أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - خيوط الرافية 2














المزيد.....

خيوط الرافية 2


رولا حسينات
(Rula Hessinat)


الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 14:12
المحور: الادب والفن
    


بالكاد أستطيع التنفس تحت شبر من الماء...وإن كان الغرق بهذا أو ذاك مصير وحتى تحت شبر من الماء. لم أستطع تجنب نظراته التي تخترق جسدي كأنها بارود حارق لا تسيل حوله خيوط من اللون الأحمر المسبوغ بالسواد، غير أنها تدفق الدماء في جسدي وتختلط ونبضات متسارعة من دقات قلب مر زمن طويل على سباته. أ الآن حان استيقاظي من ذلك السبات؟! ولكن لم الآن؟ لم لم ينسني وانتهى كل شيء؟! أيكون نسياني له ضرب من الكذب؟ يبدو أنني رقدت على حبه وبت في سباتي عدد سنين! أيكون للحب أن يعيش لأمد طويل بعد الفراق؟ وعن أي فراق أهذي وأمني النفس بأنه كذلك؟! أذكره كما اليوم...حين دقت عقارب الساعة العاشرة صباحا وطرق إلى مسامعي صوت من الطابق السفلي...لم يكن البيت الذي أسكنه سوى نزل صغير في بلدة على أطراف المدينة تحيط به الكثير من حقول الذرة ذات الكوز الأصفر والأوراق العريضة الخضراء...كان من العجيب أن تنجو من غرق المدينة الصاخب إلى أطراف غير بعيدة، يصل إليها المارق بطريق فرعي ضيق معبد بالحجارة المصقولة، عند عنقه يلتف عند نزل عتيق لا يميل الكثيرون بالمرور إليه، جدرانه الرمادية وحجارته البارزة ببرودتها تسيّر القشعريرة في لفحة الهواء المعتق برائحة الفحم الذي ينبعث من المدخنة أعلى الطابق العلوي...رغم ذلك لم تغادر الحمامة البيضاء عشها الصغير الملتصق بالمدخنة...صوتها يدورالرحى في غرفتي الصغيرة، التي لا تتجاوز المترين ونصف المتر بمتر ونصف، بأرضية خشبية مائلة إلى السواد، وجدران سكنية تمر فيها شقوق رقيقة والكثير من الكلس ، منها رسمت الكثير من اللوحات الفنية، كثير من الوجوه، كثير من الصمت وكثير من اللاشيء بلوحات باردة أكملها في ليلي البارد فوق كرسي خشبي قديم، ظهره بقطعتين خشبيتين وأرضيته قطعة دائرية فيها ثقب إلى جانبها الأيمن، وطاولة خشبية عتيقة تفوح منها رائحة الخشب العفن مائلة للون السكني، تتوكأ على سطحها صورة لي التقطت لي حين كان تخرجي من مدرستي الثانوية، لا أدري كم الثمن الذي دفعته لاقتنائها، لولا أن جميع الفتيات تبارين في اقتناء صورهن ما كنت لأفعل، فشراؤها يعني إنفاق مبلغ كبير من المال على صورة جامدة وذكريان من السهل طيها. هديل الحمامة الذي يوقظ مضجعي منذ الشق الأول للخيط الأبيض، تبعث الشقاء في سريري الصغير الملاصق بالنافذة المطلة على حقول الذرة هذه، وذلك البيت الحجري البعيد الذي لا تسكن ناره أو نوره ليل نهار...صوته الذي جاء من القاع كسمفونية موسيقية أيقظ بالنزل المهجور أول نبض بعد أعوام من العزلة....لم يكن ببالي أن ألتقيه ثانية، ذلك الحب الذي بقي عند مفترق الطرق...لن يستطيع الحب بكل قوته أن يمحو ماضيي العتيق، ماضِ إلف الشقاء والبكاء والوحدة في غرفة صغيرة من كثرة التكرار أبقيت على بقائي فيها دون أن أخرج منها وأعود...في المربع الصغير بأرضية متآكلة والكثير من الألواح الخشبية وعُددٍ من الخردة، ورائحة العرق التي تزكم حفنة الهواء المليء بالرطوبة عالق بالأجساد المتلاصقة رجالا ونساء وأطفالا وكنت واحدة من بين هؤلاء عند زاوية الساحة المربعة الشكل وعلى حفنة من الخردوات اتخذت لي مكانا، فلا مهربا من هاهنا ولا ذيل شعري الأسود الخيلي يزكمني برائحة الصابون الرديء الذي رافقني من سن الثالثة...فهو الشيء الذي أبقي عليه من ذكرى أم خرجت ولم تعد، وبت أشتريه فلاق برداءته رداءة الذكريات من عالم مشحون بين أم وأب، لا أدري إن كنت يوما فكرت بغير زاوية صغيرة ألف جسده النحيل فيتساوي الجسد الواهن بالعامود الخشبي الذي لا يتعدى العشرين سينتميترا. ربما كان عليّ أن أدك جسدي كمسمار في الحائط كي لا يعثر إنسي أو جني على الصغيرة التي كبرت ولم تتجاوز ندبة الثلاثة أعوام وحسب...فلا العقل ولا الجسد اكتملا وبقيا دون البلوغ...وإدراك حمق العالم من حولي، كل ما أعرفه أني هاربة من مكان إلى مكان حيث لا يعبأ أي كان بأي كان...في العاشرة بدوت كحالمة تتفقد النتوءات في الجسد وأتعثر بشيء خفي في جسدي يقرضني ويقض مضجعي...فما دريت ما هو؟ أهو ما يقال عنه الحب...ربما ولكن من أحب؟ وكيف أحب؟ وعن أي قاموس أبحث فيه عن الحب؟ وكل ما تعلمته هو الصراخ والعويل والبؤس والشقاء...بقائي في المدرسة في حينا كان بعد توسل طويل وركوع من سائق سيارة الأجرة ذاك الذي هجرته أمرأته لفقر حاله وبؤسه إلى عالم أكثر مجونا وشهوة ومالا...ذاك المسكين الذي بالكاد يغسل سمرة وجهه الشاحبة وعينيه الغائرتين بتجاعيد عتيقة وجسده الذي يتقلص يوما بعد يوم كان أبي...كم الحروف الذي تعلمته كان بالكاد يجعلني قادرة للبحث في الروايات التي تهربها بنات الصف كبضاعة تباع بالسوق السوداء...روايات الحب والعنف والرغبة والشهوة كلها مصطلحات بت أبحث عنها في حياتي...لعلي ألتقطها...هل يعثر الحب على جليسة المقعد الأول في سيارة الأجرة؟! الرضيعة التي كانت ضيفة خاصة جليسة المقعد الاول...تهزها السيارة طيلة اليوم فلا تشق بصرها للنور الا وقت يقرصها الجوع وحفاظتها قليلا ما تمتلئ لتضل يوما أو يومين...هل هي تلك القسمة التي أرتأها لي قدري البأس؟! حتى رأيتك...وأنسيتني ما كان وماذا كان...وبتَ ضربات قلبي التي ابتلعتها كصنبور ماء ينز نقطة نقطة فيهتز لها بوداعة عرق أخضر تمسك بالحياة في ضجيج طحنته الرحى فاكتسى بالرياض كل ما حوله...
كنت أنت ابن الأربعة عشرة ربيعا، ذلك الربيع الذي أخطأت فيه ومازلت حينها في العاشرة....
يتبع



#رولا_حسينات (هاشتاغ)       Rula_Hessinat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة...
- خيوط الرافية
- حكايات جحا 3
- ظلال هاربة
- على دفتي الرغبة والقدرة كان حنين للإرادة
- المرأة العربية في الموروث الثقافي
- حالة انفصام
- السيد علم الدين 5
- المقطع الثاني من رواية الزلزال للمبدع ريبر هبون
- حكاية من حكايات جحا 3
- السيد علم الدين 4
- رواية الزلزال المقطع الأول
- حكاية من حكايات جحا 2
- حكايا من حكايات جحا 2
- السيد علم الدين 3
- المصباح
- والله يازول الحال تعبان
- السيد علم الدين 2
- الفرار المحتوم
- المألوف المجتمعي


المزيد.....




- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - خيوط الرافية 2