أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 14:17
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
انتقد البابا السابق فرنسيس ترامب عام 2016 عندما كان يخوض أول انتخابات رئاسية له، واصفاً حملة ترامب على المهاجرين بأنها «عار»، وقال: « من يفكر فقط في بناء الجدران، أينما كانت، وليس في بناء الجسور، ليس مسيحياً». وتبادل ترامب والبابا فرنسيس الانتقادات، أغلبها كانت تتمحور حول مناشدة البابا للتعاطف مع المهاجرين الذين سعى ترامب إلى ترحيلهم من الولايات المتحدة.
وعندما ترأّس الكاردينال الإيطالي «جيوفاني باتيستا ري» مراسم جنازة البابا فرنسيس ردد ذات الانتقادات للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد تضمنت عظة «ري» انتقاداً لترامب بخصوص المهاجرين وإنهاء الحروب، وهي الموضوعات السياسية التي كان البابا فرنسيس يحرص على التركيز عليها، ودعاه إلى «بناء الجسور لا الجدران»، وقال: إن «آراء ترامب المتعلقة بالهجرة تعني أنه ليس مسيحياً. هذا ليس من الدين». ذلك بحضور المئات من زعماء العالم، وبحضور ترامب نفسه بين الحشد، حيث وصل ترامب وزوجته ميلانيا إلى روما لحضور جنازة أول بابا للفاتيكان من أميركا اللاتينية. وكان ترامب قد أعلن في حملته الانتخابية 2016 بأنه سيبني جداراً عازلاً على الحدود الأمريكية-المكسيكية، ويطرد المهاجرين من الولايات المتحدة.
بناء الجسور لا الجدران، صنع السلام لا العدوان، الرحمة لا الإقصاء، هذه هي الشعارات التي تعبّر عن جوهر القيم المسيحية، والتي كرسها البابا فرنسيس، الذي توفي صباح 21 أبريل/ نيسان، عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، وكان قد انتخب عام 2013 قادماً من جنوب أميركا اللاتينية حاملاً رسالة التواضع، متخلَّياً عن القصر الرسولي ليسكن في دار الضيافة، ورافضاً ارتداء الزينة المذهّبة والأحذية الحمراء، داعياً إلى كنسية للفقراء، مفتوحة على العالم، تقف إلى جانب المهمّشين، منتقداً الرأسمالية، مناضلاً من أجل العدالة والسلام، مجدداً ومناهضاً روح البيروقراطية الكنسية.
يوم الأربعاء 7/5 دخل حوالي «135» من الكرادلة الكاثوليك مجمعاً انتخابياً سرياً لاختيار البابا القادم، خلفاً للبابا فرنسيس، ويرجع السبب في انعقاد اجتماعات الكرادلة بسرية، وعزل الكرادلة عن العالم الخارجي طوال مدة الاجتماعات، هو منع القوى العلمانية الخارجية من التأثير على اختيارهم، فتصرفات ترامب بنشر صورة بلباس البابا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصريحاته بخصوص تفضيلاته للبابا الجديد، ورغبته الشخصية في أن يكون بابا- تثير الشك أنها محاولة للتأثير على اختيار البابا الجديد.
لم يكن ترامب مازحاً عندما قام بنشر صورته باللباس الرسولي الأنيق، حيث يظهر فيها ترامب مرتدياً زي البابا الأبيض وقبعة أسقف، وُصف المنشور برداءة الذوق، وأعتبرها آخرون أنها مسيئة، لأنها تهريج يأتي في فترة الحداد الرسمي التي لا تزال قائمة. وقال رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي إن «هذه صورة تُسيء إلى المؤمنين، وتهين المؤسسات، وتُظهر أن زعيم العالم اليميني يستمتع بالتهريج».
حتى في الولايات المتحدة اتهم ترامب بالسخرية، وكتب المشاركون في مؤتمر ولاية نيويورك الكاثوليكي: «لا يوجد في هذه الصورة شيء ذكي أو مضحك يا سيدي الرئيس. لقد قمنا للتو بدفن البابا فرنسيس المحبوب، والكرادلة على وشك الدخول في مجمع رسمي لانتخاب خليفة جديد للقديس بطرس. لا تسخر منّا».
قبل انعقاد المجمع الأربعاء 7/5 برز إلى السطح تيار كاثوليكي محافظ متشدد، يُعرف بلقب« MAGA Catholics»، وهو تيار أميركي يميني يشكل مزيجاً من الكاثوليكية المحافظة والحركة الشعبوية اليمينية المرتبطة بدونالد ترامب، يسعى لإعادة الكنيسة إلى مواقف أكثر تشدداً، ويتضح أكثر وجود تيارات متباينة داخل المجمع الكنسي تمتد من اليسار اللاهوتي التقدمي، إلى اليمين الكاثوليكي التقليدي.
هذا المجمع الذي يبدو شكلاً طقوسياً بحتاً يخفي وراءه صراعاً محتدماً بين رؤيتين متناقضتين للكنيسة: الأولى تريد استكمال ما بدأه البابا فرانشيسكو من انفتاح وتجديد، والثانية تسعى للعودة إلى الثبات اللاهوتي والانغلاق العقائدي. حركة كاثوليك MAGA، التي تقودها شخصيات بارزة مثل «ستيف بانون المستشار السابق لدونالد ترامب» أحد أبرز حلفاء ترامب الكاثوليك، عبّرت عن استياء عميق من البابا فرانشيسكو وتوجهه الإصلاحي. وتسعى هذه الحركة إلى التأثير على مستقبل الكنيسة الكاثوليكية في محاولة لخلق بيئة مؤيدة لهذه المواقف قبل بداية انتخابات البابا المقبل بلقاء العديد من الشخصيات المؤثرة من الحركة مع الكرادلة المحافظين لتوجيههم نحو انتخاب البابا الذي يتماشى مع قيمهم التقليدية. وفي تقرير لموقع «بوليتكو» الذي توقع أن يمثّل بابا الفاتيكان الجديد «ليو الرابع عشر» تحدياً سياسياً مباشراً للرئيس الأميركي دونالد ترامب، نظراً لاختلاف رؤيتهما للعالم. وأورد التقرير أن «ستيف بانون» وصف البابا الجديد، بأنه أسوأ اختيار للكاثوليك المؤيدين لترامب، واعتبر انتخابه تصويتاً مضاداً لترامب من قبل بعض القوى في الفاتيكان، وقال التقرير: إن مواقف «ليو الرابع عشر» المؤيدة لقضايا الهجرة، والعدالة الاجتماعية، ومناهضة القومية الانعزالية، قد تدفعه مستقبلا لمواجهة خطاب ترامب. بينما رأى آخرون أن كون البابا الجديد أميركياً، سيؤدي هذا إلى تقارب أكبر مع إدارة ترامب، فالكاردينال الأميركي «روبرت بريفوست» الذي انتخب بابا للكنيسة الكاثوليكية، كأول أميركي يتولى هذا المنصب في تاريخ الفاتيكان، البعض يعتبره شخصية معتدلة قادرة على التوفيق بين وجهات النظر المختلفة، وقد عمل مع المجتمعات المهمشة، وساهم في بناء جسور التواصل، ووجه نداء سلام إلى الشعوب في أول كلمة ألقاها بعد توليه منصب الحبر الأعظم من شرفة القديس بطرس في الفاتيكان، وكفلسطينيين نأمل أن يتابع نهج سلفه بالتعاطف مع القضية الفلسطينية.
في مرات سابقة كان كاردينال يبرز ويُرجح على آخرين ليجلس على الكرسي الرسولي، على عكس الحالة الراهنة، لكن يبدو أن ترامب لديه تفضيل معين، فهو يفكر بأن كاردينالاً أميركياً لم يسبق أن تولى منصب البابا. وقد رشح ترامب الكاردينال تيموثي دولان، رئيس أساقفة نيويورك، قائلاً: «يجب أن أقول إن لدينا كاردينالاً من مكان يسمى نيويورك وهو جيد جداً، لذلك سنرى ما سيحدث». وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب «مازحاً» إنه يرغب في أن يصبح البابا القادم للفاتيكان خلفا للبابا فرنسيس»، وقال ترامب للصحفيين، عندما سُئل عمن يود أن يصبح بابا الكنيسة الكاثوليكية المقبل: «أود أن أصبح البابا. سيكون هذا خياري الأول» مع العلم أن ترامب ليس كاثوليكياً.
لا يعد الكاردينال تيموثي دولان، رئيس أساقفة نيويورك، المعروف بمواقفه المحافظة، من بين المرشحين المحتملين لتولي المنصب. والكاردينال ريمون بيرك من الولايات المتحدة أيضاً معروف بتمسكه بالطقوس التقليدية، ويسعى إلى كبح المد الإصلاحي الذي أطلقه فرانشيسكو.
كان البابا فرنسيس معروفاً بمواقفه الداعمة للفلسطينيين في غزة. ففي رسالته الأخيرة في عيد القيامة، دعا لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، كما وصف الوضع في القطاع بـ«المأساوي والمؤسف». وكانت وصية البابا فرنسيس الأخيرة تحويل سيارته إلى عيادة متنقلة لعلاج أطفال غزة، وفي 7 كانون الأول/ديسمبر 2024، كرّس البابا فرانسيس مشهد ميلاد في الفاتيكان، له دلالته ومعانيه، حيث كان الطفل يسوع مستلقياً على الكوفية الفلسطينية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، استدعت وزارةُ الخارجية الإسرائيلية سفيرَ الفاتيكان، المطران أدولفو تيتو يلانا، للتعبير عن غضبها إزاء انتقادات البابا اللاذعة لانتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين. وجاءت هذه الخطوة بعد أن اتّهم البابا إسرائيل بارتكاب أعمال وحشية بعد قصف المدارس والمستشفيات، قائلاً إن «الأطفال قُصفوا. هذه وحشية، وليست حرباً».
يقول موسى عياد، مسيحي غزاوي نازح في كنيسة القديس : «على الرغم من أنه كان كاثوليكياً، فإنه كان أباً لجميع الأطياف المسيحية. لا يمكن أن ننسى كيف كان يتواصل يومياً بالقس الكاثوليكي في غزة للاطمئنان على أوضاعنا، وكيف كان يُردّد ويُكرّر دعوته لوقف إطلاق النار في غزة في كل زيارة يقوم بها لأي بلد». وفي كتاب جديد له يحمل اسم «الأمل لا يخيب أبداً. حُجّاج نحو عالمٍ أفضل»، دعا البابا فرنسيس إلى التحقيق فيما يقوله خبراء بشأن حدوث إبادة جماعية في غزة.
وكان طوال فترة الحرب على غزة تواصل مع الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة هناك بشكل يومي، وفي الاتصال الهاتفي الأخير مع جورج أنطون، رئيس لجنة الطوارئ بالكنيسة الكاثوليكية في غزة، قال: «أنا أباركك. لا تخف أنا معك. ابقَ بخير وابقَ ثابتاً على إيمانك»
وكان البابا فرنسيس يجري مكالمات هاتفية يومية مع كاهن رعية القطاع، غابرائيل رومانيللي، من كنيسة العائلة المقدسة في القطاع. ويقول القس غبرائيل أن خبر الوفاة «جاء بشكل مفاجئ وحزين، لأننا تعودنا أن البابا فرنسيس منذ بداية الحرب، كان يتصل بنا يومياً لمتابعة الأوضاع في غزة والصلاة من أجلنا ومن أجل السلام. وقال الأب غبرائيل إن أخر رسالة للبابا فرنسيس كانت تكراراً لدعوته إلى وقف إطلاق النار في غزة، قائلاً: « من كنيسة القديس بطرس من الفاتيكان، دعا البابا فرنسيس العالم لوقف الحروب وخصوصاً هذه الحرب على غزة، وذكّر بالمعاناة في غزة، ونادى بالعدالة والسلام لكل المنطقة، وكان هذا هو آخر دعاء له، كأنه رمى للعالم رسالة، وأتمنى أن يتلقى رؤساء العالم هذه الرسالة من أجل السلام بين فلسطين وإسرائيل ومن أجل كل سكان غزة والمنطقة كلها».
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟