أحمد إبريهي علي
الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 13:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الليبرالية فلسفة أخلاقية وسياسية تقوم على الإعتقاد بالمنزلة الأسمى لحرية الفرد في سُلّم القيم الناظمة للعلاقة ما بين الناس والدولة. وتقاس جدارة المؤسسات وسلامة الممارسات بمدى نجاحها في إزدهار تلك الحرية وحمايتها. وقد تطور المفهوم عبر أكثر من ثلاثة قرون خلال عصر التنوير والحداثة. ولمفكرين مثل جون لوك ومونتسكيو وآدم سميث تاثير كبير في دعم الإتجاه نحو المزيد من الليبرالية. دعا لوك إلى الحق الطبيعي للإنسان في الحرية والتسامح الديني والحق في الثورة ضد الطغاة ولا بد للحكومة أن تستند إلى رضا من تحكم، وهو مبادئ ليبرالية وداعمة للديمقراطية. وبدأت الليبرالية فاعلة مع صيغتها الكلاسيكية وقوامها الحريات الفردية والأسواق الحرة والحكومة الصغيرة، التي ليست لها وظائف إقتصادية. وتفاعلت الليبرالية مع الإصلاح السياسي وتوسع المشاركة السياسية في الديمقراطية والسياق العام للحداثة وتغير موازين القوى الإجتماعية بعد الثورة الصناعية.
ولذلك، تتسم الليبرالية في تاريخ الفكر السياسي والوقت الحاضر بالكثرة والتنوع وكأنها تقاوم التعريف بدلالة محددة وبقيت نهاياتها مفتوحة، كما أن الحدود بين السياسي وغيره في السلوك والمؤسسات موضع نقاش يطال الليبرالية وعلاقتها بالديمقراطية التي لم تكن وحيدة. وحتى طبيعة الحرية ذاتها وهي لب الليبرالية ايضا مختلف عليها بدرجات. ويأتي عدم التحديد من حركتها الدائبة ربما لتمثل دوام الحوار والإستعداد للتكيف والتعديل، أو ان الجدل حول التعريف وجه آخر لنزاع المصالح.
تقدم هذه الورقة موجزا عن مضمون الليبرالية مثلما آلت إليه في المسار الرئيس والمسائل الأساسية ، والمهم التعرف على المنظور الفلسفي الذي يعتمده الليبراليون في تمهيد قد يساعد على تسهيل الحوار معهم.
مفهوم الحرية
يرى الليبراليون الإنسان حراً بطبيعته، حرية تامة، كما سبق لجون لوك أن عبر عن ذلك مشيرا إلى وقائع السلوك الإعتيادي للإنسان فهو الآمر لما يفعل دون الإعتماد على إرادة أي فرد آخر. يؤيده مل إذ يلاحظ ميل الإنسان لمقاومة القيود والحَظْر إفصاحاً عن تلك الطبيعة. وعند الفقهاء المسلمين الحرية شرط التكليف إلى جانب العقل وبهذا صارت منبع الإلتزام الأخلاقي. هذه لغة فلسفية وليست دراسة وضعية كما في علوم الإجتماع والنفس. و مع هذا المنحى لا بد من تبرير القيود على الحرية، وتؤسَس الليبرالية على مقدمة مفادها أن وجود السلطات السياسية والقانونية يحتاج مسوغات معقولة. وإلاّ لماذا الأفراد ملزمون بضبط النفس والإذعان لسطات أفراد آخرين، وهو رأي جون راولز وستانلي بن.
وحتى هوبز،الذي لا يُصنّف ليبراليا، يرفض إعتبار المواطنين ممتلكات للملك، بل خلاف ذلك فالمواطنون في الأصل، يقصد ما قبل لحظة العقد الإجتماعي، هم اصحاب السيادة إذ كان لهم كل الحق ليقولوا لا، لكنهم إختاروا تمكين الملك. في الطرف الآخر جون راولز الليبرالي مفاهيميا، فلسفيا، وهو الأقرب إلى ليبرالية الديمقراطيين الإجتماعيين منه إلى الليبرالية الكلاسيكية، يرى المبدأ الأول للعدالة " لكل شخص نفس الحق في نظام الحرية الأساسية المساواتي منسجما مع نفس النظام للجميع"، حسب ما أفهم لكل شخص ذات الحق للعيش في نفس النظام الليبرالي للحريات الأساسية.
بين فهمين للحرية، سلبية وإيجابية، وإستقلال الذات
إقترح هذه الثنائية إزايا بَرلِن Berlinيقصد بالحرية السلبية أنك حر إلى درجة حيث لا يتدخل أحد أو مجموعة من الناس في نشاطاتك او ما تفعل، فالحرية هنا عدم الإعاقة من الآخرين. هذه النظرة لا تهتم بمدى إمكانية الإنسان لمزاولة حريته الطبيعية، فإن حصلت الأعاقة لنقص القدرات البدنية أو النفسية، إقتصادية أو غيرها مما لا يُنسَب إلى إرادة آخر أو آخرين، لا يتناقض مع التعريف السلبي للحرية في هذا السياق من التنظير. فالمهم غياب الإكراه من الفاعلين الآخرين. ويتمثل واجب الحكومة الليبرالية في حماية الحرية أساسا بضمان عدم إكراه المواطنون بعضهم لبعض دون تبرير مقنع بصفة قاطعة. بَرلِن يؤيد الحرية السلبية، وربما ساند هذا المنطلق الفلسفي اإنسحاب الحكومات الغربية من مهام إستثمارية وإنتاجية كانت لها ،والخصخصة، وتقليل القواعد التنظيمية وتخفيف الرقابة؛ وثمة إشارات إلى تأثر حزب العمال البريطاني بمثل هذا الفهم عندما تراجع عن سياساته نحو الوسط.
أما الحرية الإيجابية فتعني أن الإنسان حرُّ يَفعل ما يريد، وهنا يكون الفعل متعلق الحرية والإنسان الفاعل، فهي موجودة لوجود من يزاولها. بينما تُعرّف الحرية السلبية بعدم إعاقتها من فاعل مُريد وليس هي بذاتها. الحرية بهذا المعنى أيّدها روسو المعروف بالعقد الإجتماعي والسيادة الشعبية، وقد تبنّاها بالمضمون الهيغليون الجدد في يريطانيا أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. منهم توماس هِل غرين Green الذي سلط الضوء على إعاقة تُستبطَن في نفس الإنسان تمنعه أن يكون حرا، داخلية سيكولوجية ليست سياسية، عندما تسيطر عليه رغبة عارمة لإرضاء آخرين دون الإنطلاق من إرادته فيما يفعل، وبذلك لا يختلف عن العبد.
وتستحق هذه المسألة الكثير من البحث وتتضمن بُعداً آخر للحرية لا تستوعبه ثنائية تعريفها، وهو إقتران الحرية بإستقلال الذات شرطا لها ولا تخفى صعوبته. لأن بعض الناس يتأثّم إذاَ شعر في نفسه ميلا لإستقلال الذات، عن زعيمه أو مرجعه الفلسفي أو قائده الحزبي او رئيس قبيلته، في موقف فكري او سياسي . الإنسان حر ما دام يملك نفسه ويصنع حياته بإرادته وليس روبوتا مبرمجا من الآخرين. عند هذا المفصل نعرج على نظرية الفليلسوف الألماني إيمانؤيل كانت Kant المعروف بالفلسفة النقدية، وتُعَد أعماله منطلقا للفلسفة الحديثة بما فيها الظاهراتية التي بدأها ادموند هوسرل. هنا نعود إلى كانت للنظر في كيفية تعريف الحرية، فلسفيا، بالإستقلال الذاتي. إشتقّ كانت مفاهيم الواجب والإلتزامات الأخلاقية من نظامه الفلسفي الذي يرتكز على العقل وإستقلال الإرادة.
لم يقتنع كانت بالنتائج Consequences للحكم على أخلاقية الفعل أو خصائص ذاتية في التصرف. بل ركنَ إلى مبدأ في ذات العقل قابل للتطبيق على نحو شاملUniversally بإستقلال عن الخبرة، والذي يمكن أن يُعيّن الأخلاقية بغض النظر عن الميول والرغبات والنتائج. هنا نلاحظ شَبَه بين العقل الأخلاقي عند كانت والإنسان الأصلي خلف حجاب الجهل الذي إفترضه راولز في فلسفته للعدالة الإجتماعية مع إختلاف منهج التنظير.
المعالجة النظرية للفيلسوف كانْت ليست بعيدة عن انماط السلوك البشري إذ تأمل كيف يُصدر الناس أحكاما ويتصرفون إحساسا منهم بضرورة أخلاقية حتى بخلاف ما يلائمهم وعلى الضد من رغباتهم، ذلك هو الواجب المطلق. لأنه مبدأ عُلْوي في الأخلاق يُطبّق على جميع الكائنات العاقلة دون شرط ولا إستثناء.
وهو شامل، كوني، واجب على كل فرد في الوضع المماثل، والشمول في قوام أخلاقية المبدأ. ويطبق مع إعتبار الإنسانية متمثلة في نفس الشخص أو في الآخرين بصفتها غاية لذاتها وليست وسيلة. القانون الأخلاقي عند كانْت موضوعي، وهنا الموضوعية تعني إشتقاقه من العقل المحض، مستقل عن مفهوم القرار الحكيم أو النافع بل يتأكد الواجب المطلق بمعارضته مع الإستحسان الشخصي، هو واجب وحسب.
الواجبات الأخلاقية ليست أوامر خارجية بل مفروضة من الذات على ذاتها للكائنات العاقلة المستقلة Autonomous، إرادتها لا تُقيّد إلاّ بالقوانين التي تفرضها على نفسها بالعقل. شرط الإستقلال الذاتي عند المفكرغرين Green يلازم الحرية الإيجابية وهي قوة فعالة لتحقيق غايات الشخص الحر. ولدى الإشتراكيين الحرية هي القدرة على الفعل، فُلان ليس ممنوعا من السفر للسياحة ولكنه لا يستطيع فعلا ان يسافر لأنه فقير، فلم يعد حرا في هذه المسألة، إذ تنقصه القوة الفعالة للفعل، وبذا لا يتحقق تعريف غرين للحرية. ولهذا السبب لم يقبل هايك Hayek تضمين الإمكانية في مفهوم الحرية، لأن الحرية حق طبيعي للإنسان، وعندما تتضمن الإمكانية يصبح من واجب المجتمع متمثلا بالدولة تمكين الأفراد لمزاولة الحرية، وهذا ما لايرده هايك.
التصور الجمهوري للحرية
النزعة الجمهورية Republicanism بدأت خلا ستينات القرن الماضي في سياق إعادة البحث عن جذور الهوية وانتشرت في البلاد الناطقة بالإنكليزية، إلى جانب الفلسفات الأخرى. عادت تلك الأوساط إلى جمهورية روما الديمقراطية الأرستقراطية. وساعدت دراسات تاريخية على بيان الكثير من الوقائع التي تبين أن الثقافة السياسية للبلاد الأنغلو – امريكية في مرحلة النهضة هي مدنية إنسانوية بنزعة جمهورية أي أنها تتأسس على الجمهور Public في الفضاء العام خارج العائلة وليس الفردانية. وتلك الأفكار بدأت أصلا في المدن الإيطالية للتخلص من حكم الأمراء نحو جمهورية بالفضائل الأرستقراطية. وكذلك في المقاطعات الهولندية قي ثورتها للتحرر من الملَكية الأسبانية.
المنحى الجمهوري يهتم بالمشتركات بين الناس خارج حياتهم الأسرية والرفاه المشترك لأن السياسة تشتغل على هذا النطاق وليس الأفراد في عزلتهم. والأصل التاريخي البعيد روما في جمهوريتها بين 510 قبل الميلاد و 31 قبل الميلاد عندما صار Augustus أوغسطين princeps أي صاحب السلطة الأول وهي نهاية ديمقراطية الشيوخ. النمط الأمثل عند الرومان في العهد الجمهوري أن للجمهور الكلمة الحاسمة في تنظيم الفضاء العام. لا بد أن نشير أن روما ذلك الزمن مشهورة بالعبودية، من اسرى الحروب والذين يولدون عبيدا، والمقصود بالجمهور الأحرار وبالأخص الأثرياء ملاك الأرض والعبيد وكبار الموظفين، كي لا يذهب بنا الخيال بعيدا، وحتى بعد قيام الدولة الحديثة ثم المعاصرة في أوربا وامريكا الشمالية فقط في القرن العشرين ألغي شرط الملكية للمشاركة في العملية السياسية.
الجمهوريانية التقليدية تربط بين المواطنة Citizenship، والتي تعني الأهلية السياسية، والملكية إذ عندهم فقط من يملك يستطيع الحفاظ على الفضائل الجمهورية وهي الإستقلال والشرف، فالذي لا يملك ليس مستقلا وكذلك النساء. عام 1918 ألغت بريطانيا شرط الملكية للمشاركة في الإنتخابات وعام 1928 سُمِحَ للمرأة بالمشاركة. فالدولة الغربية " الديمقراطية الليبرالية" كانت كما تصفها الماركسية دولة هيمنة طبقية في قانونها والفلسفة التي تبرر تنظيمها، أما في الزمن الحاضر فهي من الناحية القانونية وفلسفتها دولة كل المواطنين وهم كل الناس بغض النظر عن الملكية رجالا ونساءا، وهكذا في جميع دول العالم التي أقامت الديمقراطية الإنتخابية نظاما لتداول السلطة بعد نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
الليبرالية الجمهورية ايضا تلتزم الحرية المتساوية للجميع في ظل القانون، لكنهم أضافوا شرطا صعبا وهو التحوط ضد خطر التدخل في الحرية والذي لا يزول في الحقيقة إلا إذا أصبح كل شخص على أتم الإستعداد لمقاومة ذلك الخطر، أي ان النظام المُتصوّر يتطلب من كل فرد القدرة على العيش في حرية تتأكد ذاتيا. والتمكين المطلوب لمقاومة التدخل ليس الملكية، هذه المرة بل أن يكون الفرد شخصا Person أي ذات تستطيع تأكيد هويتها وحضورها في المجتمع. لكن هذا لا يكفي ولا زال مفهوم الحرية الجمهوريانية بحاجة إلى سند لإستقلال المواطن يدعم المساواتية التي تريدها.
فالحرية بالمنظور السلبي التحرر من التدخل، بينما الحرية الجمهوريانية تُعرّف بالتحرر من الهيمنة، أي لا يكون المواطن عرضة لأرادة الآخرين الإعتباطية. فالهيمنة هي الضد للحرية فليس حرا من يُحتَمل أن يكون عرضة لأهواء آلآخرين ومطالبهم الخاصة. والحكومة المثالية الحامية للحرية تضمن ان لا جهة أيا كانت بما فيها الحكومة لها نفوذ إعتباطي على أي مواطن، وهذا لا يحصل إلا بالتوزيع المتساوي للقوة، وهو شرط معقد وسؤال لم تتوفر إجابته بوضوح بعد.
وإلى ذلك تؤكد هذه المدرسة أن يكون القانون عام ومعلوم ويطبق على الجميع ولا أحد فوقه، وهو مبدأ لا يُنازَع. ومما تختلف به الجمهوريانية عن الليبرالية الكلاسيكية كونها تتوقع مشاركة المواطنين في الحياة العمومية وللخير العام أولوية على المصالح الفردية. الفساد والمصلحة الشخصية يهددان الحرية وسلامة الجمهورية. وإعلاء مبدأ السيادة الشعبية لتأتي سلطة الحكومة من الشعب الذي يسائل ممثليه. والتوازن بين مختلف مكونات الشعب وان تتوزع القوة او النفوذ بما يمنع التركز.
يُستنتج من مجمل الأطروحات الجمهوريانية أن مقومات الحرية ليست موجودة في المجتمعات المعاصرة لأن المواطنين لا يتكافأون بالقوة إلا إذا إعتبرنا المساواة أمام القانون تعني تساوي القوة بين المواطنين.
مسارالفلسفة الليبرالية بين العهد الكلاسيكي وهذا الزمن
ثمة محطات أو إنعطافات صارت اطروحات رئيسة في الليبرالية أولها الكلاسيكية التي تعبر لدى البعض عن لحظة الإنتصار الحاسم للبرجوازية الصناعية على ارستقراطية الأرض؛ ثم المنفعية التي أبرزت في الواجهة أهمية سعادة المجموع ومهدت الطريق للكلاسيكية الجديدة؛ والليبرتارية وهي توأم الكلاسيكية؛ والنيوليبرالية وهي كلاسيكية متشددة في الإقتصاد محافظة إجتماعيا. نعرض هذه المدارس عبر الحوار معها والمقارنة فيما بينها وما نرى.
في البداية نتعرّف على الكلاسيكية التي برزت نهاية الثلث الأول من القرن التاسع ، بالإقترام مع نظام الإقتصاد الذي يقوم على الملكية الخاصة ونظام السوق وحرية التجارة. وثمة علاقة بين الملكية الخاصة وحمايتها من جهة والحرية في النسق الاخلاقي من جهة أخرى حد التلازم الضروري عند الليبراليين الكلاسيك وكذلك الليبرالتاريونLiberaltarians . وغالبا ما يؤكدون أن الحقوق جميعها بما فيها حق الحرية أشكال للمِلكية، ومنهم من يرى المِلكية ذاتها شكل من اشكال الحرية. المِلكية الخاصة لا غنى عنها لحماية الحرية، عندهم، وفي هذا الطرح إشكال كبير يجعل الملكية الخاصة ناقضة لحرية من لايملك. وبذا فالنفي الماركسي للحرية في نظام المِلكية الخاصة يتأسس على الأطروحة الليبرالية ذاتها وليس من خارجها. أي أن "الديمقراطية الليبرالية" بنظام إقتصادي يقوم على الملكية الخاصة هي نظام للهيمنة حيث الحرية للمالكين وبقية الناس مستلبون مُذعِنون. فالماركسية والليبرالية ينتميان إلى ذات المقدمة الرئيسة في البناء الفكري وهي أن الملكية الخاصة جوهر الوجود البشري، إلى الآن، لكن الفرق بينهما أن الليبراليين منسجمون مع النظام الذي أسخط الماركسيين وينتظرون زواله إلى عهد بلا ملكية.
وقبل مواصلة المراجعة، أرى عالم البشر في عصرنا لا بد أن يرتكز على مُقوّم آخر أعمق وأقوى ويطوع الملكية بما يضمن كرامة الأنسان وحريته وثراء الروح والمودة بين البشر. والمقوم الذي أراه وقد بينته في مناسبات أخرى هو شراكة البشر في النظام الطبيعي – الإجتماعي على شموله وأنّ الخيرات جميعها، بما فيها الحرية الفردية، نابعة من هذا النظام وهي حق للجميع فهي ليست ملكية إنما شراكة. وما يسمى ملكية خاصة أو حكومية، وحكومة وإدارة عامة وغيرها، هذه تدابير تنظيمية لا يُسمح لها بتأسيس إمتيازات لبعض الناس على بعضهم أو سلب بعضهم لحرية بعض.
وحتى الفرد الفاقد لكل القدرات شريك له الحق في جميع خيرات النظام الطبيعي – الإجتماعي. مثل هذا الفهم للوجود البشري إرادة أخلاقية والحياة الممكنة في ظل الشراكة من تلك الإرادة وليست نتيجة لفعل قوانين موضوعية للتطور، هذا هو تصوري المعياري.
هايك يقول " حرية النشر ليست ممكنة ما دامت الطباعة تحت سيطرة الحكومة، لا حرية للتجمع إنْ كانت الغرف المطلوبة كذلك مسيطر عليها، لا حرية للحركة إنْ كانت وسائط النقل محتكرة للحكومة". وبالإمكان القول نعم ما ذهب إليه هايك صحيح إذا كانت الحكومة شخصية قائمة بذاتها إزاء المجتمع وليست لا شخصية بمعنى الكلمة. تعمل بمضمون الوكيل المنفذ وليست وحشا لا يمل إفتراس الناس وتعذيبهم. كما أن المنظمات الخاصة للإنتاج لا تؤثر سلبا في حقوق الأفراد في الحرية والعيش الكريم إذا ما أصبحت تدار في ظل مبدا الشراكة في النظام الطبيعي – الإجتماعي الشامل. الملكية حق التصرف فعندما يكون هذا الحق في المؤسسات العامة، عمليا، للجهاز البيروقراطي أو عصابة تسمى حكومة فبالتأكيد تصبح مخاوف هايك في محلها ولا يجادله فيها من يرى الحقيقة فضيلة عظمى.
طيف واسع ومتصل من الأفكار يشترك في أولوية الحرية الفردانية والإهتمام بضماناتها على جهتين، الليبرالية الكلاسيكية والليبرالتارية لكن نقطة تقسيم الطيف متحركة تبعا لزاوية النظر. وخلف التقسيم ثمة منطلقات اخلاقية فيما إذا كانت الحريات أو الحقوق لها قيمة ذاتية أم مستمدة من إفتراض التعاقد أو تبعا لنتائج ممارستها. حياة الفرد، رخاؤة وسعادته، وإشباع تفضيلاته لها أهمية قصوى لذاتها وليس لمجرد خدمتها لرفاه المجتمع وإشباع تفضيلاته. هذه المعيارية الفردانية تكمن دائما خلف الألحاح في تأكيد عدم مشروعية التصرفات والسياسات التي تملي خسائر على بعض الأفراد بإدعاء أو من أجل تقديم المزيد لآخرين، هذه الصيغة للأطروحة تمثل اللبرالتارية عقيدة كما يفهمها Nozick، ومن الواضح كيف أن الحرياتية هذه على نفس الخط بدايته الكلاسيكية.
ومن المعلوم معارضة النفعيين، وهم من هذا الطيف الواسع، لهذا الفهم إذ عندهم سعادة المجموع لها قيمة بذاتها. وبذلك يمكن النظر، معياريا، إلى اهمية الأفراد بصفتهم وسائل لتحقيق خير المجموع. ولذا يرى البعض أن المنفعية أسست لأولوية المجتمع او الموازنة بين الأفراد والمجتمع فيما اصبح يسمى الليبرالية
الجديدة New، التي عبرت عنها أحزاب الديمقراطية الإجتماعية أو الإشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية. وإن كان المنشأ الإجتماعي السياسي لتلك الأحزاب الوسط العمالي والحركات الإشتراكية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومن المفيد التذكير أن الليبرالية الجديدة، آنفا، تختلف عن النيوليبرالية Neoliberal فهذه أقرب إلى اللبرالتارية وبدأت فاعليتها نهاية سبعينات القرن العشرين، وتتبنى الليبرالية الكلاسيكية في الإقتصاد ومحافظة إجتماعيا. وتبعا للمنفعية رغبات الفرد ينبغي، إعتياديا، إشباعها لإقصى درجة ممكنة دون إعتراض رغبات الآخرين، بمثل هذه اللغة أدرجت ضمن الطيف الواسع لتسمى الليبرالية المنفعية. ولا يبدو ان المنفعية، كما عند جون ستيوارت مل، تصطف بسهولة مع الطيف الليبرالي الذي يجعل الفرد، أنطولوجياً، موضع القيمة في التحليل الأخير، وليس الطبقة أو الجماعة الثقافية أو الأمة. والأفراد فقط هم الفاعلون الحقيقيون وحملة الحقوق والمسؤوليات، وهم الذين يتخذون قرارات الإختيار، ولا يوجد ما يسمى إختيار إجتماعي.
في رأيهم، الليبراتاريون، عندما يطلب الفرد حريته وان يعتني بنفسه هذا أسهل على الآخرين ويمكن إتاحته بكلفة بسيطة مما لو يطلب الإنتفاع على حساب الآخرين. وإحترام الفرد وحريته يتطلب إحترام سيطرة الفرد على جميع ما يملك، وهكذا يُكاثَر الخطاب دون إضافة لأن كل ما يقال مُولّد من الفرد وحريته وممتلكاته حازها دون المساس بحرية الآخرين وفردانيتهم. وأيضا، المؤسسات السياسية التي تستخدم الأكراه أكثر ضد مواطنيها يقع عليها عبئ التبرير وهو صعب وذلك يشير إلى رغبتهم القوية في تقليص النطاق الحكومي في الإقتصاد والمجتمع. لقد تعارفت هذه المدرسة على رفض التمييز بين الأخلاقية التي ميدانها الأفراد وتلك التي تختص بالمؤسسات العامة والموظفين. فلا توجد ميزة أو كرامة خاصة تُخلع على وظائف الحكومة او القطاع العام فالموظف الحكومي ليس في تكوينه أكثر نُبلا من سائر الناس ولا يستحق معاملة خاصة مقارنة بالمواطنين في القطاع الخاص. ونكمل لتغطية نسقهم الفكري في هذا المورد، يرى الليبرالتاريون والليبراليون الكلاسيكيون أن التدخل الحكومي يقود في الغالب إلى عدم الكفاءة وإساءة إستخدام الصلاحية.
الليبرالية الجديدة New مهّد لها ستيوات مل لكنها بدأت في الظهور بعد الكساد الكبير بين نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن العشرين ومجالها الإقتصاد. شككت بالقدرة الذاتية للأسواق في الحفاظ على التوازن مع التوظيف الكامل للعمل، ومع تعزيز الديمقراطية صار يُنظر إلى الحكومة بأنها حكومة الناس وبالناس أنفسهم وتزايدت الثقة بقدرتها في الأشراف على الإقتصاد لضمان التوازن الرخي .
النيوليبرالية عودة للّيبرالية الكلاسيكية، حماية الملكية الخاصة وحرية التجارة وعدم التدخل الحكومي في النشاط الأقتصادي وحرية السوق بعد مدة من تسويغ التدخل الحكومي واكثر من ذلك مزاولة الحكومة للإستثمار الإنتاجي والإنتاج في ميادين محددة. ولذلك تسمى Neo وليست New جمعت النيوليبرالية بين اللبرالية الإقتصادية والمحافظة التي ترفص الدعوات إلى الحرية الإجتماعية، بمعنى رفض إضفاء الصفة القانونية على أنماط حياة جديدة، والتركيز الحصري على الفهم الإقتصادي للحرية مع تسلطية في الضبط الإجتماعي..
النيوليبرالية ترى في الرفاه سببا للتكاسل، وأحيانا ذهبوا حتى إلى إعتبار البطالة نتاج خاصية دورية للتكاسل الجماعي، وليس لعدم الإستقرار المعروف بالتصحيح الذاتي الذي تنطوي عليه آليات عمل الأسواق.
الليبرالية والتعددية الثقافية والجماعاتية
وجهت الكوميونتارية، الجماعتانية ، Communitarianism نقدا إلى الليبرالية في إعارتها الإهتمام الأكبر لإستقلال الفرد، في حين ترى الأفراد مغروسين عميقا في الكوميونات، الجماعات، والسياقات الإجتماعية. وينصب البحث إلى التوصل لموازنة بين حقوق الأفراد وإلتزامات وقيم الجماعات. تدور الليبرالية حول مبادئ عامة مطلقة بينما تشدد الجماعاتية على القيم المعينة في الثقافات والتقاليد التي لها تاريخ لا يستطيع الفرد الإنفلات من قبضته. في المجتمعات متعددة الثقافات تدعو الجماعاتية إلى الإعتراف بالجماعات وحقوقهم في الحفاظ على تقاليدهم وهوياتهم، وهنا تنشا مشكلة التوفيق بين حقوق الأفراد وحقوق الجماعات، ولا شك في مواجهة مشكلة الشرعية السياسية عندما يتضاءل ثقل القيم والروابط المشتركة العابرة للجماعات الثقافية والأثنية، فتظهر مشكلة التعارض بين التعددية الجماعاتية والسلطة التي تقوم على الأكثرية في الديمقراطية الليبرالية المعاصرة.
ولكي تعمل الدولة بكفاءة لأداء وظائفها فلابد للجماعات من التكيّف مع مقتضيات الدولة، اي تمتنع الجماعات عن التدخل في المتماثل والشأن الوطني الذي ليست له صفة دون وطنية، إقليمية أو محلية واضحة، كما ارى وهو مقترح إجرائي يحتاج فلسفة. وكلما أوغلت الجماعات في الإحتشاد حول بؤرة إستقطابها الخاص يواجه المجتمع الكبير مشكلة تهميشها أو إنفصالها. بتعبير آخر الدولة الواحدة تقوم على مجتمع واحد من الأفراد، أما الجماعات فهي ثانوية سياسيا وبخلافه لا تستقيم وحدة الدولة وهي مسؤولية المجتمع الكبير العابر للجماعات.
من المعلوم أصلا أن الدولة ليست كونفدرالية جماعات ولم تكن كذلك فشعارات الثورة الفرنسية الحرية والمساواة والأخاء لا تشير إلى شكل محدد لتنظيم الإجتماع البشري ميدان تلك المبادئ؛ وكذلك عموم الرؤى الليبرالية لا تتبنى الخصائص التي تقوم عليها الجماعة Community مثل اللغة، الدين، الثقافة أو طريقة الحياة. وحتى لو كان مجتمع الدولة الكبير من جماعة متماثلة تماما في الدين واللغة وإسلوب الحياة. تبقى الليبرالية مؤسسة على الفردانية ولا تملي على الأفراد طريقتهم في الحياة ودينهم وكيف تُنسج العلاقات فيما بينهم سوى عدم تجاوز الفرد على حقوق الآخرين. ويتضح من التأمل في المبادئ الليبرالية أنها عابرة بطبيعتها للتنوع بمختلف أشكاله وهي مطلقة، بهذا المعنى، سواء كانت الدولة لعشيرة صغيرة أو لكل العالم.
والليبرالية لا تريد إجتراح نسق من قيم الأخلاق أو محور ولاء بديلا عمّا لدى الجماعات إو إضافة لما لديها لتكون بمثابة طائفية أو قومانية أخرى. لا، إنما هي إطار سياسي للوحدة مع التنوع. وإذا تمادت الجماعات في تسييس قومياتها أو اديانها، أو حتى موقعها الجغرافي بموازاة الإطار السياسي الجامع فعند ذاك تدخل الدولة في أزمة.
يعتقد الجماعاتيون أن قيم الجماعة لم تحظ بالإعتراف الكافي في نظرية العدالة الليبرالية ولا في ثقافة المجتمعات الليبرالية. الجماعة أي المجموع في مقابل الفرد موضع إهتمام لحركات قومية ودينية ليست ضمن النسق الليبرالي. والجماعة المعنية قد تكون دون الوطنية أو عابرة للحدود وهذه الإنشغالات ليست معنية بتحسين نوع الحياة أو النظام السياسي بقدر إرتباطها بمشروعات سياسية لتوحيد عدد من الدول حول دولة محورية مركزا لها تسمى أحيانا الدولة القاعدة؛ او تسعى، تلك الحركات، للإنفصال عن دولة متعددة الثقافات. الأحزاب الإشتراكية والماركسيون يهتمون بالجماعة، لأن لها اولوية على الأفراد، لكن الجماعة لديهم تتمثل بالمجتمع الوطني عادة. وعند الماركسيين الجماعة لا تصل إلى افضل الممكن إلا بعد تغيير جذري يُنهي الملكية الخاصة نحو نظام تتوفر فيه مقومات التكافؤ الإقتصادي بين الناس.
الجماعاتيون Communitarians الجدد يرون الجماعة موجودة أصلا تُعرّفها ممارسات إجتماعية مشتركة، وتقاليد ثقافية، فقط تحتاج إلى الإحترام والحماية. الجدد أكثر ميلا إلى التسوية التي تتطلب تكييفا لمبادئ الليبرالية التقليدية للعدالة والحقوق لتسهيل الإنسجام. النظرة إلى الخلف والإعتقاد ان افضل وأقوى روابط الجماعة في الماضي ، تقابلها توجهات أكثر ليبرالية ومُعاصَرة تحتفي بالإختيار الفردي ونوع أو طريقة الحياة، أو إستدعاء مفهوم الخير العام. في حين الأولى قد تنشأ عنها ميول متطرفة عنصرية او دينية، الثانية عرفت ايضا بإهمال الحقوق الثقافية لجماعات مجتمع الدولة الكبير.
الجماعاتيون الجدد يتبرأون من الحنين إلى الماضي ويقبلون أن الخيار الفردي والتنوع الثقافي خصائص دائمة للحياة الحديثة. ويتجلى هذا التوجه بتقوية الوطنية Patriotismوالمواطنة الديمقراطية والمجتمع المدني الذي يشجع الناس من مختلف الخلفيات للعيش والعمل معا. العديد من الليبراليين إستجابوا وأظهروا أنهم مع النظرة المستقبلية أي أن الناس من مختلف الثقافات في مجتمع الدولة يعملون سوية لصناعة حياة مشتركة طيبة لهم جميعا.
وصار من المالوف إضافة الليبرالية إلى الجمهورية والوطنية والقومية والتعددية الثقافية والمجتمع المدني، وهذه جميعها تريد بيان أن المجتمع الليبرالي ليس فردانيا على نحو حصري، ويمكن أن يحتضن ويدعم الهويات الجماعية ومختلف الروابط. جدل ثمانينات القرن العشرين أفضى إلى ثراء الخطاب وتنوع المواقف والألويات كلها لصالح الالفة والتعاون وتعميق الشعور بالمسؤولية تجاه الكل.
بناء هوية وطنية جامعة دون قمع التعددية الأثنية والدينية مهمة كبرى، تتطلب النهوض بالمشاركات المدنية والحوار الديمقراطي الهادف لتنشئة مشاعر الثقة والتضامن في المجتمع الكبير . توجد الكثير من المشتركات التي تُعَطَّل فاعليتها عندما تكون الفئوية والإنشداد إلى بؤرة الجماعة الفرعية مطلوب لذاته ويحظى برعاية وممارسات تعبوية أقوى من التوجه الوطني الموَحِّد. تأتي لحظة المجتمع المنسجم على تعددية متسامحة عندما تصل أغلبيات الجماعات الدينية او القومية إلى تشخيص الأفكار والمواقف الشوفينية وإدانتها لنبذها وبخلافه يبقى التنافر والعداء دفينا في إنتظار الظرف المناسب للحرب.
عندما يغادر الفاعلون السياسيون سيكولوجيا المباراة الصفرية والإبتزاز، وتُستجاب إحتياجات الناس عفويا بدافع المحبة أو تلبية الواجب تنتفي المطالبة بالحقوق ولذا يشتد الإهتمام بالعدالة أو الجدل حولها مع تدهور الوضع الأخلاقي، وعندما يتخذ الجدل طابع المشاطرة والمغالبة الجماعاتية فتلك حافة الحرب.
الليبرالية والإخلاق والقيم والموقف من المجتمع
لقد أُشِير آنفا كيف ان الليبرالية بذاتها مبادئ عامة مجردة عن الثقافات وتاريخ الجماعات كي تصلح لوظيفة الإطار وتنسجم مع أولوية حماية الحرية الفردية. ومع بقاء الليبرالية سياسيةً أساسا لكنها توطنت ضمن نسق متكامل يحتوي أوسع نظريات الأخلاق والقيم ومندمجة في المجتمع. ويعتقد الكثيرون من غير الممكن تحررها من المختلف عليه في الميتافزيقيا والأبستمولوجيا. فعلى سبيل المثال جون ستيوات مل تساءل بصورة غير مباشرة حتى عن تبرير الحرية عندما يصرح أن أحد أسس إقرارها لما فيها من خير وصلاح في تطوير الفردية وتنمية القدرات. وبهذا تُنتِج كائنا إنسانيا متطورا إلى أفضل ما يمكن أن يصير إليه، وهي بذلك لم تعد نظرية حول السياسة وحسب بل نظرية أخلاقية جوهرية في الخير تنشد الكمال، ولا يستطيع إنجاز هذه المهمة سوى النظام الذي يضمن حرية موسعة لكل فرد. ويتكرر هذا التقييم لمبدأ الحرية الفردية الليبرالية في القرن العشرين وإلى يومنا، بأن الحياة الطيبة الخيرة يختارها الفرد بحرية ليطور إمكاناته الفريدة.
أما كانت Kant فيرى أن المجتمع يتألف من تعددية قوامها الأشخاص كلّ لغاياته ومصالحه ومفاهيمه للخير، وينتظم المجتمع على أفضل وجه عندما يحكم بقيم ليست بذاتها تفترض أي مفهوم بعينه للخير، ومن الواضح أن الليبرالية تمثل هذا الموقف الكانتي. وتتضمن هذه الأطروحة الإمتناع عن فرض مفهومنا للحياة الصالحة الخيرة على الآخرين الذين نحترم شخصياتهم. تلك فكرة التعاقد الكانتية. اما هوبز فيفترض أفراد البشر يسعون لمنفعتهم ويدركون ان إمكانية كل شخص في الملاحقة الفعالة لمصالحه تتعزز بإطار من المعايير تكتنف الحياة الإجتماعية وتُقسّم ثمار التعاون الإجتماعي.
التكاملية او نشدان الكمال Perfectionism نظرية للتصرف الصحيح او الفعل الحق وهي بذلك تعبير عن الأخلاقية، ويمكن إعتبارها دليل الصحة Rightness تفترض مسبقا نظرية للقيمة أو الخير، والغاية العليا للقيمة عند الإنسان تطوير الشخصية والحياة المستقلة. في دفاعه عن الحرية السلبية برلِن Berlin يشدد على أن القيم أو الغايات متعددة وملاحقة واحدة منها تتضمن عدم إحراز الأخريات. أي الغايات تتصادم وفي الإقتصاد ملاحقة إحدى الغايات ترتب تكاليف فرصية وهي المنافع الضائعة بالتخلي عن الفرص البديلة. لا توجد طريقة لتراتبية الغايات مبررة ما بين الاشخاص، وهو نفي لإمكانية الخيار الجمعي وتاكيد الفردانية. ولا يمكن تحقيق جميع الغايات، الأهداف، بل ينبغي لكل شخص تكريس نفسه لبعضها بكلفة التخلي عن الأخريات. لهذه الأفكار مضمون من جهة أخرى نعرضه ببساطة هكذا: الإمكانات لا تسمح بإشباع جميع المرغوبات او تحقيق جميع الأهداف، وبما أن تفضيلات الأشخاص تختلف لهذا الشخص A افضل من B وهذه أفضل من C ، بينما لشخص ثاني B افضل من A وتبقى C في الأخير، ولثالث بالعكس من C ثم B وأخيرا A لذلك من غير المنطقي أن تتولى جهة ، الحكومة مثلا، تخصيص الإمكانات للأهداف. فيترك الأمر للاشخاص ولو وصلت البشرية إلى الإمكانية المطلقة بحيث كل الغايات متحققة لم تبق للفردية بالمعنى الليبرالي حاجة.
الذي ينشد الكمال والتعددي والذاتي يتفقون على ان أفراد الناس يسلكون سبلا مختلفة في العيش، فالذي ينشد الكمال يرى ذلك في فرادة قدرات الفرد وتطويرها يمنح الشخص قيمة لحياته؛ وللتعددي لأن القيم عديدة ومتنازعة على الإمكانية المحدودة؛ وللذاتي لإختلاف الرغبات والأذواق فتختلف تراتبية القيم من فرد لآخر تبعا لها.
نتناول طرفا من السجال بين الفردانيين والجمعيين Collectivists أو الجماعاتيين وأحيانا العضويين Organicists ويدور الجدل حول طبيعة كل من المجتمع والفرد. تقترن الليبرالية، عادة، بالتحليل الفرداني للمجتمع، ويتفق هربرت سبنسر Spencer مع الكثيرين في أن خصائص المجموع تعتمد على سمات الأجزاء. نهاية القرن التاسع عشر تعرضت هذه النظرة تعرضت هذه النظرية لرفض من المتأثرين بالفلسفة المثالية، ومنهم Ritche بأن المجتمع ليس كومة من الأفراد بل أقرب إلى الكائن العضوي بحياة داخلية معقدة. ويمكن التذكير بفرضية الإنبثاق، كما يبدو لي، لتصور أن الكل الاجتماعي له خصائص تنبثق عن حصيلة التفاعلات بين الأفراد وتلك الخصائص ليست قابلة للإرجاع إلى الأفراد بل مفارقة لها، وابسط مثال تبدا به فرضية الإنبثاق خصائص الماء التي تختلف عن كل من الهيدروجين والأوكسجين وليست تجميعا بسيطا لخصائصهما .
برنارد بوسانكويت Bosanquet مثالي في الفلسفة السياسية والإجتماعية على خطى هيغل، يعتقد أن الدولة ليست مجرد عقد ما بين الأفراد إنما هي عضوية أخلاقية تُعبّر عن الإرادة العامة والحياة الخُلقية لمواطنيها. الدولة تساعد الأفراد لتحقيق ذواتهم الحقة، ليس من خلال حماية حقوق الفرد فقط ، بل تزودهم بإطار إجتماعي مؤسسي للتطور الأخلاقي. الفرد ليس ذرة معزولة إنما الهوية الشخصية والحرية تعرّفان من داخل السياق الإجتماعي. ماهية الفرد ليست إلاّ من خلال المجتمع والحرية الفردية ليست حرية من المجتمع بل حرية من خلال المجتمع. وأيضا، يرى الحرية إيجابية وليست سلبية متأثرا بهيغل أنها تحقيق للذات ويتمثل دور الدولة في رعاية وترقية تلك الحرية الإيجابية بالتعليم والإرشاد الأخلاقي والمؤسسات الإجتماعية. وهناك ليبراليون لا يتفقون مع فردانية بنثام الراديكالية ولا مع أطروحة بوسانكويت التي جعلت الفرد تابعا للمجتمع تماما. كارل بوبر Popper المعروف بفلسفة العلم عنيف في نقده للماركسية والهيغلية في تاريخيتهما وتأكيدهما على الكلية الإجتماعية ويراها منافية لليبرالية بطبيعة منهجها. وشهد التنظير الإقتصادي منذ نهاية ثمانينات القرن العشرين عودة قوية للفردانية ونقد عنيف للتدخل الحكومي في المدرسة الكلاسيكية الجديدة New والتي تجاوزت النيوكلاسيك في نفي فاعلية السياسات الحكومية ونقد الكينزية.
الديمقراطية وصلتها باللبرالية
الديمقراطية حكم الناس أو الشعب من لغة اليونان إرتبطت بدويلات المدن هناك ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، وتلك الديمقراطية تستبعد العبيد والنساء واكثرية العاملين فهي حكم القلة نتيجة القيم وتقاليد ذلك الزمن وليس لجعل السلطة حصرية بإرادة الأقوياء. ويشار إلى بدايات للديمقراطية قبل اليونان بزمن مديد في العراق القديم والصين. في العراق، خاصة العهد السومري المبكر في دول المدن الرئيسة، ثمة دلالات على وجود مجالس من كبار السن، ومن الشباب، الأحرار حملة السلاح. ولتلك المجالس سلطة سياسية معتبرة وتستشار في المسائل ذات الأهمية مثل الحرب.
وملوك ذلك العهد مثل غلغامش Gilgamesh لم تكن سلطتهم مطلقة، وتُبين نصوص الملحمة كيف جادل انكيدو الملك غلغامش على التراتبية ونزل الأخير عند مقترحه في الركون إلى معيار مستقل عن المكانة الحكومية. في الأساطير كان العراقيون آنذاك يسمون أنفسهم البشر، بلا إضافة، يجادلون حتى الآلهة بندية رغم الإعتراف بقوتهم الخارقة، وتوضح تلك الوقائع إزدرائهم للواقعية السياسية على ما تسمح به تلك المدونات من إستنتاج دون تعميم ولا تنميط.
ويذكر أن مثل تلك المجالس السومرية وجدت ايضا عند الفينيقيين وإيران والهند، وفي القرآن الكريم إشارة إلى أن بلقيس في اليمن كانت تستشير مجلسا من الحكماء أو اهل النفوذ. وفي النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد كانت جمهورية روما، قبل تحولها إلى إمبراطورية، يديرها مجلس الشيوخ. وفي القرن الثالث عشر صدرت في بريطانيا الوثيقة العظمى، ماغنا كارتا، بمثابة دستور لتنظيم العلاقة بين الملك والبارونات الذين تعاظم نفوذهم فقيّدوا سلطات الملك، وتطورت تلك البداية لحين إكتمال النظام الديمقراطي في تمثيل كل الشعب عام 1928 ، وكانت الليبرالية مزدهرة في بريطانيا قبل ذلك. واستطاع الليبراليون الضغط في البرلمان عام 1846 لإلغاء قوانين الذرة واكتمل تنفيذ الألغاء عام 1849 وهو إنتصار الليبراليون على المحافظين في حرية التجارة. وتشكل الحزب الليبرالي منتصف القرن التاسع عشر وأول حكومة يشكلها الليبراليون برئاسة وليم غلادستون عام 1886. ولذلك يقال اليبرالية أسبق من الديمقراطية، كما نعرفها الآن، في بريطانيا.
يرتبط مفهوم الديمقراطية بحكم الأغلبية، أغلبية من يحق لهم الإنتخاب وكانوا جزءا صغيرا من المجتمع في أوربا القرن التاسع عشر. وثمة معايير أخرى للديمقراطية مثل من يحكم، وحدود الصلاحيات، وما هي المسائل موضوع القرارات، والإجراءات ، ودرجة التداول أوالإستشارة في صناعة القرار ...وهكذا.
والديمقراطية، بغض النظر عن سعة المشاركة، ليست بالضرورة أكفأ طريقة للحكم والإدارة بمقياس ما للإنجاز، إنما تتصل بالشرعية أي فلسفة الأخلاق ومنها موضع السيادة والمنشأ المعياري للعلاقة بين الناس ومؤسسة الحكم. ولذا لا تجوز المقارنة بين الديمقراطية وسواها على أساس النتائج Consequences بل مدى الأنسجام مع أصل الشرعية. من أبرز مبررات الحكم الديمقراطي أن الناس بصفة عامة أعرف بمصالحهم، آخذين في الإعتبار حقوق المواطنة المتساوية. ولا توجد طريقة لتقليل إساءة إستخدام السلطة السياسية أفضل من تقسيم تلك السلطة بالتساوي وبهذا المعنى تكون الديمقراطية أحفظ لتلك المصالح.
وللديمقراطية نماذج عديدة نظريا نعرض التي حظيت بإهتمام أكاديمي ومنها ديمقراطية شومبيتر؛ والديمقراطية الشعبوية ؛ والديمقراطية الليبرالية وهي موضع الإهتمام لصلتها بالموضوع الرئيسي؛ وديمقراطية المشاركة؛ والديمقراطية الإجتماعية ؛ وديمقراطية التداول أو الإستشارة. تعرف الديمقراطية عند Schumpeter بأنها ترتيبات مؤسسية تضمن حيازة الأفراد للقدرة على إتخاذ القرارات بوسيلة التنافس على اصوات الناخبين. ويستند هذا التعريف على مركزية التنافس السياسي في الديمقراطية دون إضفاء قيمة جوهرية على عملية التنافس من أجل الأصوات. لا يعين شومبيتر المساحة الإجتماعية للاصوات فحتى جنوب أفريقيا قبل إلغاء نظام الفصل العنصري وإقتصار التصويت على الأقلية البيضاء كانت ديمقراطية، وربما أرد شومبيتر تبني تعريف شامل لتطور الديمقراطية عبر التاريخ حيث لم يتسع حق المشاركة لجميع البالغين في بريطانيا إلا عام وقبلها كانت للمالكين البيض من الرجال وكذلك في الولايات المتحدة التي هاجر اليها شومبيتر.
الديمقراطية الشعبوية، الجماهيرية، ترفض تعريف شومبيتر لتؤكد الأجراءات الديمقراطية وقيمة المشاركة الشعبية والتطلع إلى الديمقراطية ذات الطابع الجماهيري ومبدأ أن الناس الأحرار المتساوون يحكمون أنفسهم لا أن يُحكمون بقوة من خارجهم. ومن مقتضيات هذا النموذج حرية التعبير والصحافة وحرية التنظيم، تشكيل الأحزاب وغيرها مما هو ضروري للحرية السياسية، وحكم القانون وبذلك حماية من الإرادة الإعتباطية للبيروقراطية. المساواة في حق التصويت لجميع البالغين في المجتمع كله، وتنتظر الديمقراطية الجماهيرية هذه نتائج جوهرية دون التلاعب بالتفضيلات السياسية.
الديمقراطية الليبرالية تعارض جزئيا الديمقراطية الجماهيرية الشعبوية إذ لا تقر أن الحكم الشعبي هو القيمة السياسية النهائية ولا بد من تأهيل الديمقراطية آنفا بمجموعة الحريات الأساسية والتي لها الأولوية على الحكم الشعبي وشروطه. وتذكر منها حريات التفكير، التعبير، التنظيم ، الدين، وحق الملكية الشخصية حرية أساسية، وحرية التصويت والحق في تكافؤ الفرص لإشغال إدارة حكومية، والحرية من عدم التعرض للإعتقال والإحتجاز التحكمي إنسجاما مع مفهوم حكم القانون.
الديمقراطية الليبرالية فيها فسحة مبدئية اوسع للقضاء وإستقلاله وفصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية والرقابية، والتدقيق والموازنة داخل السلطة الواحدة وما بين السلطات، وهذه أصبحت شائعة في الديمقراطيات الدستورية. لا تُجيز الديمقراطية الليبرالية وضع قيود مؤسسية على الإرادة الشعبية للحفاظ على مزايا ليست عادلة لجماعة صغيرة أو كبيرة.
الفرق بين الديمقراطية الليبرالية وغيرها في المبادئ اولاً وعلى صعيد الممارسة قد لا تجد إختلافا بين ديمقراطية شعبوية، جماهيرية، والديمقراطية الليبرالية. في الواقع لا توجد ديمقراطية ليبرالية لا تقيّد بعض الحريات ولا بد من تعريف الحريات الأساسية تعريفا تتفق عليه مختلف الثقافات كي تكون الديمقراطية الليبرالية نظاما مجردا عابرا. فهل من الضروي اخلاقيا عدم منع المبارزة حتى الموت مثلا، او افلام الخلاعة أو الإنتحار أو تجارة المخدرات لأن منعها ينهتك الحرية الشخصية لمن يريد تعاطيها. الأخلاق ليست مسألة شخصية دائما لأنها في الأساس قواعد منظمة للسلوك في المجتمع ولذلك من الصعب النظر إلى إختزال وظيفة الدولة، إضافة على ألأمن وخدمات عامة، إلى حماية إختيارات الأفراد من الحكومة والمجتمع. حماية الأفراد ونظام الحياة من عبث الأفراد وتخريبهم وسلوكهم الإجرامي تبقى له الأولوية، وليس من المعقول تقليص السلطات العامة خوفا من إساءة إستخدامها إنما الكفاح وإتقان تصميم النظام كي لا يسمح لأفراد او مجموعة يستغلون صلاحيات المواقع التي يشغلونها في العدوان على الناس والمصالح العامة.
الديمقراطية التشاركية تأخذ على الليبرالية ترجيح حماية الحريات الشخصية على المشاركة السياسية، وتدعو إلى تنشيط مشاركة المواطنين في القرارات العامة مشاركة مباشرة دون الإقتصار على إنتخاب من ينوبون عنهم في صناعة القرار. ويبدو أن التشاركية معجبة بالصورة المتخيلة للديمقراطية الأثنية المباشرة في دولة المدينة آنذاك. توجد محاولات للأخذ بالديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي،
وأحيانا تستفتي الحكومات المركزية المواطنين في القرارات التأسيسية مثل الإستفتاء على الدستور في العراق، أو القرارات الكبرى مثلما فعلت بريطانيا للخروج من الإتحاد الأوربي، او إسكوتلندا في الإستفتاء الذي رفضت فيه الأغلبية الإستقلال عن بريطانيا، واحيانا تستفتي الحكومة الوطنية النظاق الإجتماعي الذي يتأثر بمشروع تريد إقامته.
ذهبت الديمقراطية الإجتماعية إلى ميادين تعدها الديمقراطية الليبرالية خاصة، وبذا فهي ليست موضوعا للمبادئ الديمقراطية. حجة الديمقراطية الإجتماعية أن مبادئ الديمقراطية لا تمتلك قيمة ذاتية وتبرر في تحاشي التهديد الطغياني لحياة الأفراد نتيجة لتركز القوة والنفوذ. ولذلك ، في الإقتصاد، تمنع الديمقراطية الإجتماعية الإحتكار في القطاع الخاص وأي نشاط إحتكاري بطبيعته لا بد أن ينقل للقطاع العام، وهذا صار من القواعد المتفق عليها في المالية العامة. وبذا أصبح واضحا تبرير الديمقراطية الإجتماعية للتأميمات عقب الحرب العالمية الثانية وتقديم خدمات نقل وكهرباء من القطاع العام والصناعات الأساسية مثل الحديد والفحم في بعض البلدان. وحضور مثل تلك التبريرات أبقى الديمقراطية الإجتماعية لدى كثيرين ضمن الطيف الواسع للديمقراطية الليبرالية.
الديمقراطية الليبرالية ترفض الديمقراطية الإقتصادية على أساس ان الإدارة والقرار للمالك لكنها تقر أيضا بضرورة قدر من الديمقراطية في الشركات الكبرى المملوكة ملكية خاصة من حقوق العاملين وحريتهم. وحق المستثمر في ثمرات ملكه لا يعني بالضرورة إدارته للمنشآت التي إستثمر فيها، وقد اسس هذا التسامح للفصل بين ملكية الشركات وإدارتها. وهناك، ايضا، إعتراضات على الديمقراطية في إدارة الشركات بحجة عدم اهلية العمال لإتخاذ قرارات صائبة، وينسحب الموقف على تدخل الحكومة في الصناعة لكن أغلب الحكومات لديها سيسات صناعية بما فيها الولايات المتحدة و بريطانيا.
الديمقراطية التداولية او الإستشارية تستكمل الشعبوية ،الجماهيرية، والليبرالية بتبادل المعلومات والأفكار والحوار بين المواطنين والهيئات المنتخبة والسلطات التنفيذية لتحسين القرارات والأداء. يريد دعاتها إسهاما أكبر للناس أنفسهم في الحياة المشتركة التي تتولا مسؤوليتها عادة السلطات العامة. ولم يتبلور هذا النموذج بكيفية محددة سوى الإكثار من إقامة الندوات والجلسات مع السلطات التشريعية ودوائر الحكومة المعنية بالمسائل موضوع التداول. وارى الشفافية حدا أدنى للديمقراطية التداولية، الإستشارية، وشرطا لها. ولو أصغت السلطات إلى الراي العام بنية الإستجابة فهذا يندرج ايضا ضمن مفهوم الديمقراطية التداولية. لكن الراي العام لا ينفع دائما في ترشيد القرارات عند كثرة المعلومات الخاطئة والمضللة وإذا ما إستأثرت به انشطة التنافس على السلطة على حساب الحقيقة.
مصادر ذات علاقة
رولز، جون، الليبرالية السياسية ، نسخة مزيدة ( ترجمة نوفل الحاج لطيف)، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، ايار/ مايو 2022.
Dombrowski, Daniel A., Process Philosophy and Political Liberalism Rawls, Whitehead, Hartshorne, Edinburgh University Press Ltd, 2019.
Badger, Phil, what is Liberalism? Philosophy Now, 2011.
Kugelberg, Henrik D., Strong Political Liberalism, Law and Philosophy (2024) 43: 341–366.
Weber, Victor Braga, History in Political Philosophy: Refutation and Imagination, (University College London , 2025) , https://philpapers.org/archive/BRAHIP.pdf .
Ramet, Sabrina P., Political Liberalism vs. Right-Wing Libertarianism: John Rawls in Encounter with Robert Nozick, DOI: 10.51936/tip.61.1.57, let. 61, 1/2024.
Knowles, Dudley , Political Philosophy, Routledge, 2001.
Liberalism, Stanford Encyclopedia of Philosophy, February 2022.
Internet Encyclopedia of philosophy.
Korab- Karpowicz, W. Julian, On the History of Political Philosophy Great Political Thinkers from Thucydides to Locke, Pearson Education, Inc , 2012.
Mack, Eric and Gaus, Gerald F., “Classical Liberalism and Libertarianism: The Liberty Tradition”, in Handbook of political Theory, Edited by Gerald F. Gaus and Chandran Kukathas, SAGE Publications , 2004.
Gutmann, Amy, “Democracy”, in A Companion to Contemporary Political Philosophy 2nd Edition Volume I Edited by Robert E. Goodin, Philip Pettit and Thomas Pogge, Blackwell Publishing , 2007.
#أحمد_إبريهي_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟