أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ابراهيم برسي - في حضرة اللهب: الهيمنة تخلع قناعها النووي… والخليج يشتري الأمن من بائع القلق















المزيد.....

في حضرة اللهب: الهيمنة تخلع قناعها النووي… والخليج يشتري الأمن من بائع القلق


ابراهيم برسي

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 02:04
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    



ليست الحرب هتافات بين الجيوش، بل جملة اعتراضية في جغرافيا الكلمات، حيث تُنحر اللغة على أعتاب المصلحة، ويُعاد تشكيل الخرائط بمداد من دخان.
وفي المشهد الأخير، لم تعد السماء تُطرِف جفنها وهي تراقب القاذفات الأميركية تمطر الأرض الإيرانية بوابلها؛ كأننا أمام صمتٍ متّفقٍ عليه، أو لعله عزفٌ استهلالي لسيمفونية الموت المتدرج.

لقد وقعت الضربة. ضُربت “فوردو” و”نطنز” و”أصفهان”، ليس لأن العالم يخشى سلاحًا نوويًا بيد الجمهورية الإسلامية، بل لأن السلطة التي تحرس عقارب الوقت تريد تأديب الطموح حين لا يُقرن بالطاعة.
لم تُعلن الضربة من على منصة الأمم المتحدة، ولا في غرفة عمليات تفيض بالإجماع السياسي، بل جاءت كشعور عابر في سبابة مرتبكة من أصابع رئيس أميركي على شاشة هاتفه المحمول، حين دوّن تغريدة مقتضبة على منصة “ترو سوشال”، يزف فيها للعالم خبر القصف، كما يُعلن أحدهم عن فعالية ترويجية داخل متحفٍ للخراب.
أميركا، في تحالف غير معلن ومُعلن مع إسرائيل، شنّت عملية عسكرية وُصفت بالناجحة، وكأن العالم يُكافئ الضربة لا بمنعها، بل بتسميتها بعناية: “إزالة الخطر”.

لكن، ما هو هذا الخطر؟ وهل نحن إزاء “فعل دفاعي” كما يقول المروّجون، أم أمام تمرين استراتيجي على توطين ميزان الهيمنة في نقطة مفصلية من خريطة الشرق المتصدّع؟
هنا لا بد أن نقرأ المشهد بما يتجاوز الحطام: ما الذي يريده الغرب من إيران؟ ولماذا لا يتوقّف دعمه الأعمى لإسرائيل؟ وماذا عن دول الخليج؟ وهل تبقى هذه النار محصورة في موقدها؟

لعل أول ما يستوجب التوقّف عنده هو كيف تفهم إيران نفسها. فمنذ أن أُطيح بالشاه واستيقظت الجمهورية الإسلامية من نومها القومي، لم تعد إيران كيانًا سياسيًا فحسب، بل سردية ممتدة بين المظلومية والتهديد.
في خطابها الرسمي، هي الوريث المتصل لثأر كربلاء، والمحرّك العقائدي لما تسميه مواجهة “الاستكبار”. لكن هذا الخطاب، مهما اختلفنا معه، لم يكن مجرّد وهم، بل كان طريقة للردّ على تاريخ طويل من التدخلات الأجنبية: من الانقلاب على مصدّق، إلى الحصار المتكرّر، إلى تجريم الهواء إن مرّ عبر طهران.

في ضوء هذا الفهم، فإنّ الضربة الأميركية لم تستهدف مفاعلًا فحسب، بل استهدفت البنية النفسية لنظامٍ يرى في الصبر فضيلة عسكرية، وفي الردّ تأكيدًا للوجود. لذلك، فإنّ الردّ الإيراني ليس احتمالًا، بل جزء من البرمجة الأيديولوجية العميقة لنظام يُخاطب شعبه بلغة العنف المقدّس، ويحتفظ بوكلاء له في العراق ولبنان واليمن وسوريا، قادرين على إشعال المنطقة إن أراد.

من هنا يصبح السؤال الأهم: كيف سيكون الرد؟ وما الذي تملكه إيران الآن، وهي تقف في مهبّ الاستفزاز؟
ما يجري الآن هو صراع بين زمنين: زمن الرغبة الغربية في ترسيخ شرق أوسط يُشبه التوقّعات، وزمن الشرق نفسه وهو يُقاوم تمثّلاته المفروضة.
إيران ستردّ، وقد بدأت تفعل. لكنّ الردّ لن يكون بحجم الضربة فقط، بل بحجم التراكم: سنوات من العقوبات، من العزلة، من وصم كل خطوة إيرانية بأنها تهديد للسلام العالمي، وكأنّ إسرائيل التي تملك ترسانة نووية غير معلنة هي كائن سلاميّ يُوزّع الطمأنينة بين الأمم.

ويبدو أن الردّ قد يتجلّى في هجمات سيبرانية، أو إطلاق للوكلاء، أو استهداف لحلفاء واشنطن في الخليج. لكنه، وإن بدا عنيفًا، سيظل محسوبًا: فإيران تعرف أنّ الحرب الشاملة قد تُفكّكها من الداخل، لكنها تعرف أيضًا أن الصمت الكامل هو إعلان استسلام أمام الجماهير، وهو ما لا تحتمله سرديتها الوجودية.

ومن الرد إلى الارتباك، تبرز دول الخليج بوصفها العالقة في المنتصف: تريد الأمن، لكنها لا تتحكّم في أدواته. تدفع مليارات لشراء الطمأنينة، ثم تستيقظ لتجد أن الضربات نُفّذت من فوق سمائها. تدين القصف، ثم تستقبل المبعوث الأميركي لتجديد العقود الأمنية.

وإذا أمعنا النظر، نجد أن هذه الدول، في لحظات كهذه، تُدرك هشاشتها: فمضيق هرمز أقرب للاشتعال من طمأنينة التصريحات. وحقول النفط تُدار تحت ظلّ الصواريخ أكثر من إشراف المهندسين. ومع ذلك، فهي تُراهن على لعب دور الوسيط، رغم أن الجميع يعرف أن الوساطة هنا لا تُولد من النوايا، بل من موازين الردع.

ولكي نقرأ الفعل الإيراني خارج التقارير الإخبارية، ينبغي تفكيك الشخصية السياسية التي تحكم إيران لا كأجهزة، بل كوعي. لفهم إيران، يجب أن نفكّك صورتها كعدو. إنها ليست دولة عادية، بل تركيبة من تاريخ طويل: حضارة قورِنت بروما، عرشٌ تحوّل إلى ثورة، وبرلمان تحوّل إلى حرس ثوري. في وجدانها العام، ثمة تواطؤ روحي مع فكرة “الطريق الصعب”، وحنين غامض لبطولة الخسارة إذا كانت ممهورة بالمعنى.

الشخصية الإيرانية، سواء اختلفنا أو اتفقنا معها، هي شخصية تقاوم الانصهار. حتى حين تمارس القمع، فإنها تفعله بإحساس أن العالم كله يريد إخضاعها. وهذا ما يجعلها خطرة: لأنها لا ترى في الانكسار حلاً، بل نداءً للانتقام أو التجدد.

ومن إيران إلى داعمي الضربة، يعود السؤال المُلحّ: لماذا لا يتراجع الغرب عن دعم إسرائيل، ولو مرة؟ أما عن سؤال لماذا يدعم الغرب إسرائيل دومًا، فالإجابة تتجاوز السياسة إلى ما يشبه اللاهوت السياسي.
إسرائيل في المخيال الغربي ليست مجرد حليف، بل تذكير تاريخي بوعدٍ لم يُنسَ. تُمثّل للإمبراطوريات الغربية تجربة إنقاذية: اليهودي الذي اضطهدوه بات الآن شريكهم في إعادة تشكيل الشرق.

لكن الحقيقة أن الغرب لا يدعم إسرائيل لأنه يحبها، بل لأنه بحاجة إليها: بوصفها قاعدة متقدمة لمصالحه، كساترٍ رمزي يغسل خطايا القرن العشرين، وكمختبر مفتوح لاختبار تقنيات السيطرة والردع.

وفي النهاية، لا بد من الاعتراف: ليس ما يجري الآن حربًا، بل غيابٌ شامل للخيال السياسي.
كل طرف يعيد إنتاج نفسه في لغة العنف لأنه لم يعد يثق في اللغة.
إيران تخشى أن يتحوّل الصمت إلى إعلان نسيان، وأميركا تخشى أن تُسقط هيبتها إن تراجعت، وإسرائيل تريد أن تقول: “نحن باقون بقوة النار، لا الحجة.”

في هذه الزاوية المعتمة، تبدو الشعوب هي الوحيدة التي لا يُسأل رأيها، رغم أن الجحيم يتساقط على بيوتها. أما الخليج، فسيظل يشتري الأمن من بائع القلق نفسه.

وهكذا، لا تنفع التمنيات. الحرب لا تبدأ حين تُطلق القذيفة الأولى، بل حين يصمت العقل الجمعي ويُستبدل بالتصفيق.
الضربات قد تتوالى، وقد تتوقّف، لكن الجرح الذي فُتح بين إيران والغرب سيظل نازفًا، لأنه لم يكن أمنيًا فقط، بل وجوديًا.

هل من أمل؟ ربما. إن كانت هناك قدرة على صناعة خيال جديد لا يُصاغ من نبوءات الصواريخ، بل من شجاعة الاعتراف أن لا أحد يربح في حربٍ تُخاض فوق جثث الأبرياء.

لكن، من يصغي الآن، والنار تكتب البيان؟



#ابراهيم_برسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة الوحشية: رثاء الكائن الذي لم يكتمل قراءة في كتاب أشي ...
- عملية “الأسد الصاعد”: الضربة الإسرائيلية الكبرى
- صوتٌ بلا أثر… وعيٌ بلا أفق: المثقف وأزمة الفعل المؤجل
- نغوجي واثيونغو، الذي كَتَب كما يُكتب اللهب… وظلّ نبيًّا بلا ...
- من السجود إلى السيادة: انحناءة الشكل على خراب الجوهر
- بين كامل إدريس و اللا كامل…. ربطة العنق التي لم تُقنع مجلس ا ...
- حين ينعى الفقراء أحدهم، فإنهم يطرقون الأرض بأقدامهم، لا بأصو ...
- نحن والحمير في المنعطف الخطير: صمت الحواف حين يهزم صوت الطري ...
- الشتات بوصفه مَجازًا مضادًا: قراءة نقدية في أطروحة “الشتات ق ...
- في أثر فرانسيس دينق: سؤال الهوية بين النهر والمجلس
- العبودية الطوعية في الإسلام السياسي: قراءة في فلسفة الهيمنة
- -تأملات في طمأنينة لا تُشبه الخرائط… عن العراق الذي يكتبه ال ...
- الدولة النكرة: محاكم التفويض وخرافة السيادة
- سردية لندن: مؤتمر غاب عنه القتلة ولم يصفّق له كهنة السلطان
- غسان كنفاني: هشاشة الاسم والمنفى المؤجّل
- عندما يصير الجسد ساحة معركة: تراجيديا الإنسان السوداني بين ا ...
- ما بين الدال والمدلول في حكم المعلول: شكوى الجلاد إلى لاهاي
- -ارجم دميتك وامضِ: أُمّة تُساق بالتكبير في مآلات بلا معنى-
- النظام ساقط… ولكن الظل قائم: في طقوس الإنكار وانفجارات الكذب ...
- مقاطعة الإعلام الحربي كأداة مقاومة ضد آلة الدعاية العسكرية


المزيد.....




- رغم إعلان ترامب لوقف إطلاق النار.. شاهد كيف كانت الدفاعات ال ...
- وسط إرباك حول توقيته.. وسائل إعلام من إيران وإسرائيل تُعلن س ...
- ترامب يُعلن دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ ويوجه -رجاءً- ...
- إسرائيل.. الكشف عن حصيلة قتلى الهجوم الإيراني على بئر السبع ...
- -فُرض على العدو بعد مهاجمة العُديد-.. شاهد كيف وصف التلفزيون ...
- رضا بهلوي من باريس: أنا مستعد لحكم إيران وعلى خامنئي أن يرحل ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على وقف لإطلاق النار
- فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمّات المباشرة لإسناد فلس ...
- حادثة الطفلة غيثة تشعل المغرب.. موجة غضب وتضامن
- ثمرة واحدة قبل النوم تُحسّن جودة نومك بشكل ملحوظ


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ابراهيم برسي - في حضرة اللهب: الهيمنة تخلع قناعها النووي… والخليج يشتري الأمن من بائع القلق