احمد هاشم الحبوبي
الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 18:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد يوم واحد من عملية «طوفان الأقصى» التي شنَّتها «حركة حماس» وفصائل فلسطينية أخرى على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، دخل حزب الله في الصراع من خلال "نصف حرب" أسماها «حرب الاسناد»، حيث شن هجمات على أهداف إسرائيلية موجودة في الأراضي اللبنانية التي تحتلها إسرائيل. وما لبثت ساحة المواجهة حتى امتدت ساحة لتشمل الحدود الشمالية لإسرائيل وكل لبنان. وقد اسفرت الهجمات المتبادلة عن نزوح متبادل للمدنيين في إسرائيل ولبنان، مع إلحاق أضرار كبيرة بالمباني والأراضي على طول الحدود.
لقد أوجعت «حركة حماس» إسرائيل بـ«طوفان الأقصى»، فالخسائر كانت كبيرة جداً لم تتكبد إسرائيل مثلها في كل حروبها السابقة. ثم جاء «حزب الله» وتجحفل مع «حماس» وبات يقصف الحدود الشمالية. لذلك اتخذت إسرائيل قرارا لا رجعة عنه في إنهاء التهديد المستمر الذي تتعرض له مستوطناتها ومدنها عبر تحييد «حركة حماس» تماماً وتحجيم «حزب الله» وتجريده من كل أسلحته وإزاحته من حدودها تماماً. وكانت إسرائيل مستعدة لذلك تماماً فيما يخص «حزب الله» كما بيّنتُ ذلك في مقالين سابقين [1] [2].
يعلم الموساد الاسرائيلي أن منتسبي «حزب الله» يستخدمون أجهزة الراديو «الووكي توكي» والنداء الآلي «البيجر» للتواصل فيما بينهم لتجنب استخدام وسائل الاتصال الأخرى المعرضة للاختراق من قبل أجهزة التنصت والتجسس الإسرائيلية. و«يعتبر جهاز «البيجر» من التقنيات القديمة نسبيا، والتي لا يمكنها الاتصال بالإنترنت، ولذلك يعتبر آمنا نوعا ما من الاختراقات السيبرانية ومحاولات التجسس والتتبع الشائعة عند استخدام الهواتف المحمولة أو الذكية، ولهذا فهو لا يزال يستخدم في المجالات العسكرية والأمنية» [3].
في عام 2015، توصل الموساد إلى حيل دفعت «حزب الله» إلى شراء أجهزة اتصال راديوي محمولة «ووكي توكي» مفخخة. «تحتوي أجهزة الراديو المحمولة ثنائية الاتجاه على بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرات مخفية ونظام إرسال يمنح إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله. وعلى مدى 9 سنوات، اكتفى الإسرائيليون بالتنصت على حزب الله، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أي أزمة مستقبلية» [8].
وفي نهاية عام 2022، استدرج الموساد الحزب لشراء خمسة آلاف جهاز نداء آلي «بيجر» مفخخ. يحتوي كل جهاز على كمية ضئيلة من المتفجرات القوية. كانت «مخفية بعناية شديدة لدرجة أنه كان من المستحيل اكتشافها تقريبًا، حتى لو تم تفكيك الجهاز». كما صمم الجهاز بطريقة «توجب الضغط على زرّيْن لقراءة الرسالة» ما يستلزم استخدام «كلتا اليدين، وبالتالي ستتضرر أيدي المستخدمين وسيكونون غير قادرين على القتال» [8].
وزع الحزب الآلاف من تلك الأجهزة على كافة كوادره ودخلت الاستعمال. وهذا يعني أن كل شخص كان يحمل أي من الجهازيْن المذكوريْن إنما يحمل عبوة ناسفة جاهزة للتفجير والفتك به وقتما يشاء الموساد. كشف رئيس الموساد الإسرائيلي دافيد برنياع أن أول شحنة وصلت إلى لبنان احتوت على 500 جهاز «بيجر» قبل أسابيع من السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 [4]. وأضاف: «عندما أدركنا أن عملية «الووكي توكي» لم تكن فعالة في جميع المواقف القتالية، فكرنا في طريقة أخرى لإلحاق الأذى (بمقاتلي) حزب الله من خلال تفجير جهاز كان متصلاً دائمًا بأجسادهم». وأوضح أن «تفعيل العمليتين في بداية الحرب لم يكن ليحقق الإنجاز القوي في ساحة المعركة الذي حققناه وقت تفعيلهما» [4].
وحين قررت إسرائيل نقل المواجهة مع الحزب إلى مستوى أعلى، وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تنفيذ العملية. في السابع عشر من أيلول 2024 فجّرَ الموساد الآلاف من أجهزة «البيجر» المُفعَّلة. و«عندما بدأت أجهزة البيجر في جميع أنحاء لبنان بالرنين. كانت الأجهزة ستنفجر حتى إذا فشل الشخص في الضغط على الأزرار لقراءة الرسالة المشفرة الواردة» [8]. وفي اليوم التالي فجّرَ الموساد أجهزة «الووكي توكي».
وتسببت بمقتل العشرات وإصابة الآلاف من عناصر «حزب الله» وغيرهم ممن كانوا يحملونها حيثما وجدوا في لبنان أو خارجه. الهجومان كانا كبيريْن وخلّفا آلاف الجرحى الذين أصيبوا في عيونهم وأطرافهم. واستقبلت المستشفيات 2800 جريح في اليوم الأول وحوالي 650 آخرين من جراء تفجيرات اليوم الثاني. وبيّن وزير الصحة اللبناني آنذاك فراس أبيض أن عدد الضحايا كان أكبر من تفجير ميناء بيروت عام 2020. من ضمن الذين أصيبوا بتفجيرات «البيجر»، السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني. وقد نقل على عجل إلى إيران لتلقي العلاج.
أقر «حزب الله» بأنه تعرض لخرق أمني غير مسبوق. ونقلت وكالة رويتر عن مسؤول في «حزب الله» أن الهجوميْن أديا إلى «خروج 1500 مقاتل من الخدمة بسبب إصاباتهم، حيث أصيب العديد منهم بالعمى أو بترت أيديهم» [5]. وما كان لذلك ليفتّ في عضد الحزب لولا تركز الخسائر في مقاتلين يتبعون أقساماً بعينها، الأمر الذي حرم الحزب من القدرة على استخدامها في الحرب. يقول الصحفي اللبناني عبد الله قمح، وهنا أنقل بتصرّف، إن «تفجيرات البيجر أدت إلى خروج منظومة الصواريخ الاستراتيجية والدفاع الجوي والقوة البحرية بسبب إصابة كوادر تشغيل تلك الأسلحة». وأضاف عبد الله قمح: «قسم كبير من الأشخاص والقدرات تم استهدافه بين 17 – 23 أيلول. ولذلك لم تستخدم هذه الأسلحة في الحرب». ونجت قوة الرضوان من «عملية الصافرة» لأن أجهزة «البيجر» لم توزع على مقاتلي القوة» [6].
بيّن السيد نواف الموسوي، مسؤول ملف الموارد والحدود في «حزب الله» في لقاء مع قناة الميادين المقربة من «حزب الله» في الثالث من آذار 2025، أن تفخيخ أجهزة الاتصال ليس بالإنجاز غير المسبوق. وأكدّ أن الحاج عماد مغنية، رئيس هيئة اركان قوات «حزب الله» هو مبتكر تفخيخ «البيجر» وأن «كل إنجازات إسرائيل ناتجة عن قصور وتقصير من جانبنا». وأضاف أن أجهزة «البيجر» لم تمر على الأمن الوقائي [7].
إلا أن الصحفي عبد الله قمح لا يتفق مع ما ذهب إليه الموسوي، فهو يؤكد أن هناك «خرق تقني كبير وفارق هائل في القدرات التكنولوجية يفوق قدرات كل أجهزة الحزب الأمنية لأنّ الخروقات كانت دقيقة للغاية ومن الصعب أن يكشفها جهاز أمني إلا إذا كانت عنده قدرات عظيمة في التكنولوجيا وغيرها». وبيّن قمح عدم وجود أي خرق بشري، فقد اثبتت التحقيقات براءة الأشخاص الثلاثة الذين اشتروا الأجهزة. كما أن الحزب بصدد اجراء تحقيق شامل شبيه بتحقيق «فينوغراد» الذي أجرته إسرائيل لتشخيص أسباب اخفاقها في حرب «تموز 2006» [6].
يقول الصحفي اللبناني علي هاشم: «لقد كبر الحزب حين دخل في الحرب السورية. وهذا تطلّبَ سلاسل توريد كبيرة. وبالتالي تحصل ضجّة أكبر. وحين يريد الحزب جلب 10000 إلى 15000 جهاز «بيجر» سيعرف الكوكب». ويضيف: «إن إسرائيل ليست عدواً عادياً... الإسرائيلي يعمل السيناريو كاملاً؛ يركبه من ألفه إلى يائه... الواقعية تقتضي أن نعترف بأن إسرائيل واحدة من أكثر الدول تقدماً على المستوى التكنولوجي. لقد سلّحت إسرائيل التكنولوجيا التي بيد «حزب الله» ضدّه» [9].
لم تتمكن «عملية الصافرة» والقصف والاغتيالات والحرب البرية من تحييد كامل قوة الحزب. وبرغم الضربات الموجعة التي تلقاها، مارس الحزب أقصى درجات ضبط النفس سعياً لتجنيب المدنيين المزيد من القتل والدمار. فالإضرار بالمدنيين يحتل مكان الصدارة في كل عملية عسكرية ينفذها الإسرائيلي. إنّ خوض الحزب حربه الأخيرة كجيش نظامي كبّده خسائر فادحة.
أين هو الردع الذي اعتقد «حزب الله» بوجوده، وهل هو موجود اصلاً، وإذا كان موجوداً؛ متى انتهت صلاحيته. المقال القادم سيبحث ذلك.
الهوامش:
[1] الحوار المتمدن. احمد هاشم الحبوبي. حرب حسن نصر الله الأخيرة – (1) – استراتيجية «النصف حرب». في 3 أيار 2025.
ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=867318
[2] الحوار المتمدن. احمد هاشم الحبوبي. حرب حسن نصر الله الأخيرة – (2) – المتشابه والمختلف بين حربيْ «تموز 2006» و«8 تشرين الأول 2023 – 27 تشرين الثاني 2024». في 29 أيار 2025.
ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=870758
[3] الجزيرة نت. تفجيرات البيجر.. ما الذي جرى في لبنان؟ 8 نقاط تشرح الحدث. في 17 أيلول 2024.
https://www.aljazeera.net/news/2024/9/17/%D8%AA%D9%81%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%B1-%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%AC%D8%B1%D9%89-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-8
[4] سكاي نيوز عربية. رئيس الموساد يكشف تفاصيل جديدة لعملية البيجر. في 25 شباط 2025.
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1779850-%D8%B1%D9%8A%D9%94%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%B1
[5] الجزيرة مباشر. رويترز تكشف تفاصيل مثيرة حول شبكة أنفاق حزب الله وترسانته الصاروخية. في 25 أيلول 2024.
https://www.aljazeeramubasher.net/news/2024/9/25/%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D8%B2-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9
[6] يوتيوب. منصّة "بالمباشر" الالكترونية. لقاء مع عبد الله قمح. خرق البيجر وخلاصة التحقيق… عبد الله قمح بمعطيات من داخل الحزب، بالمعلومات: هكذا نجت الضاحية من أسابيع. المحاوِر: رواد ضاهر. في 26 أيار 2025.
https://www.youtube.com/watch?v=C-rNbFNKiwk
[7] يوتيوب. قناة الميادين. لقاء مع نواف الموسوي - مسؤول ملف الموارد والحدود في حزب الله – قناة الميادين – برنامج نقاش – المحاوِرة: مايا رزق. 3 آذار 2025.
https://www.youtube.com/watch?v=HU1PguUNtdk
[8] سكاي نيوز عربية. "البيجر الموقوت".. تقرير يكشف تفاصيل خطة الـ9 سنوات. في 4 تشرين الأول 2024.
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1746360-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%82%D9%88%D8%AA-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%AE%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%809-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA
[9] يوتيوب. جسر بودكاست. لقاء مع علي هاشم. القصة الكاملة لحزب الله: من الولادة تحت النار إلى الطوفان. المحاوِر: خير الدين الجابري. في 28 شباط 2025.
https://www.youtube.com/watch?v=EYVVfPu2tCs&t=284s
#احمد_هاشم_الحبوبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
