أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علاء الدين حميدي - البحث العلمي في تونس: أزمة واقع وأفق التغيير 















المزيد.....

البحث العلمي في تونس: أزمة واقع وأفق التغيير 


علاء الدين حميدي
كاتب .

(Hmidi Alaeddine)


الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 08:12
المحور: سيرة ذاتية
    


لطالما مثّل البحث العلمي محور التقدّم الاقتصادي والاجتماعي، فهو الركيزة التي تبني بها الأمم قدراتها الإنتاجية وتحدد موقعها ضمن خارطة الدول المتقدمة. في تونس، كانت الانطلاقة واعدة منذ الاستقلال، حيث سعت الدولة إلى ترسيخ منظومة علمية تستجيب لاحتياجات التنمية الوطنية. غير أن هذه المسيرة، التي ابتدأت بحلم النهضة، اصطدمت بواقع متعثر جعل البحث العلمي يقف عند حدود غير مرضية، سواء على مستوى الإنتاجية العلمية أو الأثر الاقتصادي.

إرث مشرق وطموحات ضائعة

بعد الاستقلال في عام 1956، تبنّت تونس رؤية لبناء اقتصاد يعتمد على المعرفة، فأنشأت أولى مؤسساتها البحثية مثل المعهد الوطني للتراث ومحطة البحوث الغابية في عام 1957، تلاها مركز الطاقة الذرية سنة 1959، ومراكز أبحاث الزراعة واستعمال المياه المالحة في الستينيات. مع مرور السنوات، تضاعف عدد المراكز البحثية والمخابر والمدارس العليا، ليبلغ سنة 2013 ما يقارب 35 مركزًا و140 مخبرًا و500 وحدة بحث.

لكن، على الرغم من هذا الهيكل، لم تتجاوز المخرجات حدود النشر العلمي، مع إسهام محدود في الاختراع. بين عامي 2000 و2011، تم تسجيل 279 براءة اختراع، لكن فقط 8 براءات تم استغلالها اقتصاديًا. هذا الخلل يشير إلى فجوة بين ما يُنتج علميًا وما يُوظّف لصالح التنمية.

انحصار دور الأساتذة: غياب الابتكار والتجديد

إحدى المشكلات الجوهرية التي تعيق تطور البحث العلمي في تونس هي انحصار دور الأساتذة الجامعيين في التدريس دون مساهمة تذكر في الابتكار أو التطوير. إذ باتت الأعباء التدريسية والإدارية تستهلك النصيب الأكبر من وقت الأساتذة، مما يضعف قدرتهم على الإبداع في المجالات التكنولوجية أو التجديد في الأدب والفكر.

يتحول الأستاذ الجامعي، في كثير من الأحيان، إلى ناقل للمعلومة بدلاً من أن يكون مُبدعًا للمعرفة. هذه الإشكالية تؤدي إلى ركود فكري داخل الجامعات وتُفقدها دورها الحيوي كحاضنة للابتكار والمساهمة الفعالة في حل القضايا الوطنية. كما أن غياب الحوافز والتشجيع على الأبحاث التطبيقية يُفاقم هذه الظاهرة، حيث يجد الأساتذة أنفسهم في منظومة لا تعطي أولوية للبحث العلمي.

النهوض بالبحث العلمي: ضرورة تدخل عاجل

إنّ إعادة البحث العلمي إلى سكته الصحيحة يتطلب تدخلًا عاجلًا على مستوى الجامعات التونسية. يجب بلورة سياسة علمية واضحة تتجاوز الأهداف الحالية، التي تسعى إلى تقزيم البحث العلمي وحصره في خانة المساهمة في تفعيل السياسة التعليمية المرسومة، والتي غالبًا ما تكرّس ظاهرة توريث النجاح.

لقد تحوّل التعليم، في ظل هذه السياسات، إلى سلعة باهظة الثمن تُباع وتُشترى، دون أن يُمنح البحث الأكاديمي الفرصة للتجاوز نحو استقلالية علمية واقتصادية. إنّ هذه القيود لا تسهم إلا في توفير شروط استمرارية الدولة وإعادة إنتاجها دون تمكين البحث العلمي من تجاوز التبعية العلمية والاقتصادية والمحافظة على هامش محترم من القرار السيادي.

أسباب التراجع: معوقات بنيوية وهيكلية

الحديث عن البحث العلمي في تونس اليوم يكشف أزمة عميقة الجذور، تنعكس في أرقام محبطة وسياسات غير متماسكة:

· ضعف التمويل: يقتصر الإنفاق على البحث العلمي على أقل من 0.4% من الموازنة العامة للدولة، وهو ما يعكس تهميشًا لهذا القطاع مقارنة بالمعدل العالمي (2-3% من الناتج المحلي الإجمالي).

· البيروقراطية الإدارية: تواجه الجامعات ومراكز البحث تعقيدات إدارية تجعل الابتكار عملية شاقة، مع غياب منظومة قانونية وتشريعية مرنة تعزز مناخ البحث.

· انفصال البحث عن احتياجات السوق: يعاني البحث العلمي من غياب شراكة حقيقية مع القطاع الخاص والمؤسسات الصناعية، مما أضعف قدرته على تقديم حلول محلية.

· هجرة العقول: تستمر الكفاءات التونسية في البحث عن بيئة محفزة خارج البلاد، وهو ما يُفقد الوطن موارد بشرية ضرورية لتطوير البحث.

مقارنة دولية: حين يصبح البحث مفتاح النهضة

تجارب الدول الناجحة تقدم دروسًا يمكن لتونس الاستفادة منها. دول ككوريا الجنوبية وسنغافورة وألمانيا خصصت ميزانيات سخية للبحث العلمي، وجعلته مرتبطًا بقطاعات حيوية كالطاقة والتكنولوجيا والتعليم. هذا الاستثمار أدى إلى نمو اقتصادي مبني على الابتكار، وتحقيق استقلالية في القطاعات الصناعية المتقدمة.

في المقابل، الدول التي أهملت البحث العلمي ظلت رهينة الاستيراد، مع ضعف في صناعاتها وعدم قدرتها على المنافسة عالميًا. هذه التجارب تؤكد أن أي نهضة تنموية لا يمكن أن تتحقق دون منظومة علمية متكاملة.

خارطة طريق للإصلاح

إنقاذ البحث العلمي في تونس ليس خيارًا بل ضرورة، وهو يتطلب إجراءات حاسمة على عدة مستويات:

1. زيادة التمويل: رفع نسبة الإنفاق إلى المعدلات العالمية، مع التركيز على الأبحاث التطبيقية التي تعالج تحديات وطنية كالأمن الغذائي، وتطوير الطاقات المتجددة.

2. مكافحة توريث النجاح: وضع معايير شفافة وصارمة لاختيار الباحثين ومنح التمويل، لضمان اعتماد الكفاءة العلمية كمعيار أساسي.

3. تعزيز الربط بين البحث والصناعة: يجب إنشاء حاضنات تكنولوجية داخل الجامعات لتسهيل نقل الابتكارات إلى السوق، مع دعم استثمارات القطاع الخاص في البحث.

4. إصلاح المنظومة الإدارية: القضاء على البيروقراطية وتعزيز الحوكمة داخل المؤسسات البحثية لجعلها أكثر كفاءة وقدرة على استقطاب المواهب.

5. تشجيع الأساتذة على البحث والإبداع: تقليل الأعباء التدريسية ومنح الوقت والحوافز الكافية للأبحاث، مع التركيز على الابتكار والتطوير في المجالات العلمية والمعرفية.

خاتمة: قرار السيادة يبدأ من البحث

البحث العلمي ليس رفاهية، بل هو جسر عبور إلى الاستقلالية السياسية والاقتصادية. بدون منظومة علمية قادرة على الابتكار، ستظل تونس رهينة سياسات قصيرة الأمد واستيراد حلول مكلفة. الرهان الآن على رؤية سياسية تتبنى البحث العلمي كأولوية استراتيجية، وتضعه في قلب التنمية الوطنية. إن مستقبل تونس لن يُبنى بالأماني، بل بالعلم والعمل



#علاء_الدين_حميدي (هاشتاغ)       Hmidi_Alaeddine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية: جذورها، مسارها، وتحديات المستقبل بعد سقوط ال ...
- التوأمة الرقمية: نموذج المستقبل للتكامل بين العالمين الرقمي ...
- القضية الفلسطينية في تونس: تاريخ طويل من الدعم والتضامن
- تونس تُحاكم الثورة.. من حلم الديمقراطية إلى كوابيس التآمر.
- الذكاء الاصطناعي: الثورة القادمة في عالم التكنولوجيا
- تأثير الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والأمني: بين التحدي ...
- فرضت نفسها رغم المرض و الإعاقة .. قصة نجاح كفيفة تونسية.
- التدريس في معاهد المكفوفين.. تجربة جديدة
- قراءة في توظيف التكنولوجيا الإدارية والتعليمية بالمدارس والم ...
- قراءة في توظيف التكنولوجيا الإدارية والتعليمية بالمدارس والم ...
- ماذا بعد قرار البنك المركزي التونسي الرفع في نسبة الفائدة ال ...
- توريث النجاح بتونس
- الاِصلاح التربوي في تونس .. من مهب ورشات الأحزاب
- خمسون عاما علي غراسة أراضي القيروان.. الجفنة جنة الله علي ال ...
- أيام الجامعة .. ذكرى يعود إلى الفؤاد حنينها.
- بين فشل الادارة التربوية و أزمة البيداغوجيا، المنظومة التربو ...
- البحث عن الحقيقة .. بين المصادر الشفوية و المكتوبة !..
- في ذكري المسار الثوري في تونس.. هل يتحقق يوما ما علّقه التون ...
- المجتمع المدني و الديمقراطية ، تونس نموذجا.
- الذكري 170 لإلغاء العبودية في تونس.


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل غاراته على مطار صنعاء ومناطق ال ...
- رنا رئيس تحتفل بزفافها وتفاعل على حضور ماجد الكدواني
- الحوثيون: هجمات إسرائيلية وأمريكية على مطار صنعاء
- ردود مصرية على تصريحات سموتريتش حول حشر سكان غزة قرب مصر
- شاهد: العائلة المالكة تشارك البريطانيين الاحتفال بثمانين عام ...
- شاهد: مؤيدون لفسلطين يعرقلون مراسم إحياء الذكرى الثمانين لتح ...
- هل تتحمل إسرائيل تبعات خطتها باحتلال غزة؟
- هل يعود شبح هتلر بعد 80 عاماً على انتحاره؟
- إعلان خطة إسرائيل لاحتلال غزة جاء في توقيت حساس - الغارديان ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قصف مطار صنعاء ومحطات كهرباء في اليمن ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علاء الدين حميدي - البحث العلمي في تونس: أزمة واقع وأفق التغيير 