أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم برسي - من السجود إلى السيادة: انحناءة الشكل على خراب الجوهر














المزيد.....

من السجود إلى السيادة: انحناءة الشكل على خراب الجوهر


ابراهيم برسي

الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 07:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إبراهيم برسي

هبط الرجل.
لم تهبط معه الرؤية، ولا الدولة، ولا حتى ثقل الفكرة.
هبط كما تهبط السير الذاتية المفبركة في أدراج المنظمات الدولية: في توقيت خاطئ، وبقلبٍ طامح إلى منصبٍ أكبر من الحقيقة.
ولم يكن الهبوط لحظة وصول، بل تذكير مرّ بأن بعض القادمين لا يحملون سوى ظلّهم0

نحن أمام لحظة كوميدية، لكن بكاميرا عالية الجودة.
الملصق يقول: “وصول كامل إدريس”.
والمشهد يقول: “عودة الطموح القديم في عبوة بلاستيكية صالحة للتدوير”.

ها قد وصل الرجل.
وها نحن ننتظر الحلقة القادمة.
عنوانها سيكون غالبًا: “ الوجع كخطة خمسية: لجنة لإعادة تدوير الأسى”.
أو ربما: “أشواق الكرسي المعلّق بين جنيف وبورتسودان”.
وإذا ضاق بهم المقام، سيُعيدون بثّ الحلقة القديمة:
“وثيقة دستورية… إعادة مونتاج”.

كامل إدريس، أو بالأحرى “كميل”، الرجل الذي كتب كتابًا لا ليُنقذ السودان، بل ليُقنع الغرب أنه يفهم خريطته.
كتابٌ مليء بالوعود والمصطلحات المرتبكة، و قصص الخيال كمن يصوغ استبيانًا للسلام لكنه ينسى أن يحدد أين تقع دارفور.

لم يكتب سيرةً، بل دوّن خياله كما يُدوّن العاجزون نشيد نجاتهم من حياة لم يعيشوها.
كتابه “My Nile Odyssey” ليس تأريخًا لتجربة، بل رغبة في أن يكون شيئًا — أي شيء — يُثير إعجاب الغرب، ولو على حساب الحقيقة.
صبيٌّ يُطارد الجن، يواجه قراصنة النيل، ويتلقى تكليفًا رمزيًا من مانديلا.
إنه لا يكتب سيرته، بل يُفاوض الواقع بنسخة أكثر قبولًا منه.
نسخة صالحة للعرض، لا للحكم.

رجلٌ تلاعب بتاريخ ميلاده كمن يُعدّل ساعة يده ليلحق بطائرة الحلم.
مرّة من مواليد 1945، ومرّة 1954.
وكلّ مرة كان التغيير مطلوبًا كي يُناسب وظيفة أعلى، أو منصبًا أمميًا، أو كرسيًا دبلوماسيًا على مقاس وهم.

لكن دعنا لا نظلم الرجل.
هو لم يقل إنه سينقذ السودان.
هو فقط كتب، وتحدث، وسافر، وابتسم، وانتظر.
انتظر أن يستدعيه أحدهم… وقد فعلوا.

ليست نكتة من شارع القُدامى، بل تحديث دوري لبرمجية الانحدار… مع خلفية موسيقية تتغني بالوطن.

لقد ظنّ البرهان، ومعه غرفة عمليات الكيزان، أن كامل يمكن أن يكون “مكتملاً” بالقدر الذي يُقنع الخارج بأن الداخل يبتسم.
رجل بنظارات أكاديمية، وربطة عنق أممية، وسيرة ذاتية مصقولة بورنيش اليونيسكو.
مناسب تمامًا ليكون دمية متحدثة بلغة “مدنية”، لكنها تعمل بالبطارية العسكرية.

أليست هذه صورة بانورامية لوطن يصفق لنهايته من الزاوية الخطأ؟
شخص يسجد قبل أن يبدأ العمل.
حكومة لم تُعيَّن بعد، وبدأت بالانبطاح.
و”كامل” لا يقول شيئًا، لكنه ممتلئ بالنوايا، ويمشي فوق رأس الوطن بلا أن يشعر بوخزة سجادة.

يا صديقي، لا نحتاج إلى تحليل. نحتاج إلى سُباب يليق بهذا الأداء.
لكن حتى الشتائم أصبحت عاجزة عن مجاراة هذا العبث.
فالذين يُخرجون هذه المسرحيات يعرفون جيدًا أن الكاميرا أقوى من الضمير، وأن السجود في حضرة الفشل صار يُسوَّق على أنه وطنية مصقولة بالإخراج السياسي.

المطار لا يزال يُفرغ علب الطموح الفارغة، وينتظر صفقة أخرى.
والشعب — كعادته — إما يصفق، أو يُساق، أو ينسى.
الفرق هذه المرة أن الوهم تنكّر في هيئة بروتوكول، وابتسم بلغة الأمم، لكن اليد ذاتها التي أطفأت أنفاس الشهداء في ساحة الاعتصام، هي التي تعزف اليوم نشيد “المدنية” المغشوش.

نحن ننتج الخضوع، ونسوّقه كحب، وندعوه بالبكاء…
وعندما نحزن، نطلب من الكاميرا أن توثق الهزيمة بموسيقى تصويرية أقرب إلى شارة مسلسل سيئ الإنتاج.

وفي نهاية الحلقة، نكتشف أننا لم ننتقل.
لم نسقط.
لم نقم.
بل فقط بدّلنا دمية المسرح، وأعدنا طلاء الواجهة بلون الحياد الباهت، كأن شيئًا لم يكن.



#ابراهيم_برسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين كامل إدريس و اللا كامل…. ربطة العنق التي لم تُقنع مجلس ا ...
- حين ينعى الفقراء أحدهم، فإنهم يطرقون الأرض بأقدامهم، لا بأصو ...
- نحن والحمير في المنعطف الخطير: صمت الحواف حين يهزم صوت الطري ...
- الشتات بوصفه مَجازًا مضادًا: قراءة نقدية في أطروحة “الشتات ق ...
- في أثر فرانسيس دينق: سؤال الهوية بين النهر والمجلس
- العبودية الطوعية في الإسلام السياسي: قراءة في فلسفة الهيمنة
- -تأملات في طمأنينة لا تُشبه الخرائط… عن العراق الذي يكتبه ال ...
- الدولة النكرة: محاكم التفويض وخرافة السيادة
- سردية لندن: مؤتمر غاب عنه القتلة ولم يصفّق له كهنة السلطان
- غسان كنفاني: هشاشة الاسم والمنفى المؤجّل
- عندما يصير الجسد ساحة معركة: تراجيديا الإنسان السوداني بين ا ...
- ما بين الدال والمدلول في حكم المعلول: شكوى الجلاد إلى لاهاي
- -ارجم دميتك وامضِ: أُمّة تُساق بالتكبير في مآلات بلا معنى-
- النظام ساقط… ولكن الظل قائم: في طقوس الإنكار وانفجارات الكذب ...
- مقاطعة الإعلام الحربي كأداة مقاومة ضد آلة الدعاية العسكرية
- مازق المثقف في المنفي: بين التماهي والهويات المنقسمة
- البحر والمدينة: ثنائية القسوة والخلاص عند حنا مينا
- من المتحف القومي إلى مكتبة الترابي: كيف يُعاد تشكيل السودان ...
- -اللجنة- لصنع الله إبراهيم.. كيف تسائل الرواية أنظمة القهر؟
- حين يصبح الجسد عقيدة: وشوم وزير الدفاع الأمريكي وسؤال الأيدي ...


المزيد.....




- إصابة عين إيلون ماسك وربطه زوجة ماكرون بإجابة على سؤال -عمّا ...
- حادث سير مرعب.. فيديو يظهر سيارة تحلق في الهواء قبل أن تخترق ...
- ترامب يتعهد بمضاعفة رسوم واردات الصلب إلى 50 بالمئة
- عدنان إبراهيم يعترف بمشاركته بخدعة كبرى ضد العرب بـ-الربيع ا ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة من مسيرة إسرائيلية على سيارته في من ...
- فنلندا تتهم إيران بالتجسس وتصف نشاطها بـ-العدائي-
- ترامب يرفع الرسوم على واردات الصلب إلى 50 في المئة، ويصعّد ا ...
- DW تتحقق: صور مزيفة لشاب سوري تدخل لوقف هجوم هامبورغ
- مراسلتنا: إصابة شخص في غارة إسرائيلية على سيارة في دير الزهر ...
- صحيفة: واشنطن قد تضغط على كييف للمشاركة في محادثات 2 يونيو


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم برسي - من السجود إلى السيادة: انحناءة الشكل على خراب الجوهر