أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالناصرعليوي العبيدي - مهنة التطبيل للحكومة لاتنتهي














المزيد.....

مهنة التطبيل للحكومة لاتنتهي


عبدالناصرعليوي العبيدي
شاعر وكاتب حاصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية

(Nasser Aliwi)


الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 17:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مهنة التطبيل للحكومة لا تنتهي
----------------------
في الزمن السوري، كما في أغلب تجارب الشعوب المقهورة، لا يُهزم النظام وحده، بل يُهزم معه جزءٌ من الوعي، ويُختبر صدق الخطابات، وتنكشف المواقف. لكن شيئًا واحدًا ظلّ صامدًا، عصيًا على الانقراض: مهنة التطبيل.

لقد عايشنا في بدايات الثورة السورية مطبّلين تقليديين للنظام، أمثال خالد عبود وشريف شحادة، من أولئك الذين لا تهتز شفاههم وهم يقولون إن الشمس تشرق من مكتب الأمن، وإن الوطن يُختصر في صورة الرئيس. لم يكن هؤلاء يمثلون مفاجأة، فهم أبناء المدرسة البعثية بامتياز، وقد تدرّبوا على التصفيق كما يتدرّب الجندي على إطلاق النار.

لكن المفارقة الكبرى لم تأتِ من هؤلاء، بل من الذين ظنّهم الناس ثوارًا، فإذا بهم ينقلبون بزاوية حادة، أو كما نقول بالعامية السورية "كَعْكَعوا" أو "كَوَعوا"، حين بدأت ملامح الانتصار تلوح، فراحوا يتقلبون في مواقفهم كما تتقلب الحرباء في الضوء.

قسم منهم، في خضم الثورة، كان شغله الشاغل مهاجمة جبهة النصرة وقائدها أبو محمد الجولاني، بل ذهب بعضهم للقول إن الجولاني وجماعته أخطر من النظام، وإن هزيمتهم شرط لانتصار الثورة! في تلك اللحظة، بدا هؤلاء وكأنهم يخوضون معركتين: واحدة ضد الأسد، والأخرى – الأشد حدة – ضد من يقاتل الأسد.

ثم... لمّا ضعُف النظام، وانقلبت الطاولة، إذا بهم يخرجون علينا بخطاب مدهش: "كنا نحب الجولاني سرًّا"، لكن لم نجرؤ على البوح، بسبب "الظروف الإقليمية"، و"البيئة غير المرحبة"، و"المجتمع الدولي"! فجأة صار الجولاني رجل المرحلة، القائد الحكيم، صانع التوازن، وراحوا يبررون انقلابهم بعبارات خجولة لا تخلو من التذاكي، حتى يخال المرء أنه أمام مسرحية متقنة الإخراج، تنتهي دومًا بتصفيق الطبالين.

بالمقابل، ظهر مطبلو النظام بنسخة محدثة: أولئك الذين كانوا يظهرون بمظهر المعارض "الوطني الشريف"، ثم حين ضاقت حلقات الثورة، وانكشفت نهايات البعض، قالوا: "كنا نكره النظام في السر، لكننا لم نستطع البوح!". خذ مثلًا دريد لحام، الذي ارتدى في التسعينات قناع الناقد الساخر، ثم ما لبث أن انقلب على خطه القديم ليعلن أن “الوطن هو حيث يكون القائد”! وكأن القهر كان وهْمًا، والسجون كانت غرفَ استجمام.

وجاءت القشة التي فضحت الجميع، حين خرج علينا حسن صوفان، عضو لجنة "السلم الأهلي"، وهو يسخر علنًا من المطالبين بمحاسبة المجرمين، وعلى رأسهم فادي صقر، المعروف بجرائمه في أحياء دمشق. لم يقل: لنعفُ عن البعض ونحاسب البقية، بل قال بكل وضوح: دعونا نحتفل بالجزارين على أنهم حمائم سلام.

وما إن انتهى المؤتمر حتى "كَوَع" من تبقى من المترددين، وراحوا يُنظّرون في فوائد العفو، وضرورات الاندماج، وأهمية بقاء القتلة بيننا من أجل السلم الأهلي! وكأن الاستقرار لا يتحقق إلا بإطلاق سراح القَتَلة، وكأن العدالة عبءٌ ثقيل لا تستقيم الدول بوجوده.

لكن الحقيقة التي يهرب منها الجميع أن العدالة هي الشرط الأساسي للسلم الأهلي الحقيقي، وليست عائقًا له. بل إن تجارب الشعوب أثبتت ذلك.

رواندا
بعد المجازر المروعة عام 1994، أنشأت محاكم شعبية لمحاكمة الجناة، وواجهت الحقيقة بكل قسوتها. اليوم، رواندا من أكثر دول إفريقيا استقرارًا وازدهارًا، لأنها لم تتواطأ مع المجرمين.

البوسنة
رغم التعقيدات العرقية والسياسية، جرت محاكمة مجرمي الحرب في لاهاي، ما ساهم في تهدئة النفوس وإرساء مصالحة حقيقية، لا سطحية.

ألمانيا بعد النازية
حُوكم مجرمو الحرب في محاكمات نورمبرغ، فلم يُترك هتلر وأشباهه يتحولون إلى "رموز وطنية"، بل تم تعرية جريمتهم، ورفع الضحايا.

جنوب إفريقيا
واجهت نظام الفصل العنصري بمحكمة "الحقيقة والمصالحة"، وفتحت الباب أمام الجلادين للاعتراف الكامل مقابل العفو، لكنه لم يكن عفوًا مجانياً، بل مشروطًا بكشف الحقيقة الكاملة، فكانت النتيجة سلامًا مبنيًا على الصراحة لا على الإنكار.

في المقابل، انظر إلى لبنان، حيث قررت الطبقة السياسية نسيان الحرب الأهلية، ومنحت زعماء الميليشيات مناصب وزارية، فتحول البلد إلى كيان هشّ لا يُحكم إلا بالخراب.

أما سوريا، فإن الحديث عن "السلم الأهلي" في ظل تبييض صفحة الشبيحة ومجرمي الحرب هو وصفة لإعادة الانفجار، لا لمنع الحرب. لا يمكن لأي وطن أن يُبنى فوق جماجم الأبرياء دون عدالة. لا يمكن للضحايا أن يعودوا مواطنين دون اعتراف بحقهم.

في الختام
إلى كل من “كوع” في منتصف الطريق، وتحوّل من معارض إلى مؤيد، أو من ثائر إلى واعظ في فضائل "الاعتدال" الزائف نقول:

العدالة ليست خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية. ومحاسبة المجرمين ليست نزوة، بل حقٌّ لا يسقط بالتقادم. وإن كانت الدولة لا تريد تحقيقه، فالشعب باقٍ لينتزع ذلك الحق.

الضحايا لا يُنسَون، ولا يُشترى صمتهم بالشعارات.
والأوطان لا تُبنى بتكرار الخطأ، بل بتصحيحه.
أما التطبيل... فسيبقى موجودًا، لكنه لن يغيّر من الحقيقة شيئًا.

---------

عبدالناصر عليوي العبيدي



#عبدالناصرعليوي_العبيدي (هاشتاغ)       Nasser_Aliwi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكلاب المسعورة
- تنظير علماني
- التعايش في سوريا: حقيقة يفرضها التاريخ والواقع
- سهام الغدر
- نرجيلة وسبايا
- مهر الحرية
- هل غزو العراق: احتلال أمريكي لبناء مشروع إيراني؟
- القومية العربية: الضحية الأولى لحزب البعث العربي الاشتراكي
- عندما يتحول الوطن إلى شركة مساهمة: -إذا لم تربح نبيعه-
- عيد بطعم الحرية
- الحكومة السورية الجديدة: حكومة كفاءات أم حكومة إملاءات؟
- هل فشلت الثورة المضادة
- **غزة بين غدر الأصدقاء وخذلان الأشقاء**
- **أزمة الحدود اللبنانية السورية: عندما يُختزل الوطن في ظل -ا ...
- سوريا الجديدة: الواقع يفرض نفسه، والحكمة تقتضي التعايش


المزيد.....




- إسرائيل تعلن عن أول وفاة جراء الهجوم الإيراني
- إصابة نائب تركي باعتداءات على نشطاء -قافلة الصمود- في مصر
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجارات في طهران.. واشتعال ني ...
- مسؤول إيراني لـCNN: سنستهدف قواعد أي دولة ستدافع عن إسرائيل ...
- شاهد.. دمار واسع في تل أبيب خلفه الهجوم الإيراني
- -التايمز-: إسرائيل لم تبلغ بريطانيا بنيتها ضرب إيران لأنها ل ...
- خبير طاقة مصري يكشف أسوأ سيناريو بعد الضربة الإسرائيلية للمن ...
- الحرس الثوري الإيراني: الضربات الصاروخية استهدفت 150 موقعا إ ...
- خبير عسكري مصري يكشف سبب قوة تأثير صواريخ إيران فرط الصوتية ...
- وزير خارجية الإمارات يجري اتصالات موسعة مع عدة دول لتجنب الت ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالناصرعليوي العبيدي - مهنة التطبيل للحكومة لاتنتهي