أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امل عجيل ابراهيم - ايقاع الجبيرة














المزيد.....

ايقاع الجبيرة


امل عجيل ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 14:48
المحور: الادب والفن
    


استغرب الطبيب صمتي

اخبرتني صديقتي التي ترجمت مايقول بانه متعجب من عدم ابداء رد فعل مني ، ربما هو بحكم مهنته قد اعتاد صراخ النساء ومبالغتهن الدرامية في الحالات المشابهة ولان تمزق اربطة القدم يصاحبه وجع غير محتمل .

كيف يدرك ان امرأة اختبرت ألم الفقد لأغلى ناسها لايمكن ان تظهر الجزع لعارض جسدي ألم بها ؟

((يقال ان احد السجناء طمئن احمد بن حنبل بقوله : اول عشرون سوطا ثم بعدها لن تشعر بشيء )) وها أنا بعد الف خيبة وخذلان وعقوق وفقد ومرض بت لا اشعر بشيء ،، ولا اعرف ان كانت تلك نعمة أم نقمة .

تذكرت حين توقف المخدر عن عمله وصرخت من الالم ، حينها اعتذرت الطبيبة الروسية (اولغا) بانهم استخدموا اقوى نوع مخدر ولاتعلم لماذا فقد فعاليته في جسدي وباني يجب ان اتحمل الغرزة الاخيرة في عيني بدونه . وتحملت

متعب جدا ان يتلبد الشعور وان يصبح الالم روتينا اساسيا ، حتى يتحول الانسان الى (صنم ) كما وصفني الطبيب وقد احاط ساقي وقدمي بجبيرة كبيرة مؤكدا ان تبقى في الاقل لاحدى وعشرون يوما .

كانت روحي تصرخ بصمت : الغوث يا الله . من وجع يخترق مسامات الجسد خلية خلية حين غرز الابر بساقي لاختبار الاعصاب (قلت في نفسي : انها وسائل تعذيب وليست طرق للعلاج ) .

تقول القديسة فوستين : (لم يعد الالم موجعا منذ بدأت احبه بل اصبح خبز نفسي اليوم ).وجدت فلسفتها تلائمني , الالم يشبه الخسارة حين تتأكد من حدوثها يكون من الافضل ان لاتنكرها بل ان تعترف بها وتتأقلم معها بل وتحبها وتتذوق مرارتها مثل كأس سم زعاف لايقتلك بل يعطيك مناعة من السموم الاشد فتكا.

صبغت الخيبة وجه ابنتي الصغيرة حين قررنا العودة بعد يوم واحد من وصولنا والغاء السفرة التي خططنا لها طيلة الايام الماضية .

(تسير في خطى محسوبة ،، تدقق وترتب بدقة بالغة ثم فجأة ،، يداهمك قدر لم تتوقعه يوقعك ارضا ويجبرك ان ترفع الراية البيضاء .)

وجدت الامر مفيدا بطريقة ما ، فانا منذ فترة احاول التعود على السير ببطء دون جدوى ولعل تعثري ووقوعي ارضا والتواء قدمي وانا اسير في الفندق ،سيكون حافزا مفيدا في ذلك .

كنت اسير بطريقة سريعة على الدوام وكنت ابرر ذلك لطول قامتي او لانني من برج ناري متوقد ومندفع ولكن الحقيقة ان ايقاع حياتي كان سريعا في كافة النواحي وقد صدمت بادراك متأخر باني قضيت حياتي بالهرولة ، تزوجت مبكرا وانجبت بعد تسعة شهور واربعة ايام ، اكملت دراستي العليا بالمدة الاصغرية ونلت الترقيات العلمية في المدة الاصغرية ايضا ، كنت اسعى وكأن احدا يتعقبني ودفعت ثمن ذلك من صحتي وسكينتي .لا اتذكر في اي وقت حلت علي تلك اللعنة : لعنة (الهرولة) والقلق المستمر طوال الوقت : وانا اقرأ وانا انتاول طعامي ، بل حتى وانا نائمة ، وكأني المقصودة بشعر المتنبي حين قال : على قلق كأن الريح تحتي .

يبدأ نهاري مع الفجر والى منتصف الليل وقد لا انام لاي أمر تافه يدخل افكاري ، لم استخدم المنبه طيلة حياتي ، كنت ابلغ عقلي الباطن بالساعة التي اريد الاستيقاظ فيها فأجد نفسي مستيقظة في الوقت الذي حددته او قبله بقليل ، ولم افهم هل ان ذلك هو شعور مفرط بالمسوؤلية أم انه وسواس دائم بالوصول الى المثالية .

اريد ان اتأخر يوما عن داومي ! اريد ان انسى قدر الطعام على النار فيحترق !ان ابقى نائمة الى الثانية عشر ظهرا كما تفعل معظم النساء .

مضت الساعات ثقيلة كما هي طبيعتها حين يجبرك امر ما على الارق ، كنت احدق في الجبيرة وقد امتدت من ساقي لتغطي جسدي باكمله وتصل الى عمق روحي مثل حبل مشنقة يلتف حول عنقي وانا اقاوم جاهدة الرغبة العارمة بان انتزعها متجاهلة اوامر الطبيب ، كنت احدث نفسي بان عشرة ايام كافية جدا .

تمنيت حينها لو انهم يخترعون جبيرة تعالج كسرة القلب ووجع الروح وتمزقها قطعة قطعة ، ترمم جروحنا التي لايراها احد ولايشعر بها احد .

انا لا اطيق اي قيد يحددني فكيف احتمل تلك الجبيرة التي خنقتني وكشرت لي انيابها مستهزءة بضعفي وقلة حيلتي ، وكأنها تعلم ان اكثر ما أمقته هو اظهار عجزي وضعفي الذي اكرمت نفسي بعدم مشاركته مع أحد .

كيف لامرأة اعتادت الوقوف بوجه العواصف ان تخضع لجبيرة تجبرها على الجلوس والسكون ؟

كانت اللفائف بنية اللون وقد احاطت بقدمي المتورمة وساقي وحين حدقت بها لا اعرف لماذا استحضرت المومياءات في المتحف المصري ،، ممددة وهامدة ،، تحت انظار السائحين من كل اقطار الارض وهشاشة اللعنات التي وعدوا بها من يفتح قبورهم او ينظر اليهم ، شعرت بغصة حينها وتمنيت لو انني املك القرار لارجعتهم الى قبورهم التي صنعوها باتقان واعجاز واغلقت عليهم ابوابها ومنحتهم السكينة التي طمحوا اليها في عالمهم الآخر .

ثم تذكرت رواية (الشيخ والبحر) التي قراءتها وانا في المرحلة الابتدائية ولم افهمها ونسيت محتواها ماعدا عبارة كتبها همنغواي وظلت عالقة في ذاكرتي (الانسان لم يخلق للهزيمة ، يمكن تحطيمه لكن لايمكن هزيمته) وبدا لي عنوان ( المرأة والجبيرة !!) مناسبا لما شعرت به من ملل وضيق .

تسللت من غرفتي مع بزوغ الفجر مثل لص حذر لئلا افزع طفلتي من نومها ، جلست في مكتبي وبدأت بخلع الجبيرة شعرت كما لو ان روحي قد انعتقت من حبال غليظة مربوطة في اوتاد فولاذية قاسية .

تحررت من الجبيرة ، غير اني يجب من الان ولاحقا ان اسير على ايقاعها

ان ابطأ حركتي واقلص مسافة خطواتي، وانتبه جيدا للكثبان الرملية التي تخدعنا احيانا فنظن انها صخور صلدة نأمن اليها ونضع علييها اقدامنا فننزلق بعدها في متاهات مؤلمة وعقيمة .

وان اتشبث في ارضي جيدا لأقي نفسي من السقوط في مجاهل لاتشبهني .

ان اسير ، واتحرك ، واحيا ، وفق ايقاع جبيرة افتراضية تحميني من الانكسارات والخيبات والزلات التي لاتليق بي .


الدكتورة أمل عجيل ابراهيم



#امل_عجيل_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابواب براغ
- لقاء الارواح
- خوارزمية الجسور
- هلوسات الوحدة والمرض في موسكو 2
- دعوة
- نافذة
- انهيار
- ازدواجية
- خواطر شخصية في ذكرى عالمية 2
- خواطر شخصية في ذكرى عالمية (سلاما ً للكادحين)
- حقائق بطعم القرنفل
- اصنام
- في عيد المرأه ...سلاماً لرجل احترم المرأه ...سلاماً لأبي
- اقدار..ام ..قرار؟
- في عيد الحب ساسمع ساجدة عبيد
- حديث عن الحب وسورة يوسف وماري كوري
- لماذا تكتب المراءه ؟هلوسات الوحدة والمرض في موسكو
- علاقات
- اجنحة الملائكة


المزيد.....




- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
- -بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امل عجيل ابراهيم - ايقاع الجبيرة