مسعد عربيد
الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 12:00
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الكاتب جون بيلامي فوستر
ترجمة مسعد عربيد
كان مفهوم الاستعمار الاستيطاني عنصراً أساسياً في النظرية الماركسية للإمبريالية، والتي تطور معناها تدريجياً على مدى قرن ونصف القرن. واليوم، أدى ظهور الحركات الأصلانية القوية من جديد في النضال من أجل البقاء الثقافي، والأرض، والسيادة، والاعتراف، بالإضافة إلى مقاومة الإبادة الجماعية التي فرضتها الدولة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، إلى دفع مفهوم الاستعمار الاستيطاني إلى الصدارة في الجدل العالمي. وفي ظل هذه الظروف، فإن استعادة وإعادة بناء الفهم الماركسي للعلاقة بين الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني يشكل خطوة حاسمة في مساعدة الحركات الأصلانية والعالم على الثورة ضد الإمبريالية.
إن استعادة وإعادة بناء مثل هذا التحليل الماركسي في هذا المجال أمر بالغ الأهمية منذ ظهور نموذج (بارادايم) جديد للدراسات الاستعمارية الاستيطانية، والذي بدأ في أستراليا من قبل شخصيات فكرية بارزة مثل باتريك وولف ولورنزو فيراتشيني Patrick Wolfe and Lorenzo Veracini ، على مدى ربع القرن الأخير. يشكل هذا الآن مجالاً متميزاً على مستوى العالم - مجال يركز في شكله المهيمن الحالي في الأوساط الأكاديمية على "منطق الإقصاء" المحض. وعلى هذا، فإن الاستعمار الاستيطاني باعتباره صِنفًا تحليليًلا قائمًا على جماعات مستقلة من المستوطنين منفصل عن الاستعمار بشكل عام، وعن الإمبريالية والاستغلال والطبقية. (1 ) وكثيراً ما يقال إن الاستعمار الاستيطاني بهذا المعنى يشكل قوة كوكبية مهيمنة في حد ذاتها. وعلى حد تعبير فيراتشيني Veracini: "لقد كان (الاستعمار الاستيطاني) قوة استعمارية استيطانية أصبحت قوة مهيمنة عالمية... إن العديد من الاحتلالات الأميركية" في مختلف أنحاء العالم هي احتلالات "استعمارية استيطانية". والآن يُقال لنا إن المستعمرات الاستيطانية "النقية" أو النموذجية المثالية، الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وإسرائيل، لا يمكن النظر إليها على هذا النحو فحسب، كما تصورها وولف في الأصل، بل وأيضاً "أفريقيا بأكملها"، بالإضافة إلى جزء كبير من آسيا وأميركا اللاتينية، قد "تشكلت" إلى حد كبير من خلال "منطق الإقصاء"، مقابل الاستغلال. لم يعد الاستعمار الاستيطاني يشكل جزءاً لا يتجزأ من تطور النظام العالمي الإمبريالي، بل أصبح في بعض التقديرات تفسيراً كاملاً لنفسه. (2)
سيكون من الخطأ إنكار أهمية عمل شخصيات مثل وولف و فيراتشيني والنموذج الاستعماري الاستيطاني الجديد. وكما تقول روكسان دنبار - أورتيس Roxanne Dunbar-Ortiz في كتابها "ليست أمة من المهاجرين: "الاستعمار الاستيطاني، والتفوق الأبيض، وتاريخ المحو والإقصاء"، (Not a Nation of Immigrants: Settler Colonialism, White Supremacy, and a History of Erasure and Exclusion) ، فقد أجرى وولف "بحثاً رائداً" أثبت فيه أن "الاستعمار الاستيطاني كان بنية وليس حدثاً". لقد قدم خدمة عظيمة في جلب فكرة الاستعمار الاستيطاني ونضال الشعوب الأصلانية بأكمله إلى مركز الأمور. ومع ذلك، في حالة الولايات المتحدة، تضيف دنبار أورتيس، في تصحيح لرواية وولف، لم يكن المؤسسون مجرد مستعمرين استيطانيين، بل كانوا "إمبرياليين تصوروا غزو القارة والحصول على إمكانية الوصول إلى المحيط الهادئ والصين". إن التخطيط للتوسع الإمبريالي الأميركي منذ البداية لم يكن له حدود جغرافية، وكان موجهاً نحو إمبراطورية غير محدودة. وقد عزز الاستعمار الاستيطاني، بدلاً من تحديد، هذا المسار الإمبريالي العالمي الذي كان له جذور في الرأسمالية نفسها، بدلاً من تحديده. وهذا يشير إلى وجود نهج مادي تاريخي للاستعمار الاستيطاني ينظر إليه باعتباره مرتبطاً جدلياً بالرأسمالية والاستعمار والإمبريالية، وليس باعتباره فئة معزولة.(3)
ماركس والاستعمار الاستيطاني
من المعروف الآن على نطاق واسع في الأبحاث حول الاستعمار الاستيطاني أن كارل ماركس كان المفكر المؤسس في ذلك المجال في مناقشته لما يسمى "التراكم البدائي"؛ وإشاراته إلى الاستعمار الحقيقي، أو الاستعمار الاستيطاني؛ وتحليله لإدوارد جيبون ويكفيلد Edward Gibbon Wakefield و"النظرية الحديثة للاستعمار"، والتي أنهى بها المجلد الأول من رأس المال. ( 4) ومع ذلك، فإن هذا الاعتراف بإشارات ماركس العديدة إلى الاستعمار الاستيطاني نادراً ما يكشف عن العمق الكامل لتحليله في هذا الصدد.
بصفته خبيراً في الفلسفة اليونانية القديمة الذي كتب أطروحته عن الفيلسوف المادي القديم أبيقور، كان ماركس على دراية كبيرة بالكليروشية اليونانية القديمة cleruchy (وهو نظام استيطاني أسسته أثينا – المترجم) أو مستعمرة المستوطنين التي تأسست كامتداد ل"الدولة المدينة" city state. ومن نواح عديدة، كانت جزيرة/بوليس ساموس Samos أبرز الكليروشية الأثينية، وهي مسقط رأس أبيقور، الذي كان والداه كليروشييْن أو مستعمرين مستوطنين. تأسست سلطة الإكليروشية في ساموس في عام 365 قبل الميلاد، عندما أزاح الأثينيون سكان الجزيرة بالقوة واستبدلوهم بمواطنين أثينيين من بين السكان المعوزين في أثينا المكتظة بالسكان، الأمر الذي حوّل ساموس ليس فقط إلى مستعمرة استيطانية، بل أيضاً إلى دولة حامية garrison state داخل الإمبراطورية الأثينية. كان النزاع في العالم اليوناني حول سلطة الإكليروشية في ساموس في وقت لاحق محور حربين رئيسيتين خاضتهما أثينا، مما أدى إلى سقوط أثينا النهائي كقوة عظمى بهزيمتها أمام مقدونيا في عام 322 قبل الميلاد. أدى هذا إلى تفكيك سلطة الإكليروشية في ساموس (امتثالاً لمرسوم أصدره إسكندر الأكبر قبل وفاته بفترة وجيزة)، وإزالة المستوطنين الأثينيين، وعودة السكان الأصلانيين إلى الجزيرة. (5)
بالنسبة لماركس وغيره من المفكرين ذوي النهج الكلاسيكي في القرن التاسع عشر، كانت سلطة الإكليروشية الأثينية في ساموس تمثل نموذجاً خالصاً للاستعمار. ورغم أن الاستعمار الاستيطاني كان ليتخذ أشكالاً جديدة وأكثر وحشية في ظل الرأسمالية، مدعوماً بالدين والعنصرية، فإن الظاهرة الأساسية كانت معروفة جيداً في العصور القديمة، ومألوفة لدى علماء القرن التاسع عشر. وفي تحليله للاستعمار في كتاب "رأس المال" وغيره، أشار ماركس إلى ما يسمى الآن "الاستعمار الاستيطاني" باعتباره "الاستعمار بالمعنى الصحيح" ــ وهو الاستخدام الذي تبناه فيما بعد فريدريك إنجلز وفلاديمير لينين. (6) ويعكس مفهوم الاستعمار بالمعنى الصحيح (الاستعمار الحقيقي) بوضوح وجهة النظر الكلاسيكية التي تمركزت حول العصور القديمة اليونانية. وعلاوة على ذلك، فإن أي استخدام لكلمة "مستوطِن" لتعديل "الاستعمار" كان ليُعَد زائداً عن الحاجة في القرن التاسع عشر، لأن الجذر اللغوي لكلمة "الاستعمار"، المشتق من اللاتينية واللغات الهندو أوروبية، كان colonus/colona ، والذي يعني "المزارع" أو "المستوطن". (7) ومن ثَمّ، فإن المعنى الأصلي لكلمة الاستعمار كان يعني حرفياً الاستيطان. ولكن بحلول القرن العشرين، كان معنى الاستعمار قد اتسع إلى درجة أنه لم يعد مرتبطاً بأصوله التاريخية الكلاسيكية أو جذوره اللغوية، مما جعل استخدام مصطلح "الاستعمار الاستيطاني" أكثر قبولاً.
لقد اتخذ الاستعمار الحقيقي proper colonialism ، في تصور ماركس، شكلين، وكان شرطهما المسبق هو منطق الإبادة، بالمعنى الذي كان سائداً في القرن التاسع عشر لكلمة إبادة، والتي تعني الاستئصال القسري والطرد. (8) كان "النوع الأول" ممثلاً في "الولايات المتحدة وأستراليا، وما إلى ذلك"، المرتبط بشكل من أشكال الإنتاج يقوم على "جماهير المستعمرين الزراعيين" الذين انطلقوا نحو "إنتاج سبل عيشهم بأنفسهم"، والذين لم يكن نمط إنتاجهم بالتالي رأسمالياً في طابعه المباشر. وكان "النوع الثاني" يتألف من "المَزَارع - حيث تظهر المضاربات التجارية منذ البداية – أمّا الإنتاج فيذهب إلى السوق العالمية". وكان هذا النوع جزءاً من "نمط الإنتاج الرأسمالي، وإن كان بالمعنى الشكلي فقط، لأن عبودية الزنوج [في مزارع العالم الجديد] كانت تمنع العمل المأجور المجاني، الذي يشكل أساس الإنتاج الرأسمالي. ولكن الأعمال التي يستخدم فيها العبيد فيديرها الرأسماليون".(9)
كان الاستعمار الاستيطاني من النوع الأول، أي الاستعمار الزراعي، مهيمناً في شمال الولايات المتحدة، في حين هيمن النوع الثاني من المستعمرات الاستيطانية، التي تأسست على مزارع العبيد، فقد سادت في جنوب الولايات المتحدة. وكان النوع الثاني، أو ما أشار إليه ماركس أيضاً باسم "الاستعمار الثاني"، متجذراً في عمالة العبيد واقتصادات المزارع التي يديرها الرأسماليون الذين كانوا أيضاً من كبار ملاك الأراضي، مع "تطعيم" العلاقات الرأسمالية بالعبودية. كانت المستعمرات الاستيطانية في الجنوب قبل الحرب الأهلية تعتمد في الأساس على العبودية في المزارع، ولكنها ضمت أيضاً أعداداً كبيرة إلى حد ما من "المستعمرين الزراعيين" أو البيض الفقراء الذين كانوا يعيشون على الهامش وحد الكفاف، إذ استولى أصحاب المزارع العبيد على الأراضي الأكثر خصوبة. (10)
وبهذه الطريقة، لم يشمل نهج ماركس للاستعمار الاستيطاني المنطق الإبادي الموجه ضد الأمم الأصلانية فحسب، بل وأيضاً الأشكال المزدوجة للإنتاج (المزارعين الأحرار وعبودية المزارع) التي نشأت داخل البنية الاستعمارية الاستيطانية الناتجة. ومع ذلك، كان الدياليكتيك العام للاستعمار الاستيطاني يشترط مسبقاً إبادة (بما في ذلك إزالة) السكان الأصلانيين. كما عبر ماركس عن ذلك في المجلد الأول من "رأس المال":
"إن اكتشاف الذهب والفضة في أميركا، واستئصال السكان الأصليين لتلك القارة واستعبادهم ودفنهم في المناجم، وبداية غزو ونهب الهند، وتحويل أفريقيا إلى محمية للصيد التجاري للسود، كلها أمور تميّز فجر عصر الإنتاج الرأسمالي. إن هذه الإجراءات المثالية هي اللحظات الرئيسية للتراكم البدائي...
وكانت معاملة السكان الأصلانيين، بطبيعة الحال، في أشد حالاتها رعباً في المستعمرات الزراعية التي أقيمت حصرياً للتجارة التصديرية، مثل جزر الهند الغربية، وفي البلدان الغنية ذات الكثافة السكانية العالية مثل المكسيك والهند، التي تعرضت للنهب. ولكن حتى في المستعمرات بالمعنى الدقيق للكلمة، لم يكن هناك ما ينكر الطابع المسيحي للتراكم البدائي. في عام 1703، أصدر أنصار البروتستاتينية الرصينون، البيوريتانيون في نيو إنجلاند، مراسيم صادرة عن جمعيتهم، حددوا بموجبها مكافأة قدرها 40 جنيهاً استرلينياً لكل فروة رأس هندي وكل أسير من الهنود الحمر؛ وفي عام 1720، تم تحديد مكافأة قدرها 100 جنيه استرليني على كل فروة رأس؛ وفي عام 1744، بعد أن أعلن خليج ماساتشوستس أن احدى القبائل الهندية متمردة، تم تحديد الأسعار التالية: 100 جنيه استرليني بالعملة الجديدة مقابل فروة رأس ذكر يبلغ من العمر 12 عامًا وما فوق، و105 جنيهات استرلينية للسجين الذكر، و50 جنيهاً استرلينياً للسجينات والأطفال، و50 جنيهاً استرلينياً لفروة رأس النساء والأطفال".(11)
إن الأهمية الحقيقية لهذا الهيكل السعري الوحشي، كما أشار ماركس هنا، كانت الإبادة، حيث كانت قيمة السجناء الذكور تقدّر أعلى بقليل من قيمة فروة رأسهم، التي كانت رمزًا لموتهم؛ في حين كانت حياة النساء والأطفال تساوي ببساطة قيمة فروة رأسهم.
كان المصدر الأساسي الذي استند إليه ماركس في كتابه "رأس المال" هو كتاب ويليام هوويت "الاستعمار والمسيحية: تاريخ شعبي لمعاملة الأوروبيين للسكان الأصلانيين في كل مستعمراتهم" (1838).
William Howitt’s Colonization and Christianity: A Popular History of the Treatment of the Natives by the Europeans in All Their Colonies (1838).
وكان موضوع هوويت فيما يتعلق بالمستعمرات البريطانية في أميركا الشمالية هو إبادة السكان الأصلانيين (الانقراض والطرد). وفي كتاباته في زمن "درب الدموع" في الولايات المتحدة، وصف "حملات الإبادة التي شنها الجنرال جاكسون". وفي هذا الصدد، استشهد بإعلان أندرو جاكسون في 27 مارس/آذار 1814، الذي قال فيه إنه "عازم على إبادتهم" جميعاً. وقد لاحظ هوويت أن الشعوب الأمريكية الأصلانية "قد طُردت إلى الخراب [أراضٍ داخلية غير صالحة للزراعة]، أو إلى الفناء".(12)
وفي معرض حديثه عن الظروف التي واجهتها الشعوب الأصلانية في الجنوب الشرقي في مواجهة تقدم المستوطنين البيض، أوضح هاويت:
"لن يكون هناك ما يمنع التهجير النهائي لهذه القبائل الجنوبية: فلابد أن تعبر نهر المسيسيبي إلى أن يتضخم عدد السكان البيض بما يكفي لإجبارهم على عبور نهر ميسوري؛ ولن يتبقى بعد ذلك سوى حاجزين بينهما وبين الفناء: الجبال الصخريةRocky Mountains والمحيط الهادئ. في كل مكان نسمع فيه عن هذه القبائل، فإننا نسمع عن بعض الأعمال العدوانية الجديدة ضدها - بعض عمليات الطرد الجديدة لجزء منهم - وعن حزن الهنود الذين يتجهون نحو البراري الغربية". (13)
بالنسبة لماركس، كان منطق الإبادة الذي أدخله الاستعمار الاستيطاني الإنجليزي إلى الأمريكتين، مرتبطاً تاريخياً بالغزو والنهب المبكر والمستمر لأيرلندا، التي كانت ثرواتها الطبيعية تُستنزف باستمرار من قِبَل إنجلترا. وقد حاجج ماركس أن نفس "خطة الإبادة" التي استخدمها الإنجليز والاسكتلنديون بأقصى قدر من الشراسة ضد الأيرلنديين تم تطبيقها لاحقاً في المستعمرات البريطانية في أميركا الشمالية "ضد الهنود الحمر".(14) ففي أيرلندا، أدى ما كان يُطلَق عليه في كثير من الأحيان "سياسة الإبادة"، والتي حدثت جنباً إلى جنب مع عمليات التسييج enclosures في إنجلترا - (التسييج أو التحويط: عملية دمج الأراضي والحقول في مزارع متناثرة مسوّرة، وكان الهدف منها هو زيادة كفاءة الزراعة وإنتاجيتها – المترجم)- أدّى إلى خلق فائض سكاني هائل نسبياً لم تتمكن الثورة الصناعية المبكرة في إنجلترا من استيعابه، الأمر الذي أدى إلى تدفق مستمر من المستعمرين الإنجليز والأيرلنديين والاسكتلنديين الأيرلنديين إلى أميركا الشمالية، حيث سعوا إلى القضاء على الهنود الأميركيين الأصلانيين لإفساح المجال لتقدمهم. وقد حدثت عملية مماثلة في نيو ساوث ويلز New South Wales ، التي كانت في الأصل مستعمرة جزائية في أستراليا، (مستوطنة أنشئت لإيواء السجناء وتدريبهم على العمل لصالح الإمبراطورية البريطانية – مترجم) فيما يتعلق بالمعاملة الاستعمارية الاستيطانية للشعوب الأصلانية، كما وصفها هوويت.(15)
كان ماركس وإنجلز أيضًا معنييْن بعمق بالاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر الذي حدث في عصرهما، وانحازا إلى المقاومة الجزائرية الأصلانية.(16) كان عدد السكان الأصلانيين في الجزائر حوالي 6 ملايين في عام 1830. وبحلول عام 1852، في أعقاب حرب الإبادة الفرنسية الشاملة، بما في ذلك سياسة الأرض المحروقة والمجاعة التي تلتها، انخفض هذا العدد إلى 2.5 مليون.(17) وفي الوقت نفسه، تم أيضًا استخدام الوسائل "القانونية" للاستيلاء على الأراضي المشتركة، والتي كان من المقرر تحويلها إلى ملكية خاصة للمستعمرين. في مقتطفاته التي كتبها في سبعينيات القرن التاسع عشر مقتبسًا من عمل عالم الأعراق الروسي م. م. كوفاليفسكي M.M. Kovalevsky، جمع ماركس تحليلاً مفصلاً لـ"زرع المستعمرين الأوروبيين" في الجزائر و"مصادرة أرض السكان الأصلانيين من قبل المستعمرين والمضاربين الأوروبيين". وبعد إقامة قصيرة في الجزائر قرب نهاية حياته، كجزء من علاج الراحة الذي أمر به طبيبه، حاجج ماركس أنه لا أمل للجزائريين الأصلانيين "بدون حركة ثورية". (18)
في عام 1882، تناول إنجلز موضوع المستعمرات الاستيطانية الإنجليزية في رسالة إلى كارل كاوتسكي، كتب فيها:
"كما أرى، فإن المستعمرات نفسها، أي البلدان التي احتلها المستوطنون الأوروبيون، مثل كندا، وكيب Cape[جنوب أفريقيا]، وأستراليا، سوف تصبح جميعها مستقلة؛ من ناحية أخرى، فإن البلدان التي تحكمها فقط [القوى الاستعمارية] ويسكنها السكان الأصلانيون، مثل الهند والجزائر والممتلكات المستعمَرة الهولندية والبرتغالية والإسبانية، سوف تضطر إلى الاستيلاء عليها مؤقتًا من قبل البروليتاريا وتوجيهها بأسرع ما يمكن نحو الاستقلال. من الصعب أن نقول كيف ستتطور هذه العملية. قد تبدأ الثورة في الهند، بل ومن المرجح جدًا أن تفعل ذلك... يمكن أن يحدث الشيء ذاته أيضًا في أماكن أخرى، لنقل في الجزائر ومصر، ومن المؤكد أن هذا يناسبنا [أي النضال الاشتراكي في أوروبا] بشكل أفضل".(19)
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني
استشهد لينين في عام 1916 برسالة إنجلز إلى كاوتسكي في عام 1882، بما في ذلك الإشارة إلى "المستعمرات ذاتها"، ووافق بوضوح على تحليل إنجلز.(20) ولكن الكومنترن كان بطيئًا في تناول مسألة الاستعمار الاستيطاني. ولم يحدث هذا إلا في المؤتمر الثاني حول القضايا الوطنية والاستعمارية في عام 1928، في "أطروحات حول الحركة الثورية في المستعمرات وشبه المستعمرات"، والتي كانت تهدف إلى تقديم نقد لـ "النظام الإمبريالي العالمي" بأكمله، والذي كان الاستعمار الاستيطاني يعتبر جزءًا رئيسيًا منه. وقد تم تحديد تمييز حاد بين المستعمرات الاستيطانية والمستعمرات الأخرى. وكما جاء في وثيقة الكومنترن:
"فيما يتعلق بالدول الاستعمارية، من الضروري التمييز بين تلك المستعمرات التي استعمرتها الدول الرأسمالية واستخدمتها كمناطق استعمارية بفضل فائض سكانها، والتي أصبحت بهذه الطريقة استمرارًا لنظامها الرأسمالي (أستراليا وكندا، إلخ)، هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية تلك المستعمرات التي استغلها الإمبرياليون في المقام الأول كأسواق لسلعهم، وكمصدر للمواد الخام وكذلك كمجالات لتصدير رأس المال. وهذا التمييز ليس له أهمية تاريخية فحسب، بل له أيضًا أهمية اقتصادية وسياسية كبيرة.
تصبح المستعمرات من النوع الأول على أساس تطورها العام "دولًا مستعمرة"(ممتلكات dominions)، أي أعضاء في النظام الإمبريالي المعين، بحقوق متساوية أو متساوية تقريبًا. وفي هذه الدول، يعيد التطور الرأسمالي إنتاج البنية الطبقية للمتروبول metropolis بين السكان البيض المهاجرين، في نفس الوقت الذي تمت فيه، غالبًا، إبادة السكان الأصلانيين. ولا يمكن هنا الحديث عن النظام الاستعماري [المستند إلى قاعدة خارجية) بالشكل الذي يظهر به في مستعمرات النوع الثاني.
بين هذين النوعين نجد نوعاً انتقالياً (بأشكال مختلفة)، حيث يوجد، إلى جانب السكان الأصلانيين الكثيري التعداد، عدد كبير من السكان البيض المستعمِرين (جنوب أفريقيا، ونيوزيلندا، والجزائر، إلخ). والبرجوازية التي جاءت من المدن الكبرى - المتروبول لا تمثل في جوهرها في هذه البلدان (مستعمرات المهاجرين) سوى "امتداد" استعماري لبرجوازية المتروبولات".(21)
واستطرد الكومنترن (الأممية الشيوعية) Comintern مستنتجًا أن:
"كانت المدن الكبرى - المتروبول مهتمة إلى حد ما بتعزيز فرعها الرأسمالي في المستعمرات، وخاصة عندما ينجح هذا الفرع الإمبريالي في استعباد السكان الأصلانيين أو حتى تدميرهم بالكامل. ومن ناحية أخرى، فإن المنافسة بين مختلف الأنظمة الإمبريالية على النفوذ في البلدان شبه المستقلة [التي تضم أعداداً كبيرة من المستوطنين] قد تؤدي أيضاً إلى انفصالها عن المدن الكبرى".(22)
ومن هنا، فإن ما برز في تحليل الكومنترن بحلول عام 1928، بناءً على الأعمال السابقة لماركس وإنجلز ولينين، كان تصوراً للاستعمار الاستيطاني كجزء لا يتجزأ من نظرية عامة للنظام الإمبريالي العالمي. ومن وجهة نظر الكومنترن، فإن العِرق، الذي لم يعد يُنظَر إليه الآن في المقام الأول من حيث المصطلحات البيولوجية، بل أصبح يُنظَر إليه بشكل متزايد من خلال عدسة المقاومة الثقافية - كما في عمل دبليو إي بي دو بوا W. E. B. Du Bois – [(1868 - 1963) مفكر أميركي من أصول أفريقي، عالم اجتماع أمريكي، اشتراكي، كاتب ومؤرخ، وناشط في مجال الحقوق المدنية، وداع لوحدة وتضامن ذوي الأصول الأفريقية في جميع أنحاء العالم – المترجم] - قد تم إدخاله (أي العِرق) في الحجة بشكل أكثر صراحة مع مفهوم "البياض"، تأكيدًا على أن هذه كانت مستعمرات استيطانية "بيضاء".(23) وكان إعلان الكومنترن بشأن الاستعمار الاستيطاني متزامناً مع المعالجات الفلسطينية الأولى للموضوع في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.(24)
وفي عشرينيات القرن العشرين أيضاً، كتب الماركسي البيروفي خوسيه كارلوس مارياتجوي José Carlos Mariátegui عن "الممارسة الإسبانية المتمثلة في إبادة السكان الأصلانيين وتدمير مؤسساتهم... وأشار إلى أن المستعمرين الإسبان "أدخلوا إلى بيرو مخططاً لتهجير السكان". ولكن تلا ذلك "استعباد" ثم "استيعاب (دمج) الهنود (الأصلانيين)"، وهو ما ابتعد عن الإبادة الاستعمارية الاستيطانية الصرفة بفضل تحول الطلب على العمالة إلى الاعتبار السائد. وهنا تحول الهدف الأساسي للاستعمار، كما أدرك مارياتجوي، من مصادرة أراضي السكان الأصلانيين، وبالتالي محو وجودهم، إلى التركيز على استغلال قوة عملهم.(25)
في العام 1943، حلّ الاتحاد السوفييتي الكومنترن في لحظة حاسمة من الحرب العالمية الثانية كوسيلة لإثبات أن هزيمة ألمانيا النازية جاءت قبل كل شيء آخر. ولكن مفهوم الاستعمار الاستيطاني انتقل إلى نظرية التبعية بعد الحرب العالمية الثانية على يد الخبير الاقتصادي الماركسي بول أ. باران Paul A. Baran ، الذي كان آنذاك أستاذاً في جامعة ستانفورد. وُلد باران في روسيا القيصرية وتلقى تدريبه الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي وألمانيا والولايات المتحدة. وقد ربط عقيدة الكومنترن بشأن الاستعمار الاستيطاني بمسألة التنمية والتخلف.
وفي كتابه "الاقتصاد السياسي للنمو" الذي كتبه في عام 1957، ميّز باران بين "تأثير دخول أوروبا الغربية إلى أميركا الشمالية (وأستراليا ونيوزيلندا) من جهة، و’الانفتاح’ الذي أحدثته الرأسمالية الغربية في آسيا أو أفريقيا أو أوروبا الشرقية، من جهة أخرى. في الحالة الأولى، "استقر" الأوروبيون الغربيون كمقيمين دائمين، بعد القضاء على السكان الأصلانيين، ووصلوا "والرأسمالية في عظامهم"، وأسسوا مجتمعًا "رأسماليًا في بنيته منذ البداية".(26)
ومع ذلك، كان الوضع مختلفًا فيما يتعلق بآسيا وأفريقيا:
"حيث كان من الممكن للمناخ والبيئة الطبيعية أن يجذبا المستوطنين الأوروبيين الغربيين، فقد واجهوا مجتمعات قائمة ذات ثقافات غنية وقديمة، لا تزال في طور ما قبل الرأسمالية أو في حالة جنينية من التطور الرأسمالي. وحيث كانت النظم الاجتماعية القائمة بدائية وقبلية، كانت الظروف العامة وخاصة المناخ من النوع الذي يمنع أي استيطان جماعي للوافدين من أوروبا الغربية. وبالتالي، في كلتا الحالتين، قرر الزوار الأوروبيون الغربيون بسرعة استخراج أكبر قدر ممكن من المكاسب من البلدان المضيفة وأخذ غنائمها إلى ديارهم".(27)
وبهذه الطريقة، قارن باران بوضوح بين النوعين من الاستعمار، وربط كل منهما بنظام التراكم الرأسمالي. في حين قامت المستعمرات الأوروبية البيضاء في أميركا الشمالية وأستراليا بإبادة السكان الأصلانيين ومصادرة الأراضي، ما مهد الطريق للتراكم الداخلي، فإن النهب الاستعماري الأوروبي الأوسع للمجتمعات القديمة والغنية، كما في حالات الهند وجاوا Java ومصر، غذّى الثورة الصناعية في إنجلترا (وأماكن أخرى في أوروبا الغربية)، ووفر لها الكثير من رأس المال الأصلي للتنمية. وفي هذه العملية، تم تفكيك الحضارات والثقافات القائمة.و كما أكدت روزا لوكسمبورج، فإن الرأسمالية "أبادت" بالضرورة العلاقات الاجتماعية والجماعية في تلك البلدان.(28)
في نظرية التبعية، منذ البداية، كانت مستعمرات المستوطنين البيض تشكل استثناءً ضمن الاستعمار ككل. وقد لاحظ باران، لكنه لم يحلل، دور العبودية في "التراكم الأولي لرأس المال" وتطور الاستعمار الاستيطاني. بالنسبة لماركس، كانت تجارة الرقيق عبر الأطلسي "القاعدة" التي كان من المفترض أن يرتكز عليها كل من تراكم رأس المال في المزارع جنوب الولايات المتحدة وصناعة القطن البريطانية في قلب الثورة الصناعية.(29)
في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، أصبحت نظرية الاستعمار الاستيطاني محورًا رئيسيًا داخل الماركسية بفضل النضالات التي حدثت آنذاك في إفريقيا وفلسطين. وكان فرانز فانون شخصية رئيسية في تحليل الاستعمار الاستيطاني. يعود أصل فانون إلى مستعمرة مارتينيك الفرنسية، وقد قاتل مع القوات الفرنسية الحرة في الحرب العالمية الثانية، ودرس الطب النفسي في فرنسا، وانضم في النهاية إلى جبهة التحرير الوطني للثورة الجزائرية. كان فانون مؤلفًا للعديد من الكتب أشهرها: "الجلد الأسود والأقنعة البيضاء" (1952) و"معذبو الأرض" (1961). ومتأثرًا بكل من جورج فيلهلم فريدريش هيغل Georg Wilhelm Friedrich Hegel وماركس، طبق فانون جدلية السيد والعبد لهيجل على العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر في السياق الجزائري، مع الأخذ في الاعتبار منطق العنف الذي يميز الاستعمار الاستيطاني واستكشاف البحث المستمر عن الاعتراف من جانب الجزائريين الأصلانيين.(30) كما استلهمت الاعتبارات النقدية للاستعمار الاستيطاني من ثورة “جيش الأرض والحرية” في كينيا ضد المستوطنين البيض وأصحاب المزارع بين عامي 1952 و1960، والتي أدت إلى مقتل أو إعدام أكثر من عشرة آلاف أفريقي.(31)
في عام 1965، كتب الباحث الفلسطيني - السوري فايز صايغ كتيبًا بعنوان "الاستعمار الصهيوني في فلسطين"، نشرته منظمة التحرير الفلسطينية، محاججًا أن "الاستعمار الصهيوني" كان "متضاربًا بشكل أساسي مع استمرار وجود "السكان الأصلانيين" في البلد المنشود"، وكان هدفه إنشاء "مجتمع استيطاني".(32) وبعد عامين، وفي خضم الحرب العربية الإسرائيلية، نشر الماركسي الفرنسي ماكسيم رودنسون Maxime Rodinson ، الذي لقي والداه حتفهما في أوشفيتز Auschwitz ، عمله الرائد "إسرائيل: دولة استعمارية - استيطانية؟" Israel: A Colonial-Settler State?. بدأ رودنسون بالقول إن "اتهام إسرائيل بأنها ظاهرة استعمارية، أطروحة يتقدم به المثقفون العرب تقريبًا بالإجماع، (الإنتلجنسيا العربية) سواء على اليمين أو اليسار. إنها إحدى الحالات التي تقدم فيها النظرية الماركسية بأوضح استجابة لمتطلبات "الإيديولوجية الضمنية" للعالم الثالث وقد تم تبنيها على نطاق واسع". لقد رأى رودنسون أن الاستعمار الاستيطاني مرتبط "بالنظام العالمي للإمبريالية" ومضادّا "لحركات التحرير الأصلانية". بالنسبة لرودنسون، فإن الصهيونية تمثّل "الاستعمار بالمعنى اليوناني [الكلاسيكي]"، أي بمعنى الإكليروشية الأثينية Athenian cleruchy الذين قضوا على السكان الأصلانيين وأزالوهم واستبدلوهم بالمستوطنين. (الإكليروشية الأثينية هي نوع خاص من المستعمرات اليونانية حيث احتفظ المستوطنون بمواطنتهم الأصلية ولم يشكلوا مجتمعًا مستقلاً تمامًا – المترجم). وأشار رودنسون إلى أن الاستعمار الاستيطاني الموجه إلى إبادة الشعوب/الأمم الأصلانية وتهجيرها حدث أيضًا في إيرلندا وتسمانيا Tasmania (في أوستراليا) المستعمَرتيْن. وبناءً على هذا المنطق الأساسي، فإنه "من الممكن أن تكون الحرب هي السبيل الوحيد للخروج من الوضع الذي خلقته الصهيونية. أترك الأمر للآخرين لإيجاد سبب للابتهاج بهذا". وأضاف رودنسون أن إسرائيل لم تكن مجرد دولة استعمارية - استيطانية، بل شاركت في الاستغلال والتوسع الإمبريالي في الخارج.(33)
كان أرغيري إيمانويل Arghiri Emmanuel ، الاقتصادي الماركسي اليوناني الرائد ومنظر التبادل غير المتكافئ، قد عمل في التجارة في الكونغو البلجيكية في ما يبدو أنه شركة المنسوجات كانت تملكها عائلته في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، ومرة أخرى في أواخر الأربعينيات قبل الانتقال إلى فرنسا في عام 1958. وفي فترة وجوده في الكونغو، تعرّف على مجتمع المستوطنين البيض هناك، وكان جزء منهم يونانيًا.(34) في عام 1969، نشر عمله الكلاسيكي "التبادل غير المتكافئ: دراسة لإمبريالية التجارة" Unequal Exchange: A Study of the Imperialism of Trade. في ذلك العمل، تناول إيمانويل قضية الاستعمار الاستيطاني أو "استعمار المستوطنات". وهنا عقد التمييز بين "مستعمرات الاستيطان" الأربع الرئيسية التابعة لإنجلترا - الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا - التي أدخلت سياسة الإبادة ضد السكان الأصلانيين، ومن ناحية أخرى، المستوطنة الخامسة من هذا القبيل، وهي جنوب أفريقيا، حيث لم يتعرض السكان الأصلانيون للإبادة بنفس الدرجة. ففي جنوب أفريقيا، "تم عزل الأفارقة الأصلانيين في أحياء الفصل العنصري"، مما سمح باستغلال عملهم بشكل مفرط من قِبَل أقلية بيضاء كبيرة.(35)
في نظرية إيمانويل للتبادل غير المتكافئ، كانت الأجور تُعَد متغيراً مستقلاً، استناداً إلى مفهوم ماركس لطبيعتها المحددة تاريخياً. ومن هذا المنظور، حاجج إيمانويل أنه في المستعمرات الاستيطانية الأربع الأولى، كانت الأجور المرتفعة للعمال البيض الذين شكلوا أغلبية السكان في هذه المستعمرات، هي التي عززت التراكم السريع لرأس المال. ومع ذلك، في جنوب أفريقيا، المستعمرة الاستيطانية الخامسة، كانت أجور السكان السود، الذين شكّلوا الأغلبية السكّانية، كانت منخفضة للغاية، ما أنتج حالة "شبه متطورةsemi-developed ". لقد انتقد إيمانويل مُنظّر التبعية أندريه غوندر فرانك Andre Gunder Frank، لتفسيره تطور مستعمرات المستوطنين البيض البريطانيين من منظور ثقافي في المقام الأول. بل رأى أن ارتفاع أجور المستوطنين البيض هو ما عزز التنمية.(36)
وقد تم تطوير هذه الحجة بشكل أكبر في دراسة إيمانويل "الاستعمار الاستيطاني الأبيض وأسطورة الإمبريالية الاستثمارية"، التي نشرت في مجلة نيو ليفت ريفيو New Left Review في عام 1972. في هذه الدراسة، تناول إيمانويل النزاع المتكرر الذي نشأ بين المستعمرين الاستيطانيين والقوى الإمبريالية التي أدت إلى ظهورهم، إذ أن دول المستوطنين البيض برزت كمنافسة للدول الاستعمارية الأوروبية، ولم تعد خاضعة للاستغلال الاستعماري بسهولة. أدى هذا الدياليكتيك إلى صراعات مع المتروبولات من قِبل المستوطنين الذين حاولوا إنشاء دول استعمارية بيضاء مستقلة، ولكن معظم هذه الصراعات باءت بالفشل. هنا، استقى إيمانويل من تجاربه الشخصية في الكونغو البلجيكية. غير أن إيمانويل جلّس هذه الديناميكية برمتها في سياق تاريخ الاستعمار الاستيطاني على نطاق أوسع، كما هو الحال في أيرلندا وإسرائيل/فلسطين.(37)
في هذا الوقت، دخل منظرون ماركسيون آخرون على تحليل الاستعمار الاستيطاني، وخاصة فيما يتصل بأفريقيا، وربطوه بنظرية التبعية. ففي عام 1972، بعد وقت قصير من نشر مقال إيمانويل "الاستعمار الاستيطاني الأبيض"، ناقش الخبير الاقتصادي الماركسي الفرنسي المصري سمير أمين "الاستعمار الاستيطاني" في مقاله "تخلف أفريقيا السوداء وتبعيتها: الأصول والأشكال المعاصرة"، وخاصة فيما يتصل بالمحاولات الفاشلة للاستعمار الاستيطاني في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وميّز أمين بين الاستعمار الاستيطاني، من جهة، ومن الجهة الثانية ما أسماه "أفريقيا في اقتصاد التجارة الاستعماري"، الذي يعتمد على احتكارات التجارة، والاستيراد والتصدير الاستعماري، وتعبئة العمال من خلال احتياطيات العمالة. وفي وقت لاحق، كتب أمين عن الاستعمار الاستيطاني في إسرائيل، والذي رأى أنه مشابه للطريقة التي "تم بها مطاردة وإبادة" "الهنود الحمر" في أمريكا الشمالية، ولكن، في رأيه، كان من المفترض أن يُنظر إليه في حالة إسرائيل على أنه مرتبط جوهريًا بمسار احتكاري رأسمالي/إمبريالي أوسع نطاقًا تقوده الولايات المتحدة بهدف الهيمنة العالمية.(38)
بالنسبة للنظرية الماركسية طوال هذه الفترة، كان يُنظر إلى مفهوم الاستعمار الاستيطاني على أنه حاسم في تحديد تطور الاستعمار والإمبريالية ككل. في عام 1974، أكد هاري ماجدوف Harry Magdoff ، في كتابته لدائرة المعارف البريطانية (بريتانيكا)، أن الاستعمار
"اتخذ شكلين، أو مزيجًا من الاثنين: (1) إزالة الشعوب الأصلانية عن طريق قتلهم أو إجبارهم على العيش في مناطق محجوزة خصيصًا، وبالتالي توفير مساحة للمستوطنين من أوروبا الغربية الذين طوروا بعد ذلك الزراعة والصناعة في هذه الأراضي في ظل النظام الاجتماعي المستورد من البلدان الأم؛ أو (2) غزو الشعوب الأصلانية وتحويل مجتمعاتهم القائمة لتناسب الاحتياجات المتغيرة للدول الأكثر قوة وتقدماً عسكرياً وتقنياً".(39)
لقد حدث اختراق في التحليل الماركسي للاستعمار الاستيطاني مع نشر المؤرخ الأسترالي كينيث جود Kenneth Good مقال"الاستعمار الاستيطاني: التنمية الاقتصادية وتكوين الطبقة" في مجلة "الدراسات الأفريقية الحديثة" في عام 1976. وقد استعان جود بمفهوم ماركس عن "ما يسمى بالتراكم البدائي" ونظرية التبعية لتوفير منظور أوسع وأكثر تكاملاً للاستعمار الاستيطاني في أشكاله المختلفة. وفي معرض النظر إلى أفريقيا، ناقش جود "الدول الاستيطانية" وما أسماه "مجتمعات الاستعمار"Colon Societies ، حيث كانت الإبادة والاستيطان "ثقيلين بشكل خاص". وشملت هذه المجتمعات الاستعمارية "كندا وأستراليا ونيوزيلندا ومستعمرة كيب Cape Colony في جنوب أفريقيا". وكان تركيزه الأكبر على مستعمرات الاستيطان في أفريقيا التي، لسبب أو لآخر، لم تتوافق مع المنطق الكامل للإبادة/الإفناء، ولكن كانت تحكمها أقليات مهيمنة من المستوطنين البيض، كما هو الحال في الجزائر وكينيا وروديسيا (زيمبابوي الآن) وجنوب أفريقيا. في هذه المستعمرات، كان الهدف هو السيطرة على العمالة الأفريقية وكذلك الأرض، مما أدى إلى ظهور دول على غرار نظام الفصل العنصري. ومثل إيمانويل، كان جود معنيًا في المقام الأول بالعلاقة المعقدة والمتناقضة بين المستعمرات الرجعية والمتروبول الاستعماري الخارجي.(40)
في عام 1983، أصدر ج. ساكاي J. Sakai ، المرتبط بجيش التحرير الأسود في الولايات المتحدة، كتاب "المستوطنون: أسطورة البروليتاريا البيضاء".(41) وكثيرًا ما تم رفض عمل ساكاي باعتباره يساريًا متطرفًا في تفسيره، نظرًا لموقفه المتطرف القائل بأنه لا يوجد شيء اسمه الطبقة العاملة البيضاء التقدمية في سياق الاستعمار الاستيطاني في الولايات المتحدة، وبالتالي توسيع مفهوم أرستقراطية العمال لدى لينين ليشمل "البروليتاريا البيضاء" بالكامل. ومع ذلك، كانت بعض الأفكار التي قدمها ساكاي في عمله الذي يربط بين الاستعمار الاستيطاني والرأسمالية العنصرية مهمة، وقد أشار إلى كتاب “ساكاي المذكو سابقًا المستوطنون" مفكرون ماركسيون مهمون معنيون بالرأسمالية والعرق مثل ديفيد روديجر David Roediger في كتابه "أجور البياض" وديفيد جيلبرت David Gilbert في كتابه "لا استسلام".(42)
الاستعمار الاستيطاني كبرادايم أكاديمي
لقد استكشفت مقالة دنبار أورتيز Dunbar-Ortiz البارزة عام 1992 بعنوان "الشعوب الأصلانية والإمبريالية في نصف الكرة الغربي" Aboriginal People and Imperialism in the Western Hemisphere ، استكشفت التدهور الهائل في القرون الأولى التي أعقبت وصول الأوروبيين. ووصفت الروابط التاريخية بين "الاستعمار والإبادة"، مع التركيز على سياق الولايات المتحدة.(43) ومع ذلك، في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، كانت التحقيقات الماركسية في الاستعمار الاستيطاني أقل وضوحًا، بسبب التراجع العام عن نظرية الإمبريالية من جانب جزء كبير من اليسار الغربي في تلك الفترة.(44) كانت هناك أيضًا مشكلة كيفية دمج تأثيرات الاستعمار الاستيطاني على السكان الأصلانيين في فهم الإمبريالية بشكل عام، حيث كان الأخير موجهًا بشكل أكبر نحو استغلال الشمال العالمي للجنوب العالمي، وليس نحو العلاقات الاستعمارية الاستيطانية التي تم استيعابها في أجزاءٍ من الشمال العالمي.
لقد تغير هذا مع إدخال نموذج محدد للاستعمار الاستيطاني في الجامعات على المستوى الدولي، والذي تطور من دراسات ما بعد الاستعمار. وقد نشأ الاستعمار الاستيطاني كمجال أكاديمي في عام 1999 مع كتاب وولف "الاستعمار الاستيطاني وتحويل الأنثروبولوجيا". وقد استمد بنيته الرسمية من فرضيتين قدمهما وولف: (1) يمثل الاستعمار الاستيطاني "منطق الإفناء"، الذي يشمل في نفس الوقت الإبادة والإزالة والاستيعاب؛ و(2) إن الاستعمار الاستيطاني كان "هيكلًا وليس حدثًا".(45) وقد أقرًت الفرضية الأولى بأن الاستعمار الاستيطاني كان موجهًا نحو مصادرة الأرض، في حين كان يُنظر إلى الشعوب الأصلانية المتمسكة بالأرض على أنها قابلة للاستبدال تمامًا. وأكدت الفرضية الثانية أن الاستعمار الاستيطاني كان بنية محققة (منجزة) في الحاضر، وليست مقتصرةً على الماضي فحسب، وقد اكتسبت منطقًا متجذرًا في الاحتلال الاستيطاني الدائم.
وعلى المستوى المنهجي، كان التعامل الذي انتهجه وولف مع الاستعمار الاستيطاني على الطريقة الفيبريةWeberian وليس الماركسية. فقد قدم وولف الاستعمار الاستيطاني باعتباره نموذجاً مثالياً يستثني كل الحالات عدا حالات قليلة.(46) لقد تمّ النظر إلى منطق الإقصاء على أنه قابل للتطبيق فقط عندما يتحقق تاريخياً في إطار بنية لا يمكن المساس بها. وفي البلدان التي تم فيها إدخال منطق الاستعمار الاستيطاني، ولكنه لم يتحقق بالكامل، فإن وولف لم يصنفه باعتباره استعماراً استيطانياً. والواقع أن أي تحرك نحو استغلال عمالة السكان الأصلانيين، وليس إقصائهم عن الأرض، يحول دون اعتبار أي بلد مستعمراً استيطانياً. ووفقاً لهذا التعريف، فإن الجزائر لم تكن مجتمعاً استعمارياً استيطانياً أكثر من كينيا أو جنوب أفريقيا أو روديسيا. وكما قال وولف، "على النقيض من نمط التشكيلة الاستعمارية الذي تصدّى له [أميلكار] كابرال أو فانون، لم تنشأ المستعمرات الاستيطانية في المقام الأول لاستخراج القيمة الزائدة من العمالة الأصلية".(47) وعلى نحو مماثل، كان وولف ينظر إلى أميركا اللاتينية، بسبب التعقيد الشديد لتكوينها العرقي "الهجين"، إلى جانب توظيفها للعمالة الأصلانية (السكان الاصلانيين)، على أنها خارج منطق الاستعمار الاستيطاني.(48)
لقد أدى اعتماد وولف على الفردية المنهجية الفيبرية Weberian methodological individualism إلى تتبع الاستعمار الاستيطاني تبعًا لنوع المستوطن. وفي حين كان هناك شيء مثل الدولة الاستعمارية الاستيطانية، إلا أن هذا كان ثانويًا بالنسبة للنوع المثالي للمستوطن.(49) أصبح الاستعمار الاستيطاني منطقًا تجريديًا خاصًا به، منفصلًا تمامًا عن أشكال الاستعمار الأخرى وعن الإمبريالية أيضًا. كانت هذه المنهجية المثالية أحادية الجانب محورية في تطوير الاستعمار الاستيطاني كدراسة أكاديمية، وإبعاده عن التقاليد الماركسية (وعن تقاليد الشعوب الأصلانية) التي نشأ عنها هذا المفهوم.(50)
كان وولف، بحلول الوقت الذي قدم فيه نموذجه الاستعماري الاستيطاني، قد أثبت نفسه بالفعل كشخصية بارزة في اليسار غير الماركسي/المناهض للماركسية. في عام 1997، قبل عامين من نشر نصه الرائد عن الاستعمار الاستيطاني، نشر مقالاً بعنوان "التاريخ والإمبريالية: قرن من النظرية" في دورية American Historical Review، والذي تضمّن عددًا هائلاً من المفاهيم الخاطئة التي روج لها، وفي عمق الجدل ضد الماركسية. وفقًا لوولف، "تتحول المساحة التعريفية للإمبريالية [في الخطاب اليساري] إلى شكل غامض و gestaltمتفق عليه". وكان ماركس مفكرًا مؤيدًا للاستعمار/الإمبريالية ومؤيدًا للمركزية الأوروبية ونظر إلى الاستعمار باعتباره صراعًا "مالتوسيًا" من أجل الوجود؛ أمّا لينين فكان جزءًا من جدل "ما بعد ماركس" post-Marxian حول الإمبريالية والتي بدأت مع الليبرالي الاجتماعي جون هوبسون John Hobson وأدت إلى مواقف معاكسة تمامًا لمواقف ماركس؛ كما أن نظرية التبعية قلبت الماركسية "رأسًا على عقب"؛ حيث عارضت نظرية النظم العالمية الماركسية الأرثوذكسية حول الإمبريالية، كما عارضت نظرية التبادل غير المتكافئ لإيمانويل. وأخيرا، ساد "عمى الألوان"المعروف الماركسية ككل، والتي اتسمت في الأساس بالحتمية الاقتصادية. وفي كتابته لتاريخ نظرية الإمبريالية، أهمل وولف بشكل ملحوظ مناقشة تحليل لينين على الإطلاق، باستثناء بعض التعليقات السلبية العابرة. وأنهى مقاله بالإشارة إلى الاستعمار الاستيطاني، الذي فشل في ربطه بأصوله النظرية، ولكنه تناوله من منظور نظرية ما بعد الاستعمار، مدعيا أنها تقدم "تمييزات في الخطاب تنجو من نزع الصبغة الإقليمية
de-territorialization عن الإمبريالية". وعلى هذا فإن من الممكن أن يُنظَر إلى الاستعمار الاستيطاني باعتباره "نقطة البداية" إذا ما أردنا مقاومة الإمبريالية في الوقت الحاضر.(51)
وعلى النقيض من ماركس، الذي طرح نوعين من الاستعمار الاستيطاني، ومتميزًا عن أغلب المنظرين الماركسيين اللاحقين، روّج وولف لفكرة الاستعمار الاستيطاني التي كانت تعتمد على حد كبير على "منطق الإقصاء" المحض، الذي ينبعث من المزارعين المستوطنين، حتى أنه تعامل مع عبودية المزارع في الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة قبل الحرب باعتبارها ببساطة الدليل السلبي على وجود الاستعمار الاستيطاني في الجزء الشمالي. "كان السود في المزارع الجنوبية يُعَدون عبيداً (يُعَرقنون كعبيد)"، والذين كانت مهمتهم في ظل الرأسمالية العنصرية هي القيام بأعمال المزارع، وبالتالي تمييزهم عن الأمريكيين الأصلانيين بسبب المنطق الإقصائي المحض المفروض على هؤلاء. هذا التمييز، وإن كان حاداً في بعض النواحي، كان يعتمد على فكرة الاستعمار الاستيطاني باعتباره يشكل نوعاً مثالياً مرتبطاً بشكل محدد من أشكال العمل الاجتماعي الذي يقوم به المستوطنون. ونتيجة لهذا، ضاع التعقيد الحقيقي للاستعمار/الإمبريالية، والذي يشكل الاستعمار الاستيطاني ببساطة جزءاً منه. فقد رأى وولف أن إزالة عمالة السكّان الأصلانيين من الجنوب قبل الحرب الأهلية كان شرطاً مسبقاً لخلط "أرض الرجل الأحمر... بالعمالة السوداء". ولكن بعد ذلك الحدث، لم يعد الاستعمار الاستيطاني كبنية تنطبق بشكل مباشر على جنوب الولايات المتحدة. فقد زعم وولف أن الأميركيين الأصلانيين كانوا عرضة للإبادة الجماعية، وأن السود كانوا عرضة للعبودية. وفيما يتعلق بالأميركيين من أصل أفريقي، كتب وولف: "إن محكمة الإبادة الجماعية هي
المحكمة الخطأ". (52)
كان نهج وولف يميل أيضاً إلى استبعاد أفريقيا من الصورة. ووفقاً لروبن دي جي كيلي Robin D. G. Kelley، (أستاذ كرسي Gary B. Nash للتاريخ الأميركي في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس)، الذي تركز أبحاثه على الفكر النقدي والحركات المرتبطة بالشتات الأفريقي، فوفقًا ل كيلي فإنه "من خلال عدم دمج المزيد من العالم في دراسته، فإن صياغة وولف الخاصة للاستعمار الاستيطاني تحدد أكثر مما تكشف". باستبعاد أفريقيا، وهو ما لم يكن مناسباً لمنطقه الإقصائي المحض، فإن وولف "يفترض أن الشعوب الأصلانية لا وجود لها إلا في الأميركيتين وأستراليا Australasia... وبالتالي فإن الاستعمار الاستيطاني في القارة الأفريقية يخرج عن نطاق اختصاص وولف... إن استبعاد جنوب أفريقيا والتشكيلات الاجتماعية المماثلة من تعريف الاستعمار الاستيطاني... يحجب طابعه العالمي والعابر للحدود الوطنية". وفي أفريقيا، وفقاً للصيغة المُقنِعة التي صاغها كيلي Kelley ، "أراد المستعمرون الأوروبيون الأرض والعمالة، ولكن ليس الناس (السكان) ــ وهذا يعني أنهم سعوا إلى القضاء على المجتمعات المستقرة وثقافات المقاومة فيها".(53)
وكما لاحظ ساي إنجليرت Sai Englert ، مؤلف كتاب "الاستعمار الاستيطاني: مقدمة"، في نقده لوولف، فإن "التمييز الحاد بين الاستعمار الاستيطاني" وغيره من أشكال الاستعمار، من الصعب التوفيق بينه وبين الواقع. فمن ناحية، يشكل الإقصاء والإبادة الجماعية حقيقة واقعة في مختلف أنحاء العالم الاستعماري من خلال الحرب والمجاعة والعمل القسري أو المستعبد والقتل الجماعي. ومن ناحية أخرى، كانت العديد من الأنظمة الاستعمارية الاستيطانية قائمة في المقام الأول على استغلال السكان الأصلانيين".(54)
كان فيراتشيني Veracini ، مؤلف مجموعة واسعة من الأعمال حول هذا الموضوع والمؤسس لمجلة "دراسات الاستعمار الاستيطاني" ورئيس تحريرها، كان الأكثر تأثيرًا في الدفع إلى الأمام النموذج (البرادايم) الأكاديمي الذي تبناه وولف للاستعمار الاستيطاني بعد وفاة الأخير في عام 2016. فقد سعى فيراتشيني، على نحو متناقض، إلى الالتزام بالتعريف التقييدي الذي وضعه وولف للاستعمار الاستيطاني، مع إعطائه في الوقت نفسه أهمية أكثر عالمية وشاملة. ولقد نجح فيراتشيني في تحقيق هذا الهدف من خلال فصل "الاستعمار الاستيطاني" بالكامل عن "الاستعمار" وإخضاع الأخير فعلياً للأول. وعلى هذا فقد أصبح الاستعمار الاستيطاني بمثابة المقياس للحكم على الاستعمار بشكل عام. وكما كتب فيراتشيني في كتابه "الاستعمار الاستيطاني: ملخص نظري" Settler Colonialism: A Theoretical Overview ، "يعد هذا الكتاب بمثابة تأمل في الاستعمار الاستيطاني باعتباره متميزاً عن الاستعمار.... وأنا أقترح أن ننظر إلى الاستعمار مع المستوطنين والاستعمار الاستيطاني باعتبارهما متميزين تحليلياً". وكان مفتاح أسلوب فيراتشيني هو الافتراض القائل بأن الاستعمار الاستيطاني لم يكن نوعاً فرعياً من الاستعمار، بل كان كياناً منفصلاً "مضادًاً" antithetical للاستعمار. وقد اختفت في هذا التحليل فكرة الإمبريالية، مقابل مجرد الإشارة إلى "التوسع الإمبراطوري"، تماماً تقريباً في تحليله. وتلقت شخصيات مثل إيمانويل معاملة رافضة.(55)
في سلسلة مربكة ومتناقضة من النقلات، تحول مفهوم الاستعمار الاستيطاني في عمل فيراتشيني إلى منطق إقصائي شامل. كان وولف يرى أن مفهوم الليبرالي – الكلاسيكي للتراكم البدائي - المفهوم الذي تعرض في شكله البرجوازي لنقد لاذع من جانب ماركس - "لا ينفصل عن نشوء الاستعمار الاستيطاني"، وهو ما يساوي في الأساس بين المفهومين.(56) وقبل ذلك، نقل عالم الجغرافيا الماركسي ديفيد هارفي المفهوم التاريخي للتراكم الأصلي أو البدائي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى مفهوم مكاني فوق تاريخي هو "التراكم عن طريق السلب (انتزاع الملكية)". وقد تجاوز فيراتشيني كلاً من وولف وهارفي، فشرع في نقل مصطلح هارفي الجديد إلى مصطلح آخر ذي صلة وهو"التراكم دون إعادة الإنتاج"، وهو المصطلح الذي يشير إلى "المنطق الإقصائي" للاستعمار الاستيطاني. وهكذا اخذ "التراكم دون إعادة الإنتاج" ينطبق على جميع أشكال المنطق الإقصائي والنهبي (من نهب)، وكانت النتيجة أن جميع حالات القمع العالمي، حيثما لم يكن الاستغلال الاقتصادي المباشر معنياً، بما في ذلك قضايا مثل تغيّر المناخ، أصبح من الممكن "مقاربتها بشكل أكثر إنتاجية في إطار برادايم الدراسات الاستعمارية- الاستيطانية". (57)
وبهذه الطريقة، لم تندرج الكولونيالية والتوسع الإمبراطوري والرأسمالية العنصرية فحسب، في مفهوم فيراتشيني الموسع، بل وأيضاً الأزمة البيئية العالمية والديون البيئية والمولنه financialization في العالم ، فكلها تندرج تحت بارادايم الاستعمار الاستيطاني، ما يمثل منطقاً مهيمناً للإقصاء المعولم. وقد وضع فيراتشيني توكيدًا كبيرًا على حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة في العالم اليوم يجب أن يُنظر إليها في المقام الأول باعتبارها قوة استعمارية استيطانية، وليس قوة إمبريالية. وليس من المستغرب أن مفهوم "الإمبريالية" كان غائباً عن كتابه "الاستعمار الاستيطاني: نظرة نظرية عامة". (58)
إن التمييز النظري بين التحليل الماركسي للإمبريالية/الاستعمار مع الاستعمار الاستيطاني كأحد أشكاله، من جهة، والبرادايم الأكاديمي الجديد الذي يُنظَر فيه إلى الاستعمار الاستيطاني باعتباره ظاهرة متميزة ومحددة لذاتها متجذرة في نوع المستوطن، من جهة أخرى، هذا التمييز لا يمكن أن يكون أكثر اختلافًا. ويمكن إدراك هذا في الطريقة التي تناول بها مفكرون مثل وولف وفيراتشيني احتلال الدولة الإسرائيلية العنيف لفلسطين. فقد ذهب وولف إلى حد انتقاد تفسير رودنسون الكلاسيكي للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي على أساس أنه كان بالنسبة للأخير (رودنسون)، مشروعًا إمبرياليًا أوروبيًا (وأميركيًا شماليًا)، بينما بالنسبة لوولف نفسه، كان تحديد الاستعمار الاستيطاني، في جميع الأوقات، من خلال دور المستوطنين المستقلين المنفصلين عن المتروبول. وزعم وولف أن حجة رودنسون لم تشرح لماذا يُعتبر المشروع الإسرائيلي "مشروعًا استعماريًا - استيطانيًا" على وجه التحديد. ولكن مثل هذه النظرة اعتمدت مرة أخرى على النظر إلى المستوطن على نحو مجرد باعتباره نموذجاً مثالياً متميزاً، الأمر الذي أدى إلى نشوء الاستعمار الاستيطاني منفصلاً عن الفئات الاجتماعية الأخرى، وبالتالي يتعارض مع البحث التاريخي الشامل. ومن وجهة النظر هذه، فإن المتربولات الإمبريالية imperial metropoles (المدن الإمبريالية الكبرى)، أياً كان الدور الذي لعبته في البداية - وفي حجة وولف، كانت إسرائيل فريدة من نوعها لأنها تشكلت من "متروبولات منتشرة" - لم تعد (هذه المتروبولات) بحكم تعريفها متورطة بشكل مباشر في ما تختار المستعمرات الاستيطانية المستقلة autonomous أن تفعله. والواقع أن بعض التحليلات غير الماركسية تنظر إلى المتروبولات الآن باعتبارها الضحايا العاجزة للمستعمرات الاستيطانية، المحبوسة ببساطة في تاريخ ثقافي مشترك لا مفر منه. إن الحقيقة التي ضاعت هنا هي أن إسرائيل، بالنسبة لواشنطن، هي مستعمرة محمية garrison colony ضمن استراتيجية أوسع نطاقاً قاعدتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للهيمنة الإمبريالية العالمية.(59)
بالنسبة لفيراتشيني، كما هو الحال بالنسبة لوولف، فإن التركيز في كتاباته عن فلسطين ينصب على الاستقلال المطلق للمستعمرات الاستيطانية، والتي يُنظَر إليها، بالتالي، باعتبارها قادرة على تقرير مصيرها بنفسها بالكامل. إن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو حالة جليّة على ذلك. وهذا يعني أن مسألة دور النظام العالمي الإمبريالي في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني برمته قد تم إنكارها إلى حد كبير. ومن المؤكد أن فيراتشيني أشار إلى أن الإمكانات لا تزال قائمة لإعادة تأسيس تبعية المستعمرة الاستيطانية على القوى الإمبريالية في المركز (وهي نقطة موجهة بشكل خاص إلى إسرائيل) والتي قد تؤدي إلى "إعادة استعمارها" خارجياً. ولكن هذا يُنظَر إليه على أنه غير مرجح.(60)
وبالتالي، فإن النهج الذي يتم التعامل به مع احتلال إسرائيل لفلسطين في إطار النموذج الاستعماري الاستيطاني السائد، بعيد كل البعد عن النهج المادي التاريخي. بدلاً من الاعتماد على منطق تقييدي للغاية، فإن التحليل الماركسي يسعى إلى وضع واقع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي ضمن منظور تاريخي أوسع وأكثر ديناميكية يستوعب العلاقات الديالكتيكية المعقدة والمتغيرة للرأسمالية والطبقة والإمبريالية/العسكرة.
من المهم هنا أن نلاحظ أن إسرائيل/فلسطين فريدة من الناحية الديموغرافية في تاريخ الاستعمار الاستيطاني، إذ أنه بدلاً من ظهور أغلبية حاسمة أو أقلية قوية من المستعمرين، هناك مساواة تقريبية في التعداد السكّاني بشكل عام. في عام 2022 كان يعيش أكثر من سبعة ملايين إسرائيلي في إسرائيل الحالية والضفة الغربية، ويعيش حوالي سبعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل والقدس الشرقية. ونظراً لمعدلات المواليد الأعلى بشكل ملحوظ بين الفلسطينيين، فإن إسرائيل تنظر إلى هذا باعتباره تهديدًا ديموغرافيًا لمنطقها كدولة استعمارية استيطانية صهيونية. وعليه، فقد عززت تل أبيب من جهودها الرامية إلى السيطرة الكاملة على منطقة إسرائيل/فلسطين برمتها (التي يطلق عليها اليمين الإسرائيلي اسم "إسرائيل الكبرى")، واعتمدت استراتيجية أكثر عدوانية من الإبادة والإمبريالية.(61) وتحظى هذه الاستراتيجية بدعم كامل من جانب واشنطن، بل إن هذه الأخيرة تحث على هذه الإستراتجيا، في هدفها المتمثل في الهيمنة الإمبريالية المطلقة على الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب آسيا - منطقة القيادة المركزية الأميركية.
يبلغ متوسط الإنفاق العسكري السنوي لإسرائيل 12% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من عام 1960 إلى عام 2022. وبعد انكماشه رسميًا إلى حوالي 4-5 في المائة في السنوات الأخيرة، فإنه الآن في ارتفاع مرة أخرى. ويبلغ هذا الإنفاق ثاني أعلى إنفاق عسكري للفرد في العالم (بعد قطر)، وتمتلك إسرائيل بفضله ليس فقط التفوق العسكري في منطقة الشرق الأوسط ولكن أيضًا ترسانة من أسلحة الدمار الشامل (النووية والكيميائية والبيولوجية).(62) وتتلقى آلة الحرب الإسرائيلية مساعدات ضخمة من الولايات المتحدة، التي تزودها بأكثر الأسلحة تقدمًا. وقد منح حلف شمال الأطلسي إسرائيل تسمية "حليف رئيسي من خارج الناتو"، “major non-NATO ally”معترفًا بمكانتها كجزء رئيسي من الكتلة الإمبريالية الأمريكية الأوروبية.(63) وفي إطار الأمم المتحدة، فإن إسرائيل عضو في مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى (Western European and Other Group - WEOG) ضمن التجمعات الإقليمية الرسمية. ويشير مصطلح "أخرى" إلى الدول الاستعمارية الاستيطانية الرئيسية: الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وإسرائيل وجنوب أفريقيا التي كانت في السابق دولة الفصل العنصري.(64)
بالنسبة إلى ماكس آجل Max Ajl، الباحث البارز في معهد بروكلين للبحوث الاجتماعية، فإن إسرائيل، على الرغم من كونها "مجتمعًا استيطانيًا" ومرتبطة بمنطق الإبادة، يجب أن يُنظر إليها في سياق أوسع من الإمبريالية/العسكرة في الشمال العالمي. إن "قضية فلسطين"، كما يكتب آجل، ليست مجرد قضية اضطهاد وطني [أو استيطاني]، بل إنها تطرح تفرد إسرائيل: فهي تكثيف للقوة الاستعمارية والإمبريالية الغربية، ورمز عالمي للغدر الغربي، ودولة تشق أفريقيا وآسيا جسدياً، وتاجر ومرتزق للتمرد المضاد العالمي counter-insurgence ، وكل هذا يمتزج في مانتيكور من الموت والدمار" (65) (المانتيكور، في الأساطير الفارسية واليونانية، مخلوق وحشي يعتبر رمزًا للطغيان والسلطة القمعية – المترجم ). وإذا كان من الممكن النظر إلى إسرائيل كدولة إبادة استيطانية خالصة، فهي أيضاً دولة محمية عالمية global garrison state، مرتبطة بالنظام الكامل للهيمنة العالمية المتجذر في الرأسمالية الاحتكارية/الإمبريالية حيث الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة.
"واسيتشو"
Wasi’chu
لقد أفضى صعود الحركة الهندية الأميركية في الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين إلى انتقادات قوية لواقع الاستعمار الاستيطاني. وكان العمل الاستثنائي في هذا السياق هو كتاب "واسيتشو: الحروب الهندية المستمرة" للكاتبين بروس جوهانسن وروبرتو مايستاس
(Wasi’chu: The Continuing Indian War by Bruce Johansen and Roberto Maestas)
واسيتشو Wasi’chu كلمة في لغة شعب لاكوتا Lakota (احد الشعوب الأصلانية في أميركا الشمالية – المترجم) لا تشير إلى الرجل الأبيض أو المستوطن بل إلى المنطق والحالة العقلية والنظام. وحرفياً تعني هذه الكلمة (الشخص الذي "يأخذ الدهن" أو "الشخص الجشع"، لا يستولي على ما هو ضروري للحياة فحسب، بل وأيضاً على ما ينتمي إلى المجتمع بأكمله. "في إطار الحركة الهندية الحديثة،" أصبح هذا يعني "تلك الشركات وأفرادها، مع شركائهم الحكوميين، الذين يواصلون طمعهم في أرواح الهنود وأراضيهم ومواردهم لتحقيق الربح العام". وقد استخدم بلاك إلكBlack Elk هذا المصطلح على نحو شهير في كتابه "بلاك إلك يتكلم" Black Elk Speaks ، استناداً إلى مقابلات أجريت معه في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، حيث أكد على رغبة قبيلة واسيتشو التي لا تلين في اقتناء على الذهب. وكما أوضح جوهانسن ومايستاس، فإن واسيتشو "حالة إنسانية قائمة على اللاإنسانية والعنصرية والاستغلال. إنها مرض، مرض يبدو أنه معدٍ وغير قابل للشفاء، وهو الذي أنجب المجتمع الغربي المتقدم باستمرار". وقد أصبحت هذه الملاحظة في أعمال هذين المؤلفين، أساساً لتقييم لاذع للاستعمار الاستيطاني في أميركا الشمالية، لا تتمحور حول الماضي فحسب بل والحاضر أيضاً.(66)
تشرح الروائية الحائزة على جائزة بوليتسر أليس ووكر Pulitzer-Prize-winning novelist Alice Walker في كتابها "العيش بالكلمة" (Living by the Word) ، أن:
"واسيتشو" كان مصطلحاً استخدمه أوغلالا سيوكس Oglala Sioux للإشارة إلى الرجل الأبيض، ولكن لم يكن له أي إشارة إلى لون البشرة، بل يعني: من يأخذ الدهن. إنه من الممكن أن يكون الإنسان أبيض اللون ولا ينتمي إلى قبيلة واسيتشو، ومن الممكن أن يكون الإنسان من قبيلة واسيتشو ولا يكون أبيضًا. يتحدث واسيتشو في كل كتبه عن التاريخ الأميركي عن "فتح الأراضي البكر" virgin lands. ومع ذلك، كان هناك أناس يعيشون هنا على "جزيرة السلحفاة" Turtle Island، كما أطلق عليها الهنود، منذ آلاف السنين....
ينبغي علينا أن نرفض تماماً طريق واسيتشو الذي نسلكه على نحو كارثي، وهو الطريق الذي يحترم أكثر "المعدن الذي يجعل الإنسان مجنوناً"، (أكثر من احترامه للطبيعة وأكثر من الحياة نفسها وروح الكون). كثيرون منّا يخافون من التخلي عن طريق واسيتشو لأننا أصبحنا مدمنين على طريقته في الموت. لقد وعدنا واسيتشو بالعديد من الأشياء الطيبة، وقد حقق لنا العديد منها بالفعل. ولكن "التقدم"، الذي ادعى ذات يوم زعيم قبيلة واسيتشو الحالي أنه "المنتَج الأكثر أهمية"، كان يعني الجوع والبؤس والاستعباد والبطالة وما هو أسوأ من ذلك بالنسبة لملايين البشر على وجه الأرض".(67)
كان واسيتشو، كما فهمه السكان الأصلانيون، تجسيدًا لما نعرفه بالرأسمالية والاستعمار والإمبريالية، وهو نظام من الجشع والاستغلال ومصادرة الإنسان والأرض.(68) لقد فهم شعب لاكوتا بوضوح أن نظام الجشع هذا ليس له حدود وأنه عدو للوجود الجماعي والاحترام للأرض. إن هذا النقد الأكثر عمقًا للرأسمالية / الإمبريالية كنظام يهيمن عليه شعب واسيتشو الذي يستولي على "الدهون" (أي الفائض الذي هو ميراث البشرية ككل)، هذا النقد هو ما نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى. وكما تنص "الصفقة الحمراء" ل"لأمة الحمراء"
(Red Nation’s The Red Deal ) ، فإن الخيار اليوم هو "إنهاء الاستعمار أو الانقراض"، أي "إنهاء الاحتلال" وتدمير الأرض من قِبَل "المجتمعات القائمة على التراكم" الإمبريالية، من أجل "بناء ما يبقينا على قيد الحياة" ("الصفقة الحمراء" هو برنامج سياسي لتحرير الشعوب الأصلانية يطالب لتحقيق العدالة المناخية والبيئية ، ويدعو إلى إنهاء الاستعمار، واستعادة الأراضي، وإسقاط الرأسمالية والاستعمار – المترجم ).(69)
* النص الأصلي بالإنكليزية
Imperialism and White Settler Colonialism in Marxist Theory
by John Bellamy Foster
Feb 1, 2025
Monthly Review, Volume 76, Number 09 (February 2025)
تمت ترجمة المقال بتصريح من الناشر Monthly Review
This article was translated and re--print--ed by permission of Monthly Review magazine. (c) Monthly Review. All rights reserved.
الهوامش
1. ↩ Key foundational works in this paradigm include Patrick Wolfe, Settler Colonialism and the Transformation of Anthropology (London: Cassell, 1999) Patrick Wolfe, Traces of History: Elementary Structures of Race (London: Verso, 2016) Patrick Wolfe, “Settler Colonialism and the Elimination of the Native,” Journal of Genocide Research 8, no. 4 (December 2006): 387–409 Patrick Wolfe, “Land, Labor and Difference: Elementary Structures of Race,” American Historical Review 106, no. 3 (June 2001): 866–905 David Lloyd and Patrick Wolfe, “Settler Colonial Logics and the Neoliberal Regime,” Settler Colonial Studies 6, no. 2 (May 2015): 109–18 Lorenzo Veracini, The Settler Colonial Present (London: Palgrave Macmillan, 2015) Lorenzo Veracini, Settler Colonialism: A Theoretical Overview (London: Palgrave Macmillan, 2024) Lorenzo Veracini, “Containment, Elimination, Endogeneity: Settler Colonialism in the Global Present,” Rethinking Marxism 31, no. 1 (April 2019): 118–40. Marxian-oriented critical perspectives can be found in Jack Davies, “The World Turned Outside In: Settler Colonial Studies and Political Economy,” Historical Materialism 31, no. 2 (June 2023): 197–235 and Sai Englert, Settler Colonialism: An Introduction (London: Pluto, 2022).
2. ↩ Wolfe, “Settler Colonialism and the Elimination of the Native,” 387–88 Wolfe, Settler Colonialism and the Transformation of Anthropology, 2 Veracini, The Settler Colonial Present, 51, 54–56 Veracini, Settler Colonialism: A Theoretical Overview, 4–11 Veracini, “Containment, Elimination, Endogeneity,” 121 Davies, “The World Turned Outside In,” 207.
3. ↩ Roxanne Dunbar-Ortiz, Not “A Nation of Immigrants”: Settler Colonialism, White Supremacy, and a History of Erasure and Exclusion (Boston: Beacon, 2021), 18 R. W. Van Alstyne, The Rising American Empire (New York: W. W. Norton, 1960).
4. ↩ Veracini, The Settler Colonial Present, 39–40 Lorenzo Veracini, “Introduction: Settler Colonialism as a Distinct Mode of Domination” in The Routledge Handbook of the History of Settler Colonialism, Edward Cavanaugh and Lorenzo Veracini, eds. (London: Routledge, 2017), 3 Englert, Settler Colonialism: An Introduction, 29–30 John Bellamy Foster, Brett Clark, and Hannah Holleman, “Marx and the Indigenous,” Monthly Review 71, no. 9 (February 2020): 3.
5. ↩ John Bellamy Foster, Breaking the Bonds of Fate: Epicurus and Marx (New York: Monthly Review Press, forthcoming 2025).
6. ↩ Karl Marx, Capital, vol. 1 (London: Penguin, 1976), 917 Karl Marx and Frederick Engels, Collected Works (New York: International Publishers, 1975), vol. 46, 322 V. I. Lenin, “The Discussion on Social-Determination Summed Up,” July 1916, section 8, Marxists Internet Archive, marxists.org.
7. ↩ “Colony (n.),” Online Etymology Dictionary, etymonline.com. As G. E. M. de Ste. Croix states, “The Latin word coloni…had originally been used in the sense of ‘farmer’´-or-‘settler. ” G. E. M. de Ste. Croix, The Class Struggle in the Ancient Greek World (London: Duckworth, 1981), 159.
8. ↩ According to the Oxford English Dictionary, the word “exterminate” comes from the Latin for “to drive beyond boundaries.” From the sixteenth century onward, it meant “to drive forth (a person´-or-thing), from, of, out of, the boundaries´-or-limits of a (place, community, region, state, etc.) to drive away, banish, put to flight.” However, by the seventeenth century it had also taken on the additional meaning of “to destroy utterly, put an end to (persons´-or-animals) not only to root out, extirpate (species, races, populations).” Oxford English Dictionary, compact edition (Oxford: Oxford University Press, 1971), 938.
9. ↩ Karl Marx, Theories of Surplus Value: Part II (Moscow: Progress Publishers, 1968), 301–3 Marx, Capital, vol. 1, 917.
10. ↩ Marx, Theories of Surplus Value: Part II, 301–3 John Bellamy Foster, Hannah Holleman, and Brett Clark, “Marx and Slavery,” Monthly Review 72, no. 3 (July–August 2020): 98.
11. ↩ Marx, Capital, vol. 1, 915–17, emphasis added William Howitt, Colonization and Christianity: A Popular History of the Treatment of the Natives by the Europeans in All Their Colonies (London: Longman, Orme, Brown, Green, and Longmans, 1838), 348.
12. ↩ Howitt, Colonization and Christianity, 346–49, 378–79, 403–5.
13. ↩ Howitt, Colonization and Christianity, 414.
14. ↩ Karl Marx and Frederick Engels, Ireland and the Irish Question (New York: International Publishers, 1971), 266.
15. ↩ Marx and Engels, Ireland and the Irish Question, 66, 193, 216, 283, 303, 366, 372 John Bellamy Foster and Brett Clark, The Robbery of Nature (New York: Monthly Review Press, 2020), 72–75 Dunbar-Ortiz, Not “A Nation of Immigrants,” 36–46, 126.
16. ↩ Marx and Engels, Collected Works, vol. 18, 60–70, 212–13.
17. ↩ Kenneth Good, “Settler Colonialism: Economic Development and Class Formation,” Journal of Modern African Studies 14, no. 4 (December 1976): 599.
18. ↩ Karl Marx, “Excerpts from M. M. Kovalevsky,” appendix to Lawrence Krader, ed., The Asiatic Mode of Production (Assen, Netherlands: Van Gorcum and Co., 1974), 400, 406–7, 411–12 Foster, Clark, and Holleman, “Marx and the Indigenous,” 11–12.
19. ↩ Marx and Engels, Collected Works, vol. 46, 322. Translation altered slightly to change “actual colonies” to “colonies proper,” in accordance with the translation of Engels’s letter in V. I. Lenin, Collected Works (Moscow: Progress Publishers, n.d.), vol. 22, 352.
20. ↩ Lenin, Collected Works, vol. 22, 352.
21. ↩ Communist International (Comintern), Theses on the Revolutionary Movement in the Colonies and Semi-Colonies (1928), in Theses and Resolutions of the VI. World Congress of the Communist Internationalvol. 8, no. 88, International Press Correspondence, no. 84, sections 10, 12 (extra paragraph indent created beginning with “Between”) Oleksa Drachewych, “Settler Colonialism and the Communist International,” in The Palgrave Encyclopedia of Imperialism and Anti-Imperialism, Immanuel Ness and Zak Cope, eds. (London: Palgrave Macmillan, 2021): 2418–28. Lenin’s recognition of Engels’s position on “colonialism proper” and the Comintern’s detailed treatment of settler colonialism demonstrate that Veracini’s uninformed claim that “Lenin and twentieth century Marxism…conflated colonialism and settler colonial forms” was simply false. It is further falsified, as we shall see, by numerous explicit twentieth-century Marxist treatments of settler colonialism. Veracini, The Settler Colonial Present, 39.
22. ↩ Comintern, Theses on the Revolutionary Movement in the Colonies and Semi-Colonies, 12–13.
23. ↩ W. E. B. Du Bois, Darkwater: Voices from Within the Veil (New York: Harcourt Brace and Howe, 1920), 29–42.
24. ↩ Jennifer Schuessler, “What Is Settler Colonialism?,” New York Times, January 22, 2024.
25. ↩ José Carlos Mariátegui, José Carlos Mariátegui: An Anthology, Harry E. Vanden and Marc Becker, eds. (New York: Monthly Review Press, 2011), 74–76.
26. ↩ Paul Baran, The Political Economy of Growth (New York: Monthly Review Press, 1957), 141.
27. ↩ Baran, The Political Economy of Growth, 142.
28. ↩ Rosa Luxemburg, The Accumulation of Capital (New York: Monthly Review Press, 1951), 370.
29. ↩ Baran, The Political Economy of Growth, 139–42, 153 Marx, Capital, vol. 1, 925.
30. ↩ Frantz Fanon, The Wretched of the Earth (New York: Grove Press, 1963), 93 Simin Fadee, Global Marxism: Decolonization and Revolutionary Politics (Manchester: Manchester University Press, 2024), 132–52. In the work of Glen Sean Coulthard, Fanon’s emphasis on the colonial dialectic of recognition is combined with Marx’s critique of “so-called primitive accumulation” to generate one of the most powerful theoretical analyses of settler colonialism and Indigenous resistance up to the present. See Glen Sean Coulthard, Red Skin, White Masks: Rejecting the Colonial Politics of Recognition (Minneapolis: University of Minnesota Press, 2014).
31. ↩ Donald L. Barnett and Karari Njama, Mau Mau from Within (New York: Monthly Review Press, 1966).
32. ↩ Fayez A. Sayegh, Zionist Colonialism in Palestine (Beirut: Palestine Liberation Organization, 1965), 1–5.
33. ↩ Maxime Rodinson, Israel: A Colonial Settler State (New York: Monad Press, 1973), 27–33, 89–96. Rodinson’s monograph was first published during the 1967 Israeli-Arab War in Jean-Paul Sartre’s journal, Le Temps Modernes.
34. ↩ Jairus Banaji, “Arghiri Emmanuel (1911–2001),” Historical Materialism (blog), n.d.
35. ↩ Arghiri Emmanuel, Unequal Exchange: A Study of the Imperialism of Trade (New York: Monthly Review Press, 1972), 37–71, 124–25, 370–71.
36. ↩ Emmanuel, Unequal Exchange, 363–64.
37. ↩ Arghiri Emmanuel, “White-Settler Colonialism and the Myth of Investment Imperialism,” New Left Review 1/73 (May–June 1972), 39–40, 43–44, 47 Emmanuel, Unequal Exchange 124–25, 337, 363, 370–71.
38. ↩ Samir Amin, “Underdevelopment and Dependence in Black Africa—Origins and Contemporary Forms,” Journal of Modern African Studies 10, no. 4 (December 1972): 519–22 Samir Amin, The Reawakening of the Arab World (New York: Monthly Review Press, 2016), 182–89.
39. ↩ Harry Magdoff, Imperialism: From the Colonial Age to the Present (New York: Monthly Review Press, 1978), 19–20.
40. ↩ Good, “Settler Colonialism: Economic Development and Class Formation.”
41. ↩ J. Sakai, Settlers: The Mythology of the White Proletariat (Chicago: Morningstar Press, 1989).
42. ↩ David Gilbert, No Surrender: Writings from an Anti-Imperialist Political Prisoner (Montreal: Abraham Gullen Press, 2004), 5–59 David Roediger, The Wages of Whiteness: Race and the Making of the American Working Class (London: Verso, 1991), 184.
43. ↩ Roxanne Dunbar-Ortiz, “Aboriginal People and Imperialism in the Western Hemisphere,” Monthly Review 44, no. 4 (September 1992): 9.
44. ↩ On the retreat from imperialism theory on much of the left, see John Bellamy Foster, “The New Denial of Imperialism on the Left,” Monthly Review 76, no. 6 (November 2024): 15–19.
45. ↩ Wolfe, Settler Colonialism and the Transformation of Anthropology, 2, 27, 40–43 Wolfe, “Settler Colonialism and the Elimination of the Native,” 387, 402.
46. ↩ Wolfe, “Land, Labor and Difference,” 868 Englert, Settler Colonialism: An Introduction, 16.
47. ↩ Wolfe, Settler Colonialism and the Transformation of Anthropology, 1, 167.
48. ↩ Veracini, The Settler Colonial Present, 54. On the relation of Latin America to settler colonialism, see Richard Gott, “Latin America as a White Settler Society,” Bulletin of Latin American Research 26, no. 2 (April 2007): 269–89.
49. ↩ Wolfe, Traces of History, 28.
50. ↩ David Harvey, The New Imperialism (Oxford: Oxford University Press, 2003), 137–82. The concept of accumulation by dispossession is contradictory in Marx’s terms, since accumulation by definition is not dispossession´-or-expropriation, but rather is rooted in exploitation. Marx was strongly critical of the notion of “primitive accumulation”´-or-“original accumulation,” as presented by classical-liberal economists like Adam Smith, and preferred the term “original expropriation,”´-or-simply expropriation. See Ian Angus, The War Against the Commons (New York: Monthly Review Press, 2023), 204–9.
51. ↩ Wolfe, “History and Imperialism,” 389–93, 397, 403–7, 418–20.
52. ↩ Wolfe, “Settler Colonialism and the Elimination of the Native,” 388, 392, 403–4 Wolfe, “Land, Labor and Difference,” 868.
53. ↩ Robin D. G. Kelley, “The Rest of Us: Rethinking Settler and Native,” American Quarterly 69, no. 2 (June 2017): 268–69.
54. ↩ Englert, Settler Colonialism: An Introduction, 15. For an indication of this complexity see Gerald Horne, The Dawning of the Apocalypse: The Roots of Slavery, White Supremacy, Settler Colonialism, and Capitalism in the Long Sixteenth Century (New York: Monthly Review Press, 2020).
55. ↩ Veracini, Settler Colonialism: A Theoretical Overview, 4–12 Lorenzo Veracini, “Israel-Palestine through a Settler-Colonial Studies Lens,” Interventions: International Journal of Postcolonial Studies 21, no. 4 (2019): 572.
56. ↩ Lloyd and Wolfe, “Settler Colonial Logics and the Neoliberal Regime,” 8 Marx, Capital, vol. 1, 874 Davies, “The World Turned Outside In,” 217. On the history of the classical-liberal conception of original,´-or-primitive, accumulation prior to Marx, see Michael Perelman, The Invention of Capitalism: Classical Political Economy and the Secret History of Primitive Accumulation (Durham: Duke University Press, 2000).
57. ↩ Veracini, “Containment, Elimination, Endogeneity,” 119, 122–28 Veracini, “Israel-Palestine Through a Settler-Colonial Studies Lens,” 579–80 Nicholas A. Brown, “The Logic of Settler Accumulation in a Landscape of Perpetual Vanishing,” Settler Colonial Studies 4, no. 1 (2014): 3–5 Davies, “The World Turned Outside In,” 214 Harvey, The New Imperialism, 137–82.
58. ↩ Veracini, “Containment, Elimination, Endogeneity,” 122–8 Davies, “The World Turned Outside In,” 214.
59. ↩ Wolfe, Traces of History, 234–37 Veracini, “Israel-Palestine through a Settler-Colonial Studies Lens,” 570 Joseph Massad, “Israel and the West: ‘Shared Values’ of Racism and Settler Colonialism,” Middle East Eye, June 13, 2019 Jordan Humphreys, “Palestine and the Classless Politics of Settler Colonial Theory,” Marxist Left Review, June 13, 2024.
60. ↩ Lorenzo Veracini, Israel and Settler Society (London: Pluto, 2006), 97. It is notable that Veracini, like Wolfe, fails to recognize the significance of Rodinson’s Israel: A Colonial Settler State, stating that it was published in “the 1970s” (the time when the English edition came out), even though it appeared in French in the midst of the 1967 Arab-Israeli War, and had an enormous influence at the time, instilling throughout the world increased awareness of Israeli settler colonialism.
61. ↩ Claudia de Martino and Ruth Hanau Santini, “Israel: A Demographic Ticking Bomb in Today’s One-State Reality,” Aspenia Online, July 10, 2023.
62. ↩ Varun Jain, “Interactive: Comparing Military Spend around the World,” Visual Capitalist, June 4, 2023 “Israel: Military Spending, Percent of GDP,” Global Economy, theglobaleconomy.com U.S. Congressional Research Service, Nuclear, Biological, and Chemical Weapons and Missiles: Status and Trends (Washington, DC: Congressional Research Service, February 20, 2008), 16.
63. ↩ Thomas Trask and Jacob Olidort, “The Case for Upgrading Israel’s ‘Major Non-NATO Ally’ Status,” Jewish Institute for National Security of America, November 6, 2023.
64. ↩ Craig Mokhiber, “WEOG: The UN’s Settler-Colonial Bloc,” Foreign Policy in Focus, September 4, 2024, fpif.org.
65. ↩ Max Ajl, “Palestine’s Great Flood, Part I,” Agrarian South: Journal of Political Economy 13, no. 1 (March 2024): 62–88 Esther Farmer, Rosalind Pollack Petchesky, and Sarah Sills, A Land with a People: Palestinians and Jews Confront Zionism (New York: Monthly Review Press, 2021).
66. ↩ Bruce Johansen and Roberto Maestas, Wasi’chu: The Continuing Indian Wars (New York: Monthly Review Press, 1979), 5, 11, 16, 18 Black Elk and John G. Neihard, Black Elk Speaks: Being the Life Story of a Holy Man of the Oglala Sioux (New York: William Morrow, 1932), 7–9.
67. ↩ Alice Walker, Living by the Word: Selected Writings 1973–1987 (New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1981), 144–49.
68. ↩ Wasi’chu, as understood here, is essentially a materialist perspective, where a generalized human nature characteristic of certain groups of social actors is seen as a reflection of an underlying logic´-or-system. In Marx’s terms, the capitalist is presented as a personification of capital. This is in contrast to a Weberian style ideal type, rooted in methodological individualism, where social structures are interpreted in terms of a type of social action with subjective meaning traceable to a type of methodological individual. Thus, from that perspective, it is the methodological individual of the settler who is at the root of settler type meanings/actions and is the basis of colonialism/settlerism. The ideal type of the settler constitutes, rather than is constituted, and is not itself the product of an ensemble of social relations. Marx, Capital, vol. 1 ,92.
69. ↩ The Red Nation, The Red Deal (New York: Common Notions, 2021), 7, 13, 135–37 Veracini, “Israel-Palestine Through a Settler-Colonial Studies Lens,” 570–71.
#مسعد_عربيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟