سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 20:47
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
نطاق سريان قانون التنظيم القضائي واعلوية محكمة التمييز الاتحادية
قراءة في الاجتهاد القضائي
أولا: السند القانوني للاعلوية:
في خضم الاحداث القضائية التي توالت على المشهد القضائي في العراق منذ عام 2017 ولغاية الان، ظهر اختلاف في وجهات النظر حول اعلوية محكمة التمييز الاتحادية على سائر الهيئات القضائية جميعا دون تمييز، بما فيها القضاء الإداري والقضاء الدستوري الذي كانت له الحصة الأكبر في هذا المشهد، حيث ترى محكمة التمييز الاتحادية بانها الهيئة القضائية العليا في العراق وعلى وفق ما ورد في اكثر من قرار صادر عنها بمناسبة النظر في الطعون التمييزية ومنها قرارها العدد 4351/4179/هيئة الاستئنافية عقار/2024 في 3/11/2024 (أن محكمة التمييز الاتحادية هي الهيئة القضائية العليا التي تمارس الرقابة القضائية على جميع المحاكم، المادة (12) من قانون التنظيم القضائي، وبموجب هذا النص الصريح لها الولاية العامة بتقرير انعدام أي حكم قضائي يصدر من أي محكمة في القضاء العادي أو الدستوري أو الاداري اذا اصاب الحكم عوار الانعدام)، وكذلك في قرارها العدد 4/هيئة عامة/2024 في 29/5/2024 الذي جاء فيه (ان محكمة التمييز الاتحادية باعتبارها أعلى هيئة قضائية في العراق استناداً لصراحة نص المادة (۱۲) من قانون التنظيم القضائي والتي لها الولاية العامة في التصدي لاعتبار اي حكم قضائي صادر من أي محكمة ومنها المحكمة الاتحادية العليا معدوماً(
وهذه الاعلوية ترتب أثراً مهماً كونها توفر لها حق التدخل ومراقبة جميع قرارات والاحكام القضائية التي تصدر عن سائر المحاكم، لكن هذه الاعلوية لا تتوفر باجتهاد قضائي او توجيه اداري وانما لابد وان تستند الى نص في القانون يمنحها هذه الولاية او الاختصاص،
وفي جميع القرارات التي أصدرتها محكمة التمييز والتي منحت لنفسها هذه الاعلوية كانت تستند الى نص المادة (12) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل والتي جاء فيها (محكمة التمييز هي الهيئة القضائية العليا التي تمارس الرقابة القضائية على جميع المحاكم ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وتتألف من رئيس وخمسة نواب للرئيس وقضاة لا يقل عددهم جميعا عن ثلاثين ويكون مقرها في بغداد)، وبذلك فان تلك الاعلوية لم تأتي من فراغ وانما استناداً الى حكم القانون الوارد في المادة أعلاه،
ثانياً الجدل الفقهي:
والسؤال الذي ينهض والذي يمثل جوهر الاختلاف في ما يدور حاليا وسابقاً حول مدى امتداد ولاية محكمة التمييز الى احكام القضاء الإداري او الدستوري، وللوقوف على النصوص القانونية والدستورية ذات العلاقة بموضوع الاعلوية اعرض الاتي:
1. ان عمل محكمة التمييز الاتحادية تنظمه عدة تشريعات منها قوانين تتعلق بقواعد إجراءات التقاضي والمتمثلة بقانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل باعتباره القانون الام لكل القواعد الإجرائية، وقوانين تتعلق بهيكلية القضاء ومنها محكمة التمييز الاتحادية، والمتمثل بقانون مجلس القضاء الأعلى رقم 47 لسنة 2017، وقانون يختص بعمل تلك الهيئات القضائية التي تنطوي تحت لواء مجلس القضاء الأعلى وهو قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل،
2. وعند امعان النظر بتلك التشريعات نجد ان مفهوم اعلوية محكمة التمييز الاتحادية قد ورد في قانون التنظيم القضائي فقط، وفي المادة (12) التي ورد ذكرها في ما تقدم، وهذا القانون له نطاق سريان يبين حدود انطباق نصوصه من حيث الزمان ومن حيث الاختصاص النوعي للمحاكم،
وفي نص المادة (9) من هذا القانون أشارت الى نطاق سريانه وعلى وفق النص الاتي (يسري هذا القانون على جميع المحاكم التي تتناولها احكامه وعلى جميع القضاة العاملين فيها) وبهذا النص تم تحديد نطاق سريان نصوص هذا القانون على جميع المحاكم التي يتناولها هذا القانون (قانون التنظيم القضائي)، بمعنى ان المحاكم التي لم يتناولها لا تسري عليه احكامها، ومن الأمثلة على ذلك احكام المحاكم العسكرية فإنها لا تخضع لأحكام قانون التنظيم القضائي وانما لها نصوصها القانونية الخاصة،
3. عند تدقيق نصوص قانون التنظيم القضائي نجد بانه قد حدد المحاكم التي تدخل في نطاق سريانه وعلى وفق احكام المادة (11) من قانون التنظيم القضائي وعلى وفق النص الاتي ( تكون انواع المحاكم كما يلي : اولا – محكمة التمييز. ثانيا – محكمة الاستئناف. ثالثا – محكمة البداءة. رابعا - ملغاة. خامسا – محاكم الاحوال الشخصية. سادسا – محاكم الجنايات. سابعا – محاكم الجنح. ثامنا – محاكم الاحداث. تاسعا – محكمة العمل العليا ومحاكم العمل. عاشرا – محاكم التحقيق.)
لذلك فان نطاق سريان قانون التنظيم القضائي لا يتعدى حدود تلك التشكيلات القضائية، وعلى وفق ما ورد في المادة (9) من القانون التي اشارت الى انه يسري على جميع المحاكم التي تتناولها احكام هذه القانون حصراً، اما اذا شاء المشرع ان يضيف محاكم أخرى فلابد وان يكون بموجب نص قانوني صريح،
ومن الأمثلة على ذلك المحكمة الجنائية العليا المشكلة بموجب القانون رقم 10 لسنة 2005 المعدل، فانها كانت مستقلة عن مجلس القضاء وترتبط بمجلس الوزراء على وفق احكام المادة (1/أولا) ، وبعد ذلك تم الغائها وجعلها هيئة من الهيئات القضائية التي ترتبط بمجلس القضاء الأعلى وعلى وفق احكام المادة (1) من قانون تعديل قانون المحكمة الجنائية العليا رقم 35 لسنة 2011 وتخضع لولاية محكمة التمييز الاتحادية بموجب المادة (2) من القانون أعلاه، وبذلك فان العلوية والاختصاص انعقد لمحكمة التمييز على المحكمة الجنائية العليا اعتبار من تاريخ صدور قانون التعديل أعلاه في تاريخ 27/12/2011
4. اما من حيث النصوص الإجرائية المتمثلة بقانون المرافعات المدنية فان القانون أعلاه قد حدد اختصاص محكمة التمييز الاتحادية النوعي والوظيفي بالأحكام التي تصدر عن محاكم البداءة والجنايات وغيرها التي تمثل القضاء الاعتيادي وليس من بينها محاكم القضاء الإداري او الدستوري وعلى وفق ما ورد في المادة (35) من قانون المرافعات المدنية التي جاء فيها (تختص محكمة التمييز بالنظر في الاحكام الصادرة من محاكم الاستئناف ومحاكم البداءة وفي الاحكام الصادرة من المحاكم الشرعية وبالأمور الاخرى التي يحددها القانون)
5. ان نص المادة (35) مرافعات قد حسم حدود الاختصاص القضائي لمحكمة التمييز الاتحادية، اما اذا شاء المشرع الحاق احكام لمحاكم أخرى فلابد من اصدار قانون بذلك ومن الأمثلة ما تقدم ذكره حول المحكمة الجنائية العليا او ما ورد في المادة (88) من قانون أصول المحاكمات العسكري رقم 22 لسنة 2016 عندما منح الهيئة الجزائية في محكمة التمييز الاتحادية صلاحية قبول الطعن بقرار محكمة التمييز العسكرية، وبذلك لا يوجد نص اخر يمد نطاق سريان قانون التنظيم القضائي الى تشكيلات قضائية أخرى،
6. كما لا يوجد نص يتعلق بسريان احكامه على المحكمة الاتحادية العليا سواء القائمة بتشكيلتها الحالية المشكلة بموجب الامر 30 لسنة 2005 المعدل او بالتشكيل الوارد في المادة (92) من الدستور النافذ،
ثالثاً: الاستنتاج:
1. حيث ان الاعلوية التي منحت لمحكمة التمييز الاتحادية استندت الى قانون التنظيم القضائي فإنها تدور في فلك سريانه، وثبت لنا من خلال ما تقدم ان سريان ذلك القانون لا يتعدى المحاكم المذكورة في نص المادة (11) من قانون التنظيم القضائي، وليس من بينها المحكمة الاتحادية العليا او محاكم القضاء الإداري، وهذا يعني لا وجود سند لتلك الاعلوية تجاه تلك المحاكم،
2. هذا يقودنا الى ان ليس لمحكمة التمييز صلاحية او اختصاص بإعدام تلك الاحكام التي تصدر عن محاكم القضاء الإداري او المحكمة الاتحادية العليا، لان انعدام الاحكام لا وجود له في القانون وانما هو عرف قضائي اقره الفقه القانون والاجتهاد القضائي، وان الحكم القضائي يبقى على حجيته الا اذا تم الغائه او ابطاله او فسخه بحكم قضائي يصدر عن المحكمة ذاتها التي أصدرته، او هي التي تقرر انعدامه اذا ما توفر على أسباب الانعدام، او يكون لجهة الطعن التي تخضع لها المحكمة التي أصدرت ذلك القرار صلاحية واختصاص الكشف عن انعدامه،
3. اما اذا كان الحكم قد صدر من محاكم لا تخضع لولاية محكمة التمييز فان تلك المحكمة لا تملك صلاحية او اختصاص الحكم بإعدامه وهذا ما قررته محكمة التمييز الاتحادية ذاتها في عدة قرارات منها قرارها العدد 335/الهيئة الموسعة المدنية/2022 في 9/11/2022 حيث جاء فيه (ان الحكم المطالب بالكشف عن انعدامه لم يطعن فيه امام محكمة اعلى فتبقى المحكمة التي أصدرته هي المختصة بأبطاله او او تعديله) وفي قرارات أخرى، وحيث ان قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة ونهائية ولا معقب عليها من أي محكمة أخرى وعلى وفق احكام المادة (94) من الدستور النافذ فلا توجد محكمة أخرى تتولى اعدام احكامها والقرارات الصادرة عنها، وكذلك قرارات المحكمة الإدارية العليا حيث تعتبر نهائية وباتة على وفق احكام المادة (7/ثامناً/ج) من قانون مجلس الدولة (مجلس شورى الدولة) رقم 65 لسنة 1979 المعدل
4. اما ما ورد في قرارات محكمة التمييز الاتحادية حول الإشارة الى عدم تنفيذ احكام القرارات التي اعتبرتها بحكم الانعدام، فان تلك القرارات لم تفرد فقرة حكمية بإعدام تلك القرارت او الاحكام، وانما ساقتها في حيثيات القرار الذي أصدرته، واعتبرته سبباً للحكم، وهذا لا يعد قرار بإعدام الحكم، لان حيثيات الحكم القضائي ليس لها حجية الامر المقضي فيه، مثلما للفقرة الحكمية، وانما هو امتناع عن تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا بما تملك محكمة التمييز من اختصاص في تقدير الأدلة وتكييف الوقائع وتسبيب قرارتها القضائي، اما قرار المحكمة الاتحادية فانه يبقى قائما وله قوته التنفيذية وحجيته القضائية، وملزم للسلطات كافة على وفق ما ورد في المادة (94) من الدستور
قاضٍ متقاعد
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟