عبد الستار الجميلي
الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 08:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعيش العالم، بإنسانه وافراده وجماعاته ودوله ومراحل تاريخه وجغرافيته السياسية والأمنية والإقتصادية والإستراتيجية ومخرجات تطوره العلمي والتكنلوجي والسيبراني وذكائه الإصطناعي، يعيش دَواراً قلقاً متأرجحاً غير ثابت على أرض أو إتجاه، أصعب وأخطر وأشدّ قسوة من دَوار البحر أو المحيط.. ما جعل التحليل السياسي يتلعثم أمام متغيرات متسارعة وأوراق متناثرة، وخنادق متداخلة، ومصالح تطفو على دخان براكين تغلي تحت سطح كوكب يتوقف إستمرار وجوده على زر أو كلمة تخرج من فم عاقل أو متأزم نفسياً أو أيديولوجياً أو روحياً، في مهرجان سيرك للاعبين صغار لم يخوضوا غمار التجارب والتعلم والمعاناة في مدارس وفصول التاريخ وتفاعلاته وإنتصاراته وإنكساراته وآلامه وآماله.. حيث يمرُّ هذا العالم القلق العصابي المتأزم بمتغيرات محسوسة في حجم ونوع النزاعات المسلحة الدولية والداخلية والتوترات والصراعات الجيو سياسية، ومتغيرات كامنة نشطة تحت سطح التفاعلات المتصادمة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، التي إتخذ بعض نزاعاتها المسلحة الدولية طابع الحرب العالمية الثالثة وإن إختلفت محاور الشكل والأسلوب والحدة والأطراف، كما يحدث على سبيل المثال بين روسيا والدول الداعمة أو المتعاطفة معها خصوصا دول العالم الثالث، وبين الولايات المتحدة في ظل الإدارة الديمقراطية البائدة وأغلب دول أوربا وحلف الناتو، وكذلك نزاعات وصراعات المصالح الصلبة تارة والناعمة تارة أخرى بين الدول الكبرى وتحالفتها حول مكامن الثروات ومفاصل المواقع الإستراتيجية، من المحيط الهندي وشرق آسيا وإلى الوطن العربي والشرق الأوسط وأفريقيا، ما حوّل العالم إلى دائرة أزمات عبرت في نطاقها وحدودها ومخاطرها مفاهيم أقواس الأزمات وحدود الدم.
فالإبادة التي يُنفذها نتنياهو وكيانه الصهيوني الإستيطاني في غزة، والتي لها أكثر من فاعل حتى من داخل غزة، تستمر أمام أنظار المجتمع الدولي والقانون الدولي العاجزين أمام منطق القوة والإغتصاب بدون رحمة، وقدرة مطلوبة لتفعيل الفصل السابع من إختصاصات مجلس الأمن الدولي مع إن العدوان الصهيوني يشكل تهديد حال مباشر للسلم والأمن الدولي والإقليمي.. وقد طالت آثار هذه الإبادة والعدوان الصهيوني لبنان وسورية وغيرهما من الدول العربية، وتطورت إلى المواجهة الحالية بين الكيان الصهيوني والنظام الإيراني، تحت مختلف المزاعم من الطرفين، ومفاعيلها السلبية على الوطن العربي والمنطقة والعالم، حيث يحاول نتنياهو تنفيذ مشروعه التقسيمي لتغيير الشرق الأوسط وتوسيع دائرة الكيان الصهيوني إلى ما يُسمى بــ ((إسرائيل الكبرى)) عبر الحروب العدوانية والإبادة والتهجير وبدعم مباشر من الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي، بعد أن أتاحت له الحسابات الخاطئة أو المقصودة فرصة ثمينة كان ينتظرها منذ بدء ظهوره على المشهد السياسي الصهيوني في فلسطين المحتلة.. وفي أوراسيا التي تتداخل وتتفاعل وتتصادم في محيطها الجيو سياسي أوربا وآسيا، تدور رحى حرب طويلة على وقع العملية العسكرية الروسية الدفاعية الخاصة في أوكرانيا التي أخذت بعداً عالميا بالدعم المفتوح من قبل حلف الناتو لإدامة الحرب وحصد الأرواح بعد أن سيطرت على القرار السياسي في فرنسا وبريطانيا والمانيا خصوصاً موروثات أحقاد التاريخ وعقدة الهزائم المتتالية من نابليون إلى هتلر، ومن فيتنام وأفغانستان وإلى العراق وأوكرانيا.. وفي الولايات المتحدة الأمريكية تَسيّد مشهد الإدارة الأمريكية الرئيس دونالد ترامب القادم من خارج أدراج السياسة الأمريكية التقليدية، التي تتبادل لعبتها الديمقراطية أحادية رأسمالية مغلقة على الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبدأ إستراتيجيته الداخلية والخارجية بسياسة الصدمة وغير المتوقع عبر الطَرِق على لوبيات الدولة العميقة، والمطالبة بضم كندا وغرين لاند وقناة بنما، والحفر تحت أساسيات حلف الناتو والإتحاد الأوربي المتقادمة، وفرض رسوم متصاعدة على الحلفاء والأعداء معاً، ما سبّب قلقاً وأزمات كونية أمنية وإقتصادية وسياسية مفتوحة لكلّ التوقعات والإحتمالات.. وعلى مستوى الجماعات الفاعلة من غير الدول بمختلف توصيفاتها القانونية والسياسية (المنظمات الإرهابية، والميليشيات وأمراء الحرب وتجارها، وحركات التمرد، وغيرها من هذه الجماعات)، خصوصاً الإرهابية، يواجه العالم إرهاباً منهجياً منظماً مدعوم دولياً وإقليمياً ومحلياً، ومنتشراً في جهات الأرض كافة، ومرتكباً بدم بارد الإبادة الجماعية والمذابح للبشر وتدمير وتخريب الحواضر والعواصم والبنى التحتية والفوقية، في الوطن العربي وأفريقيا وآسيا وأوربا والأمريكيتين وتوابعهما.. وعلى مساحة جغرافية وإنسانية عالمية واسعة تتصاعد وتيرة النزاعات والحروب والتوترات السياسية والإقتصادية والدينية والطائفية والعرقية في أغلب إن لم يكن في جميع الدول والدوائر والأقواس الجيو سياسية الأفريقية والأوربية والآسيوية والأمريكية اللاتينية، في المحيط الهندي وتايوان الصينية، وبين الهند وباكستان، وفي جورجيا وميانمار وهاييتي وإثيوبيا وإيران وتركيا، وفي سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا والسودان والصومال والجزائر والمغرب والصحراء العربية الغربية(في وطننا العربي)، وفي باكستان وأفغانستان والفلبين وكولومبيا والمكسيك وغيرها، والقائمة طويلة من النزاعات والحروب والتوترات الدولية والإقليمية والداخلية.. إلى جانب مخاطر الأسلحة النووية والذكاء الإصطناعي والحروب السيبرانية وتغير المناخ، ومافيات الإتجار بالمخدرات والبشر واسلحة الدمار الشامل، والحرائق والكوارث الطبيعية والأوبئة (كورونا وايبولا مثلا) والجفاف والتصحر في الأراضي والمشاعر الإنسانية معا، وغير ذلك الكثير من مظاهر عدم الإستقرار العالمي وتغليب منطق القوة والغلبة، وتراجع إمكانيات وإدارة السلام.
كلّ هذه المخاطر والتحديات، معزّزة خصوصاً بأنصاف القيادات في أوربا والولايات المتحدة وتوابعهما التي ساهمت وتساهم بالقدر الأكبر من زعزعة الإستقرار في العالم، في ظل تراجع الميول الإنسانية للسلام والتعاون، والنزعات المتصاعدة بإتجاه الحروب والنزاعات والتعصب الديني والطائفي والعنصري، هذه المخاطر والتحديات وضعت جميع الأفكار والنظريات والفلسفات والتفسيرات الدينية المتقادمة(وليس الدين نفسه) والعلاقات والمنظمات الدولية بكلّ أجيالها وأجهزتها، أمام محنة الشك والتساؤل وعدم اليقين، أمام الواقعية الصلبة المفتوحة للحروب والصراعات والدمار والإبادة والعنف وبحار الدم وأشلاء الضحايا والإستغلال والقهر والظلم داخل الدول وفيما بينها، المغلّفة بسرديات وأساطير وخرافات البطولات الزائفة، والمبررات المزعومة لحقوق الإنسان والديمقراطية والمجتمع المدني والعدالة والدفاع عن النفس والقوانين الدولية والإنسانية، وغيرها من القضايا الخادعة والمخادعة.
فهل نحن مقبلون على شفا تحولات تاريخية مؤلمة تؤرخ لعصر جيولوجي وبيولوجي وسيكولوجي وأنثروبولوجي إنساني جديد، لكوكبنا المثقل بالدم والرزايا والخطايا والتقادم؟ سؤال يبقى مفتوحا بلا إجابة شافية، ما يفرض البحث عن مخرج كوني قبل فوات الأوان؟ وفي مقدمة الإجابات؛ محاولة البحث عن جيل جديد من التنظيم الدولي يؤسس لمنظمة دولية جديدة أكثر حسماً وقوة وعدالة في ميثاقها وأجهزتها ودورها، علواً وسمواً، على كلّ من يُهدد السلم والأمن والتعاون الدولي وينشر الكراهية والتعصب والتطرف بكل أشكاله، تتجاوز إخفاقات عصبة الأمم والأمم المتحدة اللتان عجزتا عن حماية الشعوب والأمم في مواجهة بقايا الهمجية والتوحش والإرهاب وحروب الكل ضد الكل، والإستعمار والإحتلال والجشع والإستغلال لرأسمالية الدول والأفراد، وتجار الحروب والإرهاب والجرائم الدولية المنظمة التقليدية منها والمستحدثة.
#عبد_الستار_الجميلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟