رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8330 - 2025 / 5 / 2 - 00:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تُعدُّ النزاعاتُ العائلية والقَبَلية واحدةً من أبرزِ الظواهرِ الاجتماعيةِ المُتجذِّرة في نسيجِ المجتمعِ العراقي، حيث تُفرزُ تداعياتٍ مُعقَّدةً تَمسُّ كيانَ الأسرةِ المُمتدّ صعوداً إلى العشيرةِ والمجموعةِ القرابية .
وتكمنُ خطورتُها في اشتعالِها بين أفرادٍ تجمعُهم روابطُ الدمِ والنسبِ والمصاهرة، فيتحوَّلُ التماسكُ الأسري إلى ساحةٍ للصراعِ تَطغى عليها المشاجراتُ والخصوماتُ التي قد تتوارثُها الأجيالُ جيلاً بعد جيل.
لا تَخلو عائلةٌ أو عشيرةٌ عراقيةٌ من بذورِ الشقاقِ بين أفرادِها، سواءٌ أكان الخلافُ بين الإخوةِ في البيتِ الواحد، أم بين أبناءِ العمومةِ والأقاربِ في نطاقِ العشيرة.
وغالباً ما تَتصاعَدُ هذه النزاعاتُ إلى مُستوياتٍ عنيفةٍ تُفضي إلى سفكِ الدماءِ أو تهجيرِ عوائلَ بأكملِها هرباً من تبعاتِ الصراع، أو طردِ أفرادٍ من نسيجِ العشيرةِ عبرَ ما يُعرَفُ محلياً بـ "طاهرة الكسر"، أي فَصلِ الفردِ من الانتماءِ العشائري بقرارٍ جماعي، ليُصبحَ مُهمَّشاً اجتماعياً تحمِلُه الذاكرةُ الجمعيةُ كـ "مكسورِ الجاه".
والمُلفِت أنّ هذه الصراعاتَ تَتركُ آثاراً بعيدةَ المدى، لا تقتصرُ على الجيلِ الحالي، بل تَنتقلُ كإرثٍ من الكراهيةِ والحقدِ بين الأبناءِ والأحفاد، فتَتحوَّلُ الخلافاتُ التافهةُ إلى ثأراتٍ مُزمنةٍ تَستنزفُ الطاقةَ الاجتماعية.
وقد تُثارُ النزاعاتُ لأسبابٍ بسيطةٍ كخلافٍ على ميراثٍ أو تجاوزٍ لفظي، لكنّها تَختلفُ جوهرياً عن الصراعاتِ مع الغرباء؛ فالنزاعاتُ الخارجيةُ تَنتهي غالباً بانتهاءِ أسبابِها، أما العائليةُ فتَتعمَّقُ كالجمرِ تحتَ الرمادِ، لتَندلعَ مجدداً عندَ أولِ شرارة.
ويُعبِّرُ المثلُ الشعبيُّ العراقي "طلايب الأعمام او طلابة ولد العم كَشْره" عن طبيعةِ هذه الصراعاتِ المستعصية، فالنصرُ فيها وَهْمٌ زائلٌ , والمنتصر فيها خسران ، إذ يَدفعُ الأبناءُ ثمنَ انتصاراتِ الآباءِ عاجلاً أم آجلاً... ؛ وهكذا تَتحوَّلُ العائلةُ من مَصدرِ حمايةٍ إلى سجنٍ من الكراهيةِ، وتَظلُّ "طاهرةُ الكسر" شاهداً على هشاشةِ التماسكِ الاجتماعي في ظلِّ ثقافةٍ تَغلِّبُ الانتقامَ على المصالحةِ، والماضي على المستقبل.
#رياض_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟