أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي حياصات - بين الصلاة والسلوك: هل تحوّل الدين إلى عادة؟














المزيد.....

بين الصلاة والسلوك: هل تحوّل الدين إلى عادة؟


علي حياصات

الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 14:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نصلي، نصوم، نزكّي، نبارك لبعضنا بالأعياد، نغمر مسامعنا بأحاديث الرحمة والعدل، لكننا في الواقع نعيش ازدواجًا صارخًا بين ما نُعلن وما نُبطن، بين ما نمارس وما نؤمن. أصبح الدين عند كثيرين طقسًا اجتماعيًا لا أكثر، عادة خالية من الروح، لا تصنع وعياً، ولا تنهض بفرد أو مجتمع. نحن نمارس شعائر الإسلام، لكن قلّما نُجسد قيمه في سلوكنا، وكأننا نختبئ خلف واجهة إيمانية زائفة، تخفي هشاشة أخلاقية عميقة.
في رمضان مثلاً، يفيض الناس بالصلوات والزكاة، لكن أيّ زكاة هذه التي لا تسد جوع فقير ولا تعبر عن تكافل حقيقي؟ وأي صلاة تلك التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولا تترك أثراً على اللسان أو اليد أو القلب؟ يعلو صوت التهجد في المساجد، لكن يُقابله في الأسواق غش وتدليس، وفي المؤسسات ظلم ومحسوبية. نحن نمارس التدين، لكننا لا نعيش الإسلام.
لقد تحوّلت كثير من العبادات إلى طقوس اجتماعية تُمارس تحت ضغط الجماعة أو مجاراة للمجتمع، لا بدافع إيماني أو فكر ديني حي. أصبح الدين ديكورًا يزيّن السلوك دون أن يوجهه، شعارات تُقال لا تُطبق، وألفاظًا تتردد دون أن تتجذر في الضمير. وهذا الانفصال بين الشكل والمضمون، بين القيم والسلوك، هو ما يكرّس التخلف، ويعيق النهوض.
والمؤلم أن هذا التناقض لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يتغلغل في الوعي الجمعي. الدولة في التصور الإسلامي ليست أداة حكم فقط، بل مشروع حضاري يقوم على العدالة، واحترام الإنسان، وبناء المؤسسات. لكن في واقعنا، لا تزال الدولة في ذهن المواطن مجرد سلطة، لا رسالة. نعلي من قيمة العشيرة على حساب القانون، ونفضل الشخص على المبدأ، ونتعامل مع الدولة وكأنها غريبة عنا، لا بيتاً نعيش فيه جميعًا.
في الأردن، كما في مجتمعات عربية أخرى، تتجلى هذه الأزمة بوضوح. نحفظ أسماء الصحابة ونبجّل العلماء، لكننا لا نتّبع خطاهم. نُعلّم أبناءنا في المدارس والجامعات عن الأمانة، ثم يرون الكذب في بيوتهم، وعن المساواة، فيشاهدون التمييز كل يوم. نُكرّم الأقوياء، ونُهين المستضعفين، نغضب للدين إذا انتُقد، لكننا لا نغضب حين يُنتقص من جوهره باسمنا.
لقد آن الأوان لمراجعة شجاعة. مراجعة لا تبدأ بإصلاح الخطاب الديني فقط، بل بإعادة تعريف الإيمان نفسه. فالإيمان الحقيقي ليس ما نردّده، بل ما نعيشه. ليس في المواعظ، بل في المواقف. نحتاج إلى عبور من الشكل إلى الجوهر، من الشعارات إلى الممارسات، من الانتماء الشكلي للدين إلى الالتزام الحقيقي بقيمه.
الإسلام، كما أراده الله، ليس مشروع طقوس فقط، بل مشروع إنسان. دين يبني النفوس ويبني المجتمع. وإذا أردنا أن ننهض، فعلينا أن نكف عن مجاملة بعضنا بالكلمات، وأن نواجه أنفسنا بصدق. فالتحضر لا يصنعه التدين الظاهري، بل يُصنع حين يتطابق السر مع العلن، حين يكون سلوكنا امتدادًا لقيمنا، وحين تصبح المساجد منطلقًا لبناء مجتمع عادل، لا محطة شعائرية للراحة النفسية.
إننا اليوم، لا نعيش أزمة دين، بل أزمة صدق مع الدين. أزمة ضمير، لا عقيدة. وإذا لم نتصالح مع ذواتنا، سنبقى نكرر المشهد ذاته, نحتفل بالأعياد بلا فرح حقيقي، نُصلّي بلا أثر، ونتحدث عن النهوض ونحن نغرق أكثر فأكثر في نفاق جماعي يُبارك الشكل وينسى الجوهر.
فهل نملك شجاعة التحول من "دين العادة" إلى "دين القناعة"؟ وهل نملك إيمانًا يبني الإنسان أولاً، فينطلق بعده لبناء مجتمع ودولة ؟
وكل عام وانتم جميعا بالف خير!



#علي_حياصات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نُشاهد التاريخ أم نُصدّق السردية؟
- سبعون عامًا من الصراخ... وها نحن نصفّق!!!


المزيد.....




- أوقاف الخليل: إسرائيل تمنع الصلاة بالمسجد الإبراهيمي لليوم ا ...
- من -مشروع أجاكس- إلى -الثورة الإسلامية-.. نظرة على جهود أمري ...
- قائد الثورة الاسلامية: العدو الصهيوني يُعاقب.. انه يُعاقب ال ...
- الشرطة الأمريكية تحقق في تهديدات ضد مرشح مسلم لرئاسة بلدية ن ...
- بابا الفاتيكان يحث قادة العالم على السعي لتحقيق السلام بـ-أي ...
- مرجعية العراق الدينية تدعو لوقف الحرب
- ترفض -السماح ببقائه-...هل تريد إسرائيل رأس المرشد الأعلى الإ ...
- استقبل قناة الأطفال المحبوبة على شاشتك الآن.. التردد الجديد ...
- إيهود باراك: لا مبرر منطقيا للحرب مع إيران الآن
- مادورو يدعو يهود العالم لوقف جنون نتنياهو


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي حياصات - بين الصلاة والسلوك: هل تحوّل الدين إلى عادة؟