مضر خليل عمر
الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 14:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتبت سابقا عن دور جغرافية العراق وتاريخه العريق في ما يعاني منه حاليا من تكالب وتآمر و تدمير ممنهج . ولعل العراق توأم فلسطين في الكثير من الامور والحالات ، الفرق بين الاثنين ان الفلسطينيين يعرفون اعدائهم وهم واضحون امامهم وضوح الشمس ، اما في العراق فالاعداء هم ذئاب من ابناء البلد قد لبسوا جلد نعاج للتحكم به وبشعبه المسكين بشتى الطرائق والوسائل ، ولتنفذ اجندات قديمة – مستحدثة و باساليب ماكرة . حقيقة علمية لا يمكن انكارها : ما يتحكم في مصير - مستقبل - واقع اي بلد هي جغرافيته ، اي موضعه الذي يؤطر حدوده الرسمية وما يحتويه هذا الموضع من امكانات و ثروات طبيعية وبشرية ، مستثمرة ام مازالت غير مستثمرة ، وحتى التي هي غير معروفة لدى العامة ولكنها معلومة عند البعض المتحكم بالمصير . اما الموقع فهو الرقعة الجغرافية المحيطة بالموضع من الناحية الطبيعية و السياسية .
موضع فلسطين ، يضاف الى ما يحتويه من ثروات وتنوع طبيعي ، وبشري ، فانه مهبط الاديان ، وما تركه السلف المؤمن - الصالح من اثار وركائز ذات قدسية وقيمة معنوية عند مختلف الاديان . وهذا التنوع (الديني – الاسلام ، المسيحية ، واليهودية) والبشري (قوميات وطوائف) يكون مصدر قوة عندما يستثمر بشكل ايجابي ، ويكون وبالا و حيفا على ابناء البلد الاصليين حيثما يستغل من قبل اطراف ذات مطامع و مقاصد غير شريفة . وهذا ما حدث ويحدث في الكثير من بلدان العالم ، ولعل حال العراق اقربها واقدمها واكثرها ايلاما و قسوة ، اضافة الى فلسطين .
موقع فلسطين ، في الجغرافيا السياسية ، طبقا لنظرية الارض القلب لماكندر ، وعلى اختلاف التحويرات والتطويرات لها بقي شرق البحر الابيض المتوسط يمثل الارض القلب . انقل ادناه بعض ما له صلة بما اود عرضه هنا .
((وجد أنَّ (قارات العالم القديم) الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا تشغل ثلثي مساحة اليابسة، ويسكن هذه القارات الثلاث نحو 90% من سكان العالم بينما لا يسكن القارات الأخرى سوى 10%، كما اعتبر قارات العالم القديم الثلاث قارة واحدة أطلق عليها جزيرة العالم - World Island، ويرى ماكندر أنَّ من يستطيع أنْ يسيطر على جزيرة العالم فإنَّه يستطيع أن يسود العالم كله، وأنَّ أيَّة قوة بحرية لن تقف في وجه القوة البرية بحكم أنَّ الأخيرة ستكون مسيطرة على هوامش الجزيرة العالمية بما في ذلك القواعد البحرية، كما أنَّ القوة البرية بما تمتلك من إمكانيات بشرية وموارد طبيعية ستكون في مركز أقوى يمكنها من غزو أية قارة أخرى و فرض السيطرة.))
((وأطلق ماكندر على المنطقة الوسطى في الجزيرة العالمية اسم منطقة الارتكاز - Pivot Area ليُعدلها فيما بعد إلى قلب الأرض - Heart Land وهي منطقة تغطي مساحة قدرها 3309 مليون كلم مربع، ويلاحظ أن فيرجريف - James Fairgrieve هو الذي سبقه في استخدام هذا المصطلح، ويسمى بأرض القلب بعد ذلك يأتي الهلال الداخلي أو الحدِّي وهو الطوق المتطابق مع مجالات الحافة في القارة الأوراسية والهلال الداخلي يمثل وفقاً لماكندر منطقة حضارة ذات تطور أكثر كثافة، يلي ذلك المنطقة الأبعد نحو الخارج الهلال الخارجي أو الجزيري، وهي منطقة خارجية بصفة كلية بالنسبة للكتلة القارية للجزيرة العالمية.))
((انتهى ماكندر إلى فرضياته العلمية والتي يدور فحواها حول ما يلي:
- ”من يحكم شرق أوروبا يحكم قلب الأرض“
- ”من يحكم قلب الأرض يحكم الجزيرة العالمية“
- ”من حكم الجزيرة العالمية حكم العالم“
أوضح ماكندر أنَّ من يتحكم في منطقة العالم هي قوة آخرى أقوى بكثير من أي دولة بمفردها وأن أي قوة تتحكم في منطقة جزيرة العالم فإنها تتحكم بمساحة تعادل 3309 مليون كيلو مترٍ مربع أي ثلثي مساحة العالم وسبعة أثمان سكانه وبالتالي يسيطر على العالم. )) بين عامي 1905 -1947 طور ماكندر نظريته ثلاث مرات طبقا لمجريات الاحداث والحربين العالميتين الاولى والثانية . وبقي شرق البحر الابيض المتوسط يمثل الارض القلب ، محور الصراع السياسي العالمي . ورغم ظهور نظريات اخرى تغاير ما جاء يه ماكندر الا ان الارض القلب بقيت في القلب ، محور الصراعات السياسية و هدفا للسيطر علي هذه المنطقة الحيوية الموقع المليئة بمغيرات التلاعب والتحكم والادارة داخليا وخارجيا .
في 2 - 11 - 1917 اصدر ابو ناجي وعده المشئوم (وهب الامير ما لا يملك ) ، و تحرك بخبثه ودهائه (وهو من نسل ابليس و معلمه لاساليب المكر و الخداع و التخطيط البعيد المدى) لتنظيم اقليم الارض القلب ، فتجزأت بلاد الشام ، و نصب حكام من الجزيرة العربية عليها ، وفي محيطها (اقليمها) ، واستحدثت تنظيمات سياسية مرتبطة بها او ذات صلة غير منظورة ، مستغلين الوعي القومي الذي جاء كرد فعل لسياسة التتريك ، و تقليدا وجريا وراء ما حدث من تشكيلات قومية في اوربا (فرنسا ، المانيا ، ايطاليا) . واللعب على الحبلين عرف به ساسة الغرب ، فبالاضافة الى النزعة القومية استغلوا العاطفة الدينية وعملوا على تحريفها من خلال التركيز على الفروقات الثانوية ، وتعزيز الانقسام الطائفي ، و اضافة شعائر وممارسات ليست من صلب الدين . انتهى الامر بتشكيل تنظيمات عسكرية لهذه الطوائف و جعلها تتناحر فيما بينها و باشراف قيادة موحدة المصالح والرؤية ، تخدم المخطط الرئيسي الذي رسمه ابو ناجي لعنة الله عليه .
وجاءت النكسات العربية متتالية لتنهي الرمز العربي المنشود ، وتفرغ تنظيماته السياسية من فحواها وقادتها الوطنيين تباعا ، ولتجبر الامة العربية التي اضحىت شعوبا تتناحر فيما بينها تحقيقا لما يريده حكامها ويطلبه منهم اسيادهم . سواء اكانت هذه الاندحارات على ارض اليمن او فلسطين ام الكويت . لا فرق ، فقد تم التخطيط لها بدقة وتم تنفيذها باعلى حالات الانضباط ، مما جعل سادتهم يصفقون لهم سرا وعلانية . ورغم كل هذا ، فقد بقيت الشعارات الرئيسية المعلنة سابقا كما هي : فلسطين عربية ، القدس لنا . ولكن الشعب العربي في جميع اقطاره ، لم ينس ان كل شعار تم رفعه منذ خمسينات القرن الماضي والى يومنا هذا قد تم تحقيق عكسه بالضبط .
مؤشرات الواقع الراهن
اليوم هو من نتاج الامس ، وما حيكت من مؤامرات و خطط خبيثة ونفذت بحنكة ودهاء ، والغد هو ما نغرسه نحن اليوم لاجيالنا القادمة . فهل لدينا ما نقوله ؟ ما نفعله ؟ ما نراه من رؤية ايجابية تبيض صورتنا عند احفادنا وتلونها بالوان زاهية ؟ تساؤلات يطرحها كل وطني على نفسه ، ويطرحها كل من يخجل من الواقع المزري الذي نعيشه اليوم . ومهما كان الواقع مؤلما و قاتما فان بصيص الامل ما زال موجودا ، اوقدت شعلته غزة واهلها الكرام البواسل . وللتذكير فان ما يعلن في الاعلام لا يمثل الحقيقة ، بغض النظر عن من يقوله او يدعي به ، وان ما يعرض على سطح الاحداث (الاخبار) لا يعكس حقيقة ما يجري تحت الطاولات و الانظار (في السر) . فدائما هناك مفاجئات من قبل جميع الاطراف ، فالكل يتحرك حسب مصالحه ، و واقعه ، وما يراه مناسبا له في المستقبل القريب (على الاقل) .
الولايات المتحدة الامريكية و حلفائها الغربيون يريدون حماية مصالحهم الاستعمارية في المنطقة ، وبشتى الوسائل و الطرق و الحجج ، وبمسميات متنوعة وبوجوه ملونة . وبعيدا عن اي صراع عسكري على اراضيهم . وقد قالها السناتور كندي بان اسرائل تمثل سفارة متقدمة لهم ، تنقل لهم المعلومات التفصيلية عن الشرق الاوسط و تحافظ على مصالحهم . ودائما تفتعل الولايات المتحدة الامريكية الحروب خارج اراضيها دعما لاقتصادها المتهالك و تطبيقا لمخططات تكتيكية تنفذ اهدافا استراتيجية بعيدة المدى رسمت من قبل دهاقنة الصهيونية . وليس للغرب الاستعماري اصدقاء دائميون ، بل لهم مصالح دائمة ، (كما قالوها سابقا ونفذوها ) فهم يتخلون عن اقرب خدامهم و اخلص عملائهم عندما ينتهي دورهم في خدمتهم ، والامثلة في هذا كثيرة ، وليس بالبعيد شاه ايران .
ومن مخططاتهم القديمة – الجديدة ، احياء ما يدعوه بالديانة الابراهيمة ، و تقارب الاديان ، وزياراتهم المكوكية لوسط وجنوب العراق (بين الكفل و اور و العزير) ، واعادة حقوق اليهود المهجرين قسرا بعد حرب 1948 (وقد كانوا هم وراء عملية التهجير هذه وتحت اشرافهم المباشر) . يضاف الى ذلك ، تركيزهم على يهود الجزيرة العربية ، وخلق كيانات شكلية فيها ، وتعزيز دورهم في رسم سياسات المنطقة و تطويرها وتنفيذ مخططاتها . وهذا جزء من مخطط واسع بهدف امتداد اسرائيل من النيل الى الفرات وسيطرتها على مقدرات الشرق الاوسط وموارده الطبيعية .
الصراع الذي فجره اهل الغزة ، صراع بقاء ، اما نكون او لا نكون . يكفي قتل وتهجير و ذل ومهانة لشعب يدافع عن ارضه وعرضه . ولا يهم من يقف وراءه ، فالنار قد اشتعلت وبانت عورات الكثيرين من الحكام والسياسيين و تجار الدين وغيرهم . اللعب الان على المكشوف ، بدون حياء او وجل . وقد سقطت ورقة التوت عن البعض الذي لم يعد يخجل من الاعتراف بكونه عميل او ذيل او منبطح او .... او .... ان عائلته ليست عربية وليست خالصة للاسلام .
العالم الان على مفترق طرق ، القطب الحضاري (زراعي ، تجاري ، صناعي ، الكتروني) ، يميل للاتجاه نحو شرق اسيا ، الاقتصاد الامريكي على وشك الانهيار ، دول اوربا بدات تبتعد عن سياسات الولايات المتحدة (الهوجاء) ، الكيان الصهيوني يلفظ انفاسه الاخيرة ، دويلات الشرق الاوسط في حالة مسلوبة الارادة سياسيا واقتصاديا و ثقافيا . ولكن دهاء قادة صهيون دفعت الرئيس الامريكي للتحرك لانعاش الاقتصاد الامريكي و منح قبلة الحياة لمن لا حياة له ، بمساعدة كاملة من خونة الامة و بائعي الارض و القيم النبيلة .
المنطقة برمتها في مهب ريح عاصف لا تذر ولا تبقي ، فالصراع الدولي بين الغرب والشرق قائم على قدم وساق ، و الكل يعمل بطريقته التي يراها مناسبة لتحقيق احلامه وطموحاته ، وله اعوانه في المنطقة . فالاجنبي ، من خارج المنطقة ، لا يستطيع تحقيق مطامحه الذاتية ما لم يكن له ذيول و خونة من الداخل . فالتنوع الداخي ، والتناحر والانقسام ، وعدم - ضعف الاحساس بالانتماء الى الارض هم من فتح الباب على مصراعية للاجنبي لكي يتدخل ويحكم علنا او من وراء الستار .
المتعمقون حقا في الديانتين الاسلامية و اليهودية يؤمنون بان نهاية ما تعرف بدولة اسرائيل قريبة ، اما الاخرون فينظرون الى الامر كحرب دينية – صليبية جديدة ، حرب الهوية (نحن مقابل هم) ، وانها بداية لحرب عالمية ثالثة تعيد تنظيم المنطقة بما يحقق حلم بني صهيون ، او تنهي وجود الانسان على هذا الكوكب .
وقل لن تشاؤا الا ان يشاء الله ، والله اعلم ، وهو ارحم الراحمين .
#مضر_خليل_عمر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟