أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسام الحداد - بين الاجتهاد والمحاكمة: حين يُجرَّم الفكر تحت عباءة الغيرة الدينية














المزيد.....

بين الاجتهاد والمحاكمة: حين يُجرَّم الفكر تحت عباءة الغيرة الدينية


حسام الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 23:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حددت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة جلسة الأول من يوليو المقبل للنظر في دعوى قضائية مثيرة للجدل، أقامها أحد المحامين ضد الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، يطالب فيها بعزله من وظيفته، ومنعه من الظهور الإعلامي، بل وإحالته إلى المحاكمة الجنائية، بدعوى «ازدراء الدين الإسلامي» ونشر أخبار كاذبة وتهديد السلم المجتمعي.
تبدو هذه الدعوى، بمضامينها ومطالبها، أبعد ما تكون عن مجرد مسألة قانونية أو نقاش علمي أو حتى خلاف فكري داخل الإطار الديني، بل تمثل مشهدًا مقلقًا من مشاهد الصراع على الخطاب الديني في مصر، وتجسيدًا لمحاولة قمع الاجتهاد وتقييد حرية الفكر باسم الحفاظ على الدين، بينما الحقيقة أنها تفتح بابًا خطيرًا لهدم الدولة المدنية، وإعادة إنتاج الوصاية الدينية بأسلوب قانوني.
الهلالي ليس خصمًا للدين بل مجددًا للخطاب الديني
منذ سنوات، يُعرف الدكتور سعد الدين الهلالي بمشاركته الجريئة في قضايا تجديد الخطاب الديني، عبر استدعائه لاجتهادات فقهية متعددة، وطرحه لأفكار خارج السياق التقليدي المتكرر، الأمر الذي أثار تحفظات بعض رجال المؤسسة الدينية الرسمية، وأثار موجات جدل شعبي. غير أن الاختلاف الفكري لا يعني بالضرورة عداءً للدين أو خيانة له، بل إن الهلالي يمارس دوره الأكاديمي والشرعي والوطني، في محاولة تحرير الفقه من أسر التقليد، وإنزال الأحكام على واقع متغير.
ومن المفارقة أن تُقابل دعوات التجديد، التي طالما ناشد بها الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه، باتهامات الازدراء والتكفير، ويُدفع أصحابها نحو ساحات المحاكم بدلاً من ساحات الحوار. فإن كان الاجتهاد محاصرًا، فما البديل؟ ومن سيتجرأ على كسر الجمود بعد اليوم؟
من تجريم الفكر إلى محاكم التفتيش المعاصرة
تفتح هذه الدعوى الباب واسعًا أمام سيناريوهات خطيرة، أبرزها: تحويل الفضاء العام إلى ساحة خنق للأفكار، وليس ساحة لتداولها، واستخدام سيف القضاء لتصفية الحسابات الفكرية. فالاتهامات التي طالت الهلالي – من ازدراء الدين، إلى نشر أخبار كاذبة، إلى زعزعة الأمن المجتمعي – هي اتهامات فضفاضة، قابلة للتوظيف السياسي أو الشخصي، ولا تستند إلى معايير علمية أو قانونية واضحة.
ما معنى أن يُحاكم أستاذ جامعي على آرائه العلمية؟ ما هي حدود "ازدراء الدين"؟ ومن يحددها؟ وأين تنتهي الغيرة الدينية وتبدأ الوصاية الفكرية؟ إن أخطر ما في مثل هذه الدعاوى، أنها تعيد المجتمع إلى عقلية محاكم التفتيش، حيث تُصنّف الآراء إلى إيمان وكفر، والصوت المختلف إلى تهديد يجب قمعه.
تهديد للدولة المدنية والمؤسسة الدينية معًا
تضرر الدولة من مثل هذه الدعاوى لا يقتصر على صورتها الحقوقية أو التزاماتها الدستورية، بل يتجاوز ذلك إلى ضرب مشروعها في تحديث مؤسساتها، وعلى رأسها المؤسسة الدينية. إذ كيف نطلب من الأزهر أن يجدد، بينما نُحاكم من يجرؤ على الاجتهاد؟ وكيف نطالب بعقلنة الخطاب، بينما نخوِّن ونجرم أصوات الاجتهاد العقلاني؟
بل الأخطر من ذلك أن مثل هذه القضايا تشوه الدين ذاته، وتقدمه كقيد على الحريات، لا محررًا للضمائر، وتخلق انطباعًا عامًّا بأن الدين في خصومة مع العصر، لا في حوار معه.
حرية الفكر ليست ترفًا بل ضمانة للاستقرار
إن الدفاع عن حق الدكتور سعد الدين الهلالي في التعبير عن آرائه لا يعني الاتفاق معها، بل هو دفاع عن حرية الفكر كشرط أساسي لنهضة المجتمعات، وعن حق المواطن في أن يسمع ويختار، لا أن يُفرض عليه صوت واحد بحجة الصواب المطلق.
الدولة التي تحمي التفكير المختلف، حتى وإن أزعج، هي دولة قوية. أما التي تسمح بإسكات الأصوات المخالفة باسم الدين، فهي تفتح الباب لتآكل شرعيتها باسم الغيرة الدينية. والنتيجة: مزيد من التطرف، ومزيد من فقدان الثقة في الدولة والقانون.
خاتمة: لا إصلاح ديني بدون حماية المفكرين
إن القضية ليست قضية الهلالي وحده، بل قضية المجتمع كله. فحين يُحاكم الفكر، لا تعود المسألة شخصية، بل تتحول إلى جرس إنذار كبير: هل لا يزال في هذا البلد متسع للاجتهاد؟ أم أننا دخلنا عصرًا جديدًا من تكفير الاجتهاد ومحاكمة العقل؟

الدفاع عن المفكرين الحقيقيين – لا المزيفين – هو دفاع عن مستقبل الوطن. فحرية الفكر ليست ترفًا... إنها البوابة الوحيدة للنجاة.



#حسام_الحداد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ثروة الأمم- لآدم سميث والأسس النظرية للاقتصاد الحر والرأسما ...
- داروين والتطور.. الحقيقة التي صدمت العالم
- -رأس المال- لكارل ماركس وتأثيره العالمي
- حرية الفكر بين ضرورة العقل وأوهام السلطة
- تحديات الديمقراطية في العالم العربي.. ثقافة الاستبداد وأفق ا ...
- محمود أمين العالم.. تاريخ من النضال والثورة والمعارك الفكرية
- هكذا تحدث فرج فودة (7): حول تطبيق الشريعة
- دير الأنبا صموئيل.. وفتاوى السلفيين والتحريض على قتل الاقباط
- الثقافة والحرف اليدوية
- جمال الغيطاني كما عرفته
- حالات.. بين الأنثى و الغياب
- بعد ان باعتهم الكنيسة رهبان دير الانبا مكاريوس يستغيثون بالر ...
- جائزة ساويرس ... الأقباط يمتنعون
- عالم من الغواية والعفة.. بين الواقع والأسطورة
- أحمد عبد المعطي حجازي وسؤال الثقافة!!
- الوقت.. المرأة
- إخوان الصفاء عصرهم ومراتبهم والموقف منهم
- محمد عمارة يتخذ مجلة الازهر منبرا لنشر التطرف وعدم قبول الآخ ...
- الشعر مسكون بالسياسة في فقه الغضب ليوسف مسلم
- السيسي وعودة رجال مبارك


المزيد.....




- أستراليا.. ألبانيزي يستبعد وزيرا مسلما وآخر يهوديا من حكومته ...
- كيف كانت علاقة بن لادن بالجماعات الجهادية خلال تواجده في الس ...
- بابا الفاتيكان الجديد ليو الرابع عشر: ما أكبر التحديات التي ...
- تردد قناة طيور الجنة الحديث على النايل سات والعرب لضحك الأطف ...
- مستوطن إسرائيلي يحاول إدخال قربان إلى المسجد الأقصى
- أطفالك هيتسلوا بأحلى الأغاني.. استقبل تردد قناة طيور الجنة ا ...
- بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر يعقد أول مؤتمر صحفي له منذ تنص ...
- الأزهر يبارك والصحفيون يتحفظون.. قانون الفتوى يثير الجدل في ...
- اضبط الآن بجودة عالية.. تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد على ...
- استقبلوا الفرح في بيوتكم.. ثبت دلوقتي تردد قناة طيور الجنة ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسام الحداد - بين الاجتهاد والمحاكمة: حين يُجرَّم الفكر تحت عباءة الغيرة الدينية