تحليل فلسفي-نفسي لأخلاقيات خوارزميات TikTok

عبد النور إدريس
كاتب
(Abdennour Driss)

الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 14:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

بين الحياد الرقمي والترويج للمحتوى اللا أخلاقي

الملخص: يتناول هذا البحث إشكالية التحيّز القيمي في خوارزميات منصة TikTok، من منظور فلسفي ونفسي سوسيولوجي، متسائلًا عما إذا كانت هذه الخوارزميات تُسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في ترويج أنماط سلوكية لا أخلاقية أو مثيرة للجدل. يرتكز البحث على تحليل البنية الخوارزمية للمنصة من جهة، وتأثيراتها النفسية والسلوكية والاجتماعية على المستخدم من جهة أخرى، مستنيرًا بأعمال باحثين متخصصين في مجالات الذكاء الاصطناعي، الأخلاقيات الرقمية، وعلم النفس الإعلامي.
-----
1. مقدمة: مع تصاعد هيمنة المنصات الرقمية في تشكيل الوعي والسلوك، تتعاظم أهمية مساءلة الخوارزميات التي تشغلها، لا بوصفها أدوات تقنية فحسب، بل كفاعلين قيميّين في الفضاء السيبراني. TikTok، باعتباره من أكثر التطبيقات رواجًا بين الشباب والمراهقين، أصبح نموذجًا مثاليًا لتحليل دينامية التفاعل بين الخوارزمية والمحتوى والقيم.

2. الإشكالية ومنطلقات التحليل: هل خوارزميات TikTok حيادية بطبيعتها؟ أم أن لها دورًا ضمنيًا في ترسيخ أنماط ثقافية لا أخلاقية؟ وهل يمكن تحميل الخوارزميات مسؤولية القيم التي تنتج عنها، أم أن المسؤولية تقع على المستخدم والمجتمع الرقمي؟ هذه الأسئلة تُستدعى ضمن إطار نقدي يتجاوز التقنية إلى البُعد القيمي والفلسفي.

3. البنية الخوارزمية: حياد ظاهري وانحياز ضمني يعتمد TikTok على خوارزميات تعلم آلي (Machine Learning) تتغذى على بيانات المستخدمين، وتُعيد تشكيل تجربة المشاهدة وفق أنماط التفاعل. وكما يشير الباحث Tarleton Gillespie (2014) في دراسته حول الخوارزميات المؤثرة في تشكيل الرأي العام، فإن هذه الأنظمة "ليست حيادية بل تعكس قيمًا ضمنية وفق منطق السوق والانتباه".

التركيز على ما يثير الانتباه والانفعال (arousal) يجعل من المحتوى اللا أخلاقي أو المثير (جنسيًا أو عنيفًا) مادة مفضلة للخوارزمية، ليس لأنه كذلك في ذاته، بل لأنه يُنتج بيانات تفاعل عالية. هذا ما يُعرف بـ"الانحياز السلوكي للخوارزمية".

4. منظور علم النفس الإعلامي والسلوكي: وفقًا لنظرية النقل الانفعالي (Excitation Transfer Theory) لــ Dolf Zillmann، فإن المحتوى المثير يُنشّط الجهاز العصبي، ما يرفع احتمالية التفاعل. تُعزّز خوارزميات TikTok هذا النمط، مما يؤدي إلى حالة من "التعوّد القيمي" (Moral Habituation)، حيث تصبح الممارسات المستهجنة مألوفة ومقبولة بفعل التكرار.

كما تُظهر دراسات حديثة مثل دراسة Uhls et al. (2017) حول تأثير المنصات البصرية على القيم الأخلاقية للمراهقين، أن الاستخدام المتكرر يُعيد تشكيل القيم الذاتية لتنسجم مع القيم الأكثر انتشارًا في الفضاء الرقمي.

5. الانعكاسات النفسية والسوسيوثقافية: من أبرز التأثيرات النفسية التي ترصدها الأبحاث:

تشييء الذات (Self-Objectification): خاصة لدى الفتيات، حيث يتحول الجسد إلى أداة لتحقيق القبول الرقمي.

تبلّد الحس الأخلاقي (Moral Desensitization): كما وصفه Bandura في نظريته حول "الميكانيزمات المعرفية لتبرير السلوك العدواني"، حيث تُبنى مبررات داخلية للاستهلاك أو إنتاج محتوى لا أخلاقي.

قلق المقارنة والتقدير الذاتي المشروط: كما وثقته Chou & Edge (2012)، حيث تؤدي المقارنة المستمرة مع الصور المثالية في المحتوى إلى تدنٍ في تقدير الذات وظهور أعراض اكتئابية.


6. مساءلة فلسفية: هل يمكن تحميل الخوارزمية مسؤولية أخلاقية؟ في فلسفة التقنية، يناقش Bruno Latour فكرة أن التقنية ليست محايدة بل تشكّل أنماط الحياة. وضمن هذا التصور، يمكن فهم الخوارزميات كـ"فاعلين غير بشريين" (non-human actors) يؤدون دورًا في صياغة الخيارات الأخلاقية. بذلك، يُصبح من المشروع مساءلة مطوري الخوارزميات عن تأثيرات منتجاتهم، كما أشار Shoshana Zuboff في عملها حول "رأسمالية المراقبة".

7. القسم التطبيقي والتحليل الإحصائي: تم إجراء تحليل لمستوى انتشار المحتوى اللا أخلاقي على أربع منصات: TikTok، Facebook، YouTube، وInstagram، اعتمادًا على بيانات من دراسات مؤسسة Pew Research (2022)، وبيانات داخلية لمنصات الإشراف الرقمي (Digital Wellbeing Reports).

المنصة نسبة التفاعل مع محتوى ترفيهي-غير أخلاقي/ نسبة الإبلاغات عن محتوى ضار /معدل الوقت اليومي /الفئة العمرية الأكثر استخدامًا

تكتوك -34% 22% 95 دقيقة 13-24
أنستغرام ـ21% 14% 72 دقيقة 18-34
فايس بوك- 15% 10% 60 دقيقة 25-44
يوتوب- 18% 8% 45 دقيقة 18-44


تشير البيانات إلى أن TikTok يتصدر في نسب التفاعل مع محتوى لا أخلاقي أو مثير، متبوعًا بـ Instagram، ما يدعم فرضية تأثير الخوارزميات في تفضيل أنماط سلوكية بعينها. بينما تبدي منصات مثل YouTube وFacebook قدرة أعلى على ضبط المحتوى، بفضل آليات المراقبة والتصفية المسبقة.

8. الخاتمة والتوصيات: ليست خوارزميات TikTok منحازة بشكل صريح للمحتوى اللا أخلاقي، لكنها تعزز كل ما يُنتج تفاعلًا عاليًا، حتى وإن تعارض مع القيم الإنسانية العامة. وهذا يُحتم إعادة النظر في تصميم هذه الأنظمة من منظور أخلاقي، ووضع آليات رقابة ومساءلة، إلى جانب نشر الوعي الرقمي النقدي لدى المستخدمين.

المراجع:

Gillespie, T. (2014). The Relevance of Algorithms. In Media Technologies.

Zillmann, D. (1983). Transfer of Excitation in Emotional Behavior.

Uhls, Y. T., et al. (2017). "Media Exposure and Adolescents Moral Development." Pediatrics.

Bandura, A. (1999). Moral Disengagement in the Perpetration of Inhumanities. Personality and Social Psychology Review.

Chou, H. T. G., & Edge, N. (2012). "They are happier and having better lives than I am": The impact of using Facebook on perceptions of others lives. Cyberpsychology, Behavior, and Social Networking.

Latour, B. (2005). Reassembling the Social: An Introduction to Actor-Network-Theory.

Zuboff, S. (2019). The Age of Surveillance Capitalism.

Pew Research Center (2022). "Teens, Social Media and Technology".

#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)       Abdennour_Driss#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات