أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني جرجس عياد - التربية الإعلامية ومهارات الشباب العربي في عصر المنصات الرقمية: الواقع، التحديات، والآفاق المستقبلية














المزيد.....

التربية الإعلامية ومهارات الشباب العربي في عصر المنصات الرقمية: الواقع، التحديات، والآفاق المستقبلية


هاني جرجس عياد

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 23:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في ظل الثورة الرقمية التي اجتاحت العالم بأسره، أصبح الوصول إلى المعلومات أكثر سهولة من أي وقت مضى، وشكلت المنصات الرقمية مثل فيسبوك، تويتر، إنستغرام، ويوتيوب، وغيرها، منبرًا أساسيًا للشباب العربي للتواصل، والتعلم، والتعبير عن آرائهم. لكن هذا الكم الهائل من المعلومات لا يعني بالضرورة جودة أو صحة تلك المحتويات، حيث يختلط في المشهد الرقمي الصحيح بالزائف، والموضوعي بالمتحيز، والمفيد بالمضلل. في هذا السياق، تبرز أهمية التربية الإعلامية كضرورة لا غنى عنها، لأنها تمنح الشباب أدوات التفكير النقدي والوعي اللازمين للتمييز بين المصادر المختلفة، وتحليل الرسائل الإعلامية بعمق، وفهم تأثير الإعلام على الرأي العام والسلوك الاجتماعي. بدون هذه المهارات، يصبح الشباب عرضة لخطر الانخداع بالمعلومات المغلوطة، التي يمكن أن تؤدي إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية، أو تبني مواقف غير صحيحة تجاه قضايا وطنية وعالمية.

الواقع في العالم العربي يظهر تفاوتًا واضحًا في مدى تبني التربية الإعلامية، حيث تعاني العديد من الأنظمة التعليمية من ضعف في دمج هذه المهارات ضمن المناهج الدراسية. غالبًا ما تُركّز المدارس على التلقين والمعرفة التقليدية، مع إهمال مهارات التفكير النقدي والتحليل الإعلامي، الأمر الذي يترك الشباب في مواجهة مع محتوى رقمي متنوع، ولكنه غير منظم ولا يخضع لرقابة علمية أو تربوية. إضافة إلى ذلك، هناك نقص واضح في تدريب المعلمين على طرق تدريس التربية الإعلامية، ما يجعلهم غير قادرين على توجيه الطلاب بشكل فعال في هذا المجال الحيوي. ومن ناحية أخرى، يواجه الشباب في بعض المناطق العربية محدودية في الوصول إلى الإنترنت السريع والأجهزة الرقمية، مما يزيد من فجوة المهارات الرقمية بينهم وبين شباب في مناطق أخرى أكثر تقدمًا، ويجعل استفادتهم من التربية الإعلامية أقل فعالية.

تأتي التحديات التقنية والسياسية لتزيد من تعقيد المشهد، إذ يُعاني الشباب أحيانًا من رقابة أو قيود على حرية التعبير على الإنترنت، مما يحول دون الوصول إلى معلومات كاملة وموضوعية، أو المشاركة في النقاشات بحرية. هذا الواقع يُضعف فرص التربية الإعلامية لأن جزءًا مهمًا منها يقوم على تمكين الشباب من نقد الإعلام الرسمي والخاص، والتعبير عن آرائهم بحرية ومسؤولية. إلى جانب ذلك، هناك تحديات متعلقة بالخصوصية الإلكترونية، حيث يجهل كثير من الشباب الحقوق الرقمية الأساسية مثل حماية البيانات الشخصية وإدارة الخصوصية على الشبكات الاجتماعية، مما يجعلهم عرضة للمخاطر مثل الابتزاز أو الاستغلال الإلكتروني.

مهارات الشباب العربي في استخدام المنصات الرقمية متنوعة وتعكس واقعًا معقدًا، فهم بارعون في التعامل مع الأجهزة والبرمجيات بشكل عام، ويستخدمون هذه المنصات للتواصل الاجتماعي والترفيه بشكل يومي. ومع ذلك، يفتقرون في كثير من الأحيان إلى القدرة على التقييم النقدي للمحتوى، مما يجعلهم يستقبلون المعلومات دون تمحيص، ويؤدي إلى تقبل الأخبار المزيفة أو الانجراف خلف التوجهات الإعلامية غير الموضوعية. على الجانب الآخر، هناك شريحة من الشباب تبدي إبداعًا ملحوظًا في صناعة المحتوى الرقمي، حيث يستخدمون منصات الفيديو والمدونات لطرح قضايا اجتماعية أو ثقافية أو سياسية، وهو ما يعكس رغبة واضحة في المشاركة الفاعلة والتأثير. لكن هذا الإبداع يحتاج إلى دعم تربوي يوجهه نحو المسؤولية والالتزام بالقيم الأخلاقية والمهنية، حتى لا يتحول إلى أداة لنشر الكراهية أو الأخبار الكاذبة.

التربية الإعلامية تلعب دورًا جوهريًا في تعزيز وعي الشباب وتمكينهم من أن يصبحوا مستهلكين ومنتجين للمحتوى الإعلامي بشكل واعٍ ومسؤول. فهي تمنحهم أدوات لفهم كيفية عمل الإعلام، وآليات إنتاج الأخبار، وتأثير الإعلانات والدعاية، وكذلك كيفية استخدام وسائل الإعلام لتحقيق أهداف إيجابية. كما تساعد التربية الإعلامية على تعزيز مهارات التفكير النقدي، بحيث لا يقبل الشباب المحتوى كما هو بل يتساءلون عن مصدره، ودوافعه، وموثوقيته، ومدى اتساقه مع الأدلة والحقائق. علاوة على ذلك، تساهم التربية الإعلامية في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان الرقمية، وحماية الخصوصية، وتعريف الشباب بالقوانين المنظمة للعالم الرقمي. هذا الوعي يُمكن الشباب من المشاركة الإيجابية في الفضاء العام، ويُقلل من انتشار المعلومات المضللة التي تهدد النسيج الاجتماعي.

بالنظر إلى المستقبل، تبرز فرص كبيرة لتطوير التربية الإعلامية في العالم العربي مع تزايد الاهتمام العالمي بها، والتقدم التقني الذي يفتح آفاقًا جديدة. من المتوقع أن تشهد المناهج التعليمية العربية إدخالًا متزايدًا لمواد وبرامج متخصصة في التربية الإعلامية، تشمل مهارات استخدام الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، وتحليل البيانات الرقمية، مع التركيز على خصوصية وأمان المستخدم. كما ستتوسع مبادرات التدريب للمعلمين والكوادر التربوية، لتزويدهم بأساليب تدريس حديثة وفعالة تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يتنامى المحتوى الرقمي العربي الجيد، الذي يعكس ثقافة وهوية الشباب، ويدعم قيمهم، مما يعزز انتماءهم ومشاركتهم المجتمعية. كل هذه التطورات يمكن أن تساهم في بناء جيل قادر على استخدام التكنولوجيا بذكاء وحكمة لخدمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المنطقة.

في النهاية، يمكن القول إن التربية الإعلامية تمثل جسرًا حيويًا بين الشباب العربي والعالم الرقمي، فهي تضمن أن تكون العلاقة بينهما مبنية على وعي ومعرفة، وليس على العشوائية والتلقين. ومع استمرار التطور التكنولوجي وتزايد تأثير الإعلام الرقمي في حياتنا اليومية، تصبح ضرورة التربية الإعلامية أكثر إلحاحًا، لما لها من دور في تشكيل وعي الشباب وتوجيه طاقتهم نحو بناء مجتمعات مستدامة وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل بثقة وحكمة. لذا، فإن الاستثمار في التربية الإعلامية هو استثمار في مستقبل الشباب والعالم العربي ككل.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذَّكَاءُ وَالسُّلُوكُ الْإِجْرَامِيُّ: الْعَلَاقَةُ بَيْنَ ...
- مُؤَسَّسَاتُ الرِّعَايَةِ وَإِعَادَةِ تَأْهِيلِ الأَحْدَاثِ
- قهر الوصمة وكسر قيود التمييز: نحو مجتمع أكثر إنصافًا وشمولية
- الوصمة المزدوجة: تداخل العوامل الاجتماعية وتأثيراتها على الأ ...
- الموظف والسوشيال ميديا: التأثير السلبي والإيجابي لوسائل التو ...
- الإعلام والسياسة: من يقود من؟
- حق المؤلف بين النظرية والتطبيق
- الشخصية الإدارية
- فن الاتصال والتأثير على الناس
- لمحات من حياة القديس مارمرقس مؤسس الكنيسة المصرية
- نظرية الوصم (الجذور التاريخية والافتراضات النظرية)
- إدارة التنوع في الموارد البشرية
- العواطف في العمل
- النسوية العربية: رؤية نقدية
- الفرق بين المهارات الصلبة والمهارات الناعمة
- «العربية» في أفريقيا
- الجامعات الافتراضية: إيجابياتها وسلبياتها
- أنواع دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع
- معوقات الموهبة لدى الأطفال والحلول المقترحة للعلاج
- الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم إحسانا أم التزاما تتحمله الدولة؟ ...


المزيد.....




- الأردن يدين مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنط ...
- ما هدف روسيا من إنشاء منطقة أمنية عازلة مع أوكرانيا؟
- مشاهد مؤلمة لتدافع مئات الغزيين أمام مخبز في النصيرات في محا ...
- السعودية.. ضبط وافدين على أبواب مكة بدون تصريح حج وإعلان عقو ...
- الجزائر.. حبات برد -بحجم بيض الدجاج- تتلف الأشجار المثمرة وا ...
- مصر.. طالب ينهال على والدته بـ16 طعنة أثناء نومها لسبب غريب ...
- إدارة ترامب تمنع جامعة هارفارد من تسجيل الطلبة الأجانب
- الأمن الفرنسي يوقف 55 رجلا بتهمة اعتداءات جنسية على أطفال
- عراقجي: إذا أقدمت إسرائيل على أي عدوان ضدنا سنعتبر الولايات ...
- عاصفة في السودان عقب قرار البرهان


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني جرجس عياد - التربية الإعلامية ومهارات الشباب العربي في عصر المنصات الرقمية: الواقع، التحديات، والآفاق المستقبلية