|
تحليل نفسي للدعاة الأربعة!
مكسيم العراقي
كاتب وباحث واكاديمي
(Maxim Al-iraqi)
الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 12:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"ما من خيانة أشد على الأوطان من خيانة باسم الله." علي شريعتي "حين يتحول الدين إلى أداة سلطة، يصبح الخائن بطلاً والمخلص زنديقًا." نزار قباني "لا يمكن لأحد أن يفهم الناس، إن لم يعش بين الناس." سقراط "التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم." نيلسون مانديلا
محتوى المقالة: 1—مقدمة 2--ابراهيم الجعفري 3—نوري المالكي 4—حيدر العبادي 5—شياع السوداني 6—استنتاجات مشتركة 7—نتائج
(1) الدعاة الاربعة هم: إبراهيم الجعفري: تاريخ الولادة: 28 أكتوبر 1947، تاريخ توليه رئاسة الحكومة: 2005 حتى 2006. نوري المالكي: تاريخ الولادة: 20 تموز 1950، تاريخ توليه رئاسة الحكومة: 2006 حتى 2014. حيدر العبادي: تاريخ الولادة: 25 نيسان 1952، تاريخ توليه رئاسة الحكومة: 2014 حتى 2018. شياع السوداني: تاريخ الولادة: 1970 (التاريخ الدقيق غير محدد في المصادر المتوفرة)، تاريخ توليه رئاسة الحكومة: 2022 (تولى منصب رئيس الوزراء في أكتوبر 2022 للان). ابراهيم الجعفري: من مواليد كربلاء 1947، درس الطب في جامعة الموصل، عاش في بغداد خلال الدراسة ورئاسته للحكومة، وعاش في المنفى (إيران وسوريا وبريطانيا) قبل 2003. نوري المالكي: من مواليد طويريج 1950، درس اللغة العربية في جامعة بغداد، عاش في بغداد خلال فترة رئاسته للحكومة، وكان في المنفى (سوريا وإيران) قبل 2003. حيدر العبادي: من مواليد بغداد 1952، حاصل على بكالوريوس هندسة من بغداد ودكتوراه من جامعة مانشستر، عاش في بغداد قبل وبعد المنفى في بريطانيا، وأقام فيها خلال رئاسته. محمد شياع السوداني: من مواليد ميسان 1970، حاصل على بكالوريوس زراعة من جامعة بغداد، عاش ويقيم في بغداد خلال المناصب الوزارية ورئاسته الحالية. اي ان الدعاة الاربعة تولوا لمدة حوالي 16 سنة مجتمعين حتى الان وهي النسبة الاعلى لفترة 20 عام من تولي النظام الحالي- ماعدا فترة كل من: إياد علاوي: تاريخ الولادة: 31 مايس 1944، تاريخ توليه رئاسة الحكومة: 2004 حتى 2005 (سنة واحدة). عادل عبد المهدي:المنتفجي تاريخ الولادة: 1 تموز 1942، تاريخ توليه رئاسة الحكومة: 2018 حتى 2020 (سنتان).
(2) إبراهيم الجعفري ابراهيم الجعفري كان يمثل نموذجًا مركبًا لشخصية سياسية خرجت من رحم الحركات الإسلامية، واصطدمت لاحقًا بتعقيدات الدولة الحديثة، والانقسام الطائفي، وتحولات السلطة بعد 2003. ولعلّ الغوص في ملامح شخصيته يكشف لنا عن أبعاد أعمق تتجاوز الوظائف الرسمية التي شغلها، وصولًا إلى فهم أوسع لسلوك النخبة السياسية العراقية في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق. من الناحية النفسية، يظهر الجعفري كشخصية مثالية تأملية، مهووسة بالتحليل والتنظير لحد كوميدي خارج الواقع ومازالت تعيش اجواء سفسطات وثقافة المعارضة العراقية السابقة, تحرص على انتقاء كلماتها وتغليف خطابها بمصطلحات فكرية وفلسفية وان كانت لالزوم لها فيما يشبه تغليفات رجال الدين بمصطلحات لاتعرفها العامة من اجل اضافة هالة من الغموض والاحترام المزيف. هذه اللغة لا تخلو من استعراض ثقافي يبدو أنه يلعب دورًا تعويضيًا، إذ يحاول أن يُظهر نفسه كمثقف مهيمن في مشهد سياسي مضطرب وليس كروزخون وحملة دار سابق ودعوجي. انه يتحدث كما لو كان في مناظرة فكرية لا في حوار سياسي وفي اجواء قيادة دولة مهدمة. هذا الأسلوب يشير إلى حاجته الدائمة إلى إعادة تأكيد صورته الذهنية لدى الآخرين، وهي صورة المفكر الأخلاقي والواعظ الديني المعتدل المسالم لا رجل السلطة النافذ.
لكن خلف هذا الهدوء الظاهري، تتوارى شخصية قلقة، حذرة، تتجنب المواجهة الصريحة، وتميل إلى إرضاء الجميع دون المخاطرة بتحديد مواقف صارمة. وهذا ما بدا واضحًا خلال فترة رئاسته للوزراء، حين اتُّهم بالبطء في اتخاذ القرارات، وبتردده في إدارة الأزمات. لم يكن الجعفري فاسدًا بمعايير النخبة العراقية الجديدة، لكنه لم يكن فعالًا بما يكفي لكبح الفساد أو إدارة الدولة بصرامة. شخصيته بطبعها تميل إلى الجمود والعقلنة المفرطة، ما يؤدي غالبًا إلى الشلل التنفيذي أو الإفراط في الحسابات السياسية.
أما على المستوى الاجتماعي، فالجعفري ينتمي إلى فئة من الساسة العراقيين الذين حافظوا على صلات عميقة بهويتهم الدينية والطائفية، دون أن يغرقوا كليًا في الخطاب الشعبوي أو المذهبي. بل سعى دائمًا إلى الظهور بصورة "الشيعي المتوازن"، الحريص على الوحدة الوطنية، والمترفّع عن التجاذبات. ومع ذلك، لم يكن محايدًا تمامًا، بل ظل ينتمي بوضوح إلى محور شيعي إسلامي ايراني حاول أن يلبسه ثوب الاعتدال، لكنه لم يخرج عن إطاره الأيديولوجي العام. هذه الازدواجية جعلت صورته لدى الجمهور متناقضة: هو ليس متطرفًا، لكنه ليس وطنيًا خالصًا، وليس إصلاحيًا، لكنه ليس فاسدًا واضحًا.
سياسيًا، لعب الجعفري دورًا في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية، لكنه لم يكن قائدًا بطبع الزعامة الكاريزمية. لم يترك أثرًا بنيويًا على الدولة العراقية، ولم يُعرف عنه مشروع إصلاحي أو رؤية اقتصادية أو إدارية. بقي، إلى حد كبير، سياسيًا احتفاليًا يتقن الخطابة الفارغة أكثر من إدارة الملفات. وهذا ما يُفسّر بقاءه في المشهد لسنوات طويلة، رغم ضعف تأثيره العملي: فهو لم يكن يهدد أحدًا، ولم يصطدم مع القوى النافذة، بل حافظ على موقعه عبر الحذر والتوازن و"عدم الإزعاج".
في المحصلة، شخصية إبراهيم الجعفري تجسّد المفارقة بين الفكر والسياسة، بين صورة المثقف وبين واقع رجل الدولة. هو مثال على السياسي الذي يحمل مشروعًا من المصطلحات الثقافيًة النظرية أكثر مما يملك خطة لإدارة الدولة، وعلى رجل عاش في قلب الحدث دون أن يغيّره او يحاول ذلك. وبينما ظل يقدّم نفسه كصاحب رؤية، فقد فشل في تحويل هذه الرؤية إلى أدوات سلطة فعّالة. وبعض من مقولاته تحمل اخطاء علمية لم يسعى للاعتذار عنها او تصحيحها!
(3) نوري المالكي يظهر نفسه كشخصية سياسية ذات طابع صلب، سلطوي، ويغلب عليها الحذر والخوف من التهديدات المحتملة. نشأته في بيئة دينية وقروية محافظة، وانتماؤه المبكر لحزب الدعوة الإسلامية، ثم سنوات المطاردة والنفي السياسي، تركت أثرًا نفسيًا واضحًا في تشكيل شخصيته، خاصة ما يتعلق بانعدام الثقة واليقظة الدائمة تجاه الخطر الحقيقي والوهمي.
من أبرز سمات المالكي النفسية هي عظم الفساد الشخصي والعائلي وتبديد ثروات العراق باستهتار على مشاريع وهمية اوفاشلة وعلى صناعة النفوذ مع اوهام الحس الأمني العالي والميل إلى السيطرة الصارمة، وهي سمة شائعة في الشخصيات التي مرت بتجارب اضطهاد أو تهديد شخصي. بعد تسلمه رئاسة الوزراء، أظهر سلوكًا يميل إلى تركيز السلطة في يده، وتفضيله الشديد للدوائر الضيقة والموالية. هذه الميول لا تنبع فقط من دوافع سياسية، بل تعكس رغبة نفسية في ضبط الأمور من خلال القوة الشخصية وتجنب المخاطر عبر التحكم المباشر وبالاعتماد على نخبة من الفاسدين والمنافقين الذي تسببوا في سقوط ثلث العراق بيد داعش.
شخصية المالكي تُظهر أيضًا نزعة عالية إلى الدفاعية، فهو دائما ما يُسقط المسؤولية على "الآخرين"، سواء كانوا خصومًا سياسيين أو جهات دولية او داخلية. هذا النمط الدفاعي قد يشير إلى شخصية لا تقبل النقد والمراجعة، وتميل إلى تفسير الأمور من منطلق "التهديد" لا "التحليل الموضوعي". مثل هذه العقلية تعزز ما يُعرف نفسيًا بـعقلية الحصار أو "القلعة المحاصرة"، حيث يرى الفرد نفسه محاطًا بالأعداء، مما يُبرّر سلوكه التسلطي باعتباره وسيلة للبقاء مع رغبة بالهيمنة.
من جهة أخرى، المالكي يُظهر احيانا سلوكيات انفعالية بارزة، واحيانا يتحدث بنبرة متزنة، ونادراً ما يستخدم خطابًا عاطفيًا حادًا. وغالبًا ما يرتبط ذلك بشخصية ذات بنية نفسية تعاني من انفصال نسبي عن الانفعالات الطبيعية لصالح التحليل والتخطيط والاوهام. لكنه أيضًا لا يخفي نزعته إلى الرد القاسي إذا شعر بالتهديد أو المنافسة، ما يعني أن خلف هذا الانضباط الظاهر، هناك مستوى عالٍ من الحذر المشوب بالعدوانية الدفاعية. وهو سهل الخداع والتلاعب كما جرى من قبل شخص مغمور استطاع ان يسجل له مايضعه خلف القضبان في اي دولة وقضاء يحترم نفسه!
على صعيد القيادة، يظهر المالكي كشخصية تنفيذية غبية لا تؤمن بالشراكة الحقيقية، بل تفضّل التعامل مع الولاءات على حساب المصالح الوطنية وإضعاف الخصوم بدلًا من التفاهم معهم. هذا النوع من التفكير يعكس ما يُعرف في علم النفس القيادي بـنمط القائد الفردي المحافظ، الذي يربط الاستقرار بوجوده شخصيًا في مركز القرار، ويخشى من تفويض السلطة خشية الانقلاب عليه.
أما في ما يتعلق بجانبه الاجتماعي، فيبدو أن المالكي يُدير علاقاته على أساس البراغماتية والولاء وموازين القوى، لا الدفء الاجتماعي أو الانفتاح الشخصي. هذا يشير إلى شخصية ذات علاقات محكومة بالمنفعة، ومبنية على الهيكلية أكثر من التلقائية، ويدل على طبيعة داخلية قليلة الثقة، وربما شديدة الحذر في التفاعل الإنساني.
(4) حيدر العبادي يُظهر شخصية يغلب عليها الطابع البراغماتي والعقلاني، فهو ليس من أولئك السياسيين الذين يُلهبون الجماهير بخطابات شعبوية أو يتخذون قرارات استعراضية، بل يميل إلى الهدوء، والاعتماد على التحليل العملي، والحلول المؤسسية. في سلوكه السياسي بدا أقرب إلى رجل الإدارة منه إلى الزعيم التقليدي، إذ لا يحمل سمات الكاريزما المتفجرة، بل يتحدث بهدوء، يتصرف برصانة، ويزن كلماته بعناية، ما يعكس خلفية نفسية تتسم بالانضباط الذاتي والابتعاد عن التهويل.
هذه السمات تتفق مع ما يمكن وصفه بشخصية مستقرة عاطفيًا، غير اندفاعية، تتجنب التصعيد قدر الإمكان، وتبحث عن التوازن بدلًا من المواجهة. العبادي غالبًا ما فضّل العمل خلف الكواليس أو عبر المؤسسات الرسمية، وتجنّب خلق صراعات مفتوحة، وهو ما قد يُقرأ نفسيًا على أنه جزء من طبيعته الشخصية وليس فقط استراتيجية سياسية. تظهر فيه علامات واضحة على المرونة النفسية؛ فهو واجه أزمات معقدة خلال ولايته، مثل الحرب ضد داعش والانهيار الاقتصادي، دون أن يُظهر علامات ارتباك أو سلوكيات اندفاعية. هذا الثبات النسبي يشير إلى شخصية متماسكة، تدير مشاعرها بعقل لا بردّة فعل.
إلا أن هذه القوة في الانضباط تأتي على حساب الحضور الجماهيري. العبادي لا يبدو منشغلًا بصورته أمام الجمهور كما يفعل بعض الساسة، ولا يسعى لبناء هالة شعبية حول شخصه. ربما يعكس ذلك طبيعة نفسية تميل إلى الانغلاق النسبي، أو عدم الاهتمام بالتفاعل الواسع، وربما أيضًا تواضعًا شخصيًا يحد من رغبته في التمركز حول الذات. في المحصلة، هو سياسي بعقل تكنوقراطي أكثر مما هو قائد بحضور طاغٍ، ما قد يُفقده الجاذبية السياسية لدى الجماهير، رغم امتلاكه بعض صفات رجل الدولة الرصين.
العبادي يمثل نموذجًا نادرًا في السياق العراقي: شخصية لا تسعى إلى الهيمنة، وتُجيد ضبط النفس، وتؤمن بالمؤسسات لا بالزعامة الفردية. هذه الصفات تُفسّر الكثير من سلوكياته في الحكم، سواء في حرصه على الهدوء السياسي، أو تجنّبه الصراع المفتوح مع خصوم أقوياء، أو حتى في طريقة مغادرته للسلطة دون صخب. خلف هذه الصورة يوجد شخص يوازن دائمًا بين العقل والسلطة، بين ما يمكن تغييره وما يجب احتماله، وربما لهذا السبب لم يُحدث صدامات كبرى، لكنه أيضًا لم يُحدث تحولات عميقة وان كان قد انجز الكثير ونجح في ملفات كثيرة ولكنه لم يقلب الطاولة على النظام الفاسد عندما كان ذلك ممكنا لانه كان مترددا اقرب منه جبانا.
واتهم في فساد عندما كان وزيرا للاتصالات في عقود الهاتف النقال التي دخلت العراق لاول مرة!
(5) محمد شياع السوداني يُظهر شخصية سياسية مختلة لاتشبع من الكذب وتتعايش معه بسلاسة, شعر بالمعجزة ولم يصدق انه قد تولى رئاسة مجلس الوزراء, ربما يعود ذلك لاسباب اجتماعية ودينية وعشائرية لكنها براغماتية وانبطاحية بوضوح، ذات طابع مرن وقابلة للتكيّف مع محيط سياسي شديد التعقيد لايدير بالا الا للاقوياء ويسحق في طريقه الضعفاء. بخلاف شخصيات عراقية اخرى صدامية أو شديدة الاستقطاب، حاول السوداني في البداية على ان يظهر نفسه رجل المرحلة والتغيير ومكافحة الفساد ورجل الصدام مع فساد وتغول الاحزاب ولكنه لم يقدم اي شيء بل سلسلة من الانبطاحات المتسلسلة وان كان حريصًا على التوازن، يقدّم نفسه كشخص عملي، واقعي، قليل الانفعال، ويتعامل مع السلطة على أنها وسيلة للبقاء واهدار المال العام من اجل الولاية الثانية ثم الثالثة الخ كما فعل المالكي. انه يتعامل مع السلطة كمنصة للزعامة الشخصية. هذه الصفات تكشف عن بنية نفسية متهالكة تميل إلى التحفظ، والتلون والتراجع دون حياء او الصمت وتشتغل في اجواء الضجيج الاعلامي الذي يصرف عليه مالا وفيرا وقد حاول الانقلاب على الاطار ولكنهم انقضوا عليه واعتقلوا كادره ومرر الامر بكل سهولة وهو يعتبر مدير عام عند الاطار ومنفذ لاراداته ويحاول دون نجاح اظهار ضبط النفس، والحرص على بناء صورة مدروسة بعناية. كان قبل توليه قد الب الراي العام في معارضته لقررات كثيرة ولكنه لما تولى نفذ كل ماكان يدعي معارضته لها مثل اقالة الساعدي او الربط السككي مع ايران وقد وعد يتغيير الوزراء الفاشلين خلال 6 اشهر وفشل وفشل في ملف الدولار ومكافحة الفساد وتم القاء صنيعته حنون جانبا في مكافحة الفساد بتهمة الفساد! وقام بجعله مستشارا لديه! كل تلك مجرد امثلة!
في ظهوره العام، يتحدث السوداني بانفعالية احيانا وببرود مريع احيانا اخرى وهو يعد بما لايستطيع تنفيذه، وهو ينتقي من الدستور والقانون والاحداث مايناسبه ويهمل كل المعطيات الاخرى ويستعرض عاطفيًا احيانا ويسعى لاسكات من يعترض بالوعود الدسمة والكاذبة احيانا. يحاول ان يظهربشخصية تؤمن بالعمل والخطابة، وان كان خطيبا مرتبكا يحفظ مواضيعه ويتكلم كلمة كلمة كتلميذ يخشى النسيان. انه شخصيته تُفضل المعالجة المباشرة دون تمحيص واغلب مشاريعه هي خارج ضوابط الدولة وباسعار خطيرة قد تصل ل10 اضعاف سعرها وبتنفيذ ردي لانها محالة لجهات فاسدة من اجل التسويات السياسية بعد ان قام بجرة قلم بتفليش خيرة شركات الدولة الناجحة. من الناحية النفسية، هو أقرب إلى شخصية "المدير الهادئ" الذي يشتغل ضمن الممكن، ويتجنب المواجهات المفتوحة، سواء في قراراته أو في مواقفه العلنية مادام مشغليه يتقاسمون معه الفساد الخطير!
ما يميز السوداني هو محاولاته الفاشلة للتحرك ضمن منظومة سياسية متشظية دون أن يصبح طرفًا في صراع علني لانه مجرد اداة ومدير عام. هذا يشير إلى مهارات تسلقية عالية في التكيّف السياسي، لكنها أيضًا تعكس شخصية بائسة تحاول ان تحسب خطواتها بدقة، وتخشى خسارة التوازن، ما قد يفسّر حذره الشديد في التصريحات والمواقف الا مايتعلق بالاكاذيب والوعود المزيفة. فهو يبدو كرجل يسعى لإرضاء الأطراف جميعًا، دون أن يفقد السيطرة على صورته أو على الملفات التي يديرها. هذا الحذر لا يصدر عن وعي سياسي، او وطني بل يُفهم نفسيًا كامتداد لشخصية تميل للبقاء مهما كان الثمن وإلى كبح التوترات، وتخشى من الانزلاق في نزاعات تفقدها السيطرة.
لكن هذه المرونة السياسية تُترجم أحيانًا إلى صورة باهتة، أو إلى غموض في الموقف، لأن شخصية السوداني لا تسعى للصدام، بل تبني علاقاتها على التفاهمات الهادئة تحت الكواليس والتوافقات العملية وتقاسم المغانم والنفوذ. وهذا ما يجعل البعض يرى فيه شخصية تكتيكية أكثر منها قيادية على المدى الطويل. ورغم أنه لا يظهر كزعيم صاحب كاريزما، إلا أنه يُتقن فن البقاء والتمركز على حساب كرامته، مما يدل على شخصية مختلة ذات توازن نفسي قلق، تفتقر إلى الحسم العالي في اللحظات المصيرية.
في المجمل، السوداني يمثل شخصية نفسية تميل إلى التوازن، وضبط الذات امام الاقوياء القادرين على الاطاحة به بسهولة في البرلمان، وهو أقرب إلى نموذج "رجل الدولة الضعيف المتبلد الشعور والحذر" الذي يحاول ان يبني نفوذه تدريجيًا وسط ضوضاء الانجازات المفبركة التي كلفت العراق المزيد من الديون الخارجية والداخلية وخواء الخزينة بعد ان انفق خلال ثلاث سنوات 450 مليار دولار لم يكن لها اي اثر على الناتج القومي الاجمالي او على نوعية الاقتصاد احادي الجانب. هذا النوع من الشخصيات غالبًا ما يفشل في البقاء في الحكم لانه لايسعى الى إحداث تحولات كبرى في البلاد.
(6) لمكان الولادة، ونوع التعليم، وتجارب الحياة مثل المنفى أو العيش في الخارج، تأثير كبير على التكوين النفسي والقيادي لهؤلاء الأربعة. إبراهيم الجعفري مثلًا، وُلد في كربلاء ودرس الطب، وهو تخصص يتطلب التعاطف والانضباط، ما انعكس على شخصيته الخطابية المتزنة ونزعته التأملية. عاش فترة في بريطانيا، مما أتاح له الاطلاع على منظومات سياسية مختلفة، لكنه بقي ملتزمًا بخلفيته الإسلامية والسياسية من حزب الدعوة.. نوري المالكي من طويريج، وهي بيئة محافظة، وكان منخرطًا في العمل الحزبي الإسلامي مبكرًا، وعاش سنوات طويلة في إيران وسوريا في إطار المعارضة، مما عزز لديه الحس التنظيمي والولاء الحزبي، وترك أثرًا واضحًا في نمط حكمه لاحقًا، حيث كانت الأولوية للبُعد الأمني والطائفي.
حيدر العبادي وُلد في بغداد، المدينة الأكثر تنوعً وثراءا وثقافة وانفتاحا وتقدما، ودرس الهندسة في العراق ثم أكمل الدكتوراه في بريطانيا. هذه التجربة صقلت لديه عقلية تقنية ومنهجية، وأكسبته قدرة على التفكير البراغماتي وإدارة الأزمات بأسلوب أكثر هدوءًا وانفتاحًا، وهو ما ظهر خلال تعامله مع أزمات معقدة كتنظيم داعش والأزمة المالية.
أما محمد شياع السوداني، فقد نشأ في ميسان وبقي داخل العراق طوال حياته، دون المرور بتجربة المنفى. تدرّج في المناصب الإدارية داخل الدولة، ما منحه تجربة عملية، خاصة في قضايا الفقر والخدمات ولكنه لم يعالج ستراتيجيا تلك الملفات بالاعتماد على اقتصاد متنوع بل انفق الاموال الطائلة على التعيينات والرعاية الاجتماعية مما اوصل تلك التخصيصات الى مستوى غير مسبوق يصل الى اكثر من 50% من الميزانية. هذا جعله أكثر ميلاً للخطاب التنموي والإداري المزيف غير القائم على العلم، مع تركيز أقل على الأيديولوجيا مقارنة بمن سبقه. العبادي هو الوحيد الذي يتحدث الانكليزية من الاربعة وعلى الرغم من ان الجعفري طبيب عام والسوداني مهندس زراعي الا انهم لايتقنون الانكليزية وتلك مشكلة خطيرة امام العالم ويجب ان ينتبه لها قطاع التعليم العالي في العراق بعدم منح اي درجة بكالوريوس دون درجة في امتحان اللغة الانكليزية تساوي توفل او ايلتس! ولادة ثلاثة منهم خارج بغداد في الجنوب والوسط في تلك البيئة للاسف انعكست بوضوح على شخصية هولاء وقدراتهم ومستويات ادراكهم وفهمهم للامور! شياع السوداني اتهم بالتزوير في حادثة مقتل والده في ماطور سكل ولم يرد ومازالت القضية في المحكمة واتهم في عدم الانصياع لقرار المحكمة الدستورية البات في رفض اتفاقية خور عبد الله المذلة لابل انه رفع مع رئيس الجمهورية دعوى لالغاء الرفض! دون اي اسباب مقنعة من اجل التحايل على القانون والدستور كما تحايل فائق زيدان لتمرير قانون العفو لاسباب مخزية لاتمت للقانون بصلة في ظل عهد اصبح فيه التلاعب بالقانون والدستور امرا عاديا لانه يعكس انحطاط الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003!
(7) كل من الدعاة الاربعة صنعوا لانفسهم بموارد الدولة كيانات انتخابية مع اطراف اخرى وهذا امر غريب على التجارب الانتخابية مع انهم من نفس الحزب الذي لايدخل الانتخابات كحزب! بسبب الفشل! الجعفري صنع تيار! الاصلاح الذي تبخر. المالكي صنع دولة القانون المستمرة. العبادي صنع ائتلاف النصر. السوداني صنع تيار الفرات وهو اول تيار في التاريخ يحصل عل مقعد واحد! كما ان السوداني استقال من حزب الدعوة ليكون رئيس وزراء مستقل وهو في الحقيقة مستقيل بتدبير لخداع الجماهير في ثورة اكتوبر وقد فشل وتم تكليف الكاظمي! الجعفري قبل منصب وزير خارجية في حكومة المالكي في تصرف تانف عنه الديمقراطيات الحقيفية! وقد كان رئيس وزراء وسلم وزارته لاحد اقرباءه واغمس في التنظيرات الكوميدية! كلهم من عراقيي الخارج ولم يروا اهوال الحروب والحصار عدا شياع السوداني الذي اعتقد انه الافضل ولكنه مخرب اخر للبلاد. المالكي صنع الحشد الشعبي قبل سقوط الموصل! في عهد العبادي تم اقرار قانون الحشد قبيل تسلم ترامب لدورته الاولى! في عهد السوداني تمت مضاعفة اعداد الحشد وزيادة ميزانيته ولم يتم في عهد العبادي ولابعده وحتى الان تعويبض خسائر الجيش ومكافحة الارهاب لابل تم نخر القوات المسلحة كلها بالدمج والمليشيات مع جهاز مكافحة الارهاب والمخابرات والامن الوطني. والعراق هو الديمقراطية الوحيدة في العالم التي يسيطر عليها مزدوجو الجنسية والولاءات وفيه توجد مليشيات تستلم اموالها من الدولة مع سلاحها وتوالي دولة اخرى وتشترك في الانتخابات وتمثل كل منها دولة داخل دولة لها كل موسسات دولة كاملة! وتتحكم في الوضع الامني والسياسي والانتخابي وتتبع اوامر ايران مباشرة.
الدعاة الثلاث الاوائل لم يقيموا في ايران طويلا وتحولوا الى دول اخرى ولكنهم خدموا المشروع الايراني ايما خدمة! السوداني لم يترك العراق ولم يكن داعية ولاحتى والده كما يدعي, ولكنه ركب الموجة كما ركبها الالاف من المزورين الاخرين من اجل المال والسلطة! وخدم المشروع الايراني بشدة ايضا. اللافت للنظر ان طبقة المماليك الحاكمة لاتريد رئيس وزراء قوي قد ينقلب عليهم وتسمح فقط لاي شخص مهما كان انبطاحيا او نموذجيا للبقاء مرة واحدة وهذا ماحصل مع العبادي وسيحصل مع السوداني على الرغم من كل التنازلات التي قدمها على حساب العراق وامواله. يغلب على السوداني عكس من سبقه الانبطاح بشدة امام برزاني ناهيك عن ايران والكويت وامريكا!
#مكسيم_العراقي (هاشتاغ)
Maxim_Al-iraqi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حنطة شياع وطلقة عاتي وزيت صدام, سمات من استهتار الطغم العراق
...
-
مالعمل قبل وبعد هزيمة الفاشية الدينية الحاكمة في العراق لاست
...
-
من تاريخ التدمير الغربي للعراق!!
-
من تناقضات اللانظام العراقي!
-
بعد مقتل المهندس بشير خالد,نحو حل كل المؤسسات الامنية واعادة
...
-
الزلزال السوري واثره على العراق والمنطقة والعالم-4
-
اتفاقيات السوداني السرية المذلة للترحيل القسري وحراك العراقي
...
-
الزلزال السوري واثره على العراق والمنطقة والعالم-3
-
الزلزال السوري واثره على العراق والمنطقة والعالم-2
-
الزلزال السوري واثره على العراق والمنطقة والعالم-1
-
اذار بين عبدي وبارزاني!
-
الجولاني يخلع قناع الشرع, امام الجبن الفارسي والعربدة الإسرا
...
-
من وحدة الساحات الى تقسيم الساحات والبلدان!
-
صعود اليسار الالماني
-
الحزب النازي وحزب البديل والدور الأمريكي!
-
تلوث البيئة الخطير جدا في العراق بعد عام 2003
-
الدولة والثورة بين لينين وبريمر وخامنائي!!
-
استهتار تشريعي وتخبط قضائي وانبطاح اطاري!
-
الحتمية التاريخية للماركسية وللمذهب الشيعي ...الى اين وصلت!
-
ماهي مصلحة الراسمالية العالمية وايران في الاقتصاد الريعي الأ
...
المزيد.....
-
الإدارة الروحية لمسلمي روسيا: الهجوم على أفراد الشرطة في داغ
...
-
قائد الثورة الإسلامية يعود آية الله نوري همداني
-
من سيكون بابا الفاتيكان المقبل؟ ترقب قبل أيام من بدء أعمال م
...
-
البابا فرانسيس أوصى بتحويل -عربته- إلى عيادة لعلاج أطفال غزة
...
-
الحاج بدر أبو اسنينة.. 47 عاما في حراسة المسجد الأقصى
-
مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية يدعو مجلس النواب للتصويت ب
...
-
صحيفة روسية: باريس وواشنطن تخوضان صراعا في الفاتيكان
-
تنزيل أحدث تردد قناة طيور الجنة 2025 DOWNLOAD TOYOUR EL-JAN
...
-
’إيهود باراك’ يدعو إلى عصيان مدني لإنقاذ الأسرى والكيان من ’
...
-
ما قصة الحرس السويسري ذي الملابس الغريبة؟ وكيف وصل إلى الفات
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|