أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - المصباح














المزيد.....

المصباح


رولا حسينات
(Rula Hessinat)


الحوار المتمدن-العدد: 8070 - 2024 / 8 / 15 - 20:14
المحور: الادب والفن
    


في الريف القريب وقبل سنوات بعيدة وعند جيعة الماء، كانت النسوة يتبادلن قصص القرية وأسرارها، كل منهن منهمكة في أن تجمع أكبر قدر ممكن من الحكايا لتكمل نسج خيوطها حين تعود أدراجها تتهادى، وهي تحمل فوق رأسها سطلاً كبيراً من الماء، وهي تسند طولها ليس محدودب منها الظهر، ولا مثقلة منها المشية، كما غزالة تتغازل وصيادها، فلا هي لانت وانحنت ولا هو نائل منها ما تأمل. وانطمرت الجيعة وما عاد منها لا قطر ولا غدق وغابت النسوة وانتشرت الكثير من القصص وانكشف الكثير من الأسرار، من غير نسوة كن يجتمعن يوماً عند جيعة الماء في الريف القريب...قبل ربع قرن من الزمان بالضبط كان جدي يقف مسنداً رأسه إلى رأس أبي يوسف صاحب الدكان، والذي كان يدقق النظر في الكلمات المرصوصة على صفحة ورقة صفراء قد فاحت منها رائحة الكولونيا، وتذللت سطورها بعبارة قصيرة: ابنكم البار. وبقي التاريخ واقفا عندها...لا هو عاد وما ساقت الطريق لها من أخبار وذابت الأسطر مع رمل الطريق وقد انمحت الكلمات وبقيت عالقة تلك الذكريات...قالوا: ذهب مع الفصائل المسلحة...وقالوا: قتل بيد الفصائل المسلحة...وقالوا: كانت تصفية للحسابات عندما قتله صديق له...وقالوا الكثير وبقي جدي صامتا وقد فارقته الحياة وهو متكئ على عصاه...
ومضت السنون وانهزمت أوراق أيامها وأخذت تسقط الواحدة تلو الأخرى دون أن نعيَّ لأيّ منها أهمية، القليل من كل شيء، التحية لم تعد تلقى عند التقاء العيون، ولم تعد ابتسامة مرسومة في الوجه مع ارتفاع بالوجنتين، لم تعد هناك أصوات لصبية الحي وهم يلقون بكرتهم التي لم يعرف لونها عالياً في السماء، بين أسلاك الكهرباء الممتدة بين البيوت لتسقط بارتداد أربع أو خمس بين السيارات المارة عند كل بيت من بيوت القرية، لم تعد ضحكاتهم تسكن في الشقوق العميقة في الجدران المائلة للون السكني والتي كستها ملوحة بيضاء. تغير كل شيء ووجه الكون كذلك، الكثير من الأزرار، الكثير من اللمسات على الشاشات الذكية، اللهجة المحكية أصبحت أكثر قصراً على الشاشات المتغيرة ألوانها، جمل تجمع بين الأحرف والكلمات، ترجمة سلسة غير مفهومة للعربية بأحرف إنجليزية والعاطفة أختزلت في رمز صغير أو كانت مضمنة بإحدى الصور التي يسهل تحميلها على تعليق ما...الكثير من الصغار ارتدوا السماعات في أذانهم وتعلقت عيونهم بالشاشات المضيئة بصفحة اليد، مشوا بذلك على خطى الكثير الكثير ممن سبقوهم في سنوات العمر، لم يعدّ أيّ منهم يعي الزمان أو المكان، قطع إشارة المرور أصبح عادة بخدرة بالحواس، لم يعد هناك استهجان للعادات الجديدة والسلوكيات الغريبة، ولا بتتبع البيكمون في الطرقات أو تعليمات الحوت الأزرق في الخلل السلوكي، غابت صورة الأب والأم ودور القيادة بدا يلوح كفتيل شمعة على صفحة جدار أملس ولفحة من ريح باردة تزيد ذبوله فتيبس بفتيل منطفئ. في زريبة كبيرة حشرت الكثير من العقول، وتلاشت ذائقة المنطق وفحوى البلاغة وضحل المخزون المعرفي، وبات التعارف بين الأقارب في المجموعات أكثر متعة، وباتت الأكلات السريع ةهي الأكثر إمتاعاً...وتغير السياق بأكمله واستحال سياقاً آخر، نموذجاً أخر بعيداً عن لمة العائلة ودفئها، حيث بنيت الكثير من الجدران الجليدية، العواطف استحالت رموزاً وعبارات فقيرة لا تجود إلا بجدران أكثر سماكة من الجليد. في القرية القريبة تلاشت روافد الرحمة وغاب لقاء النسوة بين صفحات التواصل الاجتماعي، وارتفعت حالات الطلاق، وغابت الكثير من البيوت في ساحات من النزاعات، وخلي الصغار لينبتوا بين الأزرار واللوحات الصغيرة المضيئة. ومضى كل إلى طريقه واحتاروا فيمن يحمل المصباح! أعمى القرية بدا أكثر يقظة وحمل المصباح والجمع يتندر، وكان أكثر قدرة منهم على تلمس طريقه بعصاه الخشبية بيمينه وبفانوسه المضيء في شماله...يستيقظ قبل الديك وينام معه، أيّ دقة لديه في تقدير الزمان والمكان وقد ذوب التاريخ في حكاياه التي لم يسمعها غيره.



#رولا_حسينات (هاشتاغ)       Rula_Hessinat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- والله يازول الحال تعبان
- السيد علم الدين 2
- الفرار المحتوم
- المألوف المجتمعي
- السيد علم الدين
- المألوف المجتمعي بين التغيير والتحول
- فأر أسود
- الشبيه
- Children of Gaza are dolls, and perhaps its inhabitants are ...
- It is not as any other stories
- قراءة نقدية في المجموعة القصصية اعترافات ثملة بقلم الناقدة و ...
- رحلة في تابوت
- رشفات الحياة
- رواية شيفرة الإنتقام
- الرسالة الأولى
- الرسالة الخامسة
- منعرجات النسيان
- الرسالة السادسة
- الرسالة السابعة
- الرسالة الثامنة


المزيد.....




- في يوم مولدها.. وفاة الممثلة المصرية ناهد رشدي بعد صراع مع ا ...
- كافح الفرنسيين فتحالفوا مع الوثنيين.. ماذا تعرف عن -أمير الم ...
- المترجم محمد الفولي: المترجمون السابقون عملوا في ظروف أصعب
- سمكة التونة العنيدة.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي 20 ...
- بعد 30 سنة.. شكران مرتجى تصبح رسميا -فنانة سورية- (فيديو)
- تصريحات مثيرة لفنانة مصرية شهيرة عن المساكنة: -روح يا حبيبي ...
- بيلاروس تتعرض للترويس الثقافي.. مدارس البلاد تستبدل اللغة ال ...
- دراسة جديدة: مقدار الوقت الذي يقضيه الآباء أمام الشاشات قد ي ...
- سينما في البيت.. تردد قناة إم بي سي أكشن MBC Action الجديد 2 ...
- احتجاجات في كندا والمخرجة ترد.. فيلم روسي يثير غضب أوكرانيا ...


المزيد.....

- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - المصباح