أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نجيب الخنيزي - خمسون عاما على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية















المزيد.....



خمسون عاما على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية


نجيب الخنيزي

الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 20:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لبنان الجريح والمنكوب بالأزمات والكوارث والحروب الداخلية والتدخلات الخارجية و الهجمات والغزوات الإسرائلية المتتالية وأخرها الغزو الإسرائيلي البري في 1 / 10 / 2024 لجنوب لبنان ،وذلك في أعقاب سلسلة من التفجيرات والغارات الجوية التي استهدفت تدمير البنية التحتية واغتيال قيادات وكوادر حزب الله بما في ذالك الأمين العام للحزب سيد حسن نصر الله ، كما استهدف الغزو الإسرائيل البنية التحتية المدنية في جنوب ووسط لبنان ،ومناطق تقع شمال نهر الليطاني وصولا الى بيروت وخصوصا الضاحية الجنوبية ،والتي أدت إلى تدميرمنهجي للقرى والبلدات اللبنانية ومقتل وجرح الألاف وتهجير مئات الألاف وغالبيتهم الساحقة من المدنيين ، ويأتي ذلك في أعقاب المواجهات العنيفة المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل ، بعد أن فتح حزب الله لجبهة أسناد لغزة منذ الثامن من شهر اكتوبر في عام 2023 ، وذلك إثر تنفيذ حركة "حماس" ومعها بعض الفصائل الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 والتي استهدفت غلاف غزة والمستوطنات الصهيونية والبلدات والمعسكرات الإسرائلية في جنوب إسرائيل ، وما اعقبها من شنّ الاحتلال الإسرائيلي عدواناً همجيا واسعا على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مستهدفا البشر والشجر والحجر على حد سواء ، حيث تواصل ألة الحرب الصهيونية المدعومة أمريكيا لجريمة ابادة عنصرية فاشية ذهب ضحيتها حتى الآن أكثر من 55 ألف شهيد وحوالي 150 ألف جريح وغالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء . إلى جانب تنفيذ سياسة ممنهجة في تهديم المدن والقرى والبيوت على ساكنيها، ناهيك عن مؤامرة ترامب - نتنياهو لتهجير سكان غزة لخارج وطنهم، وذلك عبر حصار وسد كل منافذ الحياة ( من سكن وطعام وشراب ودواء ووقود ) بحق الفلسطينيين والتي لم يوجد مثيلها في التاريخ الحديث . في موازاة ذلك تستمر الأعتداءات السافرة وترتكب المجازر بحق الفلسطينيين في المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية ، كما يواصل جمهور الصهاينة وقياداتهم انتهاكاتهم واستفزازاتهم في القدس .
لبنانيا ، في27اكتوبر2024 جاء قرارالإنسحاب الإسرائلي من القرى والمواقع المحتلة في الجنوب اللبناني ، وفي المقابل التزم لبنان بتطبيق قرارالإمم المتحدة رقم 1701 والذي ينص على سحب حزب الله لسلاحه من جنوب نهر الليطاني، وتواجد الجيش اللبناني في المناطق الحدودية ، غير إن إسرائيل لا تزال تواصل احتلالها للعديد من القرى والتلال الجنوبية وتواصل انتهاكاتها البرية والجوية للبنان منتهكة القرارات الدولية .

كما نشير إلى التدخلات العدوانية المباشرة ضد التشكيلات العسكرية السورية واحتلال مزيدا من الأراضي السورية ، و كل ذلك يجري بغطاء ودعم أمريكي وغربي مباشر وغير مباشر ووسط حالة من التخاذل أو العجز العربي والإقليمي والدولي ، على الرغم من المظاهرات والأحتجاجات الشعبية الواسعة المستنكرة لجرائم الإبادة الإسرائيلية والداعمة للحقوق الفلسطينية و التي شهدتها الولايات المتحدة والدول الأوربية وغيرها .

بمناسبة مرور خمسون عاما على اندلاع الحرب الأهلية في لبنان يطرح التساؤل التالي : هل ما حدث ويحدث من كوارث وحروب داخلية وخارجية في لبنان منبت الصلة عن طبيعة العوامل الداخلية السائدة فيه من جهة، ومجمل تأثير الأوضاع العربية والإقليمية والدولية من جهة آخرى؟
يتعين هنا أن نقف عند العديد من المعطيات الدالة ، من بينها مرور عقود طويلة (منذ قيام لبنان الحديث) من استفحال أزمة واهتراء ، وفساد الطبقة السياسية الحاكمة ، الممثلة في تحالف الإقطاع السياسي وزعماء الطوائف والمليشيات على اختلاف مسمياتها ، والمتداخلة مع هيمنة القوى المتنفذة اقتصاديا على صعيد الملكية الزراعية والعقارية الكبيرة ، وقطاعات التجارة والخدمات والسياحة والمصارف والتي أفرزت وكرست على مدى عقود هيمنتها على لبنان ، التخلف و الأستغلال و التمايزات الطبقية الحادة ، والإحتقان الاجتماعي والمذهبي ، الذي عانى منها أغلبية الشعب اللبناني ، كما أشاعت الفساد المالي والإداري ، وعمقت المديونية الخارجية ، مما أدى إلى إزدياد حدة التمايزات الاجتماعبة ، وضمور واختفاء الطبقة الوسطى وإزدياد معدلات الهجرة إلى الخارج ، وارتفاع منسوب الفقر والبطالة ، وتدهور العملة اللبنانية ، وتردي البنية التحتية و الخدمات ( تعليم ، صحة ، اسكان ، نفايات ، كهرباء) في الداخل اللبناني ، والتبعية والإرتهان للخارج الدولي والإقليمي على حد سواء ؟
في 13أبريل (نيسان) الفائت مرت الذكرى الخمسون للحرب الأهلية ( 1975- 1990 ) التي خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين والكثير من المآسي البشرية ، ناهيك عن الخراب والدمار الذي شمل كل شيء ، وهو ما يتعين الوقوف عند دلالات ودروس تلك الحرب الأهلية، والتي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بما جرى ويجري اليوم في لبنان .
المعروف أن تشكل لبنان الحديث مر عبر ثلاث محطات حاسمة
المحطة الأولى: في مطلع العشرينيات ( 1920) عندما أعلنت دولة لبنان الكبير في ظل حكم الانتداب الفرنسي الذي قام بضم مناطق سورية عديدة (طرابلس، صور، صيدا، بيروت، بعلبك، سهل البقاع) ومعظم سكانها من المسلمين إلى جبل لبنان ذي الغالبية المسيحية مع إقلية درزية ، وتكرس قيام دولة لبنان الكبير عبر سن دستور سنة 1926م ، ثم غداة إعلان الاستقلال والتصديق على الميثاق الوطني 1943م ، الذي كرس نظام المحاصصه الطائفية بالنسبة للمواقع الأساسية في الدولة (السلطة التنفيذية) والمجتمع (السلطة التشريعية) .
ومثّل الميثاق الوطني محاولة للتوفيق بين حالة التشظي الطائفي ، ومتطلبات تأمين الحد الأدنى الضروري للتعايش السلمي والوحدة الوطنية المنفتحة على محيطها القومي,
غير أن الميثاق وبنوده في حقيقة الأمر ، كان المدخل لتفجير الصراعات والحروب الأهلية الدامية التي شهدها لبنان الحديث حيث عمل على ترسيخ نمطين متعارضين من المواطنة، فهنالك المواطنة التي تدين بالولاء إلى الطائفة الدينية التي ينتمي إليها المواطن ، والمواطنة التي تدين بالولاء والانتماء إلى الدولة المركزية، ومع أن نظام الطوائف اللبناني قديم ويعود إلى ما قبل الانتداب الفرنسي ، وكان يعرف في السلطنة العثمانية بالملة، غير أنه في ظل الانتداب الفرنسي ونظام الحماية الخاصة التي أسبغها الفرنسيون إزاء المسيحيين اللبنانيين تكرس دستوريا واجتماعيا وثقافيا في الواقع اللبناني .
المعروف أن المجتمع اللبناني يمثل موزابيك متنوع من حيث التعدد الطائفي والعرقي إذ يضم سبع عشرة طائفة دينية معترفة بها وحوالي ثماني قوميات عرقية ، بل إن رموز بعض الطوائف يتحدثون عن سمات عرقية وثقافية تختص بها في آن واحد ، مثل ما طرح من قبل بعض الجماعات المارونية حول المجتمع المتميز والقومية اللبنانية الخاصة ، وبأن المسيحيين اللبنانيين يمثلون امتداداً للحضارة الغربية (المسيحية) في المنطقة من جهة ، وبأنهم امتداد لحضارة عريقة ومتميزة عمرها أكثر من ستة آلاف سنة (الفينيقيين) من جهة أخرى، علما بأن علماء التاريخ والآثار والأنثربولوجيا يؤكدون على عملية التلاقح والتمازج الحضاري والثقافي لجميع الشعوب والحضارات ، وبأن الفينيقيين الأوائل وفقا لبعضهم ينحدرون من أو تواجدوا في الجزيرة العربية في نفس الفترة وبالتحديد في منطقة الخليج العربي ،
ومن الواضح أن التأكيد على هذه الخصائص المميزة تستهدف الحفاظ على المصالح الفئوية والامتيازات الخاصة (وفقاً لميثاق 1943م ) التي كانت مفصلة لصالح المسيحيين، أو بالأحرى الفئات المارونية المتنفذة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، والمتحالفة طبقيا ومصلحياً مع بعض الفئات الإسلامية.
المحطة الثانية: على الرغم من الازدهار الذي شهده الاقتصاد اللبناني خصوصاً في الفترة الواقعة بين بداية الستينيات وحتى بداية السبعينيات على صعيد قطاع الخدمات(تجارة وسياحة ومصارف وبنوك والوساطة بين الأسواق العربية والأوروبية ) والصناعة الاستهلاكية الخفيفة المعدة للتصدير ، غير أنه رافق ذلك اختلالات في التركيبة الاقتصادية/الاجتماعية ، وتفاقم في حدة الفوارق الاجتماعية بين الأربعة في المئة من أغنى اللبنانيين الذين يستحوذون على أكثر من 60% من الدخل القومي الإجمالي ، وبين الأغلبية الساحقة من الفقراء محدودي الدخل .
كما أدت التغييرات الديمغرافية على صعيد السكان والحراك الاجتماعي إلى اتساع رقعة الفقر وأحزمة البؤس في ضواحي المدن والأحياء الشعبية التي اكتظت نتيجة الهجرة من الريف والقرى والبلدات الجنوبية نتيجة لتخلف البنية التحتية وإهمال الدولة في تنمية القطاع الزراعي ووضع الخطط الإنمائية للمنطقة ، ونتيجة للعدوان الإسرائيلي المتكرر ضد الجنوب، وأيضا بفعل نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين في عام 1948م وبعدها، وإثر أحداث (سبتمبر 1970م) المأساوية في الأردن ، حين هاجر عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين مع أسرهم إلى سوريا ومنها إلى لبنان ،حيث استقرت قيادة المنظمة في بيروت وتوزع المقاتلون التابعون للثورة الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية العديدة .
لقد شهد لبنان قيل اندلاع الحرب الأهلية تصاعداً وتناميا للحركة المطلبية التي نظمتها النقابات والمنظمات والاتحادات المهنية ، وقدمت الحركة الوطنية اللبنانية آنذاك تحت زعامة كمال جنبلاط مطالب تتعلق بإصلاحات دستورية ووطنية واجتماعية واقتصادية ، يأتي في مقدمتها إلغاء الطائفية السياسية ونظام المحاصصة بالنسبة للوظائف العليا ، وإلغاء التمثيل المناطقي والطائفي واعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة ، والأخذ بنظام الأكثرية النسبية وتخفيض سن الترشيح إلى 18 سنة .
في ضوء ما تقدم فإن المزاعم التي تحمّل الظروف والمؤثرات الخارجية المرتبطة بقضايا الصراع العربي/ الإسرائيلي والوجود الفلسطيني (المدني والمسلح) والتجاوزات والتعديات (وهي صحيحة) التي قامت بها بعض الأطراف الفلسطينية ، والتي مست هيمنة الدولة وتعالت على المجتمع اللبناني ، بأنها العامل الحاسم والرئيس في تفجر الحرب الأهلية، هو محاولة للتنصل من تبعات المسؤولية المباشرة لبعض القوى والجماعات اللبنانية ، التي شعرت بأن مصالحها وامتيازاتها باتت في خطر .
ولم يكن صدفة كون قادة الأحزاب والمليشيات( المسيحية) المسلحة المنضوين تحت إطار الجبهة اللبنانية اليمينية ، يمثلون شخصيات نافذة ومسيطرة اقتصاديا وسياسياً ، كما أن بعضهم وهذا ليس سرا تربطهم صلات قوية ( كما تبين لاحقا ) بإسرائيل ، والمصالح الأمريكية والغربية .
غير أنه في هذا الصدد يجب عدم إغفال الدور السلبي لمنظمة التحرير الفلسطينية وممارسات بعض الفصائل الفلسطينية التي سعت إلى تهميش الدولة اللبنانية ، والمس من هيبتها وإثارة مخاوف قطاع واسع من المسيحيين اللبنانيين من قضية التحالف الفلسطيني مع قسم من اللبنانيين ، حيث أنجرت الحركة الوطنية اللبنانية وتورطت في الصراع كرديف لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وذلك من منطلق فهم خاطيء لديالكتيك العلاقة ما بين الوطني والقومي ،ومحاولة إبراز البعد القومي والإقليمي للصراع( القضية الفلسطينية) على حساب البعد الوطني اللبناني ، وعدم إدراك أهمية صياغة مشروع وطني مرحلي توافقي، وخيار بديل يجمع عليه غالبية فئات الشعب اللبناني بما في ذلك القوى اليمينية اللبنانية .
أولوية العوامل الداخلية في تفجر الصراع والحرب الأهلية اللبنانية لا ينفي أن لبنان تحول عمليا إلى ساحة مواجهة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل من جهة ، وبين القوى والأطراف العربية والإقليمية والدولية الفاعلة، وفي ظل الاستقطاب والصراع ما بين القوتين العظميين في العالم آنذاك إبان مرحلة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي الذي يقوده وبين الولايات المتحدة التي تقود المعسكر الغربي من جهة أخرى .
الميثاق الوطني ( 1943)الذي كرس نظام المحاصصة الطائفية بالنسبة للمواقع الأساسية في الدولة ، كان المدخل لتفجير الحرب الأهلية ومجمل الصراعات والحروب الأهلية التي شهدها لبنان سابقا ( 1958) ولاحقا ( 1975-1990) .

بطبيعة الحال لا يمكن تجاهل الظروف والعوامل الموضوعية والذاتية التي شكلت الأرضية الملائمة لنشوب الحروب والصراعات الأهلية المتتالية في لبنان ، ومن بينها الاختلالات الخطيرة في التركيبة الاقتصادية - الاجتماعية، وتفاقم حدة الفوارق الطبقية وحدوث تغيرات ديمغرافية على صعيد السكان، وتصاعد وتنامي الحركة المطلبية المطالبة بتحقيق إصلاحات دستورية ووطنية واجتماعية واقتصادية، يأتي في مقدمتها إلغاء الطائفية السياسية .
فالحرب الأهلية اللبنانية هي نتاج تداخل الظروف والأسباب الداخلية و المتشابك مع دور العامل الفلسطيني على الساحة اللبنانية من جهة ، و دور العاملين الإقليمي والدولي من جهة أخرى .

المحطة الثالثة: حادثة الباص حين ارتكب عناصر من حزب الوطنيين الأحرار (بزعامة كميل شمعون) في 13 أبريل 1975 مجزرة بقتل عمال فلسطينيين (25عاملا) كانوا يستقلونها ، وهي الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية الطاحنة (1975-1990) أو بالأحرى حرب الطوائف بصورة لم يشهدها لبنان في تاريخه المعاصر (نذكر هنا الحرب الأهلية المحدودة التي اندلعت في عام 1958 في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون واستمرت بضعة شهور ثم انتهت بحل توافقي .
وإذا كان لبنان يعتبر( مقارنة بالوضع السائد في العالم العربي) فيما سبق مثالا للاستقرار والتعددية السياسية والديمقراطية والتعايش السلمي بين طوائفه المختلفة ، فإن ذلك الاستقرار اتسم على الدوام بالهشاشة والضعف ، كما أن مناخ الحريات والديمقراطية كان موبوءا بسموم الطائفية التي تغلغلت في جميع مناحي الحياة ، ويكفي أن نقول إن الحرب الأهلية أفرزت ما سمي "اللبننة" التي تعني حالة التشظي والانقسام العميق العامودي والأفقي في حرب الجميع ضد الجميع ، وفي ظل انهيار شامل للدولة ومقوماتها ومؤسساتها ، ولمجمل التكوينات الاجتماعية المدنية .
وفي حين طرحت القوى اليسارية والحركة الوطنية اللبنانية مشروعها للبديل الديمقراطي في لبنان ، حملت الجبهة اللبنانية ( اليمينية ) مسؤلية اندلاع الحرب الأهلية وتفاقمها وإستمرارها ، دفاعا عن مصالحها وهيمنتها الطبقية والسياسية ، كما حملت النظام السوري السابق مسؤلية الإنحياز وبالقوة العسكرية لصالح الجبهة اللبنانية التي كانت على وشك الهزيمة والإنهيار ، وذلك بهدف الحفاظ على مصالحه وهيمنته في لبنان ، ومنع أي تغييرديمقراطي و سياسي واجتماعي جذري يمثل تحديا لنظامه الشمولي .
في جانب آخر ، عملت الحرب الأهلية على استثارة الأحقاد والرفض المتبادل ، ومارست المليشيات المسلحة ، وبشكل خاص اليمينية حرب تصفيات (على الهوية) جسدية بشعة، ووصل العنف إلى داخل وبين صفوف الفريق أو الطائفة الواحدة (على غرار التصفيات التي تجري في منظمات المافيا) من أجل فرض وحدانية السيطرة والسلطة المطلقة .
أدت الحرب الأهلية إلى مقتل وجرح وإعاقة عشرات الآلاف وإلى تهجير مئات الآلاف من المدنيين حيث اضطروا إلى مغادرة مدنهم وقراهم إلى مناطق أخرى وفقا للفرز (المناطقي) الطائفي ، مما رسخ واقع الكانتونات (كيانات اثنية وطائفية منعزلة) ووطد فكرة المعازل ( الجيتو ) على الصعيد الجغرافي والديمغرافي والنفسي والثقافي .
الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الشامل وتدمير البنية التحتية والخدماتية وتفاقم التضخم والغلاء وانهيار الليرة اللبنانية أدى إلى اتساع نطاق الفقر والبطالة وإلى هجرة مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الخارج بحثا عن العمل والإقامة الدائمة نتيجة فقد الغالبية من اللبنانيين للأمان والاستقرار والثقة في المستقبل .
ومن ناحية أخرى فإن لبنان تحول إلى ساحة معركة شرسة (بالوكالة) وتصفية حسابات بين مختلف الأطراف الإقليميةت والدولية الفاعلة .
بفضل كفاح و تضحيات الشعب اللبناني ضد الإحتلال الإسرائيلي للجنوب و لبيروت ومناطق لبنانية أخرى في عام 1982 ، والتي عبرت عنها بشكل واضح جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية " جمول " والتي تشكلت من مختلف المنحدرات والإنتماءات السياسية والفكرية الوطنية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي اللبناني ، استطاعت طرد الإحتلال الإسرائيلي من بيروت وغالبية المناطق اللبنانية ( باستثناء الشريط الحدودي ) ثم تصدرتها لاحقا و لأسباب مختلفة المقاومة المتمثلة بحزب الله منذ نهاية الثمانينات ، والتي أدت إلى إستكمال عملية التحرير و النصر في 25 أيار / مايو 2000 .
عير ان هناك قضايا شائكة ومعقدة قائمة واجهت لبنان ما بعد التحرير ، ومن بينها أراض لا تزال تحتلها إسرائيل متمثلة في مزارع شبعا التي تبلغ مساحتها 250 كيلومترا مربعا وعدد سكانها 15 ألف نسمة وتضم ما يزيد عن 1200 منزل ،
إضافة إلى التدابير الأمنية المقترحة لتأمين الأمن على جانبي الحدود بعد انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية ، إلى جانب موضوع المياه والأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية (نهرالليطاني) ، والتي توجت بالغزو الإسرائيلي الأخير للبنان في 1 أكتوبر 2024.
وهو ما يفترض من الأطراف اللبنانية الفاعلة تخفيف حدة الاحتقان ونزع فتيل الانفجار منعا للتصعيد الذي قد يجر لبنان إلى كارثة محدقة وإحلال لغة الحوار والمصارحة والمصالحة باعتباره المدخل الصحيح لمواجهة كافة المشاكل والأزمات التي عصفت بلبنان ، في ظل التبعية للخارج ، و الإصطفافات الطائفية ، والانهيار الاقتصادي .
وضمن هذا السياق يعاني الجهاز الحكومي في لبنان القائم على نظام المحاصصة الطائفي من ظاهرة تفاقم حالات الفساد المالي والإداري والتسيب والمحسوبية ، وتراجع الأداء الاقتصادي ، و تدهور العملة والخدمات ، وترد مستويات المعيشة للأغلبية الساحقة من الشعب بما في ذلك الطبقة الوسطى . مما أدى إلى إزدياد منسوب الفقر والبطالة والغلاء وتعثر السياسة الائتمانية وبرامج الإعمار وزيادة معدلات الهجرة للخارج .
اتفاق الطائف (1989) الذي وقع عليه زعماء الطوائف وقادة الحرب وزعماء المليشيات الرئيسية في لبنان ضمن موازين القوى المحلية السائدة آنذاك ، و بتشجيع ودعم إقليمي ودولي ، خصوصا الدور المحوري الذي قامت به المملكة العربية السعودية لإيجاد مناخ الثقة وعناصر النجاح ، وتكوين الأرضية المناسبة للحوار والتفاهم على قواسم مشتركة ، مثَّل نقلة نوعية باتجاه وقف تدهور الأوضاع في لبنان والعمل على استعادة الاستقرار والهدوء والأمن والسلم الأهلي ، وخلق مستلزمات العيش المشترك من جديد ، ولم يكن صدفة أن العديد من المحللين اعتبروا اتفاق الطائف المبرم آنذاك ( في حال تحقيقه ) بأنه تأسيس للجمهورية الثانية في لبنان وبأنه قد تجاوز (من حيث الشكل على الأقل) الميثاق الوطني .

غير أن فريقا من اللبنانيين رأوا في اتفاق الطائف تعبيرا عن حالة التغير في ميزان القوى ( ديموغرافيا وسياسيا وعسكريا) الذي أصبح يميل لصالح المسلمين ، وبالتالي فإن الاتفاقية كرست حالة انتصار فريق على فريق آخر خصوصاً ما يتعلق بإعادة توزيع النفوذ والسلطة وفقاً لنظام المحاصصة الجديد ، والتأكيد على ارتباط لبنان وانفتاحه على محيطه العربي ، واستحضار الدور السوري آنذاك في تأمين وترسيخ ودعم الدولة اللبنانية سياسيا وأمنيا وعسكريا (30 ألف جندي سوري) .
من ناحية أخرى كان هناك نوعا من التواطؤ العام في تجاهل اتفاق الطائف دعوة ممثلي الحركة الوطنية اللبنانية وخصوصا مكوناتها اليسارية والمدنية التي لها برنامجها الوطني الجذري ، وكانت تقود عمليا أحد معسكري المواجهة في الحرب الأهلية اللبنانية .
مضمون اتفاق الطائف أكد على تجاوز التركة التي خلفتها الحرب الأهلية اللبنانية بكل آلامها ومرارتها ، والعمل على تبديد الشكوك العميقة المتبادلة بين الطوائف ، مما يحتاج إلى إصلاحات عميقة تطال كافة البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والذي لن يتحقق إلا عبر تطوير وترسيخ مقومات الدولة العصرية / المدنية ، بمؤسساتها وتشريعاتها الدستورية والقانونية الحديثة ، والانتقال بالدولة والمجتمع من الرؤية والممارسة الطائفية الضيقة إلى الرؤية والممارسة الوطنية والوحدة المجتمعية المشتركة ، التي عليها مراعاة مصالح مختلف الأطراف ، والعمل على تبديد المخاوف لدى البعض من خلال استثارة أوسع نقاش ديمقراطي بحرية كاملة من قبل الجميع بدون استثناء ، حول كافة القضايا والاستحقاقات الوطنية بما في ذلك العلاقات اللبنانية-السورية ، والوجود العسكري السوري والتأكيد على وضع الضوابط التي تحدد مهامه ودوره ومدة بقائه في لبنان، وكذلك إيجاد موقف موحد ومشترك من وجود اللاجئين الفلسطينيين ( حوالي نصف مليون ) في لبنان والمخاوف التي تثار حول الضغوطات التي تمارس ضد الحكومة اللبنانية بهدف توطينهم .
لقد حقق لبنان الكثير من اتفاقية الطائف وفي مقدمتها وضع حد للحرب الأهلية الدموية الطاحنة بين اللبنايين التي أسفرت عن مقتل حوالي 120 ألف شخص ونزوح مليون لبناني إلى الخارج .
مع أنه جرى حل المليشيات المسلحة ، بإستثناء حزب الله الذي اعتبرمقاومة وطنية آنذاك ، غير أن لبنان ظل يواجه العديد من الاستحقاقات الجدية المؤجلة ، والتي لعبت دورا سلبيا خطيرا في استمرار الأزمة المحتدمة وتصاعدها على نحو خطير، والتي يأتي في مقدمتها تجميد و عرقلة تطبيق بنود إتفاقية الطائف المتعلقة بالإصلاحات السياسية / التشريعية ومن بينها :
1-إلغاء قاعدة التمثیل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامـة والقضـاء والمؤسسـات العسـكریة والأمنیة والمؤسسات العامة والمختلطة والمصـالح المسـتقل باسـتثناء وظـائف الفئـة الأولـى فیها وفي ما یعـادل الفئـة الأولـى
ب- إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهویة
ج ـ قانون الانتخابات النیابیة: تجري لانتخابات النیابیـة وفقـاً لقـانون انتخـاب جدیـد علـى أسـاس المحافظـة: یراعـي القواعـد التـي تضـمن العـیش المشـترك بین اللبنانیین وتؤمن صحة التمثیل السیاسي لشتى فئات الشعب وأجیاله وفعالیة ذلك التمثیل، بعد إعادة النظر في التقسیم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات .
اتفاق الطائف سرعان ما وصل إلى طريق مسدود لأسباب وعوامل مختلفة ، يأتي في مقدمتها الرفض العملي من قبل النخبة الحاكمة و الزعامات وأمراء الطوائف ( على اختلاف مسمياتها ) والطبقة المتنفذة اللبنانية المتحكمة بمفاصل الثروة والسلطة ، لتحقيق إصلاحات عميقة ، والإصرار على المضي في سياسة تدوير وترحيل الأزمة اللبنانية المستفحلة من خلال الوعود الإنشائية والحلول الترقيعية ، وبما لايمس جوهر مصالحها الطبقية ، وفي الوقت نفسه افشلت وعرقلت ومنعت تحقيق الإصلاحات السياسية والتشريعية والتنموية الحقيقية المطلوبة .
.
مثلت انتفاضة الشعب اللبناني السلمية التي شارك فيها مئات الآلاف من مختلف المكونات المناطقية والمذهبية والسياسية ، والتي تفجرت في 17 أكتوبر 2019 ، أكبر تحدى بوجه الإنهيار الشامل من جراء نظام المحاصصة الطائفية والطبقة الفاسدة الحاكمة في لبنان . ونستعيد هنا الكارثة المفجعة من جراء انفجار مرفأ بيروت المروع في 4 أغسطس 2020 الذي خلف الألاف من القتلى والجرحى ، وشرد مئات الآلاف من سكان العاصمة بيروت ، وطال الدماروالأضرار قرابة نصف مساحتها ، و قدرت الأضرار مبدئيا آنذاك والعمل بما يتراوح بين 3 و5 مليار دولار .

التساؤل هنا : هل انتخاب رئيس جديد للبنان ( جوزيف عون ) وتعين رئيس وزراء أصيل وغير مكلف ( نواف سلام ) في يناير 2025 ، وحديثهما عن الإصلاح والتغير ، هل سيسرع في انهاء الإحتلال الإسرائيلي من جهة ، والعمل على إنهاء النظام الطائفي والطبقة اللبنانية الفاسدة من جهة آخرى، و بالتالي يفتح الطريق أمام تحولات نوعية ، من شأنها تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي ، وترسيخ سياسة المصالحة والعيش المشترك بين جميع طوائف وفئات وشرائح المجتمع اللبناني ، وقبل كل شيء إنهاء نظام المحاصصة الطائفية لصالح قيام دولة مدنية حديثة ، وخلق مستلزمات التنمية المتوازنة ،وتأكيد مباديء المواطنة و العدالة والحرية والمساواة بين الجميع ، والعمل على انهاءكافة مظاهر التبعية والإرتهان ( تحت مختلف العناوين ) للقوى الإقليمية و الدولية ، و الذي يصب في تعزيز وحدة ومصالح الشعب اللبناني و سيادة واستقلال الدولة اللبنانية ؟



#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الفرد في التاريخ 2-2
- دور الفرد في التاريخ
- ميرزا الخنيزي والذاكرة التاريخية
- غياب الشخصية الوطنية والتقدمية البحرينية البارزة الدكتور يعق ...
- كلمة في حفل أسرة الأدباء والكتاب في البحرين وفاء واستذكارا ل ...
- مظفر النواب وداعا
- علي الدميني .. إننا محكومون بالأمل
- ذكرياتي مع الفقيد الراحل اسحاق الشيخ يعقوب بعد عودته إلى أرض ...
- ذكريات لا تنسى مع الفقيد الراحل اسحاق الشيخ يعقوب - ذكريات ل ...
- ذكريات لا تنسى مع الفقيد الكبير اسحاق الشيخ يعقوب
- مرور عام على رحيل الفقيد الكبير اسحاق الشيخ يعقوب
- مرور 10 سنوات على رحيل المثقف و الإنسان .. شاكر الشيخ
- 10 سنوات على رحيل الجهيمان .. سادن الأساطير والأمثال
- رحيل الشاعر العراقي والعربي الكبير سعدي يوسف
- 22 أبريل .. اليوم العامي لأمنا الأرض
- رحيل الروائية والمناضل المصرية نوال السعداوي
- اليوم االعالمي للمرأة لعام 2021
- في ذكرى المفكر والمناضل المصري محمود أمين العالم
- رحيل إسحاق الشيخ يعقوب
- هزم ترامب .. لكن ماذا عن- الترامبية - ؟ ( 2 )


المزيد.....




- -إفريقيا قارة المستقبل- – إثيوبيا
- المبادرة المصرية تطالب وزارة الداخلية بتمكين محمد عادل من حق ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- مقاتلات هندية تنسحب من أجواء كشمير بعد تحرك باكستاني فوري
- -فضيحة تجسس- جديدة... برلين تتهم وبكين تنفي!
- الاتحاد الإفريقي يرفع العقوبات عن الغابون بعد انتهاء المرحلة ...
- شويغو: إقامة دولة فلسطينية هو السبيل الوحيد لإحلال سلام دائم ...
- بيسكوف يعلق على إمكانية الاتصال المباشر بين بوتين وترامب
- دبلوماسي أمريكي يرجح إعلان واشنطن عن اتفاق المعادن مع أوكران ...
- -رويترز-: الأردن نجح في الحفاظ على المساعدات الأمريكية


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نجيب الخنيزي - خمسون عاما على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية