أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - حكومة الظلّ الوهابية المصرية















المزيد.....

حكومة الظلّ الوهابية المصرية


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1771 - 2006 / 12 / 21 - 12:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حكومة الظل الوهابية، التي تدير مصر حالياً من وراء ستار، وواجهة الحزب الوطني الحاكم، وتتلطى خلف شعارات ومبادئ إسلاموية وعلى غفلة، وربما تغييب متعمد، لقوى التنوير والليبرالية والعلمانية والوطنية، أصبحت أكثر من حقيقة واقعة، وتقض مضجع كل وطني مصري غيور، وتجعل قلب كل محب، وعاشق لأم الدنيا، ينفطر حزناً، ويقطر دماًً، على غوص مصر في وحول الأصولية الدولارية التي بدأت تعيدها قروناً إلى الوراء، لتطيح بآمال، وأحلام كل المتنورين، والعقلانيين في رؤية مجتمعات عصرية يسودها القانون والعدل والمساواة.

وإنه لمن غرائب النواميس والقوانين التي تتحكم بالطبيعة، وتسيّر الحياة، أن يتعلم المتعلمون من الجهلة، وأن ينقاد المبصرون وراء العوران والعميان، وأن تتحول دلتا الخصب والخضار إلى صحراء ورمال مقفرة صفراء، وأن يقلـّدَ "الحضرُ" البدوَ في الملبس والسلوك والعادات تحت ذريعة العودة للمنبع والأصول وتمثل، وتقفي أثر السلف الصالح، وأن تكون مسيرة التاريخ إلى الوراء، إلى عصور الدجل والسحر والظلام في هذه الأصقاع المبتلاة بداء السلفية الوهابية وملحقاتها البترودولارية البدوية. وما كنـّا، البتة، لنقف ضد هذا المجون والعبث الفكري المفرط، لو أنه أفلح سابقاً، في بناء أية مجتمعات سليمة، أوخلّف وراءه أثراً وتركة طيبة من روائع الفكر والأدب والفن والفلسفات، أوحضارات عامرة، وأوابد شاهقة وخالدة، تتغنى بها الناس والأجيال. غير أنه، في واقع الحال لم يجلب سوى التخلف، والشؤم، والتطرف، والبداوة، والأوبئة والأمراض الفتاكة التي باتت تعصف بالمجتمعات، لتعكس صورة عامة قاتمة بأكثر أشكالها انحطاطاً، وتوحشاً، وإسفاف. فلاشيء، في الحقيقة، سوى رائحة الموت والدم والكراهية والتهافت والانحدار العام والمراوحة في المكان.

وحكومة الظل الوهابية هي التي سنحت، في الآن ذاته، للسيد منتصر الزيات، زعيم محاكم التفتيش السلفية، بعقد جلسة علنية لمحاكمة لسيد فاروق حسني بسبب رأي شخصي في موضوع الحجاب، تلك "القـُميشة" التي غدت، أهم من مصر التاريخ والوطن العظيم. وهي التي سمحت، وتسمح، وتتسامح مع ممارسات التخوين، والتطهير، والبراء والولاء الأخرى، التي ، أيضاً، وفي صورة تحد فاقع لمشاعر الجميع، تجلت في إصدار مجموعة من الفنانات المتوهبات "لائحة سوداء" تتضمن أسماء فنانات أخريات ممن أبَيْن الانجرار وراء شيوخ السلفية الوهابية، ولم يتنقبن، ورفضن الخضوع للابتزاز والاتجار بالأديان، وكل هذه البدع الوهابية الدخيلة على أرض الكنانة، أرض الحضارة، وعبق التاريخ الأصيل الفوّاح. هكذا في إعلان صارخ عن الغلبة، والتمّكن، والقدرة على تلفيق القضايا، واقتحام الخصوصيات، وتصنيف الناس، وتطبيق حدود الردة والكفر، وإصدار الأحكام السريعة على المواطنين والمواطنات بعيداً عن نطاق، ودائرة القانون والقضاء الذي يقف متفرجاً، وعاجزاً أمام هذه البهلوانيات السلفية السافرة، في بلد كان تاريخه القضائي يشرّف المنطقة برمتها على الدوام.

ولا أدري في الحقيقة، وهم على هذه الحال من القوة ونفش الريش، واستعراض "الفتوات" والعضلات، لماذا يتريثون، حتى الآن في إعلان دولتهم الطالبانية على الملأ على ثرى مصر الطيب الأصيل، ورفع علمهم المزدان بالنخلة والسيف رمز البتر، والجزّ، والدم وقطع الرقاب، وإعلان اسم خليفتهم السيّاف الأكبر ظل الله في الأرض، وحامي حمى العرض وشرف النسوان. وذلك بعد أن فرضوا على مصر حجابهم، ونقابهم، وعباءاتهم، ودشاديشهم، وزبيبتهم، وكل مظاهر التأسلم الفارغ الأخرى، التي تقض مضجع كل متبصر وعليم لما هو آت، ولما تحمله كل تلك المظاهر المخادعة من خطر محدق على السلم الأهلي، والتطور الاجتماعي الطبيعي لأي مجتمع، وبعد أن أصبح التمادي في إعلان النوايا سمة عامة، وظاهرة واضحة لما تضمره قوى التأسلم السياسي من مستقبل أسود لهذه المجتمعات. ومن مظاهر حكومة الظل الوهابية أن سقطت الوطنية المصرية المقدسة أمام "المشروع الحلم" بدولة الخلافة الإسلامية، التي تفضل الإندونيسي المسلم، على أي مصري آخر غير مسلم، وكان ذلك علناً، وجهاراً نهاراً، وعلى رؤوس الأشهاد على لسان المرشد العام للجماعة عندما "طزطز" في مصر، وسط صمت رسمي مطبق، ولم تتخذ بحقه أية إجراءات قانونية، فيما يعتبر ذلك في كل القوانين الدولية، إساءة بليغة للكرامة الوطنية يعاقب عليها القانون أشد العقوبات.

ومظاهر حكومة الظل الوهابية "العسكرية"، ودولة الخلافة العتيدة الموعودة، مستمرة دون توقف، وذلك حين قامت شبيبة مؤدلجة باستعراض عسكري في وضح النهار، وفي قلب الجامعة، وعلى عينك يا قوات الأمن المركزية، وأجهزة الداخلية المصرية المرعبة، وهو أكثر من دليل على استشراء هذا الداء السرطاني الخطير الذي لا يعلم أحد متى وأين سيتوقف وربما بعد أن يكون قد سبق السيف العذل، وحيث لا ينفع الندم. ولا يدري المرء كيف يمر هذا التهديد الخطير للأمن الوطني مرور الكرام على الدولة المصرية.

وحكومة الظل تنشب أظافرها وتستل سيوفها من أغمادها تحسباً لأم المعارك، والمنازلات تحت قبة البرلمان، والذي سيكون الختان فيها نجم الميدان، بلا منازع، والمتسابق الأول في هذا المضمار. وستدور لهذه الملحمة الكبرى المنتظرة حوارات ساخنة تفوق كل حدود التصور والخيال، وحيث تم التمهيد المدفعي لها بسيل من الفتاوى، والأفكار، والمداخلات.

بريد إليكتروني صاعق، ولا يصدق، ولا يمر دون أن يترك في النفس غصة، وشجوناً ومرارات، بعثه لي الأستاذ والصديق العزيز مدحت قلادة، فيه أكثر من إنذار مرعب، وربما البيان رقم واحد بإعلان الحرب المفتوحة الشاملة ضد المكونات الاجتماعية المصرية الأخرى. هذا البريد تضمن رسالة مؤرخة بـتاريخ 11/12/2006 وموجهة من الأستاذ أنور عصمت السادات، عضو مجلس الشعب المصري، إلى الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب المصري "يحيط فيها السيد رئيس المجلس، عن منع بنك فيصل الإسلامي شراء أسهمه، والمضاربة على أمواله، من خلال مستثمرين أقباط، الأمر الذي يعد تصنيفاً طائفياً للمصريين ويقوض جهود تحقيق الوحدة الوطنية ويخالف الدستور فيما يتعلق بقواعد المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المصريين"، وهذا حسب نص الرسالة حرفياً. إذن لقد تجرأ هذا البنك وإدارته، ونظراً لما رآه من تكاسل وتراخ سلطوي بادٍ في معالجة السرطان الإخواني، على إعلان حقيقة توجهاته، وكنه نواياه إزاء رؤيته لصورة مصر الوهابية المستقبلية وكيفية تعامله مع بقية المصريين "الآخرين". ها هو الأنموذج الصارخ الدامغ على الإيغال المتعمد في تبني الخيار الوهابي العدواني ضد المكونات والأقليات المصرية الأصلية الأخرى.

ولا أدري ما الذي يمنعهم حتى الآن من الإعلان، فوراً، على فرض الجزية على غير المسلمين، وشرط أن يدفعوها وهم صاغرين وليسوا بكرامتهم أو رافعي الرؤوس، وإذا لم يفعلوها بتلك الطقوس من المذلة والمهانة والخنوع، فلن تقبل منهم. وهل بات الوقت مواتياً الآن لفرض طول اللحية، وتقصير الدشاديش والأثواب والعباءات حسب المواصفات القياسية الطالبانية المعتمدة في قندهار ، والتي أعلنها أمير المؤمنين الملا عمر قدس الله سره ، حفظه وأبقاه في المغاور، والكهوف، والأوكار؟

حكومة الظل الوهابية المصرية ماضية قدماً في إجراءاتها في بسط نفوذها وفرض هيمنتها وسلطانها عبر التفنن في إصدار فرماناتها وأوامر التعزير، وأحكام القصاص الشرعي، تمهيداً لإعادة مصر لمتاحف التاريخ وإيداعها هناك والإقفال عليها بأقفال من فتاوٍى من الدم والفولاذ. فلقد انكشف وانفضح كل ذاك الخطاب التلفيقي الرومانسي والعبارات الطنانة الرنانة الزائغة واللغة التـَقـَوية الباطنية حول التسامح والتعفف والتاريخ الوردي، والعدل والمساواة التاريخية التي ورّثوها، وأسسوها في هذه المجتمعات المنكوبة. ولا داعي، البتة، في هذه الآونة المضطربة الهائجة المائجة لنكأ الجراح، وفتح مزيد من الملفات السوداء التي سُطرت بدماء الكراهية وفكر البداوة وممارسات الجهّال. فها هم في الظل ويفعلون ما يفعلون، ولا أحد يعلم البتة ما هي الحدود القصوى المتوفرة من الاستئصال والإلغاء التي سيبلغونها، ويذهبون إليها عند أحكام سيطرتهم على آخر بؤرة مصرية غير وهابية، وحين إسكات آخر صوت معارض لمشروعهم السلفي.

لقد أدّت سيادة تلك الأفكار المغرقة في ظلاميتها ردحاً طويلاً من الزمان إلى خروج مجتمعاتنا، مجتمعة، وبالضربة القاضية، من كل ميادين السباق العالمية التي تـُعنى بالابتكارات، والعلم، والفكر، والحداثة، والتطور، والحضارة والإبداع. وأصبحت تقبع، "بشرف"، وإلى ما شاء الله، في الحضيض، والقاع، وفي شتى المجالات. وإن هذه التيارات المسرفة في تحجرها، وانغلاقها، وتزمتها لم تقدم للإنسانية قطعاً، أي أثر خلاق، يمكن أن يحسب لها، أو يُذكر بالإيجاب، و ترفع له الرؤوس والهامات. هذا وتفصح الأرقام والبيانات والإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية، والهيئات، ذات الصلة، عن حقائق مخزية، ومؤلمة، ويندّى لها الجبين عما وصلت إليه هذه المجتمعات من تردٍ، وفساد، وتهافت، وانحلال، تواضع، وضياع.

القادم، وما خفي أدهى وأعظم، وأجراس الخطر تدق من كل حدب وصوب، وأصوات الاحتجاج والغضب والاستنكار ترتفع في كل مكان حماية لمصر، وحباّ بمصر من هذه الغزوة السلفية، والمخطط الذي يتربص بمصر، وشعب مصر الذي يبدو أن لا حول ولا قوة له فيما يجري على الإطلاق. وإنها لمهمة أكثر من جليلة، وعظيمة تنتظر جميع المتنورين والليبراليين والعلمانيين الشرفاء لإنقاذ مصر، بكافة مكوناتها الجميلة، من براثن هذا الوحش الأصولي الكاسر، وطوفان المد الوهابي الجارف.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أصبحت إسرائيل ضرورة قومية؟
- الكاميرا الخفية
- أهلاً بكم في تلفزيون الحوار المتمدن
- انطلاقة لعصر إعلامي جديد
- الإنترنت السوري ومهمة الدعوة إلى الله
- سيدي الوزير: لا تعتذر !!!
- كيف فضحتهم إيران الصفوية؟
- انتفاضة محاكم التفتيش السلفية
- الهَيْلَمة السياسية
- نساء مصر، و-كامب- الشيخ محمد بن عبد الوهاب!!!
- هولندا والمسلمون: نهاية حقبة
- الفياغرا في زمن البداوة
- هل يعود السفير الأمريكي إلى دمشق؟
- الأمّة الافتراضية
- إيلاف وليبرالية الأعراب
- محاكمة صدام: فشل سياسة الجواكر البوشية
- حزب الله الفلسطيني: والخيارات الإلهية!!!
- الجريمة والنقاب
- هل هي قصة لحم مكشوف، أم فكر مكشوف؟
- جبهة الخلاص الوطنية الأمريكية وطريق الضلال


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - حكومة الظلّ الوهابية المصرية