أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - التصورات الطائفية تدمر الدولة السورية















المزيد.....

التصورات الطائفية تدمر الدولة السورية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 16:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التصورات التي نرى من خلالها حدث ما، تحكم مواقفنا وتحدد سلوكنا تجاهه. وللتصورات قدرة على مقاومة الواقع وإرغامه على التوافق معها عبر آليات نفسية أكثر منها عقلية، مثل انتقاء الوقائع وزيادة أو إنقاص وزن الحقائق بما يناسب التصور ... الخ. على سبيل المثال، التصور بأن الكوارث التي أصابت المسلمين السنة في سوريا منذ انطلاق الثورة في 2011، هي استهداف تمييزي ضد السنة، من قبل نظام سياسي طائفي يقلب الموازين، بطريقة تضرب على العصب، فيضع أبناء الأقلية العلوية في موقع مميز في الدولة، وتسانده الأقليات التي لم تعترض، كما يجب، على السياسة الإجرامية الاستباحية التي مارسها نظام الأسد ضد جمهور الثورة السورية الذي كان في غالبيته الغالبة من السنة، في حين لم يلحق بالأقليات القدر نفسه من الأذى الذي لحق بهؤلاء، نقول إن هذا التصور يجعل من يحمله من المسلمين السنة (نستثني الكرد لأن لهم قضية قومية مستقلة عن الانتماء الديني فلا يتطور لديهم مثل هذا التصور) في موقف شديد العداء ضد الأقليات الدينية، وقد يجعله متساهلاً مع، أو ربما راغباً في، الاقتصاص منهم وصولاً إلى تقبل المجازر بحقهم، حتى لو كان هذا الشخص ذا ثقافة حديثة، وحتى لو كان ذا ميول ضد إسلامية في السياسة.
سيجعلك هذا التصور ترى أن هناك ظلماً كبيراً وقع على السنة في سوريا، فقط لأنهم سنة، على يد الأقليات ذات الامتياز، وسيدو هذا الظلم أكثر ثقلاً إذا ذهب التفكير بك إلى محاكمة تقول إن السنة ليسوا فقط مسلوبي الحق في حكم البلد الذي هم أكثريته السكانية، بل يتعرضون، فوق ذلك، إلى صنوف البطش على يد "أقليات متحالفة". مع تعثر الثورة في سوريا وارتفاع منسوب بطش نظام الأسد إلى حدود غير مسبوقة، تعزز حضور النظرة الطائفية في الإعلام وفي الوسطين الشعبي والعالِم المضاد للنظام السابق. والحق يحتاج المرء إلى قدر جيد من العقل النقدي للتغلب على الغريزة الهوياتية التي تجعله يستسلم لانطباعات سطحية سهلة.
وفوق ذلك، سيبدو الظلم رهيباً أكثر لدى الفئة التي تحمل تصوراً دينياً دنيوياً يرى إلى المسلمين على أنهم السادة الأجدر للعالم، فكيف يكونون إذن محكومين ومظلومين ومبطوش بهم في بلدهم. ويظهر ثقل هذه المفارقة الحادة في اللغة الإبادية الصريحة التي بات سماعها مألوفاً ويمر دون تبعات، اللغة التي تنظر إلى الصراع الجاري على أنه استمرار لصراع مذهبي، ولكنه مفتوح اليوم على إبادة لا محل فيه للهداية.
شيوع هذا التصور الطائفي هو باعتقادنا ما يفسر التأييد الذي تحظى به السلطة الجديدة في دمشق، وضعف الموقف الاحتجاجي منها مع غلبة النزوع التبريري من جانب غالبية المسلمين السنة، بصرف النظر عما تفعله أو لا تفعله هذه السلطة. هناك خشية واضحة لدى المسلمين السنة من سقوط السلطة الجديدة، تشبه خشية العلويين السابقة من سقوط نظام الأسد. وهذه الخشية، يضاف إليها وجود تصور خرافي عن قدرات غامضة يمتلكها العلويون وبقايا النظام، كانت في أصل التلبية الواسعة للنداء إلى النفير في السادس من مارس/آذار الماضي، بطريقة تشبه رد الفعل المناعي على فيروس سبق للجسم أن تلقى لقاحاً ضده، ولكن المستهدف في هذه الحالة ليس سوى الجسم نفسه، ذلك أن التصور الطائفي السائد لدى أهل السلطة وأنصارهم، يحرض في الجسم السوري مرضاً له نفس آليات ما يسمى في اللغة الطبية "أمراض المناعة الذاتية" التي تنهك المريض، حيث تقوم وسائل حماية الجسم بمهاجمة خلايا الجسم نفسه.
في كل حال، يسحق التصور الطائفي كل مقومات التصور الوطني، ويبقى ضيقاً على استيعاب دولة عمومية. حين سيطر التصور الطائفي عند المسيطرين على الدولة السورية من العلويين، برز لديهم الشعور بخصوصية الدولة الذي عبر نفسه في تعبير "نحن الدولة" في مواجهة الأخرين، وقد دفعت ممارسة هذا التصور من موقع قيادة الدولة إلى تحفيز عصبية طائفية علوية تتماهى مع الدولة وتتمسك بها حتى اللحظة الأخيرة رغم كل الموت والبؤس الذي أوصلتهم "دولتهم" إليه.
وبالمقابل دفعت طائفية نظام الأسد إلى تحفيز عصبية سنية مضادة، حين استقر في وعي عموم السنة أنهم في مرتبة أقل في بلدهم، عصبية لم تنفع معها محاولات نظام الأسد اختراق المتن السني وجذبه عن طريق الغزل الديني في بناء المساجد ومعاهد تحفيظ القرآن وإنشاء قناة تلفزيونية دينية وقبيسيات وتقريب رموز دينية ... الخ، أو الغزل السياسي في المناصب الإدارية أو الاقتصادي في مجالات التجارة والصناعة، الأمر الذي انتهى إلى تحطيم الدولة عقب صراع مدمر أخرج من المجتمع السوري أسوأ نوازعه.
واليوم حين يسيطر التصور الطائفي على الممسكين بمقاليد الحكم في سوريا، ويسيطر لدى السنة شعور التماهي بالدولة كما كان حال العلويين من قبل، تتحول الدولة إلى دولة خاصة وتتحول الطوائف الأخرى إلى محميات وخواصر رخوة تكون الدولة ضعيفة بهم بقدر ضعف تماهيهم بها.
كان أنصار الأسد يعلنون إنهم يدافعون عن الدولة السورية، فيما يحمل العلويون منهم بوجه خاص، دافعاً أعمق هو صد الإسلاميين بوصفهم العدو المباشر لهم. هكذا كانت تتحول الدولة إلى أداة أو حتى ذريعة في صراع مذهبي. يتكرر الحال اليوم مع أنصار السلطة الجديدة، حين يبررون الممارسات العنيفة ضد الأقليات المذهبية بأنها حرص على بناء الدولة. في الحالتين يبرر المناصرون المجازر باسم الدولة. في الحالتين يدافعون عما يدمر الدولة باسم الحرص على الدولة، وهو حرص غير حقيقي، ويضمر نزعة طائفية ربما لا يدركها المناصر. من الطريف اليوم أن عناصر الفصائل التي تسيطر في الدولة، لا يتكلفون عناء تجميل دوافعهم الطائفية، ذلك لأنهم الأقوى على هذا الصعيد، على خلاف العلويين من قبل.
يبقى من الصعب أن يستقر الحال في سوريا على هذه الصورة، لأنه من الصعب أن تلعب العصبية السنية، الدور نفسه الذي لعبته العصبية العلوية في النظام السابق، فالسنة هم أغلبية المجتمع وبيئة التنوع السياسي فيه. فضلاً عن أن أسباب الخوف الأقلوي العلوي غير متوفرة عند الأكثرية السنية. صحيح أن مثل هذا الخوف محسوس اليوم لدى غالبية السنة، ولكنه غير قابل للاستمرار ليكون سنداً دائماً للنظام الذي يتشكل في دمشق.
على هذا سيكون استقرار النظام السياسي في سوريا مرهوناً بمدى ابتعاده عن النزوع الطائفي غير الوطني، أي بمدى قدرته على تحدي نفسه. هذا وحده ما يشكل أرضية لتماهي الجماعات السورية غير السنية، مع الدولة، وأيضاً لرضى الغالبية السنية نفسها واستقرار علاقتها بالدولة الجديدة.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يتراجع الوطنيون السوريون؟
- نجاة سوريا في التضامن الأهلي
- سوريا، أوقات مسحورة ولكنها واقعية
- مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري
- إدمان على الاستبداد
- الحقيقة ليست مزاراً، عن جدوى النقاش
- سورية ملونة وليست ألواناً
- الخطر الجاري الذي يهدد مستقبل سوريا
- درس علوي في سورية يجدر تأمله
- مخاطر الانتقال إلى سوريا جديدة
- عن مظاهرات السوريين العلويين
- هل انتصرت الثورة في سوريا؟
- الموالون وتلاشي نظام الأسد
- عن سورية والتطورات الأخيرة
- نزوع الضحية إلى السيطرة
- انتصارات إسرائيل الخاسرة
- عن اللوثة الطائفية في سوريا
- التكيّف مع الاحتلال
- تحول حزب الله من المقاومة إلى الردع
- نحن والاحتجاجات في إسرائيل


المزيد.....




- إسبانيا تضبط 3 أطنان من الكوكايين قبالة جزر الكناري بعملية م ...
- غَرق قارب مهاجرين قبالة لامبيدوسا يُوقع 26 قتيلاً على الأقل ...
- حلفاء أوكرانيا يبدون تفاؤلًا بقمة ألاسكا.. وترامب يُهدّد روس ...
- جنوب السودان تحسم الجدل: لا محادثات مع إسرائيل بشأن إعادة تو ...
- تقرير يكشف: روسيا تستعد لاختبار صاروخ كروز نووي قبل لقاء بوت ...
- من هو سمير حليلة المرشح لحكم قطاع غزة؟
- اتفاق أمني بين العراق وإيران يثير قلق واشنطن
- زيارة تتخللها اتفاقية تدريب عسكرية: سوريا وتركيا تبحثان ملف ...
- إسرائيل تمنع التمر والبطاطا من دخول غزة..كيف يؤثر ذلك على صح ...
- بدأت كملاذ آمن للنساء.. عودة الـ-نوشو- لتلهم الفن الشبابي في ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - التصورات الطائفية تدمر الدولة السورية