أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عادل الزدغاوي - الأمازيغ وسؤال الحضارة.. بين النقد الذاتي وتصحيح المغالطات















المزيد.....

الأمازيغ وسؤال الحضارة.. بين النقد الذاتي وتصحيح المغالطات


عادل الزدغاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 22:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الأمازيغ وسؤال الحضارة.. بين النقد الذاتي وتصحيح المغالطات.
"الأمازيغ رجال حرب، وحرب هذا الزمان هي العلم، فلنتعلم "، محمد شفيق.
علاقة بالمقولة أعلاه، كثيرا ما يطرح سؤال الحضارة حينما يتعلق الأمر بكل نقاش يحوم حول موضوع الأمازيغية في دول شمال إفريقيا، وهو سؤال أصبح يشكل قلقا كبيرا لدى القارئ، كما أنه أضحى يطرح لغاية سلبية لوسم الأمازيغية، والغريب أن هذا الوسم أطلقه أساتذة ومفكرين "كبار" يفترض فيهم التحلي بالكثير من الموضوعية في الكتابة والتأليف، خاصة وأنهم يتعاملون مع جمهور من القراء ليسوا على نفس الدرجة من المعرفة، وكما ويفترض فيهم الحيطة والحذر فيما ينقلونه لتوخي النزاهة، لأن أغلب هؤلاء القراء يضعون الكاتب الباحث في منزلة الأنبياء، دون أن يتسلحوا بمنهجي النقد والتمحيص، خاصة عندما يتعلق الأمر ببحث في موضوع التاريخ، فالباحث وهو يقتحم موضوعا شائكا مستعصيا من هذا الحجم "الأمازيغ وسؤال الحضارة "، مطالب بأن يمنح لبحثه قدرا كافيا من الأهمية بالبحث والتدقيق، وتفكيك مصادره وفق منهج تاريخي فيلولوجي، أركيولوجيا على طريقة ميشيل فوكو، لا الاكتفاء بالمادة المصدرية التي صيغت في سياق كان يراد منه خدمة مشروع إيديولوجي لا ينبغي إعاقته أو عرقلة أهدافه، لذلك نجد اليوم -بالكثير من الأسف- من يسفهون فترة زمنية غنية جدا على المستوى الحضاري بجرة قلم، وهم يدونون بكل جرأة، أن الأمازيغ لم يكونوا سوى شعوب "بربرية " بدائية تمارس الترحال والرعي، ولم تترك شيئا مكتوبا، في حين أن مفهوم الحضارة لا يتعلق فقط بما هو مكتوب، هذا إن جاريناه في طرح أنها لم تترك مكتوبا..وصلت درجة هذا الانزلاق الخطير ثقافيا، إلى لحظة أصبحت فيها "البربرية" مفهوما لصيقا بالشعوب الأمازيغية، دون أن يكلف الباحثون أنفسخهم عناء وضع المفهوم في سياقه الزمني وما رافقه من تحولات كما سيأتي، لكن دعنا نلقي نظرة سريعة عن مسار الأمازيغ، لنتحقق من مدى مسامتهم في الحضارة الإنسانية من عدمه.
أصبح الإسم الأكثر تداولا بين الباحثين اليوم ، هو مفهوم "البربر"، وأغلب هؤلاء الباحثين يستخدمنه بشكل خاطئ وغير موضوعي، إما جهلا بأبعاده ودلالته، أول بدافع غل لا يخدم البحث العلمي مطلقا، فتجدهم يخلطون بين "البربرية " كمفهوم يرتبط بقلة التمدن والتحضر و"البربر" كتسمية تم توظيفها أول الأمر من طرف اليونانيون لتمييزهم على غيرهم من الشعوب بدءا من اللاتينيين، ولما أخذ عنهم الرومان المشعل، صاروا يسمون به كل الشعوب الخارجة عن المجال الحضري اليوناني-اللاتيني داخل حدود اللمس، لذلك كان الأمازيغ في نظر الرومان متوحشون كما يحاول أن يصور لنا الباحثون غير الموضوعيون اليوم، في حين أن نعتهم ارتبط بكونهم قاوموا بشدة حربيا وثقافيا توسعات روما، كما أن جل القبائل الأمازيغية ظلت خارج المناطق الشمالية الخاضعة لنفوذ روما، لذلك والحالة هذه، لازمتهم هذه التسمية طيلة العهد الروماني، وكان من الطبيعي أن تستمر مع البيزنطيين الوريث الشرعي للإمبراطورية الرومانية.. وبعد مرحلة "الفتح الإسلامي" أخذ العرب عن الرومان كلمة "بربري" وحولوها إلى " بربر"، كما ظل الأروبيون يسمون شمال إفريقيا "برباريا "إلى حدود أوائل القرن التاسع عشر.. إن هذا الارتباط بمفهوم البربر أو البربري، لم يكن يؤدي نفس الوظيفة التي يصنعها غصبا باحثينا اليوم، ويجهدون أنفسهم في الدعاية لها، دون أن يعلموا أنهم يخلطون في ذلك بين المشاعر الدينية تارة، ومشاعر الانتماء إلى العرق أو القبيلة تارة أخرى. السؤال الذي يفرض نفسه ها هنا بإلحاح كبير، هو، هل اقنع الأمازيغ بتسمية "البربر " يوما؟
حسب المعطيات المتوفرة لحدود الآن في المصادر التاريخية، أن الأمازيغ تجاهلوا تجاهلا تاما هذه التسمية، واحتفظوا لنفسهم باسم "ئمازيغن"، ولم يقبلوا أبدا إسم "الشلوح" التي تعني قطاع الطرق، والتي لازال يستعملها –للأسف الشديد-"فقهائنا" إلى اليوم دون أدنى علم بالدلالات التي تحملها(ياسين العماري نموذجا).. في سياق هذه التطورات، لم يكلف عرب المشرق بعد مرحلة "الفتوحات" عناء البحث عن دلالات التسمية كما سبقت الإشارة، حيث أخذوها عن الأوربيون وأبدعوا بعد ذلك في تحديد إنتماءاتهم وأصولهم(البربر)، فمنهم من نسبهم إلى العرب العاربة من أصل يمني، وذهب آخرون إلى نسبهم إلى الأوربيون خاصة ذوي البشرة الشقراء منهم، وهي محاولات لجعلهم خارج نطاق الحضارة.. لم يكن الأمازيغ خارج الحضارة كما يحاولون إيهامنا لغاية يعلمونها جيدا، بل كانوا مساهمين في كل مرة، وعلى مر العصور، عاشوا أكثر من ثلاثة قرون من الزمن في تناغم تام مع الفينيقيون تبادلا فيها الطرفان التجارة والصناعة، إلى الوقت الذي بدأت فيه قرطاجة تفكر في أواخر ق5 ق م في التوسع إلى الأراضي الداخلية، لينقضي بذلك عهد التعايش السلمي والدخول في مرحلة التحرشات مع مطلع ق 4 ق م، تطور الأمر إلى عداء حقيقي حوالي 241 ق م، لم تسيطر خلالها قرطاجة على الموقف إلا بعد ثلاث سنوات، تكرر المشهد مرة أخرى لصناعة التاريخ خلال الحرب البونيقية الثانية بين قرطاجة حنبعل وروما، والتي انخرط فيها الممالك الأمازيغ، إذ أورد تيتوس ليفيوس، المؤرخ الروماني في هذا السياق قولته المشهورة "إن سيوف النوميديين هي التي فصلت الفصل النهائي في معركة قناية"، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ سرعان ما اندلعت حرب أهلية رومانية، كان فيها للممالك الأمازيغية حظا وافرا من الحضور، خاصة بعد ما اتضحت معالم الممالك الأمازيغية مع الملوك الأوائل، الملك سيفاكس أو سيفاقس، وماسينيسا، وباكا، فمنهم من حالف قيصر سيزار ومنهم من حالف بومبي ميلا...،من خلال هذه الأحداث يتضح إلى أي حد ساهم الأمازيغ في صناعة حضارة المجال المتوسطي طيلة أكثر من خمسة قرون قبل الميلاد، ولم تنتهي هذه المساهمة بانتهاء فترة الممالك، بل برزت معارضة شعبية جديدة، وبرز معها الكثير من القادة في حدود النصف الأول من القرن1م، كما هو الشأن بالنسبة لتاكفاريناس النوميدي الأصل، وأيديمون أحد عتقاء بطليموس.. وحتى بعد تخلي روما خلال عهد قوستانتينيوس حوالي 313م عن الوثنية واتخاذ المسيحية دينا رسميا للإمبراطورية، أعلن بذلك ثلة من الروحانيين الأمازيغ تمردهم على سلطة الكنسية بروما، وعلى رأسهم دوناتوس(الدوناتية).
إن الثابت إلى حدود الآن، ومن باب الموضوعية التي ننشدها، يمكن الاعتراف-اعترافا ثقافيا علميا-أن مساهمة الأمازيغ في الحضارة لم يكن بشكل انفرادي، وبالتالي لم يكن إسهماما مكتوبا باسمها في عرف براءة التأليف والكتابة، بل كانت مساهمة ضمن سيرورة الأحداث التي عاشها المجال المتوسطي، لا نعرف بالضبط السبب الرئيسي في ذلك، فما وصلنا من مصاد لا زال يكتنفه الكثير من الغموض وعدم وضوح الرؤية، لكن من منطلق تقديرينا الخاص، يمكن القول، ربما الأمر كان يتعلق بانشغالهم المستمر بالحروب التي كانت تهددهم بشكل مباشرأو غير مباشر، كما أن الادعاء القائل أنهم لم يكونوا أهل علم، فقد دحضته الكثير من المصادر التي وصلتنا، فما ورد على لسان سالوست في كتاب حرب "يوغرطا" يفند ذلك جملة، ثم وجود الكثير من المعالم التي تدل على عكس ما قيل، فوجود تمثال ليون 2 في أحد المراكز الثقافية اليونانية لهو دليلا واضحا على مدى التأثير الثقافي الكبير الذي تركه هذا الأخيرفي نفوس الأثينيون، ثم وجود مؤلفات يوبا 2 الأسير بروما، وقس على ذلك من الشواهد والبراهين التي تدحض مزاعم كون الأمازيغ ليسوا أهل علم ومعرفة، وحتى بعد تطور الدولة المغربية المستقلة، برز الكثير ممن كان لهم باع في الكتابة والتأليف، فهذا وجاج بن زلوا اللمطي الذي ساهم في تأسيس الدولى المرابطية، وذاك عبد الله بن ياسين المرشد الدعوي للدولة نفسها، وهذا ابن زيدان صاحب "إتحاف أعلام الناس..."، وأحمد الونشريسي، مؤرخ الدولة الوطاسية...، والقائمة طويلة لا يتسع المجال لذكر كل تفاصيلها.. غيرأن السؤال الذي لا نجد بدا من طرحه، هل يملك باحثونا المعاصرون، الجرأة اللازمة لإعادة قراءة التاريخ من زاوية موضوعية، للتكفير عن جملة الأخطاء التي رسخت الكثير من الرواسب السلبية في الوعي الجماعي للمغاربة على الخصوص وشمال إفريقيا على العموم؟ هل يمكن إعادة تصحيح هذا الكم الهائل من الأخطاء التي هدمت صرح حضارة عمرت لقرون من الزمن؟ هل نتملك إرادة سياسية حقيقية لتصحيح المغالطات والتجاوزات الخطيرة التي خلفت ندوبا في وجه حضارة كبيرة



#عادل_الزدغاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسة التهافت
- الغرب والعلمانية
- التراث بين النظرة السلفية التقليدية والنظرة الفلسفية العقلان ...
- فكر ونقد
- قراءة في كتاب - اغتيال العقل- لبرهان غليون


المزيد.....




- صَدمة وقوالب حلوى والكثير من الأمنيات نانسي عجرم تحتفل بعيد ...
- جمال روبرتس بطل جديد لـ -أمريكان أيدول-
- غـــزة: أي تــداعــيــات لــلــعــمــلـيـة الــبــريـة ؟
- ماكرون وستارمر وكارني يهددون إسرائيل بإجراءات -عقابية- بسبب ...
- قادة بريطانيا وفرنسا وكندا يهددون بمعاقبة إسرائيل إذا لم تُو ...
- نائبة المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط في لبنان مجددا ...
- أكثر من 100 دولة تؤكد مشاركتها في مؤتمر الأمن في موسكو
- خبير مصري يحذر من خطر داهم يهدد مصر والسودان بعد تأخير إثيوب ...
- أوشاكوف: ترامب أكد لبوتين أن العلاقات الأمريكية الروسية ستكو ...
- مساعد الرئيس الروسي يحدد مخرجات المحادثة بين بوتين وترامب


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عادل الزدغاوي - الأمازيغ وسؤال الحضارة.. بين النقد الذاتي وتصحيح المغالطات