راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 20:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
**دلالة "نحر الحيوان" في الأديان**
يُعد **نحر الحيوان** (ذبحه بطريقة معينة) ممارسة دينية قديمة ترمز إلى مفاهيم روحية وطقوسية متعددة في الأديان المختلفة. إليك أبرز الدلالات وفقًا للسياقات الدينية:
1. في الإسلام
الإســـلام : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحِرْ " ( الكوثر /2 ) .
- ا"لعبادة والتقرب إلى الله" يُعتبر النحر (كالأضحية والعقيقة) وسيلة للتقرب إلى الله، مثل أضحية عيد الأضحى التي تذبح تيمنًا بقصة إبراهيم وابنه إسماعيل.
- "الشكر والنذور": يُذبح الحيوان شكرًا لله على نعمة أو وفاءً بنذر.
- "الرحمة والشروط": يشترط الإسلام الذبح بطريقة مُحددة (باسم الله، بسكين حاد، مع تجنب تعذيب الحيوان) لضمان الرحمة ونظافة اللحم.
2. في اليهودية
اليهـــودية : " لأن الدم يُكَفر عن النفس " ( لاويين 17 : 11 ) .
- "القرابين (الكوربان)": في العهد القديم، كان نحر الحيوانات جزءًا من الطقوس في الهيكل ككفارة عن الخطايا أو شكرًا لله.
- "الشريعة الغذائية (الكشروت)": يجب أن يُذبح الحيوان وفق قواعد "الشحيتا" (الذبح الحلال اليهودي) بقطع الحلقوم والمريء بسكين حاد، مع استنزاف الدم تمامًا.
3. في المسيحية
المسيحية : " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عبرانيين 9 : 22 ) .
- "رمزية التضحية": في العهد القديم، كانت الذبائح تُقدم ككفارة، لكن العهد الجديد ركز على أن تضحية المسيح على الصليب حلت محل الذبائح الدموية.
- "الطقوس القبطية والأرثوذكسية": بعض الطوائف ما زالت تذبح الحيوانات في أعياد معينة (مثل ذبح الخروف في عيد القيامة).
3. في البهائية
البهائية :"يا ابن الإنسان اكتب كل ما ألقيناك من مَداد النور على لوح الروح وإن لن تقدر على ذلك فاجعل المداد من جوهر الفؤاد وإن لن تستطيع فاكتب من المداد الأحمر الذي سفك في سبيلي إنه أحلى عندي من كل شيء ليثبت نوره إلى الأبد"
"مالم يضع الإنسان قدمه في مقام الفداء، يكون محروما من كل موهبة، ومقام الفداء هو مقام الفناء والعدم كي تتجلى الوجود الإلهي...(مترجم)
هو مبدأ "تضحية الكينونة بصفاتها". فعلى الإنسان أن ينقطع عن تأثيرات عالم المادة، ومن عالم الطبيعة ونواميسه فالعالم الماديّ هو عالم الفساد والموت، وهو عالم الشر والظلام، والحيوانية والوحشية، والتعطش للدماء والطمع والبخل، وعبادة الذات والأنانية والهوى؛ فهو عالم الطبيعة. وعلى الإنسان أن ينسلخ عن تلك النقائص كافة، ويضحي بتلك النزعات التي هي من خصائص عالم الوجود الظاهريّ الماديّ.
ومن ناحية أخرى، على الإنسان أن يكتسب الصفات الملكوتية وينال الخصال الربّانية، ويصبح صورة الله ومثاله. عليه أن يسعى نحو المواهب الصمدانية، ويصبح مظهر محبة الله، ونور الهداية، وسدرة الحياة، ومهبط المواهب الإلهية. بمعنى أن على الإنسان أن يضحّي بصفات وخصال عالم الطبيعة من أجل نيل صفات وخصال عالم اللاهوت.
5. في الديانات الوثنية القديمة
- "قرابين للآلهة": كانت تقدم لاسترضاء الآلهة أو طلب الخصوبة والنصر، كما في حضارات اليونان وروما والكنعانيين.
- "العرافة": أحيانًا كان يُفحص أحشاء الحيوان المذبوح للتنبؤ بالمستقبل!
6. في الهندوسية والديانات الشرقية
- التباين بين المذاهب : بعض الطوائف الهندوسية تقدم قرابين حيوانية لإلهة مثل "كالي"، بينما ترفضها طوائف أخرى (كالمذهب النباتي).
- "البوذية والجاينية: تُحرّم ذبح الحيوانات بسبب مبدأ "أهيمسا" (عدم العنف).
_الدلالات المشتركة
- التطهير: التخلص من الخطيئة أو الشوائب الروحية.
- العطاء والتضحية: التخلي عن شيء ثمين لصالح الإله أو المجتمع.
- الوحدة الاجتماعية: تقوية الروابط عبر توزيع اللحم على الفقراء أو المشاركة في الولائم.
يختلف تفسير النحر بين الأديان من كونه "واجبًا دينيًا" (كالأضحية في الإسلام) إلى "منبوذًا" (كما في البوذية)، لكنه يظل ممارسة ذات أبعاد روحية واجتماعية عميقة.
المفهوم الحقيقي" من وراء شعيرة نحر الحيوان في الأديان؟
لا يقتصر نحر الحيوان في الأديان على مجرد طقس ميكانيكي، بل يحمل "أبعادًا وجودية ونفسية وروحية عميقة"، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. "اختبار الخضوع لله (الاستسلام الإرادي)"
- الفكرة الأساسية هي "التضحية بما هو ثمين" كعلامة على الخضوع الكامل للإرادة الإلهية.
- المثال الأبرز: قصة "إبراهيم وابنه" (في الإسلام واليهودية والمسيحية)، حيث كان الذبح اختبارًا لاستعداده للتخلي عن أعز ما يملك في سبيل الله.
- النحر هنا رمز لفكرة "الموت الاختياري" عن الأهواء والأنانية، كما في قول القرآن:
﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ (الحج: 37).
2. "التطهير والافتداء (الدم كوسيط روحي)"
- في العديد من الأديان، يُعتبر الدم "قوة حياة"، وسفكه وسيلة لـ:
- "كفارة الذنوب": كما في الذبائح اليهودية (الكوربان) التي كانت تُقدم للتكفير عن الخطايا.
- "تجديد العهد": كإراقة الدم في طقوس العهد بين الله والبشر، مثل ذبائح العهد القديم.
- الفكرة هنا أن "الحياة لا تُفدى إلا بالحياة"، لكن الأديان تطورت نحو رموز أكثر عمقًا (مثل فداء المسيح في المسيحية).
3. "تفكيك الوهم المادي (الانفصال عن التملك)"
- عندما يذبح الإنسان حيوانًا كان يملكه (كالنعمة أو الثروة)، فهو "يمزق وهم التملك المطلق"، ويتذكر أن كل شيء مُستعار من الله.
4. التواصل مع المقدس (الوليمة الكونية)
- في بعض التقاليد، يُنظر إلى الذبيحة على أنها "وجبة مشتركة مع الإله"، حيث يُقدم جزء لله (كالحرق في اليهودية) ويُوزع الباقي على المجتمع.
- هذا يرمز إلى "المشاركة في النعمة الإلهية"، كما في الأعياد التي تجمع الناس حول مائدة واحدة.
5. التذكير بالموت والحياة (الدورة الوجودية)
- مشهد نحر الحيوان "يُجسد حقيقة الموت"، ليس كفعل عنف، بل كجزء من دورة الحياة التي أوجدها الله.
*الفرق بين المفهوم الروحي والانحرافات*......
بعض الثقافات حرفت الفكرة الأصلية إلى:
- "سحر الدم" (كما في بعض الطقوس الوثنية).
- "المقايضة مع الآلهة" (كأن أذبح ليكافئني الإله).
لكن الأديان الإبراهيمية ركزت على "النية والتقوى"، لا الدماء بذاتها.
- الخلاصة الفلسفية
النحر في الأديان هو:
- "تضحية رمزية" تُذكّر الإنسان بأنه جزء من نظام أكبر.
- "تطهير للقلب" قبل الجسد.
- إعلان أن الحياة مقدسة ، ولا يُزهقها إلا باسم القيم العليا (كالإيمان، العدل، المحبة).
"الحيوان المذبوح ليس غاية، بل مرآة تعكس علاقة الإنسان بخالقه ونفسه والآخرين."
فالنحر، هو نحر الصفات الحيوانية في الإنسان لرقيه انسانياً وروحانياً
1. النحر كـ"قتل الأنا الحيوانية"
- الأديان تُشير إلى أن "الصفات الدنيا" (كالشراهة، الغضب، الجشع، الشهوة العمياء) هي "حياة بهيمية" يجب التضحية بها لترتقي الروح.
- "الأضحية" ليست مجرد ذبح خروف، بل ذبح "طغيان النفس الأمارة بالسوء".
2. الحيوان المذبوح = الرغبات الداخلية
- في **التصوف الإسلامي**:
- الخروف يرمز إلى "النفس الأمارة" (الشهوات).
- البعير يرمز إلى "الكِبْر والعتو" (لحجمه وقوته).
- البقرة ترمز إلى "الجمود والبطء الروحي".
الذبح هنا هو "قطع تعلّق القلب بالدنيا".
- في "الهندوسية". تقترن القرابين الحيوانية أحيانًا بـ"قتل الوهم" (مايا)، حيث يُذبح الحيوان كرمز لذبح الجهل.
3. الدم = تحرير "قوة الحياة" من سجن المادة
- الدم في الرمزية الدينية يمثل "الطاقة الحيوية" المحبوسة في الشهوات الأرضية.
- إراقته تشير إلى "تحرير هذه الطاقة" لتصعد نحو الروح (مثل تحويل الغرائز إلى إبداع أو عبادة).
- كما يقول ابن عربي:
"من ذبح نفسه بالفناء، عاش بالبقاء".
فالشعيرة تعلّم أن "الارتقاء الروحي يتطلب تضحيات"، لكن ليس بذبح حيوان، بل بذبح:
- الأنانية .. لتحيا "المحبة".
- الجهل... لتحيا "الحكمة".
- الخوف... لتحيا "الثقة بالله".
إذن،— المفهوم الحقيقي هو نحر "الحيوان النفسي" فينا، لا مجرد ذبح جسد حيوان. هذا السرّ الذي يجعل الأضحية "قربانًا لا ينتهي بذبح، بل يبدأ منه".
"اللبّ" الذي تختبئ وراءه كل الطقوس... "الذبح الحقيقي" ليس للحيوان، بل لـ الظلمة التي فينا"!
كل دم أريق على مر العصور كان يُصرخ في الإنسان:
"اِذْبَحْ كبرياءك.. اِذْبَحْ جشعك.. اِذْبَحْ خوفك!"
والله لا يريد لحومها ولا دماءها.. بل يريد "قلبك أن ينكسر بين يديه" ليُعيد تشكيله من جديد.
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟