أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خلف علي الخلف - زميلي ماركس في البادية يورد الإبل














المزيد.....

زميلي ماركس في البادية يورد الإبل


خلف علي الخلف

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 15:53
المحور: كتابات ساخرة
    


في كلّ مرّة أفتح فيها مقالاً ثقافياً أو بياناً نقدياً أو حتى منشوراً لفيلسوف عربي على فيسبوك، لا بد أن تصافحني عبارة: "ما هكذا تورد الإبل". كأن المثقفين – رعاهم الله وأطال في أعمار جمالهم – يقودون كل صباح إبلهم لترد حياض المعرفة، في مشهد رعوي جليل، بين خِطام وعِقال، وهم يرتّلون فوكو ويرددون حِكم ابن خلدون.

استخدمت هذه المقولة من اليسار واليمين والشمال والغرب، في سياقات متناقضة واتهامات ثقافية فكرية متبادلة في حروب الكتاب العرب وغير العرب، كي لا يعتب علينا أصدقاؤنا الكرد والسريان والأرمن والشيشان والشركس والتركمان والقرباط والمطربان الذين يكتبون بالعربية. منذ فترة كتبت هذه المقولة صديقة لي، رداً على مقال سياسي يناقش المسألة الطائفية التي يغطس في وحلها جموع من الكتاب ويتهمون في الوقت الذي يتهمون الآخرين بها. خمنت أن للإبل علاقة بالطائفية والجدل دون السياسي فقلت ربما هناك طريقة معينة لا أعرفها لمناقشة المسألة حِدتُ عنها.
بعد أيام نشرت مقالاً حول رواية صادرة حديثاً وانتقدت بعض العثرات في بناء الشخصيات بقسوة، وكتب لي صديق المؤلف من أعالي أوتاوا، التي يحاول الأخ الرئيس ترامب ضمها: "ما هكذا تورد الإبل يا صديقي!" علماً أن صاحبي هذا، وُلِد في كندا ولم يزر البلاد العربية إطلاقاً ولا يفرق بين خروف وجمل، لكنه يحمل دكتوراه في السيمياء، أي أنه بالتأكيد أدرى مني بمسارات الجِمال!

لعنت جهلي بكيفية إيراد الإبل، فكيف عرف صديقي الكاتب الكندي من أصل عربي كيف يورد الإبل بطريقة صحيحة، بينما أنا الذي عشت في البادية والصحراء لم أعرف هذا! فذهبت إلى اليوتيوب وبحثت عن "كيف تورد الإبل" فلم أجد أحداً نشر شيئاً. ما هو منشور عبارة عن سوالف تحكي قصة المقولة ومنشأها. فوجدت أن أصل المقولة يَروي أن رجلًا من قوم ما أخذ الإبل إلى المورد، فتصرف تصرفاً غير مألوف، فقال له شيخ القوم: "ما هكذا تورد الإبل يا سعد". قيلت له لأنه أفسد الترتيب، خالف العادة، أخل بالسياق. ولكن المؤسف أن المقولة نفسها لا تشرح الطريقة الصحيحة لتوريد الإبل. ورغم أن مثقفنا المعاصر، لا سعد ولا راعٍ، بل يُورد الإبل إلى صفحات الفيسبوك، ويحب أن "يردّ" على خصومه بحكمة بدوية مغسولة بالماء النيتشويّ!

هل رأى أحدكم مثقفاً عربياً واحداً يورد إبلًا؟ هل وقف أحدهم ذات فجر صحراوي، وهو يمسك بعصاه الغليظة، يصرخ في الجِمال الهائجة: "عودي يا وضحا! لا تشربي من هذا المورد بهذه الطريقة الخاطئة!"؟ أم أن كل ما رأوه من الإبل صورة خلفية في عرض باوربوينت لمحاضرة عن "سيميائية الترحال في الشعر الجاهلي"؟

لقد تحولت هذه المقولة إلى كليشيه بلاغي رسمي في بيروقراطية الثقافة، مثل الختم الأحمر أو الأزرق الرسمي الذي يُوضع على الورق ليمنحه هيبة الدولة وسلطانها، فالمعنى غائم، لكن الاستعمال يُضفي على القول طابعًا مهيبًا يُغني عن الفهم.
أحدهم كتب مؤخراً مقالة من 3000 كلمة متزاحمة متناطحة عن أزمة العقل العربي، وختمها بقوله: "لقد سقطنا في فخ التبعية المعرفية... ما هكذا تورد الإبل يا سادة." وأنا أتخيله وهو يكتب، يجلس في مقهى باريسي، يرتشف قهوته المختصة المكثفة، وعلى شاشة اللابتوب أمامه صورة لجمل يتيم من موسوعة ويكيبيديا، لا يميز بين سنامين وسنام.

ورأيت منذ أيام برنامجاً عن الذكاء الصناعي، باعتباري مهتماً بإنجازاته، فختم الضيف نقده لاستخدامات الذكاء الصناعي في العربي بعبارة "ما هكذا تورد الإبل"! فابتسمت المذيعة وقالت له: فعلاً. نشكر ضيفنا من لندن فلان الفلاني. فعلاً؟ لا أدري ما علاقة الجمل بالذكاء الصناعي! هل كان من المفترض أن ندرّب الجمل على البرمجة؟

أترى أن الإبل كان يجب أن تَدرس في مختبرات الذكاء الصناعي لتُعلم خوارزمياته التي تدلها على الطريقة الصحيحة لشرب الماء! ربما الجمل نفسه هو من ابتكر "خوارزمية التشويش على الشبكات المنظمة"! يبدو أن بعض المثقفين يظنون أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يتدرب على "حكمة الصحراء" أولاً قبل أن يوضع في الاستخدام رغم أنه بالتأكيد يعرف الطريقة السليمة لاستخدام العبارة.

وإن أردت الطرافة في ذروتها، فاقرأ لمثقف يساري أمضى نصف عمره في شتم البدو وتحقير الصحراء، واتهام الجَمَل الرائع والنبيل بأنه رمز الرجعية، ربما لأنه لم يقرأ رأس المال الذي سيدله على طريق الماء. هو ذاته – ويا للمفارقة – لا يتورع عن كتابة: "ما هكذا تورد الإبل!" حين يريد أن يهاجم خصمه الليبرالي أو الإسلامي أو زميله في الجريدة أو رفيقه في الحزب الذي لا يعرف الجمل مثله.

يا صديقي، إن كنت ترى الصحراء تربة للتخلف، والإبل رمزاً لقبائل ما قبل الشيوعية، التي أنتجت أحزاباً في العالم العربي على شكل قبائل، لا هي أخذت ما هو إيجابي في مفهوم القبيلة ولا قدمت لنا نموذجاً لبناء الجماعات السياسية، فهل يصح أن تستدعيها في معاركك الأيديولوجية؟ أأنت ماركسي صباحاً وراعٍ بعد الظهر؟ أم أن الإبل أصبحت ضحية أخرى لديكتاتورية اللغة والاستهتار بمقولاتها!

عزيزي المثقف، دعوا الإبل لأهلها، ودعوا مواردها بلا تنظير. بالطبع لا ضير في استعارة الأمثال، لكن حبذا لو اقتصر استخدام العبارة على من لديه "رخصة ثقافية لتوريد الإبل" من شيخ قبيلة معتمد، على أن تُجدد سنويًا باجتياز امتحان في التفريق بين الجمل والناقة، والخطام والشكيمة، والمورد والمزبن، ويجب أن يكتب على الرخصة: رجاء لا تورد إبلًا لم تسر خلفها، ولا تسقها من موارد لم تذق ماءها.

ملاحظة: هذا المقال صححه ودققه الذكاء الصناعي.



#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهمة الطائفية: حينما تصنع المخابرات التهمة ويكرّسها المثقفون
- تحالف المسعورين: حرب داخليّة ضد السلطة الانتقالية في سوريا
- حماية الدروز في سوريا: شماعة إسرائيلية جديدة لضمان الهيمنة
- عمر سليمان: صوت الجزيرة الذي احتفت به شعوب العالم وأنكره الس ...
- الإيمان والسوط: سيرة الكنيسة القبطية في مواجهة الفكر
- تفكيك الأكاذيب: العرب والمسيحية وحمّى التزييف الأيديولوجي ال ...
- تاريخ المعتزلة وتدليس اليسار العربي
- دليل الحيران إلى مذاهب الإيمان: الأريوسية المسيحية المنقرضة
- عن الدولة الأندلسية في الإسكندرية
- يامبليخوس: الفيلسوف الذي شكل الأفلاطونية المحدثة
- وجوب محاسبة من تلطخت كلماتهم بالدماء في سوريا
- معايير تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني في سوريا والجدل ...
- مقاربات عملية لحل معضلة قسد في إطار سوريا الجديدة
- الدور السعودي في سوريا الجديدة
- الوهابية الثقافية العربية
- رسالة تأخرت سنة إلى طالبي فتح الحدود
- الحسين مجرد طالب سلطة وليس ثائرا
- دفاعًا عن الأدب العربي المترجم إلى اليونانية وليس بيرسا
- عبدالله الريامي: جيشٌ من رجلٍ واحدٍ يحارب على جبهات متعددة
- قصيدة النثر بالعربية: إضاءات من زوايا شخصية


المزيد.....




- بعد غياب 3 سنوات.. توم كروز يعود إلى مهرجان كان بفيلم -المهم ...
- مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78: خمسة أفلام عربية تنافس ...
- فاز بجائزة -بوليتزر- الأميركية .. مصعب أبو توهة: نحلم بالعود ...
- نواف سلام بمعرض بيروت الدولي للكتاب: مستقبل الأوطان يُبنى با ...
- -باريس السوداء-.. عندما كانت مدينة الأنوار منارة للفنانين وا ...
- رحيل الفنان أديب قدورة.. رائد الأداء الهادئ وصوت الدراما الس ...
- معرض الدوحة الدولي للكتاب يناقش إشكاليات كتابة التاريخ الفلس ...
- الروائي الفيتنامي الأميركي فييت ثانه نغوين: هذه تكاليف الجهر ...
- وفاة الشاعر العراقي موفق محمد
- دور النشر القطرية.. منصات ثقافية تضيء أروقة معرض الدوحة الدو ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خلف علي الخلف - زميلي ماركس في البادية يورد الإبل