علي لعيبي
الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 23:26
المحور:
الادب والفن
من عتبة العنوان نبدا مع الشاعر المتميز حسان عزت، الشاعر السوري المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي أبدع فيها أعمالا شعرية، ونصوص مفتوحة على الحب، و هو ما جعله يلقب برسول الورد.
يستوقفني عنوان هذا العمل، الصادر عن دار العوام في دمشق، سباعية خلق، حيث يقترن الشعر بالرقم سبعة، و بالخلق أيضا، في إشارة إلى مخيلة تستند عميقا على الإرث الثقافي الميثولوجي و الأسطوري معا.
و الرقم سبعة يحمل دلالات عديدة، ذكر في العهد القديم، " أتمّ الله فى اليوم السادس الخلق وأشبع العالم ولم يعد ينقصه شيء ، وفي اليوم السابع استراح الله".و ذكر في
القرآن :" أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا"،
والأرضين سبعا، والأيام سبعا، والإنسان كمل خلقه فى سبعة أطوار، وللرقم سبعة خواص كثيرة وقد لعب دوراً مهماً في السحر والمعتقدات الدينية، وقد قد ربط العراقيون القدماء الرقم سبعة بالأجرام السماوية السبعة التي كان لها تأثير مهم في حياة . وظهرت النواميس السبعة المقدسة التي نظمت حركة، ألست إلها صغيرة، إلى جانب قصائد أخرى، و قراءات نقدية عن أعمال الشاعر حسان عزت. الكون والازدهار الحضاري لسكان بلاد الرافدين.
و بالعودة لنصوص الشاعر حسان عزت، فقد ضم الكتاب الذي توج غلافه لوحة للفنانة فاطمة لوتاه، ترنيمة نقار الخشب، و زهوة الماتادور، وردة الرمل، لا أعرف صوغ الكلام، تانغو لأوراق الورد، و نصوص شعرية اخرى، إلى جانب قراءات نقدية لشعره....
ما وراء الشعر:
حسان عزت في سباعية خلق، يمشي بالقصيدة إلى ما وراء الشعر، و الحياة، وكانه يمسك بعالم المثل، الحب، الجمال، و الخير، كل هذا متشابك مع لغة شعرية متفردة، و قاموس شامي ، يتوق لمعانقة الشعر العالمي أراغون، مالارميه، ولوركا،
هو رسول الورد، يستنهض دين الحب ، من خلال تراجيديا الوجود، التي نراها في نصوصه الملحمية، التي تحمل نفسا طويلا، في قراءتها للحب و الحرب، و سيرة شاعر تتوزع بين النصوص، إلى جانب أزمنة، و أمكنة، و هو القادم من ثقافة الأنهار و الخصب، من بيبلوس في جبيل، إلى عشتار و إنانا، وهو المهجوس بالشعر وحده، فالشعر صديقه، و عشقه ومؤنسنه، الغطاء في البرد، و الشجر في الصيف، وهو ما نلمحه في نص ترنيمة نقار الخشب، و التي تاخذك بنفسها الملحمي إلى المسرح، و تعدد الأصوات، والمطر الذي يهطل سبعة أيام
في هذا النص (ترنيمة نقار الخشب ) ، يسافرُ بنا من “الأوديسا” زمناً لترسوّ بنا داخلَ مشهدٍ من مسرحِ “كوميديا ديل آرتي”، فينزلُ الستارُ سريعاً كما على إيقاع كونشيرتو “بريتيسيمو” كأنْه يحاكي صوتَ نقّار الخشب…
يقول: "
لا تَنْقري في الرّوحِ ياصبيّةْ
لا تَنْقُرِي في الرّوحِ
يَقُولونَ كانَ حَارسُ الغَابَةِ البَعيدةِ يُعلّقُ قِنْديلَهُ عَلى الأشْجارِ، ويُصَلّي في لَيالِي العتمةِ والرّيح....تَعالَي ... تَعالَي
ويَقُولونَ أنّهُ كَانَ يُبَرِّحُ بِهِ الشّوقُ والوَجْدُ يُضْنِيهِ
فَيشْعِلُ في كُوخِه العُودَ والنّدَّ .. ويَتَماهَى في حَضْرةِ الحَبيبِ على تَرتِيلِ عبدِ الباسِطِ وأناشيدِ المِيلادِ، وعَلى وَقْعِ القَياثِرِ يَروحُ يَرقُصُ رَقْصَهُ الكَيانيّ ".
في هذه القصيدة يرسم أسطورة مسرحها دمشق و حمص، في فصل شتائي، و تحت مطر لا يشبهه مطر، يقول :" وفِي لَيلٍ لا يُشبِهُهُ لَيْلٌ ، ونَهَارٍ لا يُشْبِهُهُ نَهارٌ يَظَلُّ الحارسُ يَرْقُصُ ويَبْكي مُبرّحاً ، فَينزِلُ المَطرُ سَبْعةَ أيّامٍ دِيمَةً ورُخاءً وشآبِيبَ، فيَرُوحُ يُصلّي على جِمارِ القَلبِ ، ويَكْتُبُ على أضْواءِ الرّوحِ، حتّى لا يَعودُ يُحسُّ بَجَسدِهِ ، وَلا يَعْرِفُ لَيْلاً منْ نَهارٍ ، فَيتَحوّلُ إلى فَرسٍ بَيضاءَ تَشُبّ في الأفُقِ ، وتَصْهُلُ في الجِهَاتِ ، فَتَسْمَعُها القَارّةُ كُلّها".
هنا يفاجؤنا بهذا السرد الشعري، و الأصوات المتعددة، والأقتراب من الغابة، بكل ما تحمله من رمز و غموض، وهناك حارس الغابة، الذي يذكرنا برواية عشيق الليدي شاترلي ،للكاتب (دي إتش لورنس)، و يتابع سرد حكاية أشبه بالأفلام، بطلها شاعر، و صبية، و عاشق، :"
صُدْفَةٌ بَيضَاءُ وقَلْبانِ شَاردانْ
رِحْلةٌ مَسْروقَةٌ منَ الزّمانِ
إلى مَدينةٍ نَائيةٍ وَغُرْفَةٍ بَعيدةْ
: عِمْتُمَا ظَهيرَةً يا أيُّها المُتَوّجانِ بالغُيومْ
_ عِمتَ صِحّةَ صدِيقَنا
: تُرى وَجَدْتُمَا صُعوبَةً حتّى وَصَلْتُما؟
_ كَيفً تَرَى وقَدْ وَجَدْنا البابَ مَردوداً لَنَا
: عِمْتُما ظَهيرةً وعِمْتُما
ورندلَ الخبيئ في جنائنِ الخَيالْ"، نص بطله الشاعر، و عاشقان، و صراع، و احتدام، و مطر بين مدينيتن، و لا يسعنا إلا القول، ما أحوج هذا النص لمخرج سينمائي و عازف ، يأخذ بالقصيدة إلى الأقاصي.
لماذا للشعر؟، فأجاب و هو يلملم صوته المريض:" سألت الشاعر حسان عزت،
انا شاعر الاسئلة
احمل الهاوية
احمل الرؤى
اطلُّ على شرفات الجحيم
واغني".
و بتوضيح أكثر عن ماهية الشعر، و خصوصية الكتابة عند للشاعر يضيف:"
أحول الشعر واللغة الى ضوء وموسيقا وشعاع، ذلك هو عمل الشعر، إنه مشروع روحي،
ايضا، لابد من مسارح جديدة لتقديم الشعر بطرائق وفنيات جديدة ،من مسرح وغناء وموسيقا ،وفرجة، و هذا ينتمي إلى خصوصية تجربتي التي قدمتها في الشام ومدن أخرى، مسرحة الشعر، و قراءته مع كورال، وتوزيع موسيقي، "أحتفالية للشمس"، و أشرف عليها الفنان غسان مسعود، في المسرح العالي بدمشق.
ويؤكد شاعرنا حسان عزت أخيرا ..نتيجة حتمية للشعر كحياة اخرى ..
ويصير للشعر طقس الاحتفال والسهر ،
فرجة تتجدد لعدة سهرات وتسافر إلى بلدان، تحتاج إلى عمق فكري وفلسفي حقيقي غير ساذح، لتفكيك قصيدة حسان عزت، واعطائها قيمتها الأدبية.
و أعود في هذه القراءة إلى نص كرنفال الأميرة ، الأقرب للسوناتا، يقول فيه:..
تأخّرَتْ حَبيبتي تَأخّرتْ
ومِنْ عَادةِ الأمِيراتِ أنْ يَتَأخّرْنَ
ومِنْ عَادةِ العُشّاقِ أن يَخرُجوا
كَرْنَفالاتٍ لاستقْبالِهِنَّ
ثُمّ يَحْضُرْنَ في جَلالِ الأُبّهَةِ
لا المَلائِكَةُ
ولا أشْجارُ الرّبيعِ
تأخّرَتْ حَبيبتي
وهَاهِيَ تُرافِقُها الفُصولُ
وهَا هيَ تَسْبِقُها الفَراشَاتُ
وها هيَ تَرْتَمي تَحْتَ قدَمَيْها
الصّغيرَينِ المُوسيقى
العَاشقُ يُطلقُ قَمَرَ اللقَاءِ
العَاشقُ يُغْمِدُ خِنْجرَ الفِتْنةِ
العَاشِقُ
أوُهْ أنا العَاشِقُ
أيَمّمُ نَجْمَةً بَعيدَةً
أنَا العَاشِقُ
أقدّمُ باقَةَ النُّجومِ
أنا العَاشِقُ
أمُدُّ يدي إلى أمِيرَتي كَيْ أقولَ..وَدَاعَا
#علي_لعيبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟