محمد إنفي
الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 22:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل الخوض في هذا الموضوع والجواب عن هذا السؤال، يتعين التمييز بين المسلم والإسلامي، وذلك بإبراز ما بينهما من فوارق وتباينات فكرية وعقدية. لنبدأ بتعريف المسلم؛ فحسب الحديث النبوي الشريف، فالمسلم هو "من سلم المسلمون من لسانه ويده" (حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ مختلفة من قبيل "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده". ويقدم لنا هذا الحديث تعريفا للمسلم؛ وفيه أيضا إرشاد له إلى الآداب والأخلاقِ الإسلاميَّة التي يجب أن يتحلى بها حتى يستحق هذا الاسم وهذه الصفة. ومعنى الحديث أن المسلم الحقيقي هو مَن لا يُؤْذي أخاه المسلِم (أو غيره من الناس) لا بلسانه (أي بقول) ولا بيده (أي بفعل). وقد خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم اللسانَ واليدَ لكونهما مصدر معظم الشُّرور والآثام؛ فاللسانُ يكْذِب ويغْتاب ويسبُّ ويُشهِّر ويَشْهَد الزُّور...؛ واليدُ تقترف أفعالا مثل الَضرِب والقتل والسرِقة، إلى غيرِ ذلك من الأفعال المذمومة التي تُرتكب إما باللسان أو باليد. فالمسلم الذي يأتي بأحد هذه الأفعال، أو أكثر، فإنما يؤكد بأن إسلامه ناقص، وإنسانيته أيضا؛ ذلك أن هذا المسلم لا يمثل المعنى الذي خُلِقَ لأجله؛ ألا وهو العِلم والعَمل والإخلاص فيهما.
وإذا كان هذا هو تعريف المسلم، فكيف سنُعرِّف الإسلامي؟ بداية، كلمة إسلامي مصطلح سياسي يُستعمل في التحاليل السياسية والدراسات التي تهتم بالحركات الإسلامية؛ ومقابله في اللغة الفرنسية (islamiste). فالإسلامي هو المسلم الذي يمزج بين السياسة والدين ويخلط بينهما عن وعي لتحقيق مصالح معينة، فردية كانت أو جماعية، مادية أو معنوية. وهذا المزج بين الدين والسياسة ينتهي، في نهاية التحليل، بإفساد السياسة والدين معا. فلا الدين يحتفظ بصفائه ونقائه، ولا السياسة تبقى تطلعا مشروعا لتدبير الشأن العام والعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حسب المستطاع باعتبار السياسة فن الممكن.
هناك، إذن، فرق جوهري بين المسلم والإسلامي. فالإسلامي، هو مسلم حركي؛ أي مُؤَطَّر في حركة دينية ذات توجه سياسي وإيديولوجي، همها الأساسي هو الوصول إلى السلطة، بغض النظر عن الوسيلة المستعملة لتحقيق هذا الهدف. فقد تركب هذه الحركة على تذمر شعبي من أوضاع اجتماعية أو اقتصادية معينة لفرض نفسها كمساوم ومقايض للدولة من أجل الحصول على نصيبها من الكعكة؛ وقد تصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات؛ وقد تستعمل العنف المادي والمعنوي لتحقيق هذا الهدف. وفي كل الحالات، يتم استغلال الدين لدغدغة عواطف الجمهور بهدف برمجته وجعله حطبا قابلا للاشتعال في أية لحظة تتوفر فيها شروط التغيير. ومن الأساليب المستعملة لتوفير الحطب القابل للاشتعال، هو اللجوء إلى تسويد الوضع الاجتماعي من خلال المبالغة في تضخيم النقائص والتقليل من قيمة المنجزات الاقتصادية والاستثمارية والسياسية والاجتماعية والديبلوماسية والروحية؛ بالإضافة إلى تبخيس المكتسبات الحقوقية والديمقراطية بِنُكران التقدم الحاصل في هاذين المجالين.
ويلجأ الإسلام السياسي إلى هذه الأساليب (وهو يعلم أنه يزور الحقائق ويضخم النقائص التي لا يخلو منها مجتمع، وإن بمستويات متباينة) لأن من شيمه الكذب. وكيف لا، وهو لا يتورع عن توظيف الدين الإسلامي الحنيف لتحقيق مآرب دنيوية؟ وهذا هو ديدن الإخوان المسلمين الذين يكذبون على الدين وعلى المسلمين باستعمال التقية. وتقية الإخوان لا تختلف عن تقية الشيعة في شيء؛ وهي لا تعني شيئا آخر غير الكذب والنفاق اللذين يذمهما ويحرِّمهما الدين الإسلامي. ونسجل بأن هناك تقاربا كبيرا بين الإخوان المسلمين والشيعة، رغم ما يوجد بينهما من تباين عَقَدي. لكن هذا لا يمنع من تشكيل تحالف بينهما لزرع الفوضى والفتنة في الدول المستقرة سياسيا واجتماعيا؛ وذلك اعتمادا على أساليب خسيسة وخبيثة لقلب الأوضاع في هذه الدول استجابة لرغبة المرشد العام للإخوان المسلمين والولي الفقيه، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
واعتبارا لما ذُكر في الفقرات أعلاه، فإن مصطلح الإخوان المسلمين، هو مصطلح غير دقيق حتى لا نقول بأنه تضليلي؛ ذاك أن عبارة مسلمين هي جمع مسلم. وقد بينا أعلاه الفرق بين المسلم والإسلامي. وبما أن جماعة (أو حركة) الإخوان، هي حركة سياسية، فالدقة والموضوعية والأمانة العلمية والأخلاقية تقتضي تسمية حركة الإخوان بجماعة الإسلاميين أو الإسلامويين وليس المسلمين، حتى لا يكون هناك التباس بين التسمية والمسمى، فيستغله البعض للاصطياد في الماء العكر.
تجدر الإشارة إلى أن الحركة الإخوانية انطلقت من مصر عام 1928 على يد حسن البنا وانتشرت مع الوقت عبر العالم الإسلامي وحتى خارجه. وهكذا، صارت حركة إخوانية عالمية وأصبحت أيديولوجيتها (الإيديولوجية الإخوانية) أساسًا للفكر والعمل الإرهابي. وقد وجد تنظيم "داعش" في هذا الفكر ضالته، خصوصا في جانب الاعتماد على العنف باسم "الجهاد"، باعتباره الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة واستعادة الخلافة (سأخصص بحول الله مقالا لاحقا لهذا الموضوع). وقد حث مؤسس الإخوان على استخدام القوة لإحداث التغيير؛ وهذا قاسم مشترك أو رابط بين الإخوان وداعش، رغم ما يوجد بينهما من اختلافات تاريخية وثقافية. فالتشابه الأيديولوجي بين التنظيمين يجعل منهما تحالفا تخريبيا بامتياز. ويزيد من قوتهما التخريبية التحالف الإخواني مع الشيعة.
يوجد في بلادنا "دواعش" و"اخْوانْجِيَّة"؛ ويؤكد هذا الأمر عدد الخلايا الإرهابية التي يفككها الأمن المغربي سنويا. ويجمع بين كل الفئات الضالة الموجودة في بلادنا، بمن فيهم فئة العدميين، هدف واحد، هو الإضرار بسمعة الوطن ومصالحه العليا؛ وذلك من خلال الإساءة إلى ثوابت الأمة وتخريب الأواصر الاجتماعية والمجتمعية باستعمال كل أساليب التدليس الخبيثة والممارسات المنحطة التي تهدف إلى تبخيس القيم الوطنية لزرع الشك والريبة لدى النفوس الضعيفة.
وما يجمع بين الفئات الضالة المشار إليها في الفقرة أعلاه، هو الجحود والتنكر لفضل الوطن عليهم لدرجة أنهم يسعون إلى الإضرار بمصالحه العليا. لذلك، لن تجدهم يدافعون عن القضية الوطنية أو يثمنون النجاحات الديبلوماسية الباهرة التي يحققها المغرب في هذا الباب، ولن تراهم، في مظاهراتهم، يرفعون الأعلام الوطنية؛ لكنهم يرفعون شعارات ضد الدولة وثوابتها ويستعملون العنف في اقتحام مؤسسات إستراتيجية (اقتحام ميناء طنجة وميناء الدار البيضاء) بناء على إشاعة كاذبة، ناهيك عن الأسلوب القذر الذي يتحدثون به عن المغرب ورموزه ومؤسساته.
وهي كلها مقدمات، الهدف منها ضرب الاستقرار الذي تنعم به بلادنا؛ إذ يبدو أن هذا الاستقرار لا يرضيهم ولا يرضي أسيادهم (إيران والجزائر وجنوب إفريقيا و...) الذين يرغبون في زرع القلاقل والبلبلة، وصولا إلى إحداث الاضطرابات الكبرى ليركب علها الإسلام السياسي (واليسار الراديكالي أو اليسار المخصي كما يسميه أحد النشطاء في التواصل الاجتماعي) للاستلاء على السلطة بالقوة كما يحلمون أو كما أمر به مؤسس جماعة الإخوان الضالة.
خلاصة القول، الإخوان، سواء في المغرب أو خارجه، لا يستحقون اسم "إخوان مسلمون"؛ بل هم "إخوان مجرمون" لأنهم، من جهة، يعتمدون الكذب والنفاق كأسلوب للتعامل مع العامة والخاصة؛ وهو أسلوب مدان إسلاميا وإنسانيا وأخلاقيا؛ ومن جهة أخرى، يلجؤون إلى العنف والترهيب لتحقيق مطامحهم ومطامعهم الخبيثة. فهم، إذن، مجرمون شرعا وقانونا. والنظر للمفتي الأعلى في أمور الدين والدنيا، المتلوِّن الكبير في المواقف، "الزعيم السياسي الخارق" عبد الإله بنكيران.
مكناس في 23 يونيو 2025
#محمد_إنفي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟