أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - نضال نعيسة - سِجْنُ الحِجَابْ















المزيد.....

سِجْنُ الحِجَابْ


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1809 - 2007 / 1 / 28 - 10:09
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


كانت تقف على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، طفلة لم تتجاوز العشر سنوات في أحسن الأحوال، في هذا اليوم الشمسي الدافئ الساحر منزوية، صامتة، هامدة، مختلفة عن أقرانها، وقريناتها الذين كانوا يلعبون بكل حيوية ونشاط ويطلقون الضحكات والصيحات التي تملأ المكان دفئاً على دفء، وجمالاً على جمال، وتزيده روعة، ورونقاً، وبهاء. لقد جرّمت تلك الصغيرة المسكينة منذ الطفولة، وسجنت، وصدر بحقها حكم في سجن الحجاب الذي لا يسمح لها لا باللعب، ولا بالضحك، ولا بأية حركة خارج هذه الأسوار. فبأي ذنب حجبت؟

لا شيء يؤلم، ويحز في النفس مثل الاعتداء على الطفولة البريئة في سنواتها الغضة الندية الأولى، والتي أؤتمن البعض عليها، فوضعوها في أبشع إطار يمكن أن توضع فيه، وزانوها بأبخس معيار. وإنه لمن دواعي الأسف والقلق ألا يتم النظر لطفولة فتاة صغيرة إلا وفق منظور جنسي ضيق واعتبارها مستهدفة، وموضوعاً لا يثير إلا الغرائز والشهوات، وتجب معالجة ذلك، فقط، من منطق الحجب والتحجيب والإخفاء. فتيات بعمر الزهور لمّا يتجاوزن بعد سن العاشرة من العمر، ولم تأخذ طفولتهن بعد أبعادها الحقيقية كن منقادات كسبايا وأسيرات تحت الحجاب. إنها عملية نزع وعزل ممنهج لهذه الطفلة، وسواها، عن محيطها الخارجي المجتمعي الطبيعي الذي يجب أن تتفاعل معه بغير هذه الرؤى الناقصة والمشوهة. وإن جرّها إلى بيئات تكبح انسياب طفولتها الطبيعية، يعني حكماً عليها بالإعدام الفكري والسلوكي لن تستطيع تجاوزه أبداً، بعد أن وضعت في شرنقة الحجاب، الذي سيفرض عليها سلوكاً سيصطدم بالكثير من المُحدثات التي فرضها سياق التطور البشري والإنساني العام. وحتى لو حاولت وفكرت بالخروج من هذه الشرانق الإيديولوجية، لاحقاً، فلن تستطيع البتة، لأنه سيرتبط في عقلها الباطن، وتكوينها الفكري والقيمي بالإثم والخطيئة والانحراف، وسيولد لديها صراعاً فكرياً، وأخلاقياً كبيراً.

لا شيء يبرر هذا الهوس بقرض الحجاب حتى على الصغيرات سوى "فوبيا" الجنس الطاغية، وفلسفة المعاشرة والجماع، وفقه الوطء، وأدلجة ميكانيزمات الإيلاج، الذي يقض لوحده مضاجع وفكر الفقهاء والدعاة، ويأخذ جل وقتهم، ويهيمن على تفكيرهم في الليل والنهار، والقعود والقيام. فلقد خلـّفت ثقافة الكبت والمنع براكيناً من الجنس تحت تلك الدشاديش والجلاليب والعباءات، ويخفي ذاك الوقار الهادئ المخادع وراءه ألسنة من لهب الشبق والهياج. في الغرب، مثلاً، يطلقون على الاتصال بين الرجل والمرأة بممارسة الحب , Love Making أو الجنسSex ، فيما نطلق عليها في مجتمعاتنا بالنكاح، والإتيان، والحرث والتي ترتبط معانيها عادة بالممارسات الغريزية الحيوانية وتخلو الإشارة فيها إلى أي نوع من الحب أو المشاعر الإنسانية السامية.

من المعلوم تماماً أن الغالبية العظمى من سكان هذه المجتمعات تدين بالإسلام، وبعضها الآخر مجتمعات إسلامية خالصة يمنع فيها انتشار وممارسة أية أديان وعقائد أخرى، ولمّا كانت القيم والعادات الإسلامية التي يتحدثون عنها هي السائدة، وهي التي تحكم سلوك الناس، فلِم الخوف على البنات والنساء والأطفال؟ ولِم لم تفلح هذه الثقافة، على الرغم من مرور خمسة عشر قرناً من الضخ العقائدي الجيـّاش العرمرم، في كبح غرائز المجتمع الجنسية وتهذيبها وتنقيتها وتوجيهها بالسياق الأسمى؟ هل هذه هي الرسالة التي يريد هؤلاء إيصالها من خلال سجن الحجاب؟ وهل لا ينفع مع هؤلاء البشر سوى الحجب، ولن تستوي الأمور وتستقيم، وتتم السيطرة على سلوك الرجال إلا بإخفاء المرأة بشكل أو بآخر ؟ ولكن ماذا كانت النتيجة والحصيلة سوى مجتمعات ممسوخة مشوهة تقبع في مؤخرة الركب الحضاري الإنساني في كل شيء؟ وهل أفلح هذا الحجاب في منع الشذوذ والانحراف الجنسي وجرائم الجنس المختلفة؟ ونحن نعلم أن أعلى جرائم الشرف التي تسجلها البشرية هي في هذه المجتمعات، ولا يكاد يمر يوم إلا ويتحفنا الإعلام بإحداها. ومن جهة أخرى، هل هناك إحصائيات رسمية دقيقة عن الشذوذ الجنسي الذي ينتشر بكثرة في المجتمعات الذكورية المعروفة إياها، وهو بشكل أو بآخر أحد تداعيات الحجب، والكبت، ومنع الاختلاط،؟ وهل يجرؤ أحد على الإعلان عن هذه الإحصائيات والأرقام؟ بل هل فكر أحد بإجراء مثل هذه الدراسات التي صارت لازمة أكثر من أي شيء آخر للوقوف على الحقائق الصاعقة، ولتقديم تصور كامل عن حالة هذه المجتمعات؟

ما هي هذه الرسائل المتناقضة التي يريد البعض إيصالها، والتي تتجاوز عقول الناس، بل تعتدي عليها بذاك التسطيح، والتبسيط والسذاجة الفاضحة التي لا تنطلي على البلهاء؟ بئس هذه المجتمعات التي لا تستطيع أن تعلّم أبناءها كيف يسيطرون على غرائزهم حين يرون امرأة أو طفلة. وتباً للنفوس المستذئبة التي لا تؤتمن على طفلة، ولا على امرأة، والتي لم تفلح قرون من التحجيب والإخفاء في تدجينها والسيطرة عليها وجعلها تتصرف بآدمية وإنسانية؟

روى لي أحدهم قصة محزنة حين كنت أعمل مدرساً في إحدى محميات النفط الصحراوية الأمريكية، أنه كان يصحب أخت صديقه المنقبة، من رأسها لأخمص قدميها، بسيارة أخيها نفسه الذي كان يقود السيارة دون أن يدري بأن من يأخذها ويعيدها هي أخته، وينتظر صديقه الفحل في أسفل البناء حتى يقضي وطره منها ويعيدها بمعية صديقه المخدوع إلى مكان قريب من بيته. وهناك كثير من الحوادث المشابهة التي تحصل بشكل أو بآخر بمعية النقاب، ونقرأ عنها، ونسمع بها هنا وهناك. هل يصدق مثل هذا الكلام؟ نعم. فلولا النقاب لما استطاعت تلك الضحية المسكينة أن تفلت من عين الرقابة الصارمة. ولولا النقاب لما استطاع ذاك الشقي البغي أن يخدع المجتمع كله، وبما فيه، زميله ليفرغ شهواته تحت جنح النقاب. ألا يجوز هنا، وفي مثل هذه الحالات تجريم النقاب باعتباره يساعد على البغاء والاختفاء من عيون المجتمع والقانون، لاسيما أنه ليس فرضاً وواجباً دينياً، بل عادة اجتماعية صرفة، ولم ينزل لا في شريعة ولا كتاب. وحين يتساوى الناس في التفكير والزي واللباس ولا تميز أحداً عن آخر لا بفكر جديد، أو موهبة، أو إبداع، وتتماهى الأدمغة والعقول والبصائر في كل شيء وتتطابق دون أي اختلاف فسنصبح عندها أمام مجموعة من القطعان، وليس أمام بشر متنوعين مختلفين أسوياء.

الحجاب في هذه الحالة ليس سوى سجن مؤبد للبراءة والطفولة، يجب أن تتحرر منه، قبل أن يشوهها، وقبل أن تقتلها النفوس المسكونة بحمى الجنس، والمهووسة بثقافة والنكاح.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطن السوري أولاً
- إسرائيل البريئة!!!
- شهداء الطغيان
- إخوان مصر: تباشير النهايات السعيدة
- الحجّ الوزاري ودعاء دخول الوزارة
- لماذا يهلل المسلمون لفوز إليسون؟
- مآتم أم أعياد؟
- شَنْقُ رَئيس ٍعَرَبِيٍّ !!!
- خبر عاجل: وزارة الصحة السورية تعترض على محاكمة جنبلاط!!!
- اللّهم شماتة: انهيار المحاكم الإسلامية
- حكومة الظلّ الوهابية المصرية
- هل أصبحت إسرائيل ضرورة قومية؟
- الكاميرا الخفية
- أهلاً بكم في تلفزيون الحوار المتمدن
- انطلاقة لعصر إعلامي جديد
- الإنترنت السوري ومهمة الدعوة إلى الله
- سيدي الوزير: لا تعتذر !!!
- كيف فضحتهم إيران الصفوية؟
- انتفاضة محاكم التفتيش السلفية
- الهَيْلَمة السياسية


المزيد.....




- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - نضال نعيسة - سِجْنُ الحِجَابْ