|
من دفتر اليوميات/ محمود شقير34
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 02:52
المحور:
الادب والفن
الجمعة 31 . 12 . 1999 اليوم الأخير في إجازتي. اليوم الأخير في السنة. بعد أربع ساعات من الآن يبدأ العام 2000 ، ويبدأ العد التنازلي بعد هذا العام، لقرن جديد وألفية ثالثة. إذن هي ساعات مدهشة، يصح فيها التأمل وتسريح النظر في الماضي . هذا المساء ، وأنا أتمشى فوق سطح الدار ، كنت أتأمل الدنيا من حولي ، وأتذكر بعض من عاشوا في القرن العشرين : جمال عبد الناصر ، لينين ، أم كلثوم ، جارثيا ماركيز ، نجيب محفوظ ، محمود درويش ، ياسر عرفات ، جدّي عليان الذي مات العام 1961 ، وأختي أمينة التي ماتت العام 1966 . تذكّرت بعض الأحداث الجسام التي وقعت في هذا القرن : مأساة الشعب الفلسطيني التي ما زالت دون حلّ حتى هذه اللحظة، الحرب العالمية الأولى ، انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا ثم انهيارها ، الحرب العالمية الثانية ، موت جمال عبد الناصر ، تفتت العالم في زمن العولمة واندلاع الحروب الاقليمية في كل مكان. هذا المساء خطرت ببالي فكرة رواية حول بعض معالم القرن العشرين، تتأسس على استحضار أختي أمينة التي ما زالت تبحث عن طفلها الذي ولدته ثم ماتت في اليوم الثالث من ولادته، فلم يلبث أن مات بعدها. هذا المساء قلت ها إن أبي على وشك أن يجتاز القرن العشرين، والأمر نفسه ينطبق على الوالدة. قد يعيش الوالد سنة أخرى أو ثلاث سنوات، وقد تعيش الوالدة ثلاث سنوات أو خمساً. وقد أعيش أنا حتى العام 2010 ، وربما أقل من ذلك. هذا المساء تأملت في ما سوف يكون عليه القرن الجديد، قد يكون حافلا بالانجازات العلمية والطبية التي تقضي على الأمراض وتطيل في عمر الإنسان ، وقد يكون قرنًا للسلم والتعاون بين الشعوب ، وقد تحدث إنجازات مذهلة على صعيد التعرف على أسرار الفضاء. وقد تحدث كوارث طبيعية وحروب، قد يستمر تلويث البيئة على نحو مدمر . قد يزدهر الفن والأدب، ولكن على نحو يستفيد من منجزات الكمبيوتر والانترنت . ما هو مصير الكتاب بشكله الحالي ؟ وكيف ستكون الرواية ؟ وهل سوف تستمر القصة القصيرة والشعر ؟ واللغات ! هل سوف تشهد اندماجا في ما بينها؟ هل سوف تندثر بعض اللغات وبعض الشعوب والثقافات؟ خلال القرن الجديد، لا بد من أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقه في الحرية وتقرير المصير. وعلى الإسرائيليين أن يشعروا بالخزي ، لأن قرنا جديدا سوف يبدأ مسيرته بعد عام وحكام اسرائيل ما زالوا يستعبدون الشعب الفلسطيني . خلال القرن الجديد سيموت معظم أفراد عائلتي. الحفيد محمود الذي يبلغ الآن من العمر سبع سنوات، لن يتمكن من دخول القرن الثاني والعشرين، سيكون عجوزا هرما قبل نهاية القرن الحادي والعشرين ، ربما استطاع أحد أبنائه من مواليد العام 2030 عبور القرن الثاني والعشرين ، وقد لا يتذكر هذا الابن الكثير من أقاربه الذين طواهم الموت قبل ذلك بسنين. آه من الزمن ، وآه من الموت! لكن الحياة تتجدد رغم كل شيء، وهي تستحق أن نعيشها حتى الثمالة ، وأهلا بالعام الجديد، آخر أعوام القرن العشرين.
الأحد 23 . 1 . 2000 ابتدأ العام الجديد وانقطعت عن كتابة هذه اليوميات. كنت منشغلا في أشياء عديدة وفي قراءات متنوعة. أنا الآن ومنذ أسابيع منهمك في الاعداد لكتابة سيناريو فيلم طويل عن القدس. الصحيح أن وزارة الثقافة كانت قد كلفت رشيد مشهراوي بكتابة السيناريو ، فقام بكتابة سيناريو بالتعاون مع المخرج السوري محمد ملص ، لكن السيناريو لم ينل اعجاب المسؤولين في الوزارة ، ثم أحالوه على المخرج العراقي قيس الزبيدي الذي أجرى عليه بعض التعديلات، لكنه بقي مفتقرا الى الاقناع. الآن أحاول اصلاح الأمر، وأرجو أن أوفق في ذلك ، وقد تساعدني في الكتابة الزميلة ليانة بدر. يوم الجمعة الماضي، أقام سليمان النجاب حفل غداء في بيته في رام الله لمحمود درويش، ودعاني لتناول طعام الغداء فلبيت الدعوة مع أنني لا أحب مغادرة البيت يوم الجمعة. كان معنا كذلك على الغداء غسان الخطيب وزوجته الدكتورة سلوى ( ابنة أخي سليمان ) . قال لي سليمان ان "محمود" لا يحب كثرة المدعوين ، ولذلك كانت الدعوة مختصرة جدا لكي يكون الجو أهدأ. كان محمود ما زال يعاني من انفلونزا حادة ، وقد لاحظت ذلك حينما هاتفته الأسبوع الماضي ، كان صوته مبحوحا تماما ، ويوم الجمعة كان ما زال يعاني من بحة. قدم له سليمان كمية من السكر الفضي على أمل أن تساعده في استعادة صوته الى وضعه الطبيعي. تحدثنا في عدة موضوعات على نحو سريع وعابر: مسلسل أم كلثوم الذي ما زال يثير أصداء طيبة، بعض الظواهر في الديانات المختلفة وبالذات مسألة التوحيد التي جاءت بها الديانة اليهودية نقلا عن ديانة التوحيد التي تبناها اخناتون في مصر ، وهي التي يعتقد بعض الباحثين انها وصلت الى مصر من بابل التي كانت تعبد الها مركزيا اسمه شمس. وتحدثنا قليلا في السياسة. لاحظت أن "محمود" لا يحب الاستغراق في موضوعات فكرية أو سياسية في مثل هذه الجلسة وأمثالها ، ليس فقط لأن حالته الصحية هذه المرة لا تسمح ، وانما لأنه كما يبدو يحب في مثل هذه المناسبات أن يكون الحديث سهلا وسريعا وعابرا . ولاحظت أنه لا يحب أن يتحدث عن نفسه ، وحينما يطري عليه الآخرون ، فإنه سرعان ما يرغب في انهاء الموضوع، وهي خصلة حميدة بكل المقاييس، وفيها تعبير عن سلوك رفيع وعن ثقة عالية في النفس. وكانت تخالط أحاديثنا بعض الممازحات الظريفة التي يبرع فيها محمود ، ويبرع فيها سليمان كذلك ، أما أنا فلست أعتبر نفسي بارعا في السخرية ، لكنني أحيانا أستطيع المشاركة في ذلك. ولقد تحدثنا عن بعض الهموم الصحية، خصوصا ارتفاع ضغط الدم الذي أعاني منه ، ويعاني منه محمود. تطرق سليمان لكتابي " ظل آخر للمدينة " مطرياً عليه، كما أثنت عليه بدورها الدكتورة سلوى. علق محمود على الحديث قائلا: انه كتاب جميل. شعرت بالحرج، لأنني صرت أشعر بالملل من هذا الكتاب، ولست واثقا فيما اذا كان محمود قد قال رأيه الحقيقي في الكتاب، أم انه كان يجاملني. على أية حال، قرأت مؤخرا مقالة عن الكتاب كتبها فخري صالح في صحيفة الدستور الأردنية، كانت المقالة في غير صالح الكتاب. قال ان الحديث عن نفسي وعن أسرتي كان برانيا، ولم يكن بوحا داخليا حميما. لاحظت أن هذا الرأي ردده عدد من الكتاب والنقاد (حبيب بولس مثلا)، لكن فخري أضاف ملاحظة أخرى أعتقد أنها لم تكن صائبة، حول عدم الاهتمام بالكتابة عن أهل المكان! يوم أمس لم أذهب الى العمل. بقيت في البيت لكي أواصل الاعداد لسيناريو الفيلم، كما قرأت عدة ساعات في كتاب عن حياة ت. س. اليوت الذي كان معذبا من الأمراض ومن القلق الى حد كبير. المزاج عادي مشوب بشيء من عدم الاكتراث لأي شيء. الطقس بارد جدا. قبل أيام هطلت أمطار غزيرة، وما زالت ثمة فرص لمزيد من الأمطار في الأيام القليلة القادمة.
الاثنين 31 . 1 . 2000 الطقس بارد جداً. تساقط الثلج كثيفا خلال الأيام القليلة الماضية، وما زالت بقاياه عالقة ببعض المواقع حتى الآن . غداً مساء أذهب الى المستشفى لاجراء صورة طبقية للرأس . ثمة مشكلة بالتأكيد في الغدة النخامية. يوم أمس اشتريت كتابا من مكتبة الشروق في رام الله، حول أمراض الغدد الصماء . قرأت بفضول زائد حول أمراض الغدة النخامية، واكتشفت لأول مرة أن ثمة جسما صغيرا في هذه الغدة يسمى السرج التركي! (من أين جاءت هذه التسمية؟) وهو عرضة للتلف اذا أرهقناه. إذاً ستكون حياتي خلال السنوات القادمة ( لا أدري كم ستطول هذه الحياة) عرضة للتنغيص بسبب هذا السرج التركي. الكتاب يقول ان ورم الغدة ليس بالضرورة خبيثاً، غير أن هناك احتمالا بتحوله الى ورم خبيث. حتى الآن ما زال انجازي في سيناريو الفيلم محدودا. ومع ذلك ، سأحاول الاستمرار في الكتابة. الساعة الآن التاسعة والنصف مساء . المزاج عادي، وثمة لدي ميل الى اللامبالاة. قد أعمل على السيناريو هذه الليلة.
الجمعة 4 . 2 . 2000 الطقس هذا اليوم دافئ، والشمس تسطع في السماء . هذا الصباح هاتفت مستشفى بيكور حوليم للاستفسار عن نتيجة الفحص الذي أجريته مساء الثلاثاء الماضي. أخبرتني امرأة على الهاتف أن الفحص جاهز، قلت سآتي يوم الأحد لأخذ الفحص . لا أدري حتى الآن ما يتضمنه هذا الفحص ، لكنني أرجو أن تكون النتائج غير فادحة. يوم أمس زرت محمود درويش في مكتبه. وجدت عنده الشاعر حسين البرغوثي الذي أصيب مؤخرا بسرطان في الغدة اللمفاوية . كنت معنيا بالاستفسار منه عن أعراض المرض ، قال لي ان خلايا السرطان لا تسبب ألما ، أما الذي يسبب الألم فهو الالتهابات المصاحبة للمرض. حينما غادر حسين ، سألني محمود عن صحتي ، أخبرته أنني أتحسب من مرض السرطان ، ولهذا ألححت في طرح الأسئلة على البرغوثي . قال لي انه هو الآخر تخوف من البحة التي أصابته مؤخرا، فأجرى تنظيرا للحنجرة خشية أن يكون قد أصيب بالسرطان. حينما غادر حسين البرغوثي الجلسة، ناقشت "محمود" في بعض الاقتراحات التي يمكن ادخالها على اللائحة الداخلية لجوائز فلسطين ، استمر النقاش بعض الوقت ، ثم نهضت وغادرت مكتب محمود في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر. سأحاول هذا اليوم الاشتغال على سيناريو الفيلم ، لكنني الآن سأتفرغ لاستقبال ابنتي باسمة وزوجها حسام اللذين جاءا لزيارتنا قبل لحظات. يتبع...
#محمود_شقير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير33
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير32
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير31
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير30
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير29
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير28
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير27
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير26
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير25
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير24
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير23
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير22
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير21
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير20
-
الأدب في زمن الحروب والأزمات
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير19
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير18
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير17
-
مداخلة أخيرة عن زميلتي الكورية/ محمود شقير
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل2024 / محمود شقير
...
المزيد.....
-
صور مرحة ومجنونة تستكشف ماضي مهرجان كان السينمائي قبل عصر كا
...
-
الأميرة للا حسناء تفتتح الدورة الـ 28 لمهرجان فاس للموسيقى ا
...
-
اعتراف من جيهان وصدمة لعاليا في السينما وحقيقة موت بوران.. ا
...
-
فيديو لطفل يخطف الأنظار في مقابلة مع وزير الثقافة السوري
-
على غرار أفلام هوليوود.. هروب 10 أشخاص من سجن أميركي
-
بوليوود يعود إلى روسيا بمشروعين سينمائيين
-
شقيقة سعاد حسني: حليم تزوج -السندريلا- رسميا بوجود الشهود وم
...
-
الفنان جورج وسوف.. حقيقة خبر الوفاة الذي صدم جمهوره!
-
السياسة قبل الرواية والشعر في الدورة الـ66 لمعرض بيروت للكتا
...
-
أسرة العندليب تنشر خطابا بخط يد -حبيبته- الشهيرة للرد على شا
...
المزيد.....
-
اقنعة
/ خيرالله قاسم المالكي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
المزيد.....
|