أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي حياصات - هل نُشاهد التاريخ أم نُصدّق السردية؟














المزيد.....

هل نُشاهد التاريخ أم نُصدّق السردية؟


علي حياصات

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 13:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الأعمال الدرامية التي تتناول التاريخ الإسلامي ليست مجرد محاولات فنية لإحياء الماضي، بل في حقيقتها أدوات ثقافية تشكّل الوعي وتعيد إنتاج المعنى. لا يمكننا أن نتعامل مع فيلم الرسالة أو مسلسل معاوية (علي سبيل المثال لا الحصر) بوصفهما عرضًا بصريًا عابرًا، بل كخطاب سردي يخاطب الذاكرة الجماعية الاسلامية، ويُسهم بوعي أو بدونه في بناء تصوراتنا عن الدين والتاريخ والهُوية.
في ليلة العيد، أعدتُ مشاهدة فيلم الرسالة على احدى القنوات الفضائية. وبينما تدفقت مشاهد الفيلم على الشاشة، تسرّبت إلى ذهني صورة قديمة لطفل في طابور مدرسي، يُقاد مع زملائه في طابور خلال سبعينيات القرن الماضي في مدينة السلط إلى سينما "نبيل" (تلك السينما الوحيدة التي كانت في المدينة) لمشاهدة العمل نفسه. هناك، زُرعت في المخيلة صورٌ أولى للإسلام: حمزة البطل، هند المنتقمة، والرسالة كشعاع نور وسط ظلام الصحراء. كنت أظن أنني أشاهد التاريخ كما وقع، لكنني كنت أستهلك سردية درامية، لا حقيقة تاريخية. عند هذه النقطة، قفز إلى ذهني السؤال المحوري: هل كنا نقرأ التاريخ، أم نشاهد إعادة تشكيله بصيغة درامية؟
الدراما لا تعكس التاريخ، بل تؤولّه. وهي بذلك أكثر تأثيرًا من كتب التاريخ، لأنها تتوجه إلى الحس والخيال، وتمنح الشخصيات بعدًا إنسانيًا يجعلها أقرب إلى وجدان المتلقي. ولهذا السبب تحديدًا، لا أتعامل ألان مع هذه الأعمال بوصفها تسلية، بل كأدوات لإعادة إنتاج الذاكرة الجمعية وتثبيت معانيها.
لكن الإشكال أعمق من مجرد تأثير بصري. تاريخنا الإسلامي المبكر لم يُدوَّن لحظة بلحظة، بل بدأ تدوينه الحقيقي في العصر العباسي، حين أصبحت الحاجة إلى ماضٍ مؤسِّس أكثر إلحاحًا من توثيق صادق للأحداث. المؤرخون الأوائل ,من ابن إسحاق إلى الطبري , كتبوا سيرًا وأحداثًا لم يشهدوها، في سياقات سياسية متغيرة، كان لكل منها روايته وأولوياته. حتى شخصية مثل أبي هريرة، التي نُسبت إليها آلاف الأحاديث، لم تكتسب مركزيتها وأهميتها إلا في عهد معاوية ابن ابي سفيان.
أنا لا أطرح اتهامات، بل أسئلة ضرورية: من قرر أي رواية تُروى، وأيها يُنسى؟ هل كُتب التاريخ لحاجات ذاتية، أم استجابة لضرورات سياسية؟ وهل ما نعتبره "يقينًا تاريخيًا" هو في الحقيقة سردية تم تثبيتها، ثم تَقديسها بمرور الزمن؟
الإشكالية الأكبر أن الوعي بالتاريخ عندنا لا يُبنى على بحث علمي، بل على شعور رواياتي مشحون بالإيمان والهُوية. وهذا ما يجعل التاريخ في نظر كثيرين حقلًا مغلقًا، لا يُسائل ولا يُراجع. نريد من الدراما أن تؤكد يقيننا، لا أن تثير أسئلتنا. بينما المطلوب هو العكس: أن نفتح التاريخ على النقد، ونُحرّره من أسر التقديس الأيديولوجي.
التاريخ ليس نصًا سماويًا، بل سرد بشري، يخضع للسياق ويُعاد تأويله بحسب الحاجة. وإذا كنّا ندرّس الفتوحات الإسلامية كلحظة خلاص، فمن حق الآخر أن يراها غزوًا. لا جرم في هذا، بل وعيٌ بتاريخ متعدد الزوايا.
نحن بحاجة إلى قراءة لا تنفي الدين، لكنها لا تُخضعه للسلطة. قراءة لا تقدّس الروايات، بل تفككها، وتعيد النظر في منطق إنتاجها. قراءة تحمي الإيمان من الاستغلال، وتحمي التاريخ من التبجيل الأعمى.
إن الخروج من أسر الرواية الواحدة هو المدخل الحقيقي لبناء ثقافة حرة، تسائل ذاتها، وتعيد التفكير في رموزها. لسنا في حاجة إلى رموز جديدة، بل إلى أدوات جديدة للفهم. ولسنا مضطرين لتصديق كل ما رُوي لنا، بل لتحمّل مسؤولية الفهم والنقد.
لا قداسة بلا مساءلة، ولا وعي بلا شك. وهذا الشك لا يهدد إيماننا، بل يُعمّقه، لأنه يحوّله من طاعة إلى وعي، ومن أسطورة إلى تجربة إنسانية قابلة للفهم والنقد.



#علي_حياصات (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبعون عامًا من الصراخ... وها نحن نصفّق!!!


المزيد.....




- “حدثها الأن” تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي ن ...
- فتوى شرعية بوجوب -كسر الحصار- عن غزة.. الاتحاد العالمي لعلما ...
- إسرائيل تسيطر على المسجد الإبراهيمي.. فماذا يُخطط بن غفير لل ...
- الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس: درع الهوية المقدسية في ...
- فتوى للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: كسر الحصار عن غزة واجب ...
- مقابل قبة الصخرة.. مستوطنون يؤدون طقوسا تلمودية بالمسجد الأق ...
- يائير جولان: اليهود يرتكبون مذابح بحق الفلسطينيين في الضفة
- لماذا لم يعد اليهود الأميركيون على قلب رجل واحد؟
- عودة -حسم-.. هل تتجدد تهديدات الإخوان للأمن المصري؟
- هل تختفي الدراسات العربية والإسلامية من جامعات أوروبا بسبب ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي حياصات - هل نُشاهد التاريخ أم نُصدّق السردية؟