أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علاء الدين حميدي - تونس تُحاكم الثورة.. من حلم الديمقراطية إلى كوابيس التآمر.














المزيد.....

تونس تُحاكم الثورة.. من حلم الديمقراطية إلى كوابيس التآمر.


علاء الدين حميدي
كاتب .

(Hmidi Alaeddine)


الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 19:14
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


منذ الثورة التونسية التي أطاحت بنظام بن علي عام 2011، اعتُبرت تونس استثناءً في المشهد العربي، كونها نجحت — ولو جزئياً — في بناء ديمقراطية ناشئة. لكن المسار الذي بدا واعداً يشهد اليوم تراجعاً خطيراً، مع تواتر قضايا تتعلّق بـ"أمن الدولة" وصدور أحكام قاسية في حق شخصيات سياسية بارزة. قضية التآمر على أمن الدولة لم تعد مجرّد ملف قضائي، بل تحوّلت إلى نقطة تحوّل تهدد بتفكيك ما تبقى من الحياة السياسية في البلاد.
القضية: اتهامات أمنية أم تصفية سياسية؟
في الأشهر الماضية، تصدّرت قضية "التآمر على أمن الدولة" المشهد السياسي والإعلامي في تونس، مع اعتقال ومحاكمة عدد من رموز المعارضة، من بينهم وزراء سابقون، محامون، ونشطاء سياسيون، بعضهم لعب أدواراً محورية بعد الثورة. تُهم ثقيلة وُجّهت إليهم، تتعلق بالتآمر ضد مؤسسات الدولة، والتخابر مع جهات أجنبية، والتحريض على الفوضى.
ورغم خطورة التهم، إلا أن الغموض لفّ معظم مراحل التحقيق، وسط غياب الشفافية الكافية ورفض الجهات الرسمية الكشف عن تفاصيل دقيقة، ما عمّق الشكوك حول الخلفيات السياسية لهذه القضية. المعارضة، من جهتها، رأت في هذه المحاكمات "محاولة لتصفية الحسابات وخنق الأصوات الناقدة"، في حين تصرّ الرئاسة على أن "الدولة في مواجهة مؤامرات تهدد كيانها".
تداعيات سياسية خطيرة: تفكيك الحياة الحزبية وتشويه المعارضة
أحد أخطر ما نتج عن هذه القضية هو تضييق الفضاء السياسي وتهميش المعارضة. فقد أدت الأحكام والإيقافات إلى شلل كبير في النشاط السياسي للأحزاب التي تشكل العمود الفقري للمعارضة، مثل "جبهة الخلاص الوطني"، والنهضة، والتيار الديمقراطي، وغيرها. ومن خلال اتهام رموز سياسية بارزة بالخيانة والتآمر، سُوّق لفكرة أن العمل السياسي المعارض في حدّ ذاته تهديد للأمن الوطني.
هذا التوجّه لا يُضعف فقط المعارضة، بل يعمّق القطيعة بين السلطة والمجتمع السياسي، ويقود إلى نظام أحادي الصوت، يعيد إلى الأذهان ممارسات ما قبل الثورة. إنه انتقال من ديمقراطية تعددية إلى سلطة تنفيذية شبه مطلقة، تتعامل مع السياسة بمنطق الأعداء لا بمنطق الشركاء.
مخاوف حقوقية وقضائية: القضاء في قلب العاصفة
توسيع استخدام تهم "أمن الدولة" لاعتقال ومحاكمة معارضين يفتح الباب على مصراعيه أمام انتقادات محلية ودولية حول استقلالية القضاء. فمنظمة "هيومن رايتس ووتش" اعتبرت أن المحاكمات شابتها "إخلالات خطيرة"، بينما عبّرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن قلقها من "توظيف القضاء لتقويض حرية التعبير".
ووسط صمت رسمي حيال هذه الانتقادات، تصاعدت حملات دعم المعتقلين داخل تونس وخارجها، وتحوّلت بعض المحاكمات إلى قضايا رأي عام، لا تقل رمزية عن قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لما تحمله من دلالات على الانحدار السياسي والأخلاقي في التعاطي مع المعارضة.
صمت شعبي... لكنه ثقيل
ورغم خطورة ما يحدث، لم يشهد الشارع التونسي تحركات احتجاجية كبرى تضاهي ما جرى عقب الانقلاب على البرلمان سنة 2021، ما يطرح تساؤلات حول حالة الإحباط واللامبالاة السياسية التي أصابت قطاعات واسعة من الشعب، بفعل التدهور الاقتصادي وغياب البدائل المقنعة.
غير أن هذا الصمت لا يعني رضاً، بل يعكس خوفاً، وربما اقتناعاً بأن المعركة السياسية تجري في فضاء مغلق لا يسمح بالمشاركة. ويخشى كثيرون من أن يؤدي هذا الشعور بالعجز إلى انفجار اجتماعي غير محسوب، في ظل ارتفاع الأسعار، وتقلص فرص العمل، وانهيار الخدمات الأساسية.
السيناريوهات المقبلة: إلى أين تتجه تونس؟
المشهد الراهن في تونس لا يحتمل إلا أحد خيارين:
1. مواصلة النهج السلطوي، مع المزيد من المحاكمات والتضييق على المعارضة، ما يعمّق عزلة النظام داخلياً وخارجياً، ويزيد من المخاطر الأمنية والاجتماعية.
2. إطلاق حوار وطني شامل، يعيد الاعتبار للمسار الديمقراطي ويؤسس لعقد اجتماعي جديد تشارك فيه كل القوى الحية في البلاد، بما فيها المعارضة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.
كل تأخير في تبنّي الخيار الثاني، يعني مزيداً من الاحتقان، ويفتح الباب أمام انزلاقات قد تكون كارثية، في بلد لا يملك هامشاً كبيراً من المناورة الاقتصادية أو الاجتماعية.
الديمقراطية التونسية في غرفة الإنعاش
قضية "التآمر على أمن الدولة" ليست مجرّد خلاف قضائي، بل مرآة عاكسة لأزمة عميقة في بنية الحكم والشرعية في تونس. إنها نقطة مفصلية قد تحدّد مستقبل الديمقراطية في البلاد، بعد أكثر من عقد على ثورة الحرية والكرامة. السؤال اليوم لم يعد: من يتآمر على الدولة؟ بل: من يحمي الدولة من أن تتآكل من داخلها؟

المدون : علاء الدين حميدي.



#علاء_الدين_حميدي (هاشتاغ)       Hmidi_Alaeddine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي: الثورة القادمة في عالم التكنولوجيا
- تأثير الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والأمني: بين التحدي ...
- فرضت نفسها رغم المرض و الإعاقة .. قصة نجاح كفيفة تونسية.
- التدريس في معاهد المكفوفين.. تجربة جديدة
- قراءة في توظيف التكنولوجيا الإدارية والتعليمية بالمدارس والم ...
- قراءة في توظيف التكنولوجيا الإدارية والتعليمية بالمدارس والم ...
- ماذا بعد قرار البنك المركزي التونسي الرفع في نسبة الفائدة ال ...
- توريث النجاح بتونس
- الاِصلاح التربوي في تونس .. من مهب ورشات الأحزاب
- خمسون عاما علي غراسة أراضي القيروان.. الجفنة جنة الله علي ال ...
- أيام الجامعة .. ذكرى يعود إلى الفؤاد حنينها.
- بين فشل الادارة التربوية و أزمة البيداغوجيا، المنظومة التربو ...
- البحث عن الحقيقة .. بين المصادر الشفوية و المكتوبة !..
- في ذكري المسار الثوري في تونس.. هل يتحقق يوما ما علّقه التون ...
- المجتمع المدني و الديمقراطية ، تونس نموذجا.
- الذكري 170 لإلغاء العبودية في تونس.
- إشكالية التزكيات المزورة في ظل ثغرات القانون الانتخابي.
- تسقط المناسبتية وتحيا المرأة أبديا.
- البحث العلمي في تونس بين الواقع و المنشود ( الجزء الأول )
- كانت يومها المرّة الأولي.


المزيد.....




- -أرسلها مواطن هارب-.. داخلية الكويت تعلن إحباط تهريب شحنة مخ ...
- -التحالف الإسلامي- ينفذ برنامجا تدريبيا حول -الاستخبارات الب ...
- سوريا.. ثالث باخرة فوسفات عالي الجودة تستعد للإبحار إلى روما ...
- الشرطة الإسرائيلية: العثور على قنبلة موقوتة ملفوفة بعلم إسرا ...
- سرقة ورعب في أحد ملاهي دمشق: اعتداءات على الحريات وفصائل مسل ...
- محامون مصريون يطعنون أمام القضاء الإداري في قرار نشر اتفاقية ...
- في تصعيد غير مسبوق .. الدعم السريع تستهدف بورتسودان بمسيرات ...
- ترامب خلال لقاء مع -NBC-: أنا منفتح للسماح بحصول إيران على ب ...
- مفتي السعودية يوجه رسالة وتحذيرا للحجاج
- ضابط أمريكي سابق: ترامب أراد خداع روسيا لتجميد النزاع في أوك ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علاء الدين حميدي - تونس تُحاكم الثورة.. من حلم الديمقراطية إلى كوابيس التآمر.