أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي حياصات - سبعون عامًا من الصراخ... وها نحن نصفّق!!!














المزيد.....

سبعون عامًا من الصراخ... وها نحن نصفّق!!!


علي حياصات

الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 15:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أ.د.علي النحلة حياصات
في مشهد لا يخلو من المفارقات التاريخية، قوبل اللقاء الذي جمع الرئيس السوري مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مؤخراً، بترحيبٍ شعبي لافت عبّرت عنه وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية العربية، في تحول دراماتيكي في المزاج الشعبي العام، يستحق الوقوف عنده ليس كحدث سياسي عابر، بل كعلامة فارقة على تحوّل أعمق في البنية النفسية والثقافية والاجتماعية للشعوب العربية.
خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتحديدًا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان الوعي السياسي العربي مشبعًا بالشعارات الثورية، والنزعة القومية، وعداء متأصل للإمبريالية الغربية التي تُمثّلها الولايات المتحدة في الخطاب الرسمي والشعبي العربي. لم يكن العداء لأمريكا مجرد موقف سياسي, بل كان ركيزة ثقافية في مفردات الحياة اليومية للمواطن العربي . كانت أمريكا، ومعها الغرب كله، تُجسّد الهيمنة والاستعمار الجديد، في زمن كانت فيه الشعوب العربية تفتش عن خلاصها عبر التحرر والانعتاق، لا عبر التحالف والانفتاح.
اليوم، وبعد مروركل هذه السنوات على تلك المرحلة، يتبدّى مشهد الزيارة كمرآة لانقلاب في منظومة القيم السياسية للجمهور العربي، لا سيما لدى الأجيال الجديدة. باتت أمريكا تُستقبل سياسياً وشعبياً – لا كقوة احتلال ثقافي أو سياسي – بل كفاعل ضروري يمكن أن يسهم في تسوية النزاعات أو تحسين الواقع المعيشي، حتى في الدول التي كانت من أكثرها رفضًا لهيمنتها.
ما الذي تغيّر إذًا؟ التحول لم يكن فجائيًا ولا مفتعلاً، بل هو نتاج مسار طويل من الانكسارات والانهيارات. تآكل الشعارات القومية، وغياب المشروع العربي الجامع، وانتكاسات الربيع العربي، والحروب الأهلية، والعقوبات، والتهجير، كلها عوامل مهّدت الأرض لتبدل المزاج العام. الشعوب التي ظلت لعقود تراهن على خطاب الكرامة والسيادة، وجدت نفسها في واقع من الفقر والعزلة والإقصاء الدولي، فبدأت تعيد تعريف أولوياتها: من الشعارات الكبرى إلى البقاء، من "لا صلح لا اعتراف لا تفاوض " إلى "الانفتاح من أجل الإنقاذ".
في ظل هذا التآكل، لم تعد الأيديولوجيا المحرّك الوحيد للسلوك الجمعي العربي، بل حلّت محلها الواقعية السياسية والبراغماتية الاقتصادية. المواطن العربي اليوم المثقل بالخيبات بات أقل استعدادًا للتضحية من أجل قضايا كبرى لم تثمر، وأكثر انشدادًا إلى تحسين ظروفه اليومية بأي ثمن.
اللافت أن أدوات التأثير تغيّرت أيضًا. لم تعد أمريكا تستخدم فقط سطوتها العسكرية لتكريس حضورها، بل طورت أدواتها عبر "النعومة الدبلوماسية"، وتسويق نماذج التعاون الثقافي والتكنولوجي. كما تلعب وسائل الإعلام اليوم دورًا محوريًا في صناعة المزاج الجماهيري، حيث تُقدّم اللقاءات السياسية بلغة الود، وتُصاغ الأخبار بلغة الانفتاح، وتُزيّن الشاشات بصور المصافحات، في مقابل تراجع اللغة التعبوية الكلاسيكية التي كانت تملأ أثير الإذاعات في الخمسينات والستينات.
وسائل التواصل الاجتماعي، هي الأخرى، أسهمت في تفكيك مركزية العقيدة الايدلوجية، وفتحت المجال أمام سرديات شعبية جديدة، يُعبّر فيها الشباب عن آمالهم بطرق فردية، لا تتقيد بإرث النضال الجماعي القديم.
ربما يكون الاقتصاد هو البعد الأكثر حسمًا في هذا التحول. فالدول التي كانت تعتمد إلى حدّ ما على الاكتفاء الذاتي، أصبحت اليوم مرتهنة بالكامل للمساعدات، والاستثمارات، والانفتاح على الأسواق العالمية. وبالنسبة لسوريا، التي أنهكتها سنوات الحرب والعقوبات، تبدو كل خطوة نحو واشنطن أو العواصم الغربية فرصة محتملة لكسر الحصار أو جذب دعم اقتصادي، حتى لو جاء هذا الانفتاح على حساب مواقف سابقة.
يبقى السؤال الجوهري: هل يُمثّل هذا التحول في المزاج العام وعيًا جديدًا بالواقع وتحولاً نحو الواقعية السياسية؟ أم هو تعبير عن استسلام شامل أمام موازين قوى لا يمكن تحديها؟
ربما يكون الأمر مزيجًا من الاثنين. فالمزاج العربي اليوم هو نتيجة خضوع طويل لآلة التغيير الناعمة، لكنه أيضًا نتاج مراجعات داخلية قاسية أجراها المواطن العربي في وحدته وشتاته، بعد أن خذلته الأنظمة، وانسحبت المشاريع الكبرى، وذابت الحدود بين المقاومة والانهاك.
في المحصلة، إن الترحيب الشعبي بلقاءات كانت تُعدّ يومًا ما خيانة، لا يُعبر فقط عن تبدل في المزاج السياسي، بل عن تحوّل جذري في طبيعة العلاقة بين الفرد العربي وتاريخه، بين الشعوب ومفاهيمها عن الذات والسيادة. إنه زمن جديد، بملامح جديدة، وأسئلة مفتوحة على مستقبل لم تتضح ملامحه بعد.



#علي_حياصات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبعون عامًا من الصراخ... وها نحن نصفّق!!!


المزيد.....




- شجب أوروبي لتجويع وقتل الفلسطينيين في غزة: هل يضيق الخناق عل ...
- أردوغان: مفاوضات اسطنبول فرصة من أجل الوصول إلى السلام الدائ ...
- على وقع الحرب في غزة.. احتجاجات في بازل تدعو لطرد إسرائيل من ...
- جبهة جديدة في المواجهة بين الهند وباكستان: خطوات تصعيدية من ...
- بعد صفقات بترليونات.. ترامب يعود إلى واشنطن لرؤية حفيده الحا ...
- ترامب: تخفيف العقوبات والقيادة الجديدة سيمهدان الطريق لنهضة ...
- الدفاع الروسية في حصاد الأسبوع: تحرير 6 بلدات وتنفيذ 6 ضربات ...
- ترامب يتوقع -أنباء طيبة- عن تسوية الصراع في غزة خلال الشهر ا ...
- ترامب يقول إنه قد يجري محادثة هاتفية مع بوتين
- عبد المنعم الجمل يدعو لإبراز الجوانب الإيجابية للعامل المصري ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي حياصات - سبعون عامًا من الصراخ... وها نحن نصفّق!!!