أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علاء الدين حميدي - من فصول المعاهد الثانوية إلى قاعات الجامعات: رحلة التحول من مدرس إلى أستاذ














المزيد.....

من فصول المعاهد الثانوية إلى قاعات الجامعات: رحلة التحول من مدرس إلى أستاذ


علاء الدين حميدي
كاتب .

(Hmidi Alaeddine)


الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 00:02
المحور: سيرة ذاتية
    


في كل صباح يوم عمل، كنت أستعد لبدء يومي الدراسي كأستاذ مادة التربية التكنولوجية في أحد المعاهد الثانوية. كانت الأيام تمر بشكل روتيني، حيث أنطلق من منزلي في الصباح الباكر إلى معهدي، لألتقي بمجموعة من التلاميذ الذين يتراوح أعمارهم بين 13 و 19 عامًا. كنت أشعر بالراحة في هذا السياق؛ التلاميذ الذين كانوا يحتاجون إلى إشراف دائم، والكثير من التوجيهات، ومعظم الوقت كنت أقضي مع تلاميذي في شرح المبادئ الأساسية للتقنيات والهندسة. لكن، في أعماقي، كان هناك شعور بالقلق المتزايد، فقد بدأت الفرصة الجديدة تلوح أمامي: التدريس في الجامعة.

لم أكن أعرف تمامًا ما الذي ينتظرني في تلك البيئة الأكاديمية الجديدة. كانت فكرة الانتقال من التدريس الثانوي إلى الجامعي تمثل لي تحديًا فكريًا ونفسيًا في آن واحد. كنت أعلم أن الرحلة لن تكون سهلة، وأنني سأضطر إلى إعادة تعريف نفسي كمدرس، من أجل أن أتحول إلى أستاذ جامعي قادر على تحفيز الطلاب على التفكير النقدي والإبداع.

الانتقال إلى بيئة أكاديمية جديدة: تحدي التحول

عندما نجحت في المنازرة و تحولتُ إلى التدريس في الجامعة، شعرت أن الجدران التي كانت تحد من خيالي في المعهد أصبحت غير موجودة. في المعاهد الثانوية، كان هناك إيقاع معين للتعليم: مادة محددة يجب تدريسها، نصوص يجب قراءتها، امتحانات يجب تقديمها. لكن في الجامعة، وجدت نفسي أمام طلاب أشد نضجًا فكريًا، يمتلكون آراء وأفكارًا تحتاج إلى الاهتمام والمناقشة. كان الأسلوب التقليدي للتدريس، الذي اعتمدته لسنوات، لم يعد كافيًا لإشعال شرارة الفضول في عيون طلابي الجدد.

من الملقن إلى الموجه

في المعهد، كنت أعرض المعلومات بشكل مرتب، وأشرح للطلاب ما يحتاجون إلى معرفته لفهم المادة وتحقيق درجات عالية. لكن في الجامعة، كانت التوقعات مختلفة. الطلاب لم يأتوا فقط للحصول على إجابات، بل كانوا يبحثون عن التحديات التي تثير تفكيرهم. هنا، بدأت أكتشف أنه عليّ أن أتحول من مجرد معلم ينقل المعلومات إلى موجه يلهم الطلاب لاستكشاف معارف جديدة.

عندما دخلت لأول مرة إلى قاعة المحاضرات الجامعية، شعرت بشيء من القلق. كانت المقاعد أكثر اتساعًا، والطلاب أكبر سنًا وأكثر تنوعًا. بينما كنت أُدرِّس لطلاب الثانوية، كنت أعرف بالضبط ما يجب أن أقوله وكيف يجب أن أشرحه. لكن الآن، كان عليّ أن أكون أكثر مرونة، مستعدًا لتوجيه الطلاب في مسارات مختلفة من التفكير.

التفاعل مع طلاب الجامعات: من الاستقلالية إلى التفرد

في المعهد، كان الطلاب بحاجة إلى المزيد من التوجيه المباشر والمساعدة في اجتياز الاختبارات. كانت المهمة الأساسية هي ضمان فهمهم للمواد بطريقة تُسهم في نجاحهم الأكاديمي. في المقابل، كان الأمر مختلفًا في الجامعة. فقد وجدت أن طلاب الجامعة يمتلكون استفسارات عميقة حول موضوعات قد لا تكون مغطاة في المنهج التقليدي. كانوا لا يكتفون بالدرس، بل يريدون استكشاف الأفكار بشكل أعمق، مما دفعني إلى التكيف مع أسلوب جديد من التدريس.

بناء بيئة مفتوحة للمناقشة

بدلاً من فرض المعلومات عليهم، بدأت في بناء حوارات ونقاشات داخل القاعة. كنت أحفز طلابي على طرح الأسئلة ومشاركة أفكارهم، وهو ما لم يكن ممكنا مع تلاميذ الثانوية. فبينما كنت في السابق مضطرًا للسيطرة على مجريات الدرس، أصبحت الآن أدير محادثات علمية ونقدية تعزز من التفكير المستقل لدى طلابي.

إحدى اللحظات التي لا أنساها كانت عندما طرحت سؤالًا معقدًا على طلابي حول التطبيقات التكنولوجية في الحياة اليومية. بدأ بعض الطلاب في تقديم إجابات شديدة العمق، مما أثار إعجابي. كان هذا التفاعل العلمي هو ما كنت أبحث عنه: طلاب لا يكتفون بتلقي المعرفة، بل يساهمون في إنتاجها.

التحديات النفسية والتوقعات المرتفعة

لكن التحول لم يكن خاليًا من التحديات النفسية. في المعاهد الثانوية، كنت أشعر غالبًا بالرضا عن النجاح السريع لطلابي في الامتحانات. أما في الجامعة، فالأمر مختلف؛ حيث لا يكفي تحقيق النجاح الأكاديمي التقليدي. كانت التوقعات المرتفعة من الأساتذة أنفسهم، وأيضًا من طلابهم، تشكل ضغطًا عليّ. كان عليّ أن أوازن بين الالتزامات الأكاديمية، مثل البحث العلمي، والمحاضرات، والنشاطات الجامعية، وكذلك التفاعل مع طلابي بشكل مستمر.

كانت أيامِ الأولى في الجامعة مليئة بالشكوك: هل سأُقبل كأستاذ في هذا المجتمع الأكاديمي المتنوع؟ كيف سأتعامل مع النقد، الذي قد يكون أكثر حدة من ذي قبل؟ مع مرور الوقت، أدركت أن الأساتذة الجامعيين لا يقتصر دورهم على التدريس فقط، بل يشمل أيضًا البحث العلمي والمشاركة في المجتمع الأكاديمي.

الفرص الجديدة: التحدي والإنجاز

ولكن رغم الصعوبات، وجدت أن التعليم في الجامعة يتيح لي فرصًا لا حصر لها. أصبح بإمكاني تطوير نفسي في مجالات البحث العلمي، والانخراط في مشاريع أكاديمية تساعد في تطوير مجالي. كما أتاح لي التدريس في الجامعة فرصة التفاعل مع طلاب من خلفيات متنوعة، ما عزز من قدراتي على الابتكار وإعادة صياغة أساليب التدريس.

وكانت هذه الفرص هي ما جعلني أؤمن أكثر بأهمية هذا التحول. لم يعد مجرد نقلة في العمل، بل كانت نقطة انطلاق لتوسيع آفاقي الأكاديمية والشخصية. كنت أستطيع أن أُضيف شيئًا جديدًا ليس فقط لطلاب الجامعات بل أيضًا للمجتمع الأكاديمي ككل.

خاتمة: العودة إلى الجذور

مضت الأيّام سريعا منذ أن بدأت التدريس في الجامعة، وقد تغيرت الكثير من الأشياء. لكن عندما أعود إلى غرفتي في نهاية يوم دراسي، أُدرك أن التحدي الأكبر كان قد تحقق. لم أعد ذلك المعلم الذي يدرس المادة فقط، بل أصبحت أستاذًا يساعد طلابي على تطوير أفكارهم وفهم العالم من حولهم. وكانت هذه الرحلة من المعهد إلى الجامعة أكثر من مجرد انتقال مهني؛ كانت تحولًا شخصيًا وفكريًا جعلني أشعر أنني قد أصبحت جزءًا من نسيج أوسع من المعرفة



#علاء_الدين_حميدي (هاشتاغ)       Hmidi_Alaeddine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث العلمي في تونس: أزمة واقع وأفق التغيير 
- الثورة السورية: جذورها، مسارها، وتحديات المستقبل بعد سقوط ال ...
- التوأمة الرقمية: نموذج المستقبل للتكامل بين العالمين الرقمي ...
- القضية الفلسطينية في تونس: تاريخ طويل من الدعم والتضامن
- تونس تُحاكم الثورة.. من حلم الديمقراطية إلى كوابيس التآمر.
- الذكاء الاصطناعي: الثورة القادمة في عالم التكنولوجيا
- تأثير الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والأمني: بين التحدي ...
- فرضت نفسها رغم المرض و الإعاقة .. قصة نجاح كفيفة تونسية.
- التدريس في معاهد المكفوفين.. تجربة جديدة
- قراءة في توظيف التكنولوجيا الإدارية والتعليمية بالمدارس والم ...
- قراءة في توظيف التكنولوجيا الإدارية والتعليمية بالمدارس والم ...
- ماذا بعد قرار البنك المركزي التونسي الرفع في نسبة الفائدة ال ...
- توريث النجاح بتونس
- الاِصلاح التربوي في تونس .. من مهب ورشات الأحزاب
- خمسون عاما علي غراسة أراضي القيروان.. الجفنة جنة الله علي ال ...
- أيام الجامعة .. ذكرى يعود إلى الفؤاد حنينها.
- بين فشل الادارة التربوية و أزمة البيداغوجيا، المنظومة التربو ...
- البحث عن الحقيقة .. بين المصادر الشفوية و المكتوبة !..
- في ذكري المسار الثوري في تونس.. هل يتحقق يوما ما علّقه التون ...
- المجتمع المدني و الديمقراطية ، تونس نموذجا.


المزيد.....




- السعودية: فيديو القبض على 3 أشخاص سرقوا مركبة في وضع التشغيل ...
- ترامب يشعل ضجة بتصريح جديد عن سد النهضة الإثيوبي وتمويل أمري ...
- دون مغادرة الأرض.. محاكاة المشي على القمر في مدينة ألمانية
- إسبانيا: توقيف عشرة أشخاص إثر اشتباكات بين متطرفين يمينيين و ...
- جيل الاتفاق النووي بإيران بين رحى الخيبة وضريبة العقوبات
- حركة الشباب تسيطر على بلدة وسط الصومال وتواصل تقدمها
- عشرات الشهداء والجرحى بغارات الاحتلال على غزة
- الصين تتحدى رسوم ترامب الجمركية وتسجل نموا أفضل من المتوقع ف ...
- محاكمة مراهق سوري في برلين على خلفية مخطط لاستهداف حفل تايلو ...
- إصابة أربعة أشخاص في آخر جولة لمهرجان سان فيرمين للركض مع ال ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علاء الدين حميدي - من فصول المعاهد الثانوية إلى قاعات الجامعات: رحلة التحول من مدرس إلى أستاذ