وسام فتحي زغبر
الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 01:15
المحور:
الصحافة والاعلام
*الصحافة تحت النار: حين تصبح الكاميرا شاهدة على الرحيل الأخير*
بقلم: وسام زغبر
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين
في غزة، لا تنتهي الحكايات عند حدود القصف، بل تبدأ من هناك، من لحظة الوداع التي لا تشبه سواها، ومن نظرة أخيرة تُختزل فيها الحياة كلها. صحفي يغادر منزله بعد يوم شاق، يُقبّل مولودته الجديدة التي رآها للمرة الأولى... وللأخيرة. لم يعلم أن قلبه سيتوقف قبل أن يسمع أولى ضحكاتها، ولم يكن يدري أن طريقه إلى المطعم سيكون طريقه إلى الشهادة.
وفي حي التفاح، كان صحفي آخر يوثق بكاميرته جريمة جديدة في مدرسة الكرامة. لم يحمل سلاحاً، بل حمل الحقيقة بين يديه، فسقط شهيداً وهو يحاول أن يروي للعالم ما يجري، أن يقول إن هناك من يُباد بدمٍ بارد، وأن العدسة ما زالت تقاوم، حتى لو انكسرت.
وطفلٌ، عائدٌ من المدرسة، يبحث عن أبيه ليجده مسجّى بين الشهداء، فيناديه ولا يجيبه، ويكبر ألف عام في لحظة واحدة. وأسرة بأكملها تودع الحياة بعد يوم شاق، يومٍ لم تذق فيه طعم الأمان ولا طمأنينة الليل، يومٍ اختتمته الطائرات بصاروخٍ أحال البيت إلى صمتٍ أبدي.
أما طفل القهوة، الذي كان يطارد لقمة العيش على الأرصفة، ويلطّف بمرحه وجوه العابرين، فقد غاب أيضًا. لم تسعفه براءته من آلة الحرب، ولم يحمه فنجان القهوة الذي كان يوزعه بابتسامة تتحدى الحصار والجوع والخوف. اليوم، التحق بركب الشهداء، وترك مكانه فارغًا على ناصية شارع لن يُنسى.
ما يحدث في غزة ليس مجرد أخبار عاجلة أو عناوين دامية، بل هو اغتيالٌ يومي للحياة، للحلم، للأمل. إنها حرب على كل ما هو إنساني، حتى صارت الكاميرا تابوتًا، والقلم نعياً، ودمعة الطفل وصمة على جبين العالم.
ورغم ذلك، يكتب الصحفيون بالدم ما عجزت الحروف عن قوله، ويوثق الأطفال بأرواحهم ما عجزت الكاميرات عن تصويره. فهل يكفي هذا ليستفيق الضمير؟ وهل يُدرك العالم أن في غزة، كل وداع قد يكون الأخير؟
في غزة، لا يموت الناس فقط... بل يُغيّب العالم معهم حقيقة أنه صمت طويلاً.
#وسام_فتحي_زغبر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟