أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مسعد عربيد - المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (الحلقة الثامنة عشرة)، مسعد عربيد















المزيد.....


المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (الحلقة الثامنة عشرة)، مسعد عربيد


مسعد عربيد

الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 23:25
المحور: القضية الفلسطينية
    


التسلسل الزمني (كرونولوجيا) للفكرة والمخططات
القرن التاسع عشر: مرحلة ما قبل تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية

متابعة أبرز الأفكار والتيارات الاستيطانية الصهيونية

مناحيم أوسيشكين
أبراهام مناحيم مندل أوسيشكين
(1863 – 1941)
Menachem Ussishkin
Abraham Menachem Mendel Ussishkin

• أحد رواد ومؤسسي الحركة الصهيونية وأحد كبار مُنظِّريها
• أُطلق عليه لقب "الرجل الحديدي للصهيونية"
• أدَّى دورًا هامًا في تنظيم وتطوير المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين
▪️▪️▪️
من سيرته
ولد أوسيشكين عام 1863 في (دوبروفنو، مقاطعة موغيليف) - بيلاروسيا.
انتقلت عائلته إلى موسكو في العام 1871، حيث نشأَ وتلقى تعليمه.
في عام 1889، تخرج مهندسًا تقنيًا في جامعة موسكو التقنية الحكومية.
تُوفي في القدس عام 1941.

أبرز نشاطاته وإنجازاته

يُجمع كثير من الكتّاب والمؤرخين الذين أرَّخوا للحركة الصهيونية على أن مناحيم أوسيشكين، وعلى مدى ستين عامًا من حياته، أدَّى دورًا هامًا في الأنشطة اليهودية والصهيونية وترك بصمته في مجرى الأحداث.

ونعرض فيما يلي أبرز إنجازاته المتصلة بالمشروع الاستيطاني الصهيوني مع مراعاة تسلسلها الزمني:
- كان أوسيشكين أحد مؤسسي حركة بيلو Bilu (فرع موسكو لحركة "أحباء صهيون") التي عملت على بث الروح القومية اليهودية في صفوف الطلاب والشباب.
- في العام 1889 انضم إلى منظمة "بني موشيه" (أبناء موسى) التي أسسها “أحاد هاعام" عام 1889، وأصبح أحد كبار أعضائها.
- أخذ منذ عام 1887 في نشر تقارير ومقالات في صحيفة "ها مليتس" عن حركة "محبو صهيون".
- في عام 1906، أصبح أوسيشكين رئيسًا "للجنة أوديسا" أو (اللجنة الأوديسية). ودعمت هذه اللجنة تحت قيادته إنشاء عدد من المستوطنات في فلسطين، ودعم مزرعة التدريب في طبريا، والمؤسسات التعليمية والثقافية القائمة في الييشوف الشاب.
- كان أوسيشكين الرئيس الأول لـ “الصندوق القومي اليهودي" (كيرن كييمت)، وظلّ في هذا المنصب من عام 1923 إلى حين وفاته عام 1941.
- دوره في مؤتمر السلام (1919): استجاب أوسيشكين لدعوة وايزمان للتحدث باسم "الشعب اليهودي" أمام زعماء الدول العظمى الملتئمين في مؤتمر الصلح (مؤتمر فرساي) إثْر الحرب العالمية الأولى. وفي 27 شباط/فبراير 1919، وقف أوسيشكين أمام ممثلي دول العالم المجتمعين، ممثلًا للشعب اليهودي، مخاطبًا المؤتمر باللغة العبرية عن حق الشعب اليهودي.
- دوره في تأسيس الجامعة العبرية: أدَّى أوسيشكين دورًا مهمًا في تأسيس الجامعة العبرية، وكان من بين الذين افتتحوها رسميًا في الأول من إبريل عام 1925، وكان عضوًا في مجلس أمنائها ولجنتها التنفيذية، وخصَّصَ جهده لرعايتها حتى وفاته.
دوره في الحركة الصهيونية

1 – المؤتمر الصهيوني
- شارك أوسيشكين في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل - سويسرا في العام 1897 وانتُخب سكرتيرًا للمؤتمر. وانتخب في المؤتمر الصهيوني الثاني (1898) عضوًا في اللجنة التنفيذية الصهيونية وبقي في هذا المنصب حتى وفاته.
- اقترح أوسيشكين في المؤتمر الصهيوني الخامس (1901) إقامة مصرف تحت اسم "الشركة الانجلو- فلسطينية".

2 - رئاسة "الصندوق القومي اليهودي"
انتخب أوسيشكين رئيسًا لـ “الصندوق القومي اليهودي" (الكيرن كييمت) في المؤتمر الصهيوني الثالث عشر (1923)، وظلّ في هذا المنصب إلى حين وفاته عام 1941.
نشط أوسيشكين دوليًا لدعم المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين سياسيًا وماليًا. وفي هذا المجال قام بجولات عدة بين الجاليات اليهودية في ا أوروبا والولايات المتحدة وكندا لجمع التبرعات مطالبًا بضرورة " إنقاذ الأراضي في أرض إسرائيل لتعود إلى أصحابها اليهود" واستعادة "أرض إسرائيل الكاملة على كامل الأراضي الفلسطينية".
نجح في "شراء" مساحات شاسعة من الأراضي في فلسطين في أثناء رئاسته للكيرن كييمت، منها أراض في خليج حيفا، وفي بيسان، وأجزاء أخرى من فلسطين. وفي عام 1939 تقرر إنشاء سلسلة مستوطنات في الجليل الأعلى "ميزودوت أوسيشكين" ("حصون أوسيشكين").
ويُقدر أنه زاد من مساحة الأراضي التابعة للصندوق القومي اليهودي من 22 ألف دونم إلى 561 ألف دونم، ودخله من 70 ألف جنيه إسترليني إلى 600 ألف جنيه إسترليني .

3 - اليشوف*
أوْلى أوسيشكين الجوانب التنظيمية والتمويلية في المشروع الاستيطاني الصهيوني أهمية كبيرة. فقد آمن أوسيشكين بضرورة تنظيم "اليشوف"، وقاد العمل في تأسيسه وتطويره لأكثر من ثلاث سنوات (1919-1923)، منذ خطواته الأولى نحو إقامة "الوطن القومي لليهود". وكان له دور فعال في إنشاء عدد من المستوطنات الصهيونية في فلسطين، وتنظيم شبكة المدارس العبرية فيها.
في العام 1903 أخذ تصريحا من هرتسل بتنظيم اليشوف اليهودي في فلسطين، الذي أصبح نقطة قوة للحركة الصهيونية فيما بعد.
العوامل المؤثرة في تطور فكره الاستيطاني
1 - زياراته لفلسطين التي شملت ثلاث زيارات: الأولى في عام 1891، والثانية في عام 1903، والأخيرة في عام 1913، قبل أن يقرر الاستقرار في فلسطين عام 1919.

2 - اللغة العبرية: تأثر أوسيشكين بأعمال الكتاب والمفكرين اليهود في عصره، وكان من أشد المعارضين لاستخدام اللغة اليديشية بدلًا من العبرية، لأن الأخيرة، في اعتقاده هي "الأساس الفكري والثقافي للشعب اليهودي المزمع إقامة دولة له". وعليه، أصبح إحياء اللغة العبرية أحد مبادئه الأساسية، وكان له دور مهم في الاعتراف باللغة العبرية لغة رسمية في فلسطين في أثناء الاحتلال البريطاني.
3 - "البوغروم": تأثر أوسيشكين بالقمع والمذابح (بوغرومpogrom (الذي لحق ببعض التجمعات اليهودية في روسيا إثر اتهامهم باغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني في العام 1981. وقد دفعته هذه الأحداث إلى تأسيس حركة بيلو (Bilu ) للطلاب اليهود في جامعة موسكو، وأسس مع صديقه يهيل تشلينوف Jehiel Tschlenow جمعية "رواد أرض إسرائيل" التي أظهر أعضاؤُها استعدادهم لاستيطان فلسطين - "أرض إسرائيل".
4 - أفكار ثيودور هرتسل: ترك كتاب ثيودور هرتسل "دولة اليهود" (1896) (أو الدولة اليهودية) أثرًا كبيرًا في أوسيشكين. وفي الإعداد للمؤتمر الصهيوني الأول، شارك في عدد من الاجتماعات مع هرتزل وماكس نورداو، ما ترك لديه انطباعًا عميقًا.

أبرز أفكاره
كتيب "برنامجنا"
كان أوسيشكين من أشد المعارضين لموجة الاستيعاب (الاندماج) التي أثارتها الثورة الروسية الأولى (1904-1905). وقد تعزَّزت قناعته هذه بفعل حدثين كان لهما دورٌ حاسمٌ في بلورة أفكاره وموقفه من المسألة اليهودية وحلّها:
الحدث الأول، "مذبحة كيشيناو" في الإمبراطورية الروسية (وهي عاصمة مولدوفا اليوم) التي حدثت في إبريل 1903، على غرار حملات القمع والاضطهاد بحق اليهود في روسيا القيصرية عام 1881. وإثر هذه المذبحة توجه أوسيشكين إلى كيشيناو للعمل على تنظيم جهود السكان اليهود للاستيطان في فلسطين وإقامة دولتهم في "أرض إسرائيل".
أمّا الحدث الثاني، فكان الجدل داخل الحركة الصهيونية بشأن "مشروع أوغندا" الذي عارضه أوسيشكين بشدّة ووقف مع تيار "صهاينة صهيون".
في ذلك الوقت، وفي سياق معارضة أوسيشكين "مشروع خطة أوغندا"، وبعد وفاة ثيودور هرتسل (1904)، نشر أوسيشكين كُتيّب "برنامجنا" (الذي صدر أولًا باللغة الروسية، ثم بالعبرية والألمانية والإنجليزية)، وضع فيه الأسس الخمسة لـ “الصهيونية التركيبية" التي دعت إلى تبني العمل السياسي إلى جانب البرنامج الاستيطاني لتحقيق الحلم الصهيوني، وهو تركيب يجمع الصهيونية السياسية مع الصهيونية العملية، وحدد هذه الأسس كما يلي:
- العمل السياسي
- الاستيلاء (شراء) على أراضي فلسطين
- الهجرة اليهودية إلى فلسطين
- الاستيطان في فلسطين
- تهيئة الشعب استعدادًا لـ"يوم الخلاص" عن طريق العمل التعليمي والتنظيمي بين التجمعات اليهودية.
وقد سادت أفكاره هذه فيما بعد في صفوف الحركة الصهيونية، وأصبح "برنامجنا" ركيزة للصهيونية العملية التي أدَّت دورًا محوريًا في الموجة الاستيطانية الثانية، وموجة الهجرة الثانية (عليا الثانية). وتحت تأثير هذه الأفكار، دعمت الحركة الصهيونية إنشاء مستوطنات زراعية ومؤسسات تعليمية وثقافية، منها المعهد الذي سُمّي لاحقًا "معهد التخنيون".
في هذا الكُتيّب، احتل الاستيطان موقعًا بارزًا، فدعا أوسيشكين إلى الاستيطان الجماعي القائم على الصهيونية العمالية:
أ) إقامة مزارع ومستوطنات مستقلة في فلسطين بعد ان يقوم "الصندوق القومي اليهودي" (الكيرن كييمت) "بشراء" الأراضي؛
ب) أن يعمل العمال اليهود في هذه المستوطنات "بأيديهم، دون مساعدة من العمال المأجورين"، أي دون الحاجة إلى العمالة المأجورة، واستبعاد العمال المزارعين العرب. وهو ما يُعدُّ التشكيلة الأولى لفكرة الموشاف.
الاستيطان هو الحل للمسألة اليهودية
أولَّا: مصير السكان الأصلانيين
1- العنصرية في فكر أوسيشكين
"أهل فلسطين ليسوا جديرين بها"
كان مناحيم أوسيشكين من أكثر دعاة الاستيطان تطرفًا، "كان فظًا ومستبدًا ... ولو سُئل لقال إنه لا يطيق العرب ولا الإنجليز. لقد تجاهلهما قدر الإمكان".
ينطلق موقف أوسيشكين من عرب فلسطين من نظرة عنصرية استعلائية تصنِّفهم متخلفين، مدعيًا "أنه ليس هناك مقارنة ممكنة بين الحقوق الإنسانية والتاريخية والثقافية لليهود في فلسطين، وحقوق العرب فيها." وتنم هذه النظرة بوضوح عن تجريد السكان الأصلانيين من حقوقهم، وعن عجزهم عن استصلاح الأرض وتطويرها، بل تطال تاريخهم وثقافتهم؛ فهم، وفق رأيه، "لم يبدعوا أي شيء يذكر في فلسطين كي يطالبوا بحقوق لهم فيها".

وقد تجلى موقف أوسيشكين من عرب فلسطين في معرض رفضه مشروع التقسيم الذي اقترحته لجنة بيل في تموز/يوليو 1937. فقد كتب أوسيشكين، وكان رئيس الصندوق القومي اليهودي آنذاك: "ليس هناك أي شعب أبدع في هذا البلد، منذ طرد اليهود، ثقافة بقيت حية؛ فهذا البلد شهد مرور شعوب كثيرة تعاقبت عليه: يونان، ورومان، وبيزنطيون، وأكراد، ومماليك، وصليبيون مسيحيون، ومغول، وعرب، وأتراك. لكن الثقافة العظيمة الوحيدة التي نشأت فيه هي ثقافة اليهود؛ من الصحيح أن العرب أبدعوا ثقافة عظيمة في دمشق، وبغداد، وفي إسبانيا، والعراق، لكن ليس في فلسطين، وصرحهم الوحيد فيها هو مسجد عمر، لكنه ليس سوى مكان مقدس ثانوي بعد مسجدي مكة والمدينة، وأكثر من ذلك، فإن صفة المكان المقدس التي يتحلى بها تعود إلى أنه بُني في موقع هيكل سليمان؛ وينتج من هذا كله، أنه ليس هناك مقارنة ممكنة بين الحقوق الإنسانية والتاريخية والثقافية لليهود في فلسطين، وحقوق العرب فيها".

2 - ترحيل الفلسطينيين إلى شرق الأردن
قال أوسيشكين في خطاب له أمام الصحافيين (القدس في 28 إبريل/نيسان 1930): "علينا أن نواصل المطالبة باستعادة أرضنا... إذا كان هناك سكان آخرون، فيجب نقلهم إلى مكانٍ آخر. يجب أن نستولي على الأرض. لدينا مُثُلٌّ أعلى وأسمى من الحفاظ على مئات الآلاف من الفلاحين العرب [الفلسطينيين]".
في 19 مايو 1936، أعلن مناحيم أوسيشكين: "ما يمكننا أن نطالب به اليوم هو ضمّ شرق الأردن بأكمله إلى أرض إسرائيل... بشرط أن يكون شرق الأردن إما متاحًا للاستعمار اليهودي أو لإعادة توطين العرب [الفلسطينيين] الذين سنشتري أراضيهم [في فلسطين]. لا يمكن لأكثر الأشخاص ضميرًا أن يجادل في هذا... في ما يتعلق بعرب الجليل [الفلسطينيين]، شرق الأردن مقاطعة... سيكون هذا لإعادة توطين عرب فلسطين. هذه هي مشكلة الأرض... الآن، العرب [الفلسطينيون] لا يريدوننا لأننا نريد أن نكون الحكام. سأناضل من أجل هذا. سأتأكد من أننا سنكون أصحاب هذه الأرض..".

ثانيًا: وسائل استيطان فلسطين
1 - الاستيلاء على الأراضي
كان مناحيم أوسيشكين من دعاة "أرض إسرائيل الكاملة على كامل الأراضي الفلسطينية" ووظف جهده كله من أجل فكرة امتلاك الأراضي ملكيةً وطنية، وأولى الاستيطان الزراعي في "أرض إسرائيل" أهمية خاصة بوصفه "جوهر الكل". وفي عام 1904، صرّح قائلًا: "[تُكتسب الأرض] بالقوة --- أي بالغزو الحربي، أو بعبارة أخرى، بسلب الأرض من مالكها؛ ... بالمصادرة عن طريق السلطة الحكومية؛ أو بالشراء... [اقتصرت الحركة الصهيونية على الخيار الثالث] حتى نصبح في مرحلة ما حكامًا".

2 - "شراء" الأراضي
كان أوسيشكين من أكبر الداعين إلى إقامة المستوطنات. وتولَّى عمليات "شراء" مساحات شاسعة جدًا من الأراضي في فلسطين، منها مستوطنات عين جانيم، وبئير يعقوب، ونحلات يهودا.
في العام 1908، بعد ثورة "تركيا الفتاة"، زار أوسيشكين إسطنبول في مسعى لنيل تأييد الحكومة العثمانية الجديدة المكونة من اعضاء "جمعية الاتحاد والترقي" التي ضمّت عددًا من اليهود، لتسهيل امتلاك الأراضي واستيطانها في فلسطين.
وفي مطلع القرن العشرين، في العامين 1920-1921، أي قبل أن يصبح أوسيشكين رئيسًا ل “الصندوق القومي اليهودي"، أنجز عملية شراء أراضٍ قرب القدس أُقيمت عليها مستوطنات صهيونية. ولكن إنجازه الأكبر كان في إبرام صفقة شراء أراضي مرج ابن عامر من عائلة سرسق اللبنانية.
أوسيشكين وتحديات الاستيطان
الدروس والعِبَر في "عَليا الأولى" و "عَليا الثانية"**
أخذت فلسطين، منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، تشهد سلسلة من الموجات الاستيطانية اليهودية. وتسمى هذه الموجات "العَليا"، وهي المصطلح العبري للهجرة اليهودية إلى "أرض الميعاد" التي جرت على مراحل عدة (موجات) في مسيرة المشروع الاستيطاني الصهيوني لفلسطين.
وسوف نتطرق هنا إلى الموجتين الأولى والثانية (" العليا الأولى " و " العليا الثانية")، لما لهما من صلة وثيقة بالفكر الاستيطاني لأوسيشكين بصفة خاصة وبالمشروع الاستيطاني الصهيوني وتطوراته اللاحقة.
"العليا الأولى": بدأت هذه الموجة في 1881-1882، إثر اغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني عام 1881 واتهام اليهود به، واستمرت حتى عام 1903. ويقدّر عدد اليهود المستوطنين في هذه الموجه بحوالي 3.5 مليون جاؤوا من روسيا وأوروبا الشرقية واليمن. ذهبت أغلبية هؤلاء اليهود إلى الولايات المتحدة، في حين ذهبت أقلية صغيرة منهم لاستيطان فلسطين (تحت الاحتلال العثماني آنذاك) ويُقدّر عددهم ما بين 25 إلى 35 ألفًا، غير أن نصفهم تقريبًا غادر فلسطين في غضون سنوات قليلة بعد وصولهم.

"العليا الثانية": جرت بين عامي 1904 و1914، قَدِم فيها ما يقرب 40,000 يهودي إلى فلسطين معظمهم من روسيا وبولندا، وبعضهم من اليمن. وتُعدُّ "العليا الثانية" أكثر موجات الاستيطان الصهيوني تأثيرًا في طبيعة المشروع الاستيطاني وتطوِّره في فلسطين، بل يعتقد كثيرون أنها وضعت حجر الأساس للكيان الصهيوني حيث مهّد روادها أُسس اليشوف Yishuv وبنائه نحو دولة مستقبلية مستقلة.

بين عليا الأولى وعليا الثانية

تجلَّت الفروقات الجوهرية بين هاتين الموجتين بالتركيبة الديمغرافية لكلٍ منهما:
- فقد جاءت غالبية مستوطني "العليا الأولى" من الشباب اليهودي الذي يئس من تغيُّر أحوال اليهود في روسيا وأوروبا الشرقية، وتأثر بأطروحات استيطان فلسطين وبناء "وطنهم" المزعوم على أرضها، وكانوا أكثر "تدينًا" متأثرين بدوافع دينية أكثر منها سياسية.
- أمَّا مستوطنو الموجة الثانية، فقد كان معظمهم من الشباب المتأثرين بالمُثُل والأفكار الاشتراكية، وكانوا على علم وإدراك بما ينبغي عمله لدى وصولهم إلى أرض فلسطين واستيطانها، مستفيدين من تجارب وعِبر "العليا الأولى". وبفضل هذه الاستفادة اتسمت العليا الثانية بعقيدتين أساسيتين:
العقيدة الأولى، دعوة اليهود إلى "السيطرة على العمل" في المستوطنات بواسطة العمال اليهود، (العمل العبري)، دون الاعتماد على العمالة العربية، لخلق مجتمع عمَّالي يهودي قادر على استيعاب آلاف من المهاجرين اليهود إلى فلسطين. وكان هذا أبرز الفروق بين موجتي الاستيطان، "العليا الأولى" و"العليا الثانية".
والعقيدة الثانية، التي كان من شأنها تجنب المشكلات التي واجهتها "عليا الأولى"، تجسَّدت في تأمين "الحراسة الذاتية" للمستوطنات. فقد شعر المستوطنون، مغتصبو أرض غيرهم، أنهم غرباء في هذه الأرض "لعدم وجود هيئة أو مؤسسة تمثلهم وتعتني بأحوالهم ومعيشتهم في بلاد لم يعرفوها من قبل"، وعملوا على تأمين الحماية والحراسة العسكرية لمستوطناتهم.
أوسيشكين والإفادة من دروس "العليا الأولى"
سبق مناحيم أوسيشكين، الكثيرين غيره من روّاد المشروع الصهيوني في إدراك المشكلات التي عانى منها المستوطِنون اليهود لدى وصولهم إلى فلسطين. ورأى أن الشرط الرئيس لنجاح عملية الاستيطان هو "إيجاد علاقة روحية بين الشعب المستوطِن والأرض التي يستوطنها"، ما يعني ضرورة عمل اليهود في الأراضي التي سيطروا عليها، لا الاعتماد على العمالة العربية كما فعل غزاة "العليا الأولى". وجدير بالذكر أن إدموند روتشيلد شاركه هذا الرأي بوصفه الممول الرئيس للاستيطان.
مواقف استيطانية
1 - معارضة "مشروع أوغندا"
في عام 1903، وإزاء ظروف القمع والاضطهاد التي عانى منها اليهود في روسيا، عرضت الحكومة البريطانية على ثيودور هرتسل مساحات من الأرض في أوغندا لتوطين اليهود، وهو ما عُرف بمشروع "أوغندا".
تقبل هرتسل هذه الفكرة وأخذ يبحثها مع القيادات الصهيونية، ولكنها لقيت معارضة شديدة من اليهود الروس الذين كان لهم دور مهم وحاسم في محاربتها بزعامة مناحيم أوسيشكين الذي رفضها جملة وتفصيلًا، وموجهًا اللوم إلى هرتسل لأنه قبل الفكرة، وطالبه بالتخلي عنها. غير أن هذه المعارضة لم تمنع هرتسل من أن يطرح في المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903، اقتراحًا بدراسة عرض الحكومة البريطانية لإنشاء دولة في أوغندا.
اشتدت معارضة اليهود الروس لهذا المشروع، واتهموا هرتسل بالخيانة، ووصل الأمر إلى محاولة اغتيال ماكس نورداو معاونه الرئيس على يد أحد الطلاب الروس الصهاينة. وقد أدّت المعارضة الى حدوث انشقاق في الحركة الصهيونية، فاضطر هرتسل إلى التراجع عن الفكرة خصوصًا بعدما أبلغته الحكومة البريطانية أن الأرض التي كانت تنوي تخصيصها لليهود في أوغندا يشغلها مستعمرون بريطانيون، وأنها (الحكومة البريطانية) تسعى إلى إيجاد أراض أخرى لليهود.
إثر وفاة هرتسل عام 1904، نجح أوسيشكين ومؤيدوه في إلغاء مشروع اوغندة وإعادة كل المعارضين إلى صفوف الحركة الصهيونية. وفي المؤتمر الصهيوني السابع في العام 1905 جرى وأد مشروع أوغندا والتخلي عنه نهائيًا.
2 - معارضة تقسيم فلسطين وتوصيات "لجنة بيل"***
كان مناحيم أوسيشكين من كبار المعارضين لفكرة تقسيم فلسطين التي اقترحتها "لجنة بيل" البريطانية التي أوفدت إلى فلسطين عام 1936وذلك من منطلق "الحفاظ على سلامة أراضي فلسطين لتقام عليها الدولة اليهودية" و"إقامة الوطن القومي اليهودي على كامل الأرض الفلسطينية".
وفي هذا الصدد، علّق أوسيشكين في عام 1938 على توصيات " لجنة بيل " بالقول: لا يمكننا أن نبدأ الدولة اليهودية بسكان نصفهم تقريبًا من العرب [الفلسطينيين] الذين يعيشون على أراضيهم في حين يعيش اليهود على الأرض بأعداد قليلة جدًا، ويتزاحمون جميعًا في تل أبيب ومحيطها. والأسوأ من ذلك ليس فقط في أن العرب [الفلسطينيين] هنا لا يؤلفون سوى 50% أو 40%؛ وإنما لأن 75% من الأراضي بيد العرب [الفلسطينيين]. إن دولة كهذه لا يمكنها البقاء ولو لنصف ساعة... المسألة ليست في كونهم أغلبية أم أقلية في البرلمان. أنتم تعلمون أن حتى أقلية صغيرة قد تُعطل نظام الحياة البرلمانية برمته... لذلك أقول للجنة [بيل] والحكومة إننا لن نقبل بتقليص مساحة أرض إسرائيل دون أن تُعطونا الأرض من جهة، وتُبعدوا أكبر عدد من العرب [الفلسطينيين] خصوصًا الفلاحين - من جهة أخرى قبل أن نتقدم لتولي زمام الحكم في أراضينا ولو مؤقتًا.
3 - حدود "أرض إسرائيل"
رأى أوسيشكين أن حدود "أرض إسرائيل" تمتد من "البحر الكبير" (البحر الأبيض المتوسط) إلى نهر الفرات، وليست الحدود التي رسمها بلفور، وأكّد أن "هذه الحدود الأوسع رُسمت بوضوح على خريطة حائط مكتب الصندوق القومي اليهودي التابع لي".
__________________
* يشوف تعني استيطان، ويشير المصطلح الى هيئة السكان اليهود في فلسطين قبل قيام الكيان الصهيوني (1948).

** عَليا aliyah كلمة عبرية تعني الصعود، وهي مصطلح عبري صهيوني يشير إلى الهجرة اليهودية إلى "أرض الميعاد" (فلسطين).

*** لجنة بيل Peel Commission: لجنة تحقيق ملكية بريطانية سُميَّت رسميًا "اللجنة الملكية لفلسطين"، وعُرفت باسم "لجنة بيل" نسبة إلى رئيسها إيرل بيلEarl Peel . وقد أوفدتها الحكومة البريطانية إلى فلسطين عام 1936 إثر اندلاع الثورة العربية الكبرى (1936-1939)، للتحقيق في أسباب الثورة وتقصي الأوضاع في فلسطين آنذاك. وفي الثامن من يوليو/تموز 1937 أصدرت اللجنة تقريرها الذي تضمن اقتراحًا بإنشاء ثلاثة أقاليم في فلسطين: إقليم تحت الانتداب البريطاني يضم القدس، وبيت لحم، وممرًا إلى يافا على البحر المتوسط؛ ودولة يهودية في الجليل والجزء الأكبر من السواحل الغربية؛ وأن يتحد باقي فلسطين مع شرق الأردن ويكونان دولة عربية. ويُعد اقتراح اللجنة الملكية أول طرح لفكرة تقسيم فلسطين.



#مسعد_عربيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير … والإبادة، (الح ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير … والإبادة، (الح ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير … والإبادة، (الح ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير … والإبادة، (الح ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بح ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بح ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بح ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بح ...
- المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا ...
- السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية ...
- السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية ...
- السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية ...


المزيد.....




- الجيش الهندي يعلن تنفيذ -ضربة دقيقة- في باكستان
- فيديو متداول لـ-انفجار طائرات في مطار صنعاء- جراء غارات إسرا ...
- المستشار الألماني الجديد يطالب إسرائيل بإدخال المساعدات إلى ...
- الجيش الباكستاني يرد على الهجمات الصاروخية الهندية بالمثل
- أوربان: هنغاريا لا تعتزم الانسحاب من الاتحاد الأوروبي
- في خطوة فاجأت إسرائيل... اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحوثيين ...
- فريدريش ميرز يؤدي اليمين الدستورية مستشارا لألمانيا بعد تصوي ...
- كارني يؤكد من البيت الأبيض أن كندا ليست أبدًا للبيع وترامب ...
- عاجل: دوي انفجارات قوية في منطقة كشمير الباكستانية، والجيش ا ...
- مستشار ألمانيا ميرتس يعقد أول جلسة لوزرائه ثم يتجه إلى باريس ...


المزيد.....

- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مسعد عربيد - المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (الحلقة الثامنة عشرة)، مسعد عربيد