|
الكيان الصهيوني والنظام الإيراني.. مواجهات الإخوة الأعداء.. والمشاهد القادمة
عبد الستار الجميلي
الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 01:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أ.د عبد الستار الجميلي في 13 حزيران الحالي وجه الكيان الصهيوني العدواني ضربة مدمرة وموجعة ومباغتة ومفتوحة للنظام الإيراني، إستهدفت البنى البشرية والتحتية والفوقية للمشروع النووي الإيراني والقواعد العسكرية والعلمية بما فيها الصواريخ الباليستية، وقيادات الصف الأول العسكرية والأمنية والعلمية، ما يؤكد الإنكشاف الكامل للنظام الإيراني وفشله الإستراتيجي أمام الموساد الصهيوني والآلة العسكرية الصهيونية، بعد أكثر من أربعة عقود من الإستثمار الطائفي والعنصري والسياسي التوسعي تحت غطاء فلسطين (القضية العربية) والخطابات والشعارات عالية النبرة والماكنة الإعلامية الضخمة التي كانت تدور وتطحن بسقوف مرتفعة، موجهة للغرائز والشارع العربي المأخوذ عاطفيا ووجدانيا بقضية فلسطين العربية، ودعم هذا الإستثمار بتشكيل محور ميليشيات مسلحة تحت عنوان ((مقاومة)) مغري ومخادع، ونشرها في بعض الدول العربية كتشكيلات موازية ومُحيدة وبديلة للجيوش الوطنية ودولة داخل الدولة، وقد قاد هذا الإستثمار أخيراً، وتحت غطاء وحجة فلسطين أيضاً، إلى تدمير أو تحييد هذه الميليشيات في مواجهة عدوان الكيان الصهيوني، وفي النهاية تلقى الإستثمار المحوري ضربة قاصمة في صميم رأس وقلب النظام الإيراني حيث كان إنكشافه أقوى وأكثر دراماتيكية من أطراف محوره، وهو ما تبيّن في حجم ونوع وطبيعة ومدى وهشاشة الرد العشوائي برشقات صواريخ هوَّل وهلّل لها كثيرا، التي أُسقطت في غالبيتها فيما لم يُحدث من وصل منها أكثر من أضرار بشرية ومادية طفيفة وغير نوعية.. وبينما تستمر المواجهة بين الكيان الصهيوني والنظام الإيراني، الذي يتلقى فيها النظام خسائر بشرية ومادية نوعية على مدار الساعة، في مقابل خسائر متواضعة للكيان الذي إستثمرها لتوسيع رقعة الإستهداف اليومي للقواعد العسكرية والنووية والإقتصادية والصناعية والقيادات العسكرية والسياسية والعلمية في قلب طهران العاصمة السيادية والسياسية والإدارية والرمزية وأغلب إن لم يكن في جميع المحافظات والمدن والمناطق الحساسة الإيرانية، ومع إشتداد وتوسع وعنف الضربات الصهيونية المتصاعدة، والرد الإيراني المتنازل مع فقدان الكثير من قياداته وأسلحته وقواعده ومشاريعه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة تكرارية؛ ما هي المشاهد المتوقعة لنتائج هذه المواجهة؟ بين طرفين كانا إخوة على طول تاريخهما المكتوب، فقد كان اليهود والفرس أصدقاء منذ زمان بعيد بحسب وقائع التاريخ وتأكيد حسن روحاني الرئيس الايراني الأسبق عند جولته الأوربية، لكنهّما تحولا بقصد أو بغير قصد، إلى أعداء على خلفية قضية عربية هي فلسطين، مع أنهما يتشاركان العداء للعرب والعروبة ماضياً وحاضراً وإلى المستقبل المنظور، ويتماثلان بإحتلال فلسطين العربية وجزءاً من أراضي لبنان وسورية بالنسبة للكيان الصهيوني، فيما تحتل إيران إقليم الأحواز العربي ( الأكبر من فلسطين بأربع مرّات وأكثر، إذ تبلغ مساحته 378 ألف كم2) وتحتل الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي ونصف شط العرب وأراض عراقية عربية أخرى..؟ من الصعب التكهن بمشهد محدّد رغم أن المشاهد المتوقعة أو المحتملة تميل جميعها لغير صالح النظام الإيراني، بحكم إستنفاذ دوره وفشل إستثماره الطائفي والعنصري على قضية فلسطين، وعلاقاته الصراعية العدائية مع الدول العربية وعلاقاته الإقليمية والدولية المتأزمة، ولكن يمكن تثبيت مشهدين، ومشهد ملحق: المشهد الأول- إستسلام النظام الإيراني: حيث سيحاول النظام في عملية الإستسلام المساومة على بقائه كنظام، مقابل الإنصياع الكامل للشروط الأمريكية والصهيونية وفي مقدمتها؛ تفكيك مشاريع النووي والصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية، والتضحية بكل أطراف محوره، والإنكفاء داخل حدود يُتفق عليها مع ضمان حق تقرير المصير للشعوب المحتلة خصوصا العرب والأكراد والأذرييين والبلوش، وبناء علاقات تصالحية دولية إقليمية، بما فيه التطبيع مع الكيان الصهيوني.. ومع أنّ هذا المشهد يبدو صعباً ( لكنه ليس مستحيلاً والتبرير جاهز) في ظلّ الهالة الزائفة التي صورّها وسوقها لنفسه، إلاّ أنّ بوادرها بدأت مع نقل رسالة من الرئيس الإيراني بزشكيان إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو عبر الرئيس القبرصي الذي يطلب فيها إنهاء الحرب، وهو طلب يعكس المأزق المغلق والمصير المجهول الذي وصل إليه النظام. المشهد الثاني- تغيير النظام الإيراني: قد تأخذه العزة بالنفس والإنفصال عن الواقع وتغليب حالة الإنكار والإحباط والنكوص، ومأزق شعاراته وإستثماراته السياسية والطائفية، وما تبقى له من كرامة لم يضعها في الإعتبار حين غامر لأكثر من أربعة عقود بحياة الناس في إيران وعيشهم ومستقبلهم، تحت أوهام تصدير الطائفية وغطاء فلسطين ومحور موالاته، التي بنيت على حسابات وأوهام خاطئة على المستويات كافة، يتجرع الآن كأسها السام المر، فيندفع إلى حافة الهاوية ليهدم معبد "عبادة ذاته" عليه وعلى أعدائه كما يضن كخيار إنتحار أخير، فيندفع تحت ضغط حمّى يأسه وهزيمته إلى مهاجمة مصالح الدول التي يتصورها، وهماً أو حقيقة، طرفا في هزيمته وإذلاله ومأساته خصوصا مصالح أمريكا وبعض الدول العربية القريبة، بما فيه العراق الواقع في مجاله الجوي وقدره الجغرافي بين ناري طرفي المواجهة، وبالتالي يضيف النظام الإيراني أخطاء إستراتيجية مضاعفة، بما يوسع من دائرة إستهداف الأراضي الإيرانية بإتجاه وضع حدّ للنظام بكامله وإسقاطه بطريقة أسرع مما يتصور ويتصورها مواليه وإعلامه التعبوي غرائزياً وطائفياً، خصوصاً وأنّ الداخل الإيراني مهيأ شعبيا للإنتفاض ضد النظام بعد عقود عجاف من القهر والإستبداد(( المقدّس))، والتجويع والعقوبات والعزلة الدولية والإنقطاع الحضاري، والحروب والتدخلات والإستثمارات العبثية، وآلاف اللاجئين في جهات الأرض المتعطشين للعودة إلى وطنهم. المشهد الثالث الملحق- ما بعد تغيير النظام الإيراني: يحمل مشهد تغيير النظام الإيراني العديد من المخاوف والقلق والإحتمالات والتوقعات، لأنه ربما ستكون هناك فوضى وعمليات إنتقام وتصفية (وإن وقتية وإنتقالية) لفلول النظام التي مارست أشد أنواع القتل والابادة والإرهاب والتمييز العنصري والطائفي والتغييب في السجون والمعتقلات، وبالتالي ربما تقود هذه الحالة الى حرب أهلية تعقب عادة التحولات الكبرى في الأنظمة الشمولية خاصة.. وحول نوع النظام البديل سيكون هناك خلاف على ماهية النظام، جمهوري أم ملكي؟ مريم رجوي العلمانية أم رضا بهلوي الذي يحمل إرثا طائفيا أيضا وإن كان بمسحة منفتحة غربيا؟ وهو خلاف متوقع بين أمريكا والإتحاد الأوربي وفي داخله، كل حسب مصلحته ورؤيته.. وستطرح بقوة إستحقاقات لم تعد تقبل التأجيل لحق تقرير المصير للشعوب المحتلة، خصوصا العرب والأكراد والأذرييين والبلوش (وهم عرب بالأصل) وغيرهم من الأقليات العرقية والدينية كالجيلان والمازندران واللور، فكيف سيتم التعامل معها من قبل المجتمع الدولي والنظام الجديد؟ وكيف سيدير النظام الجديد الآثار السلبية لعلاقات النظام الحالي المتأزمة مع الدول العربية وأطراف إقليمية ودولية أخرى؟.. كما ستُطرح أيضا وبشدّة إشكالية العلاقة مع الكيان الصهيوني، فهل يعيد النظام الجديد العلاقة السابقة مع الكيان الصهيوني وهي قضية معقدة وستثير إشكاليات وحساسيات حقيقية وضاغطة خصوصا مع أغلب الدول العربية والشارع العربي؟ وغير ذلك من جوانب الإرث السلبي الثقيل للنظام الايراني الحالي الذي لم يُحسن إدارة علاقاته الداخلية والخارجية مدفوعاً بأوهام وتعصب الطائفية والعنصرية وإختراق الوطن العربي تحت غطاء وإستثمار فلسطين، وهي محاور تدفع ثمنها الآن الشعوب في إيران وهي تتلقى الضربات الصهيونية المدمرة، بسبب مغامرات نظام لم يترك للعرب، بشكل محزن، مجالا للتعاطف معه لما سببه من مآسي وآلام لهم يعجز عنها الوصف، مع أنّ الكيان الصهيوني عدو رئيس للأمة العربية ومغتصب لأرض فلسطين العربية وأراض عربية أخرى، وكلّ ضربة توجه له تصب في صالح الوطن العربي شرط أن تكون تحت سقف هذه المصالح والمقاومة العربية الحقيقية، لا المغتصبة من قبل نظامي طهران وأنقرة الموظفة بالكامل لإختراق الوطن العربي طائفياً وعنصريا، وبعث الإمبراطوريات والسلطنات البائدة من مقابر التاريخ. وأخيراً وفي إطار ما سبق، ومن الجدير بالتأكيد، فإنّ المواجهة بعنوانها وطرفيها تثير إشكالية مبدأية ووجدانية حول كيفية تحديد موقف أمام المواجهة بين الكيان الصهيوني والنظام الإيراني، وهما معا يكنان العداء المُزمن والمُعلن للعرب والعروبة وضحاياهم من العرب الملايين إلى جانب التدمير والتخريب للعواصم والحواضر والبنى التحتية المادية والبشرية العربية على إمتداد الوطن العربي؟.. بالتأكيد إنّ إضعاف وهزيمة الطرفين مصلحة عربية عليا، لكن التعاطف من ناحية أخرى واجب مع الشعوب في إيران التي تدفع الثمن غاليا عن مغامرات وشعارات وأوهام نظام كان وبالاً عليها قبل غيرها، مع التأكيد على أنّ إسقاط النظام الإيراني الحالي فرصة عربية ثمينة على أمل بناء علاقات متوازنة مع نظام جديد مؤمل قائمة على الإحترام المتبادل والمصالح الندية المتكافئة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل المشكلات بالطرق السلمية والدبلوماسية (خصوصاً الحدودية والمائية والمطامع المعلنة وغير المعلنة) وتأمين ضمان الإستحقاقات الداخلية ( خصوصاً حق تقرير المصير للشعوب المحتلة) والخارجية بإقامة علاقات تعاونية عربية وإقليمية ودولية متوازنة.
بغداد- 15 حزيران (يونيو) 2025
#عبد_الستار_الجميلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما التغيير المطلوب؟
-
ترامب.. بين السياسة والتجارة
المزيد.....
-
فسيفساء بومبيي الإيروتيكية.. كنز سرقه النازيون قبل 80 عامًا
...
-
فرنسا وإسبانيا تكافحان حرائق الغابات وسط ظروف جوية صعبة.. شا
...
-
رصاص بالحذاء وطيار واجه الموت.. ما قصة أول اختطاف طائرة في ا
...
-
هل مهاجمة ترامب لمؤيديه المطالبين بالكشف عن قائمة -عملاء إبس
...
-
-محاولة للسيطرة على الدولة-.. اتهامات جديدة للرئيس الكوري ال
...
-
مقتل 32 فلسطينياً بنيران إسرائيلية خلال تواجدهم قرب مركز توز
...
-
الكونغو الديمقراطية وحركة -إم23- توقعان اتفاق سلام في الدوحة
...
-
غياب العين الأميركية في سيناء.. فجوة رقابية تربك إسرائيل
-
مفاجأة بفضيحة كولدبلاي.. زوج السيدة الخائنة -رئيس تنفيذي-
-
فيديو..-سيارة مجهولة- تصدم حشدا في لوس أنجلوس
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|