أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الستار الجميلي - ما التغيير المطلوب؟















المزيد.....

ما التغيير المطلوب؟


عبد الستار الجميلي

الحوار المتمدن-العدد: 8364 - 2025 / 6 / 5 - 08:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أ.د عبد الستار الجميلي
تواترت الأحاديث وبشكل يومي عن تغيير ما قادم في العراق، بل إن بعض من شُغلوا وأَشغلونا بخطابات الغرائز والرغبات وبسرديات التغيير، بدأوا بتحديد فرضيات وتوقيت هذا التغيير الموعود، كأنّه قاب قوسين أو أدنى.. وأمام هذا التواتر المتكرر، لا مناص من الإعتراف بأن التغيير مطلوب وأنه حديث وأمل شعبي يومي، في مواجهة فشل النظام السياسي الحالي، ووصول العملية السياسية إلى نفق مسدود لا تملك أية إمكانيات أو إستعداد أو رغبة إلاّ بإعادة إنتاج نفس الكتل والوجوه العائلية والقرابية والإقطاعية في إطار فضاء طائفي وعرقي وهمي ومناطقي وعشائري غير قابل للتجديد والإختراق، بحكم القواعد والآليات المتكلسة لمنظومة الإستبداد ((الديمقراطي)) والفساد العابر للحدود والتبعية للخارج، والصراع المرير على السلطة والغنيمة والإقصاء، ما أوصل العراق إلى مصاف الدولة الفاشلة بتفكيك الهوية التاريخية وتجزئة السيادة ورموز وعناصر الدولة وتغييب محددات ومظاهر الإستقلال الحقيقي، وأصاب المجتمع بالتمزق ونشر بذور الشقاق الثنائي والثلاثي بين أبناء الوطن الواحد، وتراجع الإدارة والتعليم والصحة والخدمات اليومية وغيرها من مظاهر الأزمة والفشل.
ولكن أي تغيير نريد؟ وأي تغيير يريده الشعب العراقي دون أن نصادر إرادته وندعي تمثيله كما تفعل الكتل القابضة على السلطة والمال والسلاح؟ وكيف نحدد مضمون ومعايير وأوصاف وأهداف التغيير المؤمّل؟ وبعيدا عن التنظير الأيديولوجي والمصطلحات الإنشائية الدارجة التي إمتلأت بها صفحات دعاة التغيير.. دعونا نسأل المواطنين عن التغيير الذي يريدون؟ ولأنه من الصعب الوصول إليهم جميعا، فإن إستنطاق همومهم ومشاعرهم وأحلامهم مقطعياً قد يعطينا تصوراً عن مضمون التغيير الذي يداعب مخيلاتهم عذابا وأملا.. ولنختار عينات من أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير المطلوب والمؤّمل.
الخائف والجائع يبحث جاهداً عن الأمان والخبز، فقد أرهبه تعدد منظومات السلاح خارج إطار الدولة والتهديد بهذا السلاح، وأثقلت عليه وعلى عائلته البطالة وسوء توزيع الثروة وتقاسمها بين القلة من مترفي السلطات الثلاث.. والمريض الذي يعاني المرض المزمن أو مفاجأة السكتة بأنواعها أو الذي تصيبه حادثة، يأمل أن يطمئن على حياته في منظومة ورعاية صحية حكومية، أمام تراجع المؤسسات الصحية وأزمة الأدوية والمستلزمات الطبية والثمن الباهظ للمستشفيات الأهلية وإستحالة العلاج في الخارج إلاّ للقلة المترفة.. والطالب يتوق لمدارس حديثة في أبنيتها وموجوداتها ونظافتها ومناخها التربوي المنتج، ولجامعات ومناهج وإعتمادية أكاديمية ورصانة علمية ومدخلات ومخرجات متقدمة، فقد أتعبته الجدران المهترئة والمقاعد المتآكلة والصفوف والقاعات المكتظة والدرجات التمييزية والشهادات المزورة والإستخفاف بالمعلم والمدرس والأستاذ الذي كاد يوما أن يكون رسولا، وبالعَلَم الذي كانت تحيته واجباً وجوب الواجب البيتي اليومي، والإهمال المريب للغة العربية التي لم يعد الكثير من خريجي المدارس والجامعات يقوى حتى على كتابة إسمه بشكل صحيح، ولم يعد يجيدها حتى بعض المحامين في قاعات المحاكم وغير ذلك الكثير، وأتعبته كذلك الرسوم المباشرة وغير المباشرة والدروس الخصوصية مع أن التعليم مجاني من المدارس الإبتدائية والثانوية وإلى الجامعات، إلى جانب الإفتقار إلى بيئة دراسية نظيفة ومريحة وصحية في الشتاء والصيف، والآثار السلبية عالية المخاطر للتربية والتعليم الأهلي، من الروضة والمدارس وإلى الجامعات، التي ضربت التنشئة الوطنية والإجتماعية للأجيال، والرصانة العلمية في الصميم.
والعامل الذي تتوقف على ساعده وذهنه عجلة الإنتاج أصبح خارج آلاف المصانع المعطلة وأبنيتها وأدواتها التي أصبحت مكبّاً للنفايات أو هدفاً للإقتلاع والسطو على أراضيها تحقيقاً لمصالح خاصة لمقاولي الرأسمالية المشوهة وأرباحها المجانية، فضلاً عن هامشية نقابات مصالحه ومطالبه الجماعية المشروعة.. والفلاح الذي لم يعدْ يطالب إلاّ بالحد الأدنى من القدرة على زراعة أرضه وتوفير مصادر المياه والآليات والأسمدة وغيرها من المستلزمات الضرورية والتسويق المريح العادل لحاصل مجهوده وعرقه، بات يعاني من الإهمال لكل تلك المستلزمات والضروريات ومن توقف عملية إستصلاح الأراضي، وتلاشي قواعد وآليات الإصلاح الزراعي وجمعياته التعاونية وإتحاده الفاعل، وعودة الاقطاع بنمط إستغلالي جديد، الى جانب الثمن المادي والنفسي الذي عليه أن يدفعه كرشى أو عمولات من بداية الحرث أو الغرس وإلى أن يصل إلى المستهلك أو السايلوات، ومعاناته الأشد أمام المنافسة غير المكافئة للمنتجات الإقليمية المستوردة التي يُباع أغلبها بسعر أقل من سعر نظيرها المحلي.. والمسافر داخل أو خارج العراق، يأمل بأن لا يصيبه القلق والتوتر حينما يدخل غير محافظته بأن لا يكون إسمه أو لهجته أو سكنه موضع نظرة شك وإرتياب وعدم ترحيب أو فرض ورقة إقامة، وربما أكثر من ذلك، وإذا ما سافر خارج العراق يأمل أن يُحترم جواز سفره حينما تطأ قدماه المطارات أو المنافذ الحدودية، وألاّ يكون موضع تساؤل ومتابعة وحيطة وحذر كثمن يدفعه عن نظام سياسي ليس له ذنب في فرضه على قواعد محاصصة لا تمت للعصر والدول الحديثة بصلة.. والمواطن الذي يحلم بديمومة الكهرباء والمياه الصحية بما يجنبه حرارة قيظ الصيف الشديدة وبرودة عجوز الشتاء القاسية وجراثيم المياه الملوثة، يعاني الإنقطاع الدائم للكهرباء وندرة المياه اللذين أصبحا قاعدة تتوارثها الأجيال، ناهيك عن أسلاك وأثمان المولدات التي أفرغت جيوبه وملأت خياشيمه بالدخان السام وشوهت منظر مدينته وشوارعها، ومعاناة إدراكه بأنّ أحد الأسباب الرئيسة لديمومة أزمة الكهرباء هي من أجل ضمان إستثمارها المربح للكثير من أصحاب النفوذ والمناصب العليا.
والمواطن، سواء كان موظفاً من درجات دنيا أو كاسباً لقوت لا تموت ليومه، الذي يفترش الأرض ويلتحف السماء كما يتردد في المرويات الشفاهية، أصبح ضحية لأزمة السكن ومقاولي ومكاتب العقارات وأسعارها الجنونية، لذلك إستغنى عن البيوت الواسعة والأدوار المتعددة والحدائق الخضراء وبدأ يسعى يائساً من أجل توفير ولو (50) خمسين متر مربع يأويه مع عائلته، فيما يتمتع رؤساء وشخوص كتل بغداد وأربيل بمساحات ومظاهر وأرتال ترف خرافية لم تشهدها حتى عصور الأباطرة والسلاطين ومرويات ألف ليلة وليلة.. والشباب (وما أكثرهم) الذين يحلمون بتحقيق ذواتهم وأهدافهم في بيئة مشجعة على الإبداع والابتكار والتميز، تحول بعضهم، بدافع اليأس وفقدان الثقة وعدم اليقين، إلى ضحايا لمخاطر الهجرة واللجوء ووسائل التواصل الإجتماعي في جانبها السلبي الموجه عمداً وتخطيطاً، وإدمان المخدرات والمتاجرة بها والجريمة المنظمة وحتى الإتجار بالبشر، والأخطر أنه تحول إلى تربة ممهدة لنشر بذور الإرهاب والعنف والتطرف.. والجندي والشرطي الذي يريد أن يستعيد إعتزازه بدوره ومظهره ومؤسسته وموضع الإحترام الذي كان يلقاه أينما ذهب بإعتباره يمثل هيبة الدولة، أخذ يشعر بالمرارة وهو يرى تحييده المُقنّن بإلغاء حقه الوطني الحصري في إمتلاك السلاح وبسط القانون والسيطرة والسيادة على كامل تراب وطنه.
والأغلبية التي تم إحهاض تظاهراتها السلمية من قبل السلطة، وأدعيائها ومخترقيها مجتمعين، لم تجد من وسيلة للتعبير عن فعلها المُجهض وحلمها المُنكسر وإرادتها المسلوبة سوى العزوف عن الإنتخابات بنسب تصل إلى أكثر من ٨٠٪. فما قيمة حق الترشح وبطاقة الإنتخاب من غير الحق في لقمة العيش وحرية القول والتعبير والرأي والنقد والتربية والتعليم والتنظيم والتظاهر، والتحرر من الإستغلال بجميع صوره والتكافئ في الفرص والنصيب العادل من الثروة الوطنية وفي القوة والمركز القانوني والسياسي والمواطنة، والتخلص من كلّ قلق وترويع يبدد مستقبل المواطن وعائلته؟؟؟
فهل نزيد في إستنطاق فئات أخرى من الأغلبية الساحقة الصامتة المقهورة المسحوقة المحيّدة عن السلطة والثروة والقرار والمستقبل والمصير؟ لكي نفهم معنى ومضمون التغيير الحقيقي وأصحاب المصلحة الحقيقية فيه، بدلاً من الترويج والتنظير لتغيير شائه ومشوه عمّمه الإحتلال الأمريكي كطريقة لتسليم السلطة من جديد لمن يحلمون بها من أصحاب سرديات وفيديوهات التغيير على وقع الرقصة المنفردة لترامب؟! إنّ معاناة الأغلبية الساحقة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير، كتاب مفتوح لمن يريد أن يرسم خارطة طريق لكلمة وفعل التغيير الحقيقي المطلوب.
بغداد.. 5/6/ 2025







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترامب.. بين السياسة والتجارة


المزيد.....




- ترامب يكشف إن كان يستحدث مع إيلون ماسك بعد تفجر خلافاتهما
- جدل كبير في سوريا بسبب سجادة الشرع خلال صلاة العيد.. ما القص ...
- بعد سنوات من الانتظار.. ديفيد بيكهام على مشارف نيل لقب -فارس ...
- نتنياهو يقرّ بتسليح جماعات معارضة لحماس اتُّهمت بنهب المساعد ...
- مسيرة إسرائيلية تلقي قنبلة صوتية على منزل في كفركلا في جنوب ...
- روسيا ووكالة الطاقة الذرية يعقدان اجتماعا طارئا حول سلامة مح ...
- لقطات من RT تفضح جرائم نظام كييف بحضور مصر ودول أوروبية
- الشرع يزور درعا وسط استقبال شعبي ورسمي واستنفار أمني (صور + ...
- سيناتور روسي يقدم عرضا لماسك على غرار ما حدث مع سنودن
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إعادة تشغيل محطة زابوروجيه ال ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الستار الجميلي - ما التغيير المطلوب؟