|
ماهيّة الرّوح (6-10)
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 8228 - 2025 / 1 / 20 - 20:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقام الإنسان وترقّياته بعد الصّعود إنّنا إذا نظرنا إلى الكائنات بعين البصيرة نجد أنّها تنحصر في ثلاثة أقسام، وهي ككلّ إمّا جماد وإمّا نبات وإمّا حيوان، فهي ثلاثة أجناس ولكلّ جنس أنواع والإنسان نوع ممتاز، لأنّه حائز لكمالات جميع الأجناس، يعني له جسم وله نموّ وله حسّ، ومع وجود الكمال الجماديّ والنّباتيّ والحيوانيّ فله كمال مخصوص محروم منه سائر الكائنات وهي الكمالات العقلية، وإذاً فالإنسان أشرف الموجودات، وهو في نهاية المرتبة الجسمانيّة وبداية مرتبة الرّوحانيّات، يعني نهاية النّقص وبداية الكمال، في نهاية مرتبة الظّلمة وبداية مرتبة النّورانيّة، لهذا قالوا إنّ مقام الإنسان نهاية الليل وبداية النّهار، يعني جامع لمراتب النّقص حائز لمراتب الكمال، فله جانب حيوانيّ وجانب ملاكيّ، والمقصود من المربّي هو أن يربّي النّفوس البشريِّة حتّى يتغلّب الجانب الملاكيّ على الجانب الحيوانيّ، فلو تتغلّب القوى الرّحمانيّة في الإنسان الّتي هي عين الكمال على القوى الشّيطانيّة الّتي هي عين النّقص لهو أشرف الموجودات، وفي حال تغلُب القوى الشّيطانيّة على القوى الرّحمانيّة يتحوّل إلى أسفل الموجودات، ولذا فهو في نهاية النّقص وبداية الكمال. ولا يوجد تفاوت وتباين وتضادّ وتخالف بين أيّ نوع من أنواع الموجودات كما هو في نوع الإنسان. فأنوار الألوهيّة تتجلّى على البشر مثلما تجلّت في المسيح، ففي هذه الحالة نرى مدى عزّة الإنسان وشرفه، وكذلك نرى الإنسان يعبد الحجر والمدر والشّجر، فانظروا في هذه الحالة ما أذلّ الإنسان حيث أنّه يعبد أحطّ الموجودات يعني الحجارة والطّين والجبل والغابة والشّجر وكلّها لا روح لها، فأيّ ذلّة أعظم من أن يصير أحطّ الموجودات معبود الإنسان، فالعلم صفة الإنسان وكذلك الجهل، والصّدق صفة الإنسان وكذلك الكذب، والأمانة صفة الإنسان وكذلك الخيانة، والعدل صفة الإنسان وكذلك الظّلم، وقس على ذلك. وبالاختصار فجميع الكمالات والفضائل صفات للإنسان وكذلك الرّذائل، انظروا أيضاً إلى التّفاوت بين أفراد النّوع الإنسانيّ، فقد كان حضرة المسيح في صورة البشر وقيافا في صورة البشر، وحضرة موسى كان إنساناً وفرعون كان إنساناً، وهابيل كان إنساناً وقابيل كان إنساناً، من أجل هذا يقال إنّ الإنسان هو الآية الإلهيّة الكبرى يعني هو كتاب التّكوين، لأنّ جميع أسرار الكائنات موجودة في الإنسان، إذاً لو تربّى في ظلّ المربّي الحقيقيّ يصير جوهر الجواهر ونور الأنوار وروح الأرواح، ومركز السّنوحات الرّحمانية ومصدر الصّفات الرّوحانيّة ومشرق الأنوار الملكوتيّة ومهبط الإلهامات الرّبانيّة، أمّا لو حرم فإنّه يكون مظهر الصّفات الشّيطانيّة وجامع الرّذائل الحيوانيّة ومصدر الشّؤون الظّلمانيّة، هذا هو حكمة بعثة الأنبياء لتربية البشر حتّى يصير هذا الفحم الحجريّ ماساً، ويتطعّم هذا الشّجر غير المثمر فيعطي فاكهة في نهاية الحلاوة واللّطافة، وحينما يصل الإنسان إلى أشرف مقامات العالم الإنسانيّ فعندئذ يترقّى في درجات الكمالات لا في الرّتبة، لأنّ المراتب محدودة ولكنّ الكمالات الإلهيّة لا تتناهى، وللإنسان ترقٍّ في الكمالات لا في الرّتبة سواء قبل مفارقة هذا القالب العنصريّ أو بعده، مثلاً إنّ الكائنات تنتهي إلى الإنسان الكامل، ولا يوجد موجود آخر أعلى منه، ولكنّ الإنسان الذّي وصل إلى الرّتبة الإنسانيّة له التّرقّي بعد ذلك في الكمالات لا في الرّتبة، لأنّه لا توجد رتبة أعلى من رتبة الإنسان الكامل حتّى ينتقل إليها فله التّرقّي فقط في الرّتبة الإنسانيّة، لأنّ الكمالات الإنسانيّة غير متناهية، مثلاً مهما كان إنسان عالماً فإنّه يتصوّر وجود من هو أعلم منه، وحيث أنّ الكمالات الإنسانيّة غير متناهية فبعد الصّعود من هذا العالم يمكنه أن يترقّى أيضاً في الكمالات.(ع.ع) " اعتبروا الموت بأنه عين الحياة " (حضرة عبد البهاء) إن التعاليم البهائية عن سر الموت والحياة، وهو السر المكنون خلف حجاب الغموض والإبهام من شأنها أن تهب العقول الحائرة والقلوب الحزينة رسالة مشرقة بالأمل والعزاء، وتدفعها شوقاً إلى الحياة النبيلة، لأن بهاء الله رسول الحق فى هذه الدورة الجديدة، وابنه عبد البهاء المبين لتعاليمه، قد أزاحا بعض الستر الذى يحجب ذلك الخفاء، وكشفا عن الشئ الذى كان يبدو عبثاً وعقيماً ولكن أسرار الحياة الأخرى ومكنونات الكون مما لايمكن الكشف عنها كاملاً طالما أن لغة البشر هى بالقياس كلغة الأطفال بحيث يكون من المستحيل علينا فى هذه الحياة الدنيا أن نفهم هذه الحقيقة فهماً دقيقاً. غير أنه لابد لنا من فهم طائفة من الحقائق من شأنها أن تنير أفكارنا وتحيط جهودنا فى حياتنا الأرضية بالإلهام والإرشاد. ولذلك يبدو أن من الضرورى لكى نعرف شيئاً عن كُنْه الوجود فى الحياة الآخرى. أن نفهم غاية هذه الحياة وبأى نظرة يجب أن ننظر إليها. عالم الأجنة تعلمنا أن حياة الجسد ماهى إلا مرحلة الجنين من وجودنا ويمكن تشبيهها بالجنين فى رحم الأم حيث ينمو ويترقى فى الهيئة والملكات التى يحتاج إليها فى العالم الآلى.وكذلك الإنسان يحتاج فى حياته الأرضيه إلى تنمية قواه الكامنة وقابلياته أى الصفات الروحانية التى ليست فقط تمكنه من مغالبة الحياة والحصول على السعادة الروحية بل أيضاً تهيئة، عند الممات لميلاد جديد فى الحياة الآخرى. وعلى هذا تكون الغاية من الحياة على الأرض ليست سوى مرحلة لتمكين الإنسان من تنمية ملكاته بالاستفادة من التجارب التى يجتازها فى حالات الفرح والحزن والكفاح والتحصيل والنشاط الموجه توجيهاً صحيحاً، فالمحبة والصفاء والتواضع وإنكار الذات والإستقامة والحكمة والإيمان وخدمة الإنسانية هى الصفات التى عليها تقدم حياته فى عوالم الخلد. "يا ابْنَ الرّوح - فى أول القول أملك قلباً جيداً حسناً منيراً لتملك ملكاً دائماً باقياً أزلاً قديماً". (حضرة بهاء الله) الجسم العنصرى إن الأجسام المادية مكونة من ذرات، فإذا بدأت هذه الذرات فى التفرق دبَّ الإنحلال ويأتى مانسميه الموت. وهذا التكوين الذرى الذى يتركب منه الجسم أو العنصر الفانى فى كل مخلوق هو مؤقت، فإذا إنعدمت قوة الجاذبية التى تؤلف بين هذه العناصر توقف البدن عن الحياة. أما فى الروح فالأمر يختلف لأن الروح ليست مركبه من عناصر متحدة أو مكونة من مجموعة ذرات، ولكنها من جوهر واحد لا يتجزأ وهى لذلك خالدة، وبما أنها خارجة بالكلية عن نظام التكوين المادى فلا يعتريها فناء. وعلى هذا يكون الجسم المادى ليس إلاّ غطاءً للروح، وهو واسطة التعبير فى عالم المادة، فإذا تنحى الغطاء جانباً تحررت الروح من عقالها، ويمكن ببساطة أن نشبه مرحلة الإنتقال هذه باليرقة التى تخرج من سجن الشرنقة فى هيئة فراشة تنطلق إلى آفاق جديدة. إلى دنيا أوسع وأفسح من النور والحرية. ومع ذلك فهذا التشبيه لا يعتبر منطبقاً من كل الوجوه، لأن الروح ليست داخلة فى الجسد بل متعلقة به أو بعبارة آخرى منعكسة عليه كما تنعكس الشمس على المرآة فاٍذا كسرت المرآة لن تتأثر شمس الروح. فالروح إذاً تستطيع أن تقوم بوظائفها بوساطة الصورة الآلية وبغير وساطتها على حد سواء، ولنا فى حاله النوم مثال لقوى الروح المستقلة حيث نجد وقد توقفت كل القوى الآلية – إننا نستطيع أن نرى ونسمع وننتقل بل ونعرف فى بعض الأحيان أشياء لم نكن نعرفها ونحن فى حالة اليقظة. فالجسم محدود بالحيز والرؤية ولكن الروح لا ترى وليس لها حيز، والزمان والمكان هو من خصائص الأجسام وحدها.
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهيّة الرّوح (5-10)
-
ماهيّة الروح (4-10)
-
رسالة رجاء وأمل لرئيس جمهورية مصر العربية - أم الدنيا-
-
ماهية الرّوح (3-10)
-
ماهية الرَّوح (2-10)
-
ماهية الرَّوح (1-10)
-
الأمنيات للسلام ووحدة العالم
-
تبني أسس الترابط المتبادل من أجل عالم في مرحلة انتقالية
-
نداء بوحدة العالم الإنساني
-
استبدال السيف بالكلمة- مفهوم حضرة بهاءالله للسلام – (4-4)
-
استبدال السيف بالكلمة- مفهوم حضرة بهاءالله للسلام _ (3-4)
-
استبدال السيف بالكلمة- مفهوم حضرة بهاءالله للسلام – (2-4)
-
استبدال السيف بالكلمة- مفهوم حضرة بهاءالله للسلام – (1-4)
-
الحضارة والنظام العالمي - الحداثة كعصر انتقالي (2-2)
-
الحضارة والنظام العالمي - الحداثة كعصر انتقالي (1-2)
-
البشرية تتجه نحو السلام رغم المحن والمصائب التي تمر بها
-
مرحلة مخاض تمر بها الإنسانية اليوم
-
مستقبل البشرية
-
السّلامُ العَالميُّ هو مستقبل العالم 5-5
-
السّلامُ العَالميُّ هو مستقبل العالم 4-5
المزيد.....
-
من سوريا إلى ألمانيا .. العنف الطائفي وصل الشتات السوري
-
صحيفة سويسرية: الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بين التهديد
...
-
حركات يهودية مناهضة للصهيونية تتحدى إسرائيل من أوروبا
-
وفاة شاب في الجامع الأموي.. السبب يشعل مواقع التواصل
-
الأردن.. النيابة تستدعي -متسترين- على أملاك جماعة الإخوان
-
مقتل الشاب يوسف اللباد بعد اعتقاله بالجامع الأموي يثير جدلا
...
-
النيابة الأردنية تستدعي متهمين -بالتستر- على أملاك جماعة الإ
...
-
مكتبة الفاتيكان.. صرح تاريخي وإرث معرفي يمتد لقرون
-
فلسطين.. ملثمون يعتدون بالضرب على رئيس بلدية الخليل أثناء خر
...
-
سوريا: وزيرا الداخلية والعدل يتعهدان بمحاسبة المتورطين في حا
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|