وشكلت محطة فاصلة في تهجيرهم وانقاص اعدادهم حتى باتوا في فلسطين أقلية ضئيلة في طريقها الى الاندثار. لقد كتب الكثير عن أسباب حدوث هذه الحالة، في فلسطين والشرق عامة، ، ولن أسرد في عجالة، ما قيل وما كتب، لكنني أؤكد على أن من أخطر أسباب نشوء هذه الحالة، هو المناخ العام السائد في معظم الدول العربية والمهيمن بين مجتمعاتها. لقد تضافرت مجموعة من العوامل، بعضها من توظيف فئات محلية تعتاش على هذه المناخات المريضة، وبعضها تغذيه عناصر اجنبية ودخيلة تزرع الفرقة والفتن كي تحصد النفط والغاز والمياه والذهب، تضافروا وخلقوا فضاءات تخمّر وتحضن وتنثر بذور رفض الآخر واستعدائه، وتصنع مجتمعات يتحكم فيها الفقر والقمع والجهل وقاعدة "من ليس على ديننا فهو ليس منا". لقد تداعت هذه الحالة منذ عقود طويلة وتفاقمت حتى امست شعوب الشرق ضحايا لانظمة الاستبداد ورعاتها، وحتى سيطر الخوف على شرائح واسعة من المسيحيين وفقدوا مشاعر الطمأنينة والاستقرار واستبدلوها بمشاعر الغربة والاغتراب وبالنزعة الى الهجرة والتفتيش عن شواطى يحسبونها أكثر أمنا وخلاصا.
يغذّي بعض الجهلة والمغرضين من بين الفرق الاسلامية الاصولية، في سوريا وفلسطين والعراق وبيننا، مقولة تجزم بأنك: "ما دمت مسيحيا فأنت صليبي" ومصيرك كمصير العدو دونالد ترامب وككل كافر ومرتد: الى جهنم. واذا كنت علمانيا فانت زنديق وفاسق وكافر. يفعل هؤلاء ما يفعلونه عامدين على ترسيخ عقيدة التفرقة بين مسيحية صليبية، لا يوجد غيرها، وبين اسلامهم ؛ ويزرع هؤلاء هذه المفاهيم في عقول اتباعهم حتى يؤمنوا بأن كل مسيحي، غربي او عربي على حد سواء، هو عدو الاسلام، ومصيره على الأرض جهنم، ويؤكدون لاتباعهم أيضا، بإن كل علماني وغير متدين هو أيضا زنديق وفاسق وكافر، ومصيره، على الأرض، أيضا جهنم.
كيف ولدت هذه المناخات الخطيرة وهل يمكن حسرها أو مواجهتها؟ الأسباب كثيرة وكما قلنا بعضها من صناعات محلية تربي التفاهة والاستحمار، وبعضها الأخر مستورد من غرب معربد واستعمار مستوحش، ولجميعهم مصلحة بالتنابذ وبالاقتتالات الطائفية، خاصة بعد هزيمة التيار القومي العربي الذي اغتنى واشتد ببناته العرب المسيحيين والمسلمين وشكل حاضنة وحصنا لجميعهم ، وفي فلسطين بعد هزيمة الحركة الوطنية الفلسطينية وتراجعها وهي التي اغتنت كذلك ببناتها من مسيحيين ومسلمين وشكلت لهم أيضًا حصنًا وحاضنة آمنة. فهل ممكن "أن تطوف سماء الشرق بالضياء وتنشر شمسها في كل سماء"? لا أظن!
لقد سمعت كلمة غبطة البطريرك يوحنا العاشر اليازجي في جنازة ضحايا مذبحة كنيسة مار الياس، وشعرت بقوة ايمانه واصراره على هويته السورية العربية المسيحية وتأكيده على التوجه "لكل سوري، مسلما كان او مسيحيا، في هذا البلد لأن ما حصل ليس حادثة فردية ولا تصرفا فرديا وليس اعتداء على شخص او على عائلة. انه اعتداء على كل سوري وعلى كل سوريا وهو اعتداء على الكيان المسيحي بشكل خاص."
هكذا قال وعتب على رموز النظام الجديد لان احدا منهم لم يأت الى مكان المجزرة لا متفقدا ولا معزيا. أحسست أنه يتهمهم ولا يعاتبهم فقط، ربما لأنه يعرف أن ما بين مذبحة كنيسة "سيدة النجاة" في العراق عام 2010، وبين مذبحة كنيسة "مار الياس" في دمشق، هزيمة المسيحية الشرقية قد أنجزت تماما !



#جواد_بولس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب خدعة!متى ولماذا وكيف سقط محور المقاومة؟
- الانتخابات الاسرائيلية: إما جبهة ضد الفاشية والاحتلال وإما ق ...
- ماذا لو بقي فيصل الحسيني حيا ؟
- ماذ لو بقي فيصل الحسيني حيا؟
- صوت غزة:نحن أحياء يا بشر من ينقذنا من هذا الجحيم
- لا اعداء دائمين في السياسة
- فلسطين في -العناية المكثفة- وشعبها في - حالة ذهنية- مستعصية
- بين مسيرة العودة والحرائق في أحراش القدس وضواحيها
- لا تخشَ التفكير، فالله ليس كاثوليكيا، هكذا آمن البابا فرنسيس
- اليوم عُلّق على خشبة،جمعة/محنة غزة الحزينة
- رسالة أخيرة لرئيس المحكمة العليا القاضي يتسحاك عميت
- ماذا لو أعلن العصيان المدني في اسرائيل؟
- غصات فلسطينية: -جرب- الاحتلال وفُرقة الاخوان
- حق الشعوب بالانتحار ولكن..
- التطبيع مع اسرائيل، -لا أرض أخرى- في مواجهة لا رأي آخر
- اسرائيل ونحن بين خراب آت وعمار بحاجة لجسور متينة
- ماذا لو جرت الانتخابات الاسرائيلية اليوم؟
- القضاء الاسرائيلي ، باطل يراد به باطل
- ثنائية الوهم والأمل، بين رئيس نزق وأمير حاذق
- أعداء السلام هم أعداء -افشاء السلام-


المزيد.....




- أبرز المشاهير ونجوم هوليوود في زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز ...
- رئيس مجلس النواب الأمريكي يوجه رسالة لإيران بشأن المفاوضات - ...
- خان أمريكا ودخل السجن.. من هو نوشير غواديا مهندس طائرة الشبح ...
- روسيا تستولي على مستودع ليثيوم استراتيجي في أوكرانيا.. هل تن ...
- التطلعات الأوروبية في الخليج - مجرد صفقات سلاح؟
- مخرجات قمة الناتو في لاهاي في عيون الصحافة الألمانية والغربي ...
- السلوقي التونسي: كنز تراثي مهدد بالانقراض
- غرينلاند .. حين ينكسر الصمت
- -أطباء بلا حدود- تطالب بوقف مؤسسة غزة الإنسانية وسط اتهامات ...
- جامعتا هارفارد وتورنتو تضعان خطة طوارئ للطلبة الأجانب


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - بين مذبحة كنيسة -سيدة النجاة- ومذبحة كنيسة -مار الياس- المسيحية الشرقية قد هزمت