أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مضر خليل عمر - الخريطة الذهنية لمصادر القوة والضعف في علم الجغرافيا















المزيد.....


الخريطة الذهنية لمصادر القوة والضعف في علم الجغرافيا


مضر خليل عمر

الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 16:14
المحور: قضايا ثقافية
    


تعريف علم الجغرافيا
من اسس مناقشة اي موضوع علمي تعريف - تحديد المصطلحات والمفاهيم مسبقا ليكون الحوار والمداخلات في مسارهما الصحيح ، دون لبس او اشتباه . وموضوعنا منصب كليا على علم الجغرافية و تحديد هويته و تقييمها طبقا لطريقة SWOT : مصادر القوة Strength ، مصادر الضعف والوهن Weakness ، فرص النهوض والتقدم Opportunities ، و مصادر الخطر Thread .
وصف معجم لالند المعروف مادة الجغرافيا بانها ((وصف لمختلف مناطق سطح الارض ، دراسة ، وبقدر الامكان ، تفسير للظواهر الطبيعية والسياسية و الاقتصادية في علاقتها بالمكان و فيما بينها .)) فالجغرافي معني بوصف الارض وما عليها ، و العمل على دراسة الظواهر الطبيعية و البشرية (سياسية ، اقتصادية) و علاقتها بالمكان و اثر تفاعلها فيه وعليه (النتائج الاجتماعية و الحضارية) . بعبارة اخرى دراسة كل ما يحدث في المكان ويؤثر عليه ، مع التاكيد على تفاعل العوامل المؤثرة فيما بينها .
وعرفت الموسوعة البريطانية الجغرافيا بانها ((العلم الذي يصف ويحلل التحولات المكانية للظواهر البشرية والطبيعية على سطح الارض . وترتبط الجغرافيا بالارض وعلومها كما ترتبط ايضا بالعلوم الانسانية .)) . التركيز هنا على تحليل التحولات المكانية (التباين الافقي – المكاني و التباين العمودي – الزمني في المكان نفسه) للظواهر البشرية و الطبيعية على سطح الارض . ولهذا ، وبهذا ايضا ، فالجغرافية على صلة متينة بعلوم الارض (الطبيعية) والعلوم الانسانية (الاجتماعية – السلوكية) . فالجغرافية بجوهرها و عمقها التاريخي ، ثنائية الركائز والاسس الموضوعية (طبيعية – بشرية).
وعرف معجم الجغرافيا الفرنسي الجغرافيا بكونها ((بخلاف الجيولوجيا فان الجغرافيا علم بشري ، بعد ان كانت في بعض الاوقات علما رياضيا (تعريف وقياس اشكال الارض وابعادها) . وهي تهدف الى ابراز ومحاولة تدقيق طبيعة وكثافة العلاقات والروابط التي تطبع حياة المجتمعات البشرية وتكيفها)) . اشرت المدرسة الفرنسية البعد الانساني للجغرافيا وركزت عليه ، وفي الحقيقة فان الجغرافيا حتى في مراحل تطورها الفكري الاولى (رسم الخرائط و قياس الابعاد المكانية) فان هدفها ليس ترفا فكريا بل لاغراض تطبيقية تخدم المجتمع و الدولة . فالمعرفة الجغرافية ، ومن ثم التعمق فيها وتحليلها علميا هدفه خدمة المجتمع – تحليل للعلاقات والروابط التي تطبع حياة المجتمعات البشرية وتكيفها .
وفي المؤتمر الدولي السابع والعشرين المنعقد في واشنطن 1992 ، نصت النشرة الاعلامية للمؤتمر على ان ((الجغرافيا هي علم المجال والمكان . ويشمل موضوعها الظواهر الطبيعية والبشرية التي تشكل امكنة العالم وبيئاته . ويصف الجغرافيون سبب تحول الامكنة بواسطة النص والخريطة كما يفسرون نشأة هذا التحول محاولين في نفس الوقت الوقوف على دلالته . وتسعى الجغرافيا باستمرار الى فهم الخصائص الطبيعية والثقافية للامكنة ومواقعها الطبيعية على ظهر البسيطة .)) . لقد قدم هنا المجال space (فضاء المكان) على المكان ، اي انتظام الاشياء وتوزيعها في فضاء المكان . وركز على التباينات المكانية للظواهر الطبيعية والبشرية ، التي تشكل بيئات الامكنة ، وتفاعل العوامل - العناصر الطبيعية والبشرية لتشكيل شخصية المكان . وحدد دور الجغرافيين بوصف اسباب تحول الامكنة (التغيرات العمودية للامكنة) باعتماد النصوص والعرض الخرائطي ، مع تفسير للاسباب و الدلالات (النتائج المنظورة) . كما حدد هدف الابحاث الجغرافية في فهم الخصائص الطبيعية و الثقافية للامكنة ، وتحديد مواقعها الطبيعية على سطح الارض .
وهناك من يؤمن بانه ((سواء اكانت الجغرافيا (العلم الذي يدرس الارض) او (دراسة للعلاقات بين الانسان والبيئة الطبيعية ) او (علم التوزيعات) او (علم التباين المكاني) فهي تظل مادة تأليفية تتناول عددا هائلا من العناصر المتفاعلة داخل تركيبات معقدة وغير ثابتة ، زمانا ومكانا ومقياسا .)) . بهذا المعنى تكون الجغرافيا علما يدرس العناصر المتفاعلة (طبيعية وبشرية ) في تركيبات معقدة ، وغير ثابتة مكانيا و زمنيا . فالجغرافي يدرس مجرى نهر الحياة حيث كل شيء فيه متباين من مختلف الجوانب . فكل قطرة ماء في هذا النهر لها مصدرها ومسارها ونقاوتها و الهدف منها و نهايتها . في هذه النظرة الموضوعية (لعناصر الحياة التي يدرسها الجغرافي) اشير الى تكامل دراسة (الظواهر الجغرافية – طبيعية وبشرية ) طبقا لمقياس scale الدراسة ، من المحلي التفصيلي الى العالمي . ومن يدرس هذا النهر انما يعرض ما توصل اليه من معلومات ومعرفة في الموقع الذي هو فيه و الجانب الذي استمد منه معلوماته ، ومنظوره الشخصي و الفكري .

تقييم موضوعي لعلم الجغرافيا
اعتمد الكثير من الجغرافين تشبيه علم الجغرافيا بالشجرة الوارفة الظلال ، الكثيرة الاغصان . واجد هذا التشبيه مناسبا لما ساطرحه من رأي عن الواقع الراهن للجغرافيا . فالجغرافيا عريقة في قدمها ، تمتد جذورها المعرفية الى بدء الحضارة الانسانية ، و منطوقها الفلسفي مع بداية الفكر الفيزيائي – الرياضي ، وعدت علما غائيا (يخدم غايات محددة – سياسية في الغالب - التوسع الاستعماري – و خدمة المجتمع والدولة) فهي تطبيقية باصلها . فالجذور امتدت اتساعا وعمقا فتغذت شجرة الجغرافيا من مختلف صنوف الترب و المغذيات الحيوية المحيطة والمؤثرة على مكانها . ومن خلال عملية نموها تم تشذيب بعض اغصانها (التخصصات الفرعية – جغرافية الاجناس مثلا) ، وتم تطعيم بعض اغصانها من خلال انخراط غير الجغرافيين بالعمل الجغرافي (جيولوجيا ، فيزياء ، رياضيات ، اجتماع ، اقتصاد ، علم النفس ، وغيرها ) . بهذا ، ولهذا فقد اصبحت اغصان شجرة الجغرافيا متنوعة الالوان و الطعم ، ولهذا السبب تاثر مريدوها بما استساغوه من طعم ولون و معرفة طبقا للجانب الذي نهلوا منه . فتعددت المذاهب والمناهج والرؤى ، ولكن بقيت الشجرة نفسها – علم الجغرافيا .
(1) مصادرالقوة في علم الجغرافيا
سمات علم الجغرافية و خصائصه هي مصدر قوته ، ورسوخه و ديمومته . فهو يتسم ب :
1) ثنائية دراستة للظواهر (الطبيعية والبشرية) وتكاملهما في المكان ، ما يحدث على سطح الارض من ظواهر و مشاكل واحداث ، تكون اسبابها اما طبيعية والنتائج بشرية ، او بالعكس . لذا فالتركيز في - على اى منهما لا يعطي الموضوع حقه . وشخصية المكان هي من نتاج تفاعل العناصر الطبيعية والبشرية فيه . فعلى الرغم من سيادة المنظور الطبيعي في الجغرافية ردحا من الزمن ، الا ان العامل البشري (الانساني) كان المحرك الخفي لذلك دوما . فالانسان (المجتمع البشري) هو الهدف المعلن و المخفي في جميع انواع الدراسات الجغرافية عبر الزمن ، اكان ذلك صريحا معلنا (تطبيقيا) ام لا (نظريا) .
2) العالمية ، الكرة الارضية ، ما لها وما عليها ، من صلب الموضوعات التي يدرسها الجغرافي ، و لان ما يحدث في اي جزء من الارض ينعكس على باقي الاجزاء ، و ينعكس على مجمل بيئة الارض والحياة فيها وعليها ، و لان الجغرافي يعتمد المقياس scale في دراساته و منظوره العلمي فان مقاييس منطقة الدراسة مكملة لبعضها البعض (من الدقيق التفصيلي الى العولمة ومشاكلها) معطية صورة مجسدة للواقع طبقا لمستوى التقصي والنظر . وان اية ظاهرة او مشكلة في اي مكان على سطح الارض لابد وان لها ما يماثلها في مكان آخر ، من حيث المضمون و الاسباب و النتائج و المقياس scale . وما يحدث في مقياس ما له نتائجه واثاره واسبابه في المقاييس الاخرى للصنف (الفئة) نفسه . فاي شيء مرتبط بكل شيء ، افقيا (مكانيا) وعموديا (جغرافيا) .
3) استخدام وسائل الملاحظة والمتابعة الحديثة ، الجغرافيا علم حي ياخذ من العلوم ما يراه مناسبا له ويضيف اليها النتائج ذات البعد المكاني . وهو منذ الازل مهووس بالملاحظة الميدانية و سبل جمع المعلومات على اختلاف انواعها و طرائقها . فهو علم متطور يعتمد تقنيات جمع المعلومات و يطورها في الوقت نفسه من خلال ما يسجله في التطبيق العملي ويضيفه لها في البيئات الجغرافية المتنوعة . ولعل اعتماد الجغرافيين للصور الجوية و التقنيات الرقمية في جمع المعلومات وتحليلها خير دليل .
4) الاتجاه الكمي والوسائل الرياضية ، تتعامل الجغرافية مع المعلومات و البيانات الكمية وغير الكمية وتعالجها بطرقها الخاصة ، وما اكتسبته وتبنته من تقنيات العلوم الاخرى ، وبهذا فهي تقف على قدم المساواة مع العلوم المختلفة في مجال البحث العلمي الرصين . وتعتمد النمذجة (الخريط مثالا وليس حصرا) لعرض الموضوع قيد الدرس و عند الضرورة تجسده في نموذج رياضي لاغراض التحليل و التوقع .
5) ميكنة وسائل البحث الجغرافي ، الجغرافيا عاشت وتعيش عصرها منذ بدء الخليقة ، فمن رسم خرائط ومخططات على جدران الكهوف الى اتمتة الخرائط GIS . استكملت ذلك بنقل الخريطة الى مستوى عال ، وجعلها ليست اداة عرض فقط ، بل اداة تحليل مكاني Spatial Analysis و تحليل جغرافي Geo-Analysis . في هذه المرحلة اصبحت الخريطة تتفاعل مع مستخدميها و تستجيب لما يطلبوه وما يودون معرفته في حال تغير المؤثرات . انها نقلة نوعية فعلا .
6) الاتجاه نحو التخصص الدقيق ، نتيجة التقدم العلمي منذ منتصف القرن الماضي ، وانتقال الدراسات الجغرافية من الوصف الى التحليل ، ومن المستوى الواسع Macro-scale الى الدقيق فقد اتسعت دائرة الموضوعات وتنوعت تشكيلتها ، وبرزت الحاجة الى التعمق بالتفاصيل على المستوى الدقيق Micro-scale . فبعد ان درست المدينة (على سبيل المثال لا الحصر) كموضع وموقع و مورفولوجيا ، ثم استعمالات الارض ونمذجتها ، وصولا الى تتبع حركة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية في شوارعها ، ومن ثم البحث عن العدالة في توزيع الخدمات و غيرها من التفاصيل . ((تشبه عادة بالانتقال من منظور الطير في عليائه نزولا الى السير في الشوارع بحثا عن الحقيقة)) . بمعنى انها سايرت تطور العلوم الاخرى و تقدمها ، فتنوعت موضوعاتها ومجالات وميادين تخصصها المكانية .
7) الاتجاه نحو التنظير والاستعانة بالنماذج ، منذ منتصف القرن الماضي و الجغرافيون منشغلون بصياغة فرضيات و التحقق من صوابها بحثا عن قواعد وقوانين مشتركة بقصد بناء نظريات مكانية (وقد ساهم اقتصاديون و علماء اجتماع في صياغة البعض منها) . وقد برزت نماذج مكانية نظرية ، (التركيب الداخلي للمدينة على سبيل المثال لا الحصر) ، اعتمدت لمقارنة الواقع مع الحالة الفرضية و تاشير درجة التقدم والتطور . ومع التقدم التقني في المواصلات والاتصالات فان الكثير من هذه النظريات والنماذج لم تعد مناسبة لا للدراسة ولا للمقارنة مع الواقع الراهن .


(2) مصادرالضعف في علم الجغرافيا وطرائق التأهيل فيه ،
لا ترتبط نقاط الضعف والوهن في الجغرافيا كعلم بذاته ، بل تتمحور حول سياقات التاهيل العلمي فيه وفي مناهج تدريسه ، بشكل رئيسي . ومنها :-
1- الجهل المطبق بنظريات المعرفة و فلسفة العلم ، لم نتعرف على علم المعرفة (الابستيمولوجيا) ولا الفلسفة و مدارسها ولا بفلسفة العلم ، لا في الدراسة الثانوية ولا في الجامعه . رغم ان موضوعاتها من صلب المناهج الدراسية في العديد من الدول العربية . تعلمنا معلومات جغرافية لاغراض الامتحانات لا غير . وحتى لم تطرح طبيعة العلاقة بين مواد (علم الخرائط + منهج البحث العلمي + الدراسة الميدانية (ان وجدت) + الاحصاء الجغرافي + الفكر الجغرافي = بحث التخرج) ، لم توضح لنا ولا لطلبتنا وبقيت هذه الموضوعات مستقلة كليا عن بعضها البعض . ولم يتابع بحث التخرج للتحقق من الافادة من هذه المواد الدراسية . فالنقص كبير وعميق في هذا الجانب .
2- تدريس تاريخ فكر الجغرافيا وليس فلسفتها ، وهذه هي نتيجة منطقية لما ذكر في اعلاه ، فالمتوفر و المعلوم من الجميع (تقريبا) تارخ فكر وليس فلسفة علم الجغرافيا .
3- التطبيق الشكلي لمنهجية البحث العلمي الجغرافي اثناء التاهيل العلمي ، ادت هذه الحالة المرفوضة ان طالب الدكتوراه ، وحتى حامل الشهادة العليا احيانا ، يجهل كيف يكتب بحثا علميا في تخصصه بنفسه دون المساعدة من الاخرين . فليس المطلوب الترتيب الشكلي لفقرات المنهج بل استيعاب الصلة بينها و كيفية تنفيذها عمليا .
4- عدم تطويع طرائق التدريس لتتناسب مع طبيعة الجغرافيا وفلسفتها ، طرائق التدريس تمثل (باترونات) للتفصيل ، وقد لا تتناسب مع جميع انواع الاقمشة ولا مع جميع المناسبات . فعندما يكلف تدريس باختصاص العلوم التربوية بخلفية دراسة الكيمياء او الفيزياء او الاحياء بتدريس طرائق تدريس الجغرا فيا ، وقد كانت اخر صلة له بالجغرافيا في السنة الثالثة في الدراسة المتوسطة ( قبل عشر سنوات على الاقل) فانه سيتعامل مع الطريقة التعليمية بشكل حرفي فلا ياخذ في الحسبان طبيعة المادة التي يطوع الطريقة التعليمية لها .
5- التركيز على التقنيات المعاصرة وابرازها اكثر من المضمون والهدف الجغرافي ، يميل البعض من الجيل الجديد من الجغرافيين الى استعراض امكاناتهم (حتى وان لم تكن فعليا – الانجاز لمكتب خارجي) في التقنيات المعاصرة . الفائدة من مثل هذه السلوكيات تعود الى المكاتب التجارية و الى متسلقي السلم الاكاديمي دون استحقاق علمي . وهنا تحتضر الجغرافيا علما وموضوعا . انها بحاجة الى عناية مركزة لتشفى وتعود لها الحياة لتمارس دورها في خدمة المجتمع و تطوير الاختصاص .
6- الاتجاه نحو بحوث غير رصينة تكتب لاغراض النشر والترقية الاكاديمية ، غياب الموضوعية في التقييم العلمي للابحاث والرسائل الجامعية ساهمت في ترويج (ابحاثا) لا ترقى لان تكون مقالات في الصحف العامة ، ولا ان تكون تقاريرا اخبارية عن مشروع ما . فالعلة في (المقومين) انفسهم ، الذين يتطلب تقويمهم علميا ومحاسبتهم طبقا لاخلاق المهنة و العلم التي تنص عليها وزارة التعليم العالي .
7- التشرذم في التخصصات الدقيقة دون ارتباطها بالاصل ، لقد تضاعف عدد التخصصات العلمية الدقيقة في الجغرافيا ، وتمادى البعض في عد التخصص الفرعي الدقيق علما قائما بذاته تحت تاثير التخصصات العلمية غير الجغرافية المصاحبة في الاهتمام والانسياق وراء التقنيات الرقمية المعاصرة . وفي الكثير من الاحيان يحدث خلاف حول عائدية موضوع البحث ونسبته الى اي تخصص جغرافي : مدن ام خدمات ؟ مناخ ام تلوث ؟ صناعة ام موارد طبيعية ؟ نقل ام نقل حضري ؟
8- ندرة الابحاث والدراسات ذات التخصصات العلمية المتداخلة ، مازال الكثير من الجغرافيين مترددين امام الاشتراك في فرق عمل بحثية متعددة التخصصات ، وما يحدث في كثير من الاحيان ان تكتب نتائج مثل هذه الدراسات بطريقة التحرير Editorial بدون تفاعل حقيقي مابين وجهات النظر للخروج بنتيجة موحدة شاملة . اي عرض وجهة نظر شبه مستقلة عن الاراء الاخرى وبدون محاورتها والتفاعل معها .
9- نتائج الابحاث والدراسات لا ترقى لان تكون خطوة نحو التعميم و التنظير ، وهذا عائد الى سببين : الاول غياب الاستراتيج البحثي للباحث نفسه ولقسمه العلمي ، وثانيا لان الهدف من الابحاث هو الارتقاء بالسلم الاكاديمي (وليس العلمي) . وفي الواقع فان السبب الجوهري وراء هذين السببين هو ، افتقاد الباحث الى الارضية البحثية الرصينة : الاساس الفكري الواضح (فلسفة الاختصاص ، المدرسة الفكرية) .
10- عدم وضوح المدرسة الفكرية والنظرية الفلسفية للباحث ، مما ادى الى التخبط العشوائي و عدم وضوح مسار او منهج بحثي . فالجميع تتمنطق بالمنهج الكمي واعتماد النظم الجغرافية دون ان تفقه اهميتها لتطوير التخصص العام والدقيق .
(3) مصادر النهوض بالجغرافيا والارتقاء بها
1) توافر البيانات المكانية وتعدد بنوكها ، كانت اكبر مشكلة يواجهها الباحث سابقا عدم توفر المعلومات والبيانات الموثوقة و مدى تطابقها مع الوحدات الاحصائية - الادارية - منطقة الدراسة . لم تعد هذه المشكلة قائمة الا في حالات معينة ، فالصور الجوية و الخرائط الرقمية وبنوك المعلومات والاحصاءات الرسمية اصبحت متاحة عبر الانترنيت . يضاف الى ذلك انها توفرت طبقا للمكان ، فبعد ان كانت البيانات تنظم على الاساس الموضوع اضحت تنظم على اساس المكان Spatial oriented data ، فلم تبق حجة اما الباحثين لينهلوا من الكم الهائل والمنوع من البيانات المكانية .
2) الاتجاه العالمي لاعتماد اللامركزية في التخطيط والتنمية ، الجغرافيا ارتبطت بالتخطيط والتنمية منذ اواسط القرن الماضي ، واصبحت الفرشة الجغرافية هي الاساس لعملية التخطيط . وضمن الخطط (على مختلف انواعها ومستوياتها) هناك مرحلة المراقبة والمتابعة . بمعنى ان دور الجغرافي في العملية التخطيطية في مرحلتين على الاقل : الاعداد و المتابعة . ومن الملاحظ ان جغرافيي الغرب اعتلوا مجالس التخطيط في بلدانهم واصبحت دفة التنمية المكانية بيدهم . ولعل العديد من كليات التخطيط واقسامه قد اعادت النظر في تسمياتها لتكون ((التخطيط المكاني)) . وفي الحقيقة فان كورسات الجغرافيا التطبيقية في الكثير من اقسام الجغرافيا في الجامعات الغربية قد ركزت على تاهيل الجغرافيين في مجال التخطيط الحضري والاقليمي ، سابقا و المكاني حاليا.
3) تنامي اتجاه الدراسات متعددة التخصصات ذات الابعاد المكانية ، لعل ابرزها الدراسات البيئية ، الدراسات الحضرية ، التلوث ، الاحتباس الحراري ، الفقر والمجاعة ، الازمات الطبيعية ، الهجرة والتهجير ، النقل والتجارة الدولية ، العولمة .... الخ . وجميعها للجغرافيين دراية بها و يمكن ان يدلوا بدلوهم فيها .
4) تنامي نشاط منظمات المجتمع المدني في ميادين يهتم بها الجغرافيون ، غطت منظمات المجتمع المدني معظم الميادين ذات الحساسية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . و عيب جدا ان يخلو نشاط أي من هذه المنظمات من الوجود الجغرافي الفاعل .
5) تزايد الطلب على المؤهلين في تقنيات العصر ، باتجاه الدول الى اتمتة نشاطاتها الادارية و تلك ذات الصلة بالمواطنين و الخدمات المقدمة لهم فان تقنيات العصر هي السبيل للقيام بها . وبهذا اصبح المؤهل في هذه التقنيات مطلوبا للتوظيف من قبل مختلف المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية ، وحتى القطاع الخاص .
(4) مصادر تهدد الجغرافيا وتعيق تقدمها
1- توحيد مناهج التدريس ، الغيت شخصية الاقسام العلمية جميعا بتوحيد مواد ومفردات الدراسة الجامعية ، والهدف المعلن تسهيل عملية انتقال الطلبة بين الجامعات . في وقت فمن حق الطالب في الجامعات الاوربية الانتقال فيما بينها بعد توثيق ما انجزه من مقررات ضمن Modules
2- سحب صلاحيات رؤساء الاقسام ، استكمالا لانهاء الشخصية العلمية – المعنوية للاقسام العلمية اصبحت مركزية العمداء بديلا ، واضحى رئيس القسم كمدير مدرسة عليه ان يتابع الغيابات .
3- غياب دور الجمعية الجغرافية ، كان للجمعيات الجغرافية الغربية الدور البارز في الاعتراف بالجغرافيا كعلم له مكانته في التعليم الجامعي ، و ساهمت بفاعلية في ترسيخ الاختصاص وتطويره من خلا نشاطاتها الدورية و غيرها من فعاليات اعلامية و اجتماعية . ومنذ اواخر القرن الماضي و اوائل الالفية الثالثة ساهمت الجمعيات الجغرافية في اعادة تعريف التعليم عامة ، و اعادة النظر بمناهج الجغرافيا وطرائق تدريسها لتتماثل وتلبي متطلبات العصر .
4- عدم وجود مراكز بحثية مكانية - جغرافية ، غياب مفهوم R&D البحث والتطوير عند الكثيرين جعلهم لا يميزون بين الوحدات الادارية الخدمية والوحدات البحثية العلمية ، ولهذا فشلت محاولات عديدة لاستحداث وحدات بحثية . وقد عانت وحدة الابحاث المكانية من صراع عنيف مع من يدعون العلم ويتبجحون بالقابهم الاكاديمية . الوظيفة الثالثة للجامعة هي خدمة اقليمها الوظيفي بالابحاث ، التي تنجز عادة من خلال وحدات ومراكز بحثية متخصصة او متداخلة التخصصات . ومكانة الجامعة بين الجامعات الاخرى تتحدد بما تضمه من وحدات ومراكز بحثية علمية .
5- ضعف موقف الجغرافي في فرق العمل متعددة التخصصات ، وهذا راجع الى نقص في عملية التاهيل العلمي – المهني ، و فقدان الخبرة في التعامل مع التخصصات العلمية الاخرى .
6- عدم بروز مدرسة فكرية معينة يتبعها الجغرافيون ، النتيجة الطبيعية لتشرذم الجغرافيين بدون وجود جهة واحدة (جمعية مثلا) تنظم نشاطاتهم و توجهها . والسبب القاتل الاخر هو انهاء شخصية الاقسام العلمية من قبل ادارات الكليات و الجامعة .
7- الاستنساخ والتكرار في الاوراق (البحثية) والرسائل الجامعية دون تجديد او تطوير ، نتيجة غياب الاستراتيج العلمي ، والسعي نحو المتيسر والسهل ، تكمله المجاملات الاجتماعية و العلاقات الشخصية فقد فقدت بعض الموضوعات نكتها و لونها من كثرة الاستنساخ الممجوج .
8- عدم اتقان لغة اجنبية من قبل جغرافيو الجامعات ، اللغة الاجنبية عين اضافية يطلع الباحث من خلالها على نتاجات الاخرين ، ويتعلم منهم ، وقد يضيف لهم ما يكتبه هو بتلك اللغة . لهذا بقيت المصادر والمعلومات محدودة ، وفي الغالب قديمة عفى الزمان عليها . فمن اين ياتي التجديد ؟
9- التوسع الافقي والعمودي في الدراسات الجامعية ، رغم ان وجود جامعة تخدم اقليمها الوظيفي (المحافظة) امر ضروري كونها مصدر اشعاع حضاري و محرك للحياة الثقافية للمجتمع المحلي ، و تعد الاساس الاقتصادي للمدينة حيثما ينحصر دورها كمركز اداري وليس لنشاطات اقتصادية معينة . الا ان الاعراف الجامعية فيها مهددة بالانقراض نتيجة هيمنة العادات والتقاليد العشائرية و عد بعض المسئولين الاداريين الجامعة ضمن صلاحيات مسئوليتهم . يضاف الى ذلك تسابق الكليات بالتوسع افقيا (زيادة عدد الاقسام العلمية ) وعموديا (استحداث الدراسات العليا ) . هذا التوسع غير المنضبط و غير المرتهن بحاجة السوق ، وبوضعها الاجتماعي والعلمي فان خريجي
10- غياب الموضوعية العلمية في التقييم ، وهنا المقتل ، فقد ضاعت الموضوعية وفقدت مع الجامعات الاقليمية (المحافظات) والاهلية نتيجة التاثيرات العشائرية و الطائفية والتدخلات السياسية .
خلاصة عملية التقييم
الجغرافيا علم حيوي عريق تطبيقي ، ذو قابلية للتطور والنمو بالسرعة التي تنمو بها و تتطور العلوم الاخرى ، و يقتبس من العلوم الاخرى ما له صلة بتفسير العمليات Process ذات البعد المكاني ، ويتبنى البعض من تقنياتها Surrogate techniques . هشاشته مرجعها ، في الجوهر ، نقص التأهيل فيه وانجذاب اليافعين الى انوار التقنيات العصرية . الخطر الكبير الذي يؤثر عليه فعليا هو القرارات السياسية غير الناضجة و التدخلات الخارجية من المجتمع المحلي . ونقص التاهيل العلمي فيه مرده الى عدم اعطاء الارضية الفلسفية للعلم والاختصاص حقها ، و التعامل السطحي مع سياقات البحث العلمي الرصين . رغم هذا ، للجغرافي المؤهل جيدا افاقا واسعة لخدمة المجتمع و الارتقاء بالتخصص .

والله ولي التوفيق وهو من وراء القصد



#مضر_خليل_عمر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع الهوية : -نحن- و -هم-
- نحباني للو الالفية الثالثة
- للثقافة جغرافيتها المميزة
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
- ارهاصات متقاعد
- الفاصلة الثقافية بيننا و العالم المتمدن
- ثقافة الايفون
- بناء ثقافة البحث العلمي : الممارسات الموصى بها
- تحت الرماد نار حرب مقدسة
- التغييرات الاجتماعية والثقافية : العراق انموذحا
- تقييم نقدي لواقع التعليم الجامعي في العراق
- الجامعة والإبداع الفكري: أمراض تصيب الجامعة فتعيقها عن الإبد ...


المزيد.....




- لمنحها -بداية جديدة-.. ترامب: أمريكا -قد تخفف- العقوبات المف ...
- جولة ترامب تكشف التغييرات في الشرق الأوسط.. نظرة على أسباب ز ...
- -فورين أفيرز-: نهاية حقبة التحالف الأوروبي الأمريكي
- يونيو المقبل: بدء محاكمة المحامي الحقوقي إبراهيم متولي في قض ...
- أزمةٌ تتفاقم... الجزائر تتجه لطرد المزيد من الدبلوماسيين الف ...
- أمين عام -حزب الله-: نستنكر استنكارا عظيما العدوان الإسرائيل ...
- هل تعاطيا مخدرات؟.. جدل بالمنصات حول فيديو ماكرون وميرتس
- هل يفضي إفراج حماس عن الجندي -الأميركي- إلى مفاوضات أوسع؟
- ترامب: قطر ستمنحنا طائرة في لفتة عظيمة
- آبل تبحث رفع أسعار هواتف آيفون الجديدة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مضر خليل عمر - الخريطة الذهنية لمصادر القوة والضعف في علم الجغرافيا