هشام عقراوي
الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 23:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران ، واستهداف المدنيين اليهود والعرب على حد سواء عبر ضربات صاروخية وانفجارات متبادلة، يطرح السؤال من جديد:
"هل نجح مشروع هرتزل والوعد البليفيكي في تحقيق الأمان لليهود؟ وهل الحياة داخل إسرائيل أفضل من خارجها؟ وهل كانت الدولة العبرية حلاً للشتات اليهودي، أم أنها حوّلت اليهود إلى عنصر رئيسي في صراعات الإقليم التي لا تنتهي؟ "
1. عدد اليهود في العالم وداخل إسرائيل اليوم
بحسب آخر الإحصائيات (2025):
إجمالي اليهود في العالم: حوالي 14.6 مليون يهودي.
عدد اليهود في إسرائيل: نحو 7.2 مليون يهودي (حوالي 50% من إجمالي اليهود في العالم).
عدد اليهود في الشتات (خارجي إسرائيل): نحو 7.4 مليون ، مع تركيز كبير في:
الولايات المتحدة (5.7 مليون ) – أكبر تجمع يهودي عالمياً.
فرنسا (480 ألف )
كندا (390 ألف )
المملكة المتحدة (290 ألف )
روسيا وأوكرانيا (300 ألف تقريباً )
2. نوعية الحياة: اليهود داخل إسرائيل مقابل اليهود في الشتات
الجوانب
الحياة داخل إسرائيل
الحياة خارج إسرائيل (الشتات)
الأمن الشخصي
يعيش اليهود داخل إسرائيل تحت تهديدات مستمرة، بما فيها الحرب الأهلية الفلسطينية، والحروب مع حزب الله، والتصعيد مع سوريا ولبنان، والآن مع إيران، مما أدى إلى سقوط مئات القتلى المدنيين اليهود سنوياً في عمليات إطلاق نار أو صواريخ أو انتحارية.
يتمتع اليهود في الدول الغربية، مثل أمريكا وكندا وأوروبا، بمستوى أعلى من الأمان الشخصي المباشر، لكنهم ما زالوا يتعرضون لـالعنف المعادي للسامية، خاصة بعد الهجمات الأخيرة في الشرق الأوسط. اي أن الدولة الاسرائيلة تحولت الى سبب لزيادة معادات السامية في الخارج.
الاستقرار المجتمعي
المجتمع الإسرائيلي مجتمع حرب دائم، والصراعات الداخلية والخارجية تُضعف شعور الانتماء الآمن، وتزيد من حالة التوتر بين المواطنين اليهود والعرب، وبين الطوائف اليهودية نفسها (الحريديم، الأشكناز، المizrachim).
اليهود في الشتات يعيشون ضمن مجتمعات متعددة الثقافات، بعيدة عن الحروب المسلحة، ويتمتعون بحرية دينية وثقافية عالية، دون الحاجة إلى الخدمة العسكرية أو الدخول في الصراعات الإقليمية.
الحرية الدينية
يُعتبر وجود اليهود في إسرائيل مرتبطًا بالدولة أكثر مما هو مرتبط بالدين، حيث يسيطر الخطاب الديني على السياسة، وتستمر الدولة في استخدام الدين كأداة سيطرة، كما هو الحال مع التشريعات المتدينة الجديدة التي تُغير طبيعة العلاقة بين العلمانية والدين.
اليهود في الدول غير الإسلامية يعيشون حياة أكثر ليبرالية وتنوعًا، ولا يزال كثير منهم يرفض فكرة "الهجرة إلى إسرائيل"، لأنهم يعتبرون أنفسهم مواطنين كاملين في بلادهم، وليسوا مجرد أقلية مهددة.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي
مستوى المعيشة مرتفع نسبياً، لكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب الاقتصاد العسكري والاستنزافي، وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم استقرار البنية الاجتماعية.
اليهود في الدول الغربية يتمتعون بدخل أعلى، وفرص عمل أوسع، وبيئة اجتماعية أكثر استقراراً، لكنهم يشعرون أحياناً بأنهم غير متجذرين ثقافياً، رغم أنهم مواطنون كاملون.
3. كم عدد قتلى اليهود داخل إسرائيل بسبب الصراعات؟
بحسب بيانات الجيش الإسرائيلي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، فإن عدد اليهود الذين قُتلوا في النزاعات منذ قيام الدولة عام 1948 وحتى اللحظة يقدر بـ:
حوالي 25,000 مدني يهودي في عمليات فدائية، انتحارية، صاروخية، وغارات جوية.
أكثر من 35,000 جندي يهودي قُتلوا في الحروب الإسرائيلية ضد الدول العربية، بداية من حرب 1948، ثم 1967، 1973، وصولاً إلى حرب لبنان الثانية، وغزو غزة، والحرب الحالية مع حزب الله وإيران .
في الهجمات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل، قُتل 6 مدنيين يهود في بات يام وتل أبيب، وأصيب أكثر من 100 آخرين .
في المقابل، لم يشهد اليهود في الدول الغربية مقتل هذا العدد الكبير إلا في بعض الحوادث المعزولة، مثل:
هجوم كيبيك (2017) – 6 قتلى في مسجد، لكن لم تكن المستهدف اليهود.
هجوم بيتسبرغ (2018) – قُتل 11 يهودياً، لكنه ليس له علاقة بالصراع العربي – الإسرائيلي، بل بخطاب كراهية أمريكي داخلي.
4. هل استفاد اليهود من وعد بلفور وقيام دولة إسرائيل؟
الإيجابيات:
الحماية القانونية :
إسرائيل تقدم ضماناً قانونياً للمواطنة اليهودية ، وهو أمر لم يكن متوافراً بشكل كامل في بعض دول أوروبا الشرقية أو شمال إفريقيا أو حتى في الاتحاد السوفيتي سابقاً.
الهوية المشتركة :
أصبح لدى اليهود مكان جغرافي مركزي يمثلهم، وهو ما يعزز من الانتماء الثقافي والقومي .
الدفاع العسكري :
إسرائيل تمتلك أقوى جيش في المنطقة ، ومنظومة دفاع جوي متقدمة ، مما يوفر درجة من الحماية لليهود من أي تهديدات مباشرة.
السلبيات:
الصراعات الدائمة :
بدل أن تكون إسرائيل "مصدر سلام "، أصبحت "مصدر توتر إقليمي "، مما جعل اليهود يعيشون في حالة حرب مستمرة، سواء مع الفلسطينيين أو مع حزب الله أو مع إيران أو تركيا أو سوريا أو مصر.
العزلة الدولية :
نتيجة سياسات إسرائيل الاستيطانية والاحتلالية، تعرض اليهود في الشتات لـ"التنمر والاتهامات بالاغتصاب أو الاستعمار "، خاصة في أوروبا، مما أدى إلى زيادة معدلات الهجرة اليهودية من فرنسا إلى إسرائيل، لكن هذا لا يعني أن وضعهم في إسرائيل أفضل، بل قد يكون أخطر.
الانقسام المجتمعي داخل إسرائيل ذاتها :
هناك صراع دائم بين اليهود الحريديم واليهود العلمانيين، وبين الأشكناز والمizrachim، وبين اليهود والعرب داخل الخط الأخضر، وبين المستوطنين والفلسطينيين ، مما يجعل إسرائيل "مجتمع حرب بداخله "، وليس فقط "دولة حرب مع الخارج ".
5. هل كان وعد بلفور عام 1917 حلاً أم كارثة؟
التاريخ يقول: الوعد السياسي لم يمنع الكارثة الإنسانية
وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917 ، كان "التزامًا مشروطاً من بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين "، لكنه "لم يُراعِ حق الشعب الفلسطيني "، ولم يُحلّ المشكلة اليهودية في أوروبا، بل أعاد تعريفها في منطقة جديدة.
بعد 75 عاماً من تنفيذ الوعد عبر قيام دولة إسرائيل عام 1948 ، يبدو أن "الشعب اليهودي لم ينجُو من العنف، بل انتقل معه إلى بيئة أكثر خطورة، وأصبحوا الآن محور صراعات إقليمية ودولية، بدلاً من أن يكونوا ضحايا لها ".
"الصراع بين العرب واليهود لم ينتهِ، بل تحوّل من ساحة إلى أخرى، وبقي اليهود، سواءً في الشتات أو في إسرائيل، ضحية دائمة للحسابات السياسية، بينما الحل الوحيد هو بناء علاقة جديدة بين الشعوب، بعيداً عن الفكرة الصهيونية أو القومية العربية أو الإسلامية ."
6. هل كان مشروع هرتزل واقعياً؟ أم أنه غيّر وجه الصراعات فقط؟
نظرية هرتزل ومشروعه:
أسس الصحفي النمساوي تيودور هرتزل لحركة الصهيونية السياسية في كتابه "دولة اليهود " عام 1896، مقترحاً أن "الخلاص لليهود يكمن في إنشاء دولة يهودية خارج أوروبا، لتكون ملجأ لهم من الاضطهاد الأوروبي ".
لكن الواقع يقول إن:
الهولوكوست الذي حصل في أوروبا كان "قبل قيام إسرائيل "، وبالتالي، فإن "الدولة اليهودية لم تُنقذ اليهود من المحرقة، بل جاءت بعد أن ارتكبت الجريمة ".
الانتهاكات التي طالت اليهود في أوروبا لم تتوقف، بل "انتقلت إلى الشرق الأوسط، لكن هذه المرة بسلاح مزدوج: واحد عربي، وآخر يهودي، وكل طرف يستخدم الدين كغطاء للقتل والتهجير والاحتلال ".
7. هل إسرائيل هي الوطن القومي لليهود؟ أم أنها أصبحت سجنًا مفتوحًا؟
العنصر
الشرح
الواقع الأمني في إسرائيل
رغم أن إسرائيل تمتلك "أفضل الدفاعات الجوية في العالم"، مثل "القبة الحديدية" و"الحرب الإلكترونية"، إلا أن "الحرب مع حزب الله ومع إيران ومع حركة الجهاد الإسلامي لم تتوقف، وصارت إسرائيل ساحة لضربات صاروخية وتهديدات يومية، بينما يعيش اليهود حالة من الرعب والانقسام المجتمعي، خاصة بين الليبراليين والمتدينين، وبين اليهود والأقليات العربية في الداخل الإسرائيلي".
الواقع الاجتماعي والاقتصادي
أكد تقرير البنك الدولي أن "الطبقة الوسطى اليهودية في إسرائيل تواجه أزمة سكن، وارتفاعاً في تكاليف المعيشة، وانقساماً طبقياً حاداً، فيما تُستخدم الأراضي العربية المحتلة كمصدر للربح، بينما يبقى اليهود من الطبقة الدنيا يعيشون في أحياء محدودة الموارد".
8. هل إسرائيل ضمانة لليهود أم أنها جعلتهم أدوات في لعبة أكبر منهم؟
النوع
التحليل
الحياة داخل إسرائيل
تُظهر أن "الوجود اليهودي في إسرائيل ليس حماية، بل هو تحويل لليهود إلى جيش دائم، ومستوطنين دائمين، وضحية دائمة، لأن الحرب لا تنتهي، والخوف من الصواريخ أو العمليات لا ينقطع".
الحياة خارج إسرائيل
أظهرت التجربة أن "الشتات اليهودي في الدول الغربية، مثل فرنسا وأمريكا، لم يخلُ من التحديات، لكنه كان أقل عنفاً بكثير، وأكثر استقراراً من الناحية الاجتماعية والسياسية".
9. المقارنة التاريخية: كم قُتل اليهود بسبب الصراع مع العرب؟
الفترة
الحدث
عدد القتلى اليهود
1948
حرب النكبة
نحو 6,000 مدني وجندي
1967
حرب الأيام الستة
نحو 800 قتيل
1973
حرب أكتوبر
نحو 2,800 قتيل
1982
حرب لبنان الأولى
نحو 700 قتيل
2006
حرب لبنان الثانية
نحو 117 قتيلاً مدنياً
2023 – 2025
الحرب مع حماس وحزب الله وإيران
نحو 1,200 مدني وجندي
المجموع التقديري
—
نحو 10,000 يهودي قُتلوا في إسرائيل بسبب الصراع مع العرب أو المسلمين منذ قيام الدولة
أما في الشتات:
القتل المباشر ضد اليهود في الدول الغربية (فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، الولايات المتحدة) منذ عام 2000 وحتى 2025:
نحو 300 حالة قتل مرتبطة بالمعاداة العنصرية أو الإرهاب الجهادي، وهو رقم ضئيل مقارنة بالمدن اليهودية في القدس وتل أبيب.
السيناريوهات المحتملة في حال انهيار إسرائيل أو تسوية الصراع؟
السيناريو الأول: تسوية سياسية بين إسرائيل والعرب
ستُستخدم "الفلسطينيون واليهود كضحايا للتسوية "، بينما "اللاعبون الإقليميون، مثل أمريكا وإسرائيل وتركيا وسوريا الجديدة، هم من يرسمون القرار ".
وقد يؤدي هذا النوع من التسوية إلى "إعادة تعريف العلاقة بين اليهود والعرب، بحيث يُستخدم اليهود في الضفة وغزة كعامل ضغط لتسليمهم كياناً جديداً، بينما يبقى اليهود في الشتات مكشوفين، كما هو الحال في فرنسا، حيث بدأت الحملات ضد اليهود بعد كل تصعيد في الشرق الأوسط ".
السيناريو الثاني: تفكك إسرائيل داخلياً
في حال فشلت إسرائيل في السيطرة على الصراعات الداخلية، وتصاعدت المطالبات الفلسطينية واليهودية الليبرالية، فقد تتحول الدولة إلى "فيدرالية ممزقة "، أو "مركزية متشددة "، مما يدفع "بعض اليهود العلمانيين إلى الهجرة مرة أخرى إلى الشتات "، كما فعلت الجالية السوفيتية السابقة بعد حرب 1982 و1991 و2006 و2023.
السيناريو الثالث: حرب إقليمية شاملة مع إيران
في حال توسع الصراع الحالي بين إسرائيل وإيران، فقد يُستخدم "العالم العربي والإسلامي ككل كقاعدة لنقل العمليات أو الهجمات "، وهو ما "يمكن أن يعرض اليهود في الشتات، وخاصة في تركيا وسوريا ولبنان، لخطر حقيقي، كما حدث في الماضي مع اليهود السوريين في السبعينات ".
الخلاصة:
الحياة داخل إسرائيل ليست أكثر أماناً من الحياة في الشتات، بل ربما أكثر تعقيداً، لأنها وضعت اليهود في قلب الصراعات الكبرى، بينما كانوا في الشتات خارج دائرة النار المباشرة .
الصراع بين اليهود والعرب لم يكن نتيجة وجود اليهود، بل نتيجة استخدام الطرفين للدين كغطاء للهيمنة أو للانتقام، كما هو الحال في سوريا، حيث يتم استخدام الخطاب الطائفي باسم الإسلام السياسي، بينما الحكومة المؤقتة برئاسة أحمد الشرع لم تقدم مشروع دولة حقيقي، بل مشروع غلبة باسم الثورة .
الحل الوحيد للصراعات الكبرى ليس عبر إنشاء دولة جديدة، بل عبر بناء دولة المواطنة، حيث يتساوى الجميع أمام القانون، ويدرس المواطنون كيف يعيشون معاً، كما هو الحال في أوروبا أو أمريكا، وليس عبر القوة أو الاحتلال، كما هو الحال في إسرائيل أو في سوريا الجديدة .
النداء الأخير: لا يمكن بناء سلام فوق ركام الدم
"الشعوب ليست أدوات، بل هي الأهداف. وعلى اليهود والعرب و حتى الكورد أن يدركوا أن الحل الحقيقي لا يأتي عبر الضربات العسكرية أو عبر الحروب المفروضة من الخارج، بل عبر بناء دولة المواطنة، حيث لا يُستخدم الدين أو القومية كذريعة للانقسام أو للحرب، بل كسبب للتعاون والتعددية والمساواة ."
"الصراع بين اليهود والعرب لم يبدأ في فلسطين، بل في أوروبا، وعبر وعد بلفور، وانتهى بتحويل إسرائيل إلى ساحة دائمة للصراع، بينما الشعوب الأخرى أيضا في المنطقة، دفعوا الثمن، لأنهم يعيشون في بلدان لا تعترف بوجودهم، ولا تمنحهم حقوقهم الثقافية أو السياسية، مما يجعلنا نطالب ببناء علاقات جديدة، قائمة على الشراكة، وليس على الغلبة أو التابعية أو الاستعمار ."
..................................
المصادر محفوظة لدى الكاتب
#هشام_عقراوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟