أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - علي حياصات - حين تُدار السياسة بعقلية الجماعة














المزيد.....

حين تُدار السياسة بعقلية الجماعة


علي حياصات

الحوار المتمدن-العدد: 8372 - 2025 / 6 / 13 - 09:14
المحور: المجتمع المدني
    


في المجتمعات الحديثة، تُقاس قوة الدولة لا فقط بمؤسساتها الأمنية والاقتصادية، بل بمدى احترامها لكرامة الفرد ووعيه، ومدى قدرتها على تعزيز حس المواطنة الفاعلة. في العالم العربي، لا يزال جدل بناء الدولة الحديثة يصطدم بتحديات عميقة تتجاوز الفقر أو التسلط، لتصل إلى جذور أكثر خفاءً: توجيه الوعي العام.
تاريخيًا، لم تكن الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي تقوم فقط على القمع، بل اعتمدت بشكل كبير على ما يُعرف بـ"إدارة الاعتقاد الجمعي"، أي تشكيل قناعات لدى الناس بأن الطاعة واجبة، والخروج عن السلطة خروج عن المألوف، وربما حتى عن الدين. وهذا يتجلى في استخدام الدين، أو الانتماءات الفرعية، أو حتى الاعتبارات الأمنية، كوسائل لإنتاج طاعة جماعية تسبق أي نقاش ديمقراطي أو عقلاني.
ورغم ما يبدو من فعالية هذا النهج، إلا أن التجربة أثبتت هشاشته. فالولاءات المصطنعة تنهار سريعًا مع تغيّر مراكز القوة. ما حدث في ليبيا (على سبيل المثال لا الحصر) ، حين تحوّل الهتاف للقذافي في عام 2011 إلى هتاف ضده خلال أسابيع في الساحة الخضراء، يعكس أن الشعوب التي تُقاد بجماعية عاطفية قد تغيّر مواقفها سريعًا دون تغيير حقيقي في الوعي.
أما الدولة الحديثة، فهي تقوم على نقيض هذا التصور. المواطن فيها فرد حر، يُحاسب، يشارك، وينتقد. الشرعية فيها تُبنى على القانون والمؤسسات لا على الولاء الشخصي أو الانتماء الضيق. وهنا، تبرز المواطنة بوصفها الطريق الوحيد نحو بناء مجتمع مستقر، فاعل، ومزدهر.
في الأردن، شكّلت منظومة التحديث السياسي خلال السنوات الأخيرة خطوة مهمة على طريق الإصلاح، حيث شملت مراجعة شاملة لقانوني الانتخاب والأحزاب، بدعم مباشر من الإرادة الملكية الساعية إلى ترسيخ حياة سياسية ديمقراطية تقوم على المشاركة والتمثيل الحقيقي.
لكن الواقع يكشف مفارقة لافتة , فرغم الجهد التشريعي والتنظيمي، فإن مخرجات هذه المنظومة ما زالت محكومة ببُنى تقليدية، حيث تشكّلت معظم الأحزاب الجديدة على أسس عشائرية أو مالية، لا على برامج سياسية أو رؤى وطنية جامعة. هذا النمط يعيد إنتاج منطق "الجماعة" ,ككيان منضبط وموجَّه , بدلًا من ترسيخ ثقافة "المواطن كفرد حر مستقل في اختياره وموقفه. "
ما يحدث، عمليًا، هو تحوّل تدريجي في وظيفة الأحزاب: من كونها أدوات للمنافسة السياسية والتعبير عن الرأي الشعبي، إلى كيانات شبه إدارية تُستخدم لتنظيم المشهد أكثر من تطويره. وهو ما يهدد بتحويل التجربة الديمقراطية إلى مجرّد واجهة شكلية لا تحمل مضمونًا حقيقيًا للتعددية.
الخطورة هنا لا تكمن فقط في فشل بعض الأحزاب في استقطاب الناس، بل في أنها، بصيغتها الحالية، تعمّق الفجوة بين الفرد والدولة. إذ يجد المواطن نفسه أمام أحزاب لا تعبّر عن تطلعاته ولا تمنحه المساحة للمشاركة الفاعلة، بل تُدار بطريقة رأسية من الأعلى إلى الأسفل، مما يُضعف فرص تداول السلطة، ويُعزز منطق التبعية على حساب المشاركة الواعية.
ولذلك، فإن أي مشروع حقيقي لبناء دولة حديثة لا يمكن أن يُختزل في إعادة تشكيل الهياكل فقط، بل لا بد أن يقوم على إعادة تعريف العلاقة بين الفرد والنظام السياسي، بحيث يُعاد الاعتبار للمواطن كفاعل أساسي، لا كمجرد تابع ضمن جماعة أكبر.
في المحصلة، لا تُقاس جدوى التحديث السياسي بعدد الأحزاب المُرخّصة، ولا بعدد النصوص القانونية المعدّلة، بل بمدى قدرة الدولة على نقل المجتمع من منطق التبعية إلى منطق المشاركة، ومن الولاء للجماعة إلى الولاء لفكرة المواطنة الجامعة. فدولة تُدار بجماعات منضبطة أسهل في الإدارة، لكنها أعجز عن التقدّم. أما الدولة التي تراهن على الفرد، وعلى حريته في الاختيار، وقدرته على النقد والمساءلة، فهي وحدها التي تملك فرصة حقيقية لصناعة مستقبل ديمقراطي مستقر.
إن بناء دولة حديثة في الأردن لن يتحقق فقط بإصلاح القوانين، بل بتغيير طريقة التفكير السياسي من أساسها: من عقلية إدارة الجماعة إلى ثقافة تمكين الفرد, ولدولة حديثة لا تُبنى بإدارة الجماعات، بل بتمكين الأفراد. المواطنة هي نقطة البداية، لا التبعية الجماعية.



#علي_حياصات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الصلاة والسلوك: هل تحوّل الدين إلى عادة؟
- هل نُشاهد التاريخ أم نُصدّق السردية؟
- سبعون عامًا من الصراخ... وها نحن نصفّق!!!


المزيد.....




- عراقجي يؤكد ضرورة اتخاذ الأمم المتحدة إجراءات فورية لمواجهة ...
- العفو الدولية: محو إسرائيل بلدة خزاعة دليل على ارتكابها إباد ...
- الأمين العام للأمم المتحدة يدعو لوقف التصعيد إسرائيل وإيران ...
- بعد هجوم إسرائيل على إيران.. تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة لحل ا ...
- مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة يدين الهجوم الإسرائيلي على إير ...
- ماكرون يعلن تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين
- السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة: إيران كانت تخطط لغزونا ...
- مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: الضربات ضد إيران قد تستغرق ...
- بعد أوامر إخلاء لأحياء سكنية في محيطه: المركز يحذر من تبعات ...
- الخارجية الروسية: العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران انتهاك ل ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - علي حياصات - حين تُدار السياسة بعقلية الجماعة