أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين جباري - ما بعد القطيعة














المزيد.....

ما بعد القطيعة


عزالدين جباري
(Azeddine Jabbary)


الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 19:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مقال نُشر بتاريخ 25ـ4ـ2025 بجريدة *Aujourd’hui Le Maroc* تحت عنوان "فرنسا–الجزائر: نحو قطيعة في العلاقات الدبلوماسية؟"، رسم الكاتب الصحفي مصطفى طوسة صورة قاتمة عن مآلات العلاقة بين باريس والجزائر، مؤكدًا أن البلدين يتجهان بخطى ثابتة نحو الانفصال السياسي والدبلوماسي، ليس بسبب حادث عابر، بل بفعل تراكم مزمن لأزمات رمزية وسياسية وهيكلية.
يرى طوسة أن النظام الجزائري ما يزال رهينًا لخطاب ضدي يتغذى من الذاكرة الاستعمارية، يوظف الماضي الاستعماري الفرنسي لا بوصفه جرحًا يستدعي المصالحة، بل ذريعة لإدامة منطق التبرير والتحكم. إنه نظام – حسب رأيه – لا ينتج مشروعية من الإنجاز أو من بناء الدولة، بل من ابتزاز رمزي مستمر لفرنسا، وهي لعبة تتغذى من خطاب سياسي وإعلامي فرنسي هو الآخر، لم يتحرر كليًّا من مخيال الاستعلاء الكولونيالي.
في المقابل، لا يُغفل الكاتب السياق الفرنسي المتأزم، حيث تسهم تصاعدات اليمين المتطرف والمواقف العدوانية من مسؤولين فرنسيين، كوزير الداخلية برونو ريتايو، في توسيع الهوة وتعميق التوتر. فالأزمة إذًا مزدوجة، تغذيها ازدواجية خطابية من الطرفين: الجزائر ترفض تجاوز رواية الضحية، وفرنسا تكرر سلوك المستعلي.
لكن هذه القراءة، وإن اتسمت بنفَس تحليلي جاد، تبقى أسيرة منطق مغلق، يعيد تدوير الانفعال السياسي في دوائر السوء التاريخي دون أن يجرؤ على تصور أفق مختلف للعلاقة بين بلدين تجمعهما ذاكرة معقدة، وشعوب متشابكة المصير.
من هنا، يمكن استدعاء فلسفة الصيرورة الأصيلة كمفتاح نقدي بديل. فبدل أن نرى العلاقة بين الجزائر وفرنسا كمسار ملعون محكوم بالتكرار، يمكن أن نعيد فهمها كصيرورة مفتوحة تتطلب تجاوز اختزالات الهوية: لا الجزائر هي الضحية المطلقة، ولا فرنسا هي العقلانية البريئة. إنما هما طرفان عالقان في مرآة مضخّمة من الشكوى والمزايدة.
الصيرورة الأصيلة لا تطلب النسيان، بل تحرير الذاكرة من الانغلاق. ولا تبني السلام على أنقاض الاتهام، بل على الاعتراف بالمأساة كشرط للعبور. فأن نتحرر من استعمار الأمس لا يعني أن نُسقطه على كل خلاف سياسي، كما أن النقد الفرنسي للممارسات الجزائرية لا يبرر استدعاء مقولات التفوق أو التهديد.
ثمة حاجة إلى إعادة تخييل العلاقة. أن تصبح هذه العلاقة توترًا خلاقًا لا خصامًا دائمًا. وأن يتأسس هذا التوتر على الرغبة في تجاوز الاستعلاء والانغلاق نحو وجه مشترك، تتقاطع فيه الكرامة مع السيادة، وتنبض فيه السياسة بأفق أخلاقي وتاريخي مفتوح على التحول.
ما يحتاجه الطرفان اليوم ليس خطاب الاتهام ولا الاستسلام لحلقة الجمود العقيم، بل جرأة الدخول في صيرورة جديدة، تعترف بالذاكرة دون أن تُختزل فيها، وتنفتح على المستقبل دون أن تستنسخ أوهام الماضي.
هكذا فقط يمكن الحديث عن مصالحة حقيقية، لا تمحو الجرح، بل تحوّله إلى نبضٍ واعٍ ينير الطريق نحو شراكة متوترة، أصيلة، ومتجددة.
ومع ذلك، لا يمكن في هذا السياق تجاهل أن بعض التطورات الجيوسياسية الحديثة قد تكون ألقت بظلالها على هذا التصعيد المتبادل، ولو أن المقال لم يشر إليها صراحة.
فمن تأويلي الشخصي، أرى أن التحولات في موقف فرنسا نحو الاعتراف المتزايد بمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، وارتفاع وتيرة التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين باريس والرباط، قد ولّدت لدى الجزائر إحساسًا مضاعفًا بالعزلة والتهميش.
وهكذا، ربما تسهم هذه المستجدات، من خلف ستار المشهد الرسمي، في تأجيج حساسيات قديمة وتجعل من الخطاب التصعيدي غطاءً لقلق جيوسياسي أعمق.
لكن، إذا أردنا تجاوز منطق ردود الفعل، فإن الصيرورة الأصيلة تقتضي إعادة التفكير في هذه التحولات لا باعتبارها خسارات أو انتصارات آنية، بل باعتبارها مؤشرات على ضرورة الخروج من أسر الماضي، وتوجيه الجهود نحو ابتكار أشكال جديدة من التعايش والندية والمشاركة.



#عزالدين_جباري (هاشتاغ)       Azeddine_Jabbary#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فَرْقُ ما بين الأخلاق والأخلاقيات
- لغم الوجود
- منطق الفقهاء
- الحداثة وفراغ الوجود .
- الظاهر والباطن، أو محنة الوجود.
- الحرية نداء الوجود
- مساواة أم تماثل ؟ بحث في الرؤيا الكونية.
- هل كل خطاب يحمل حقيقته في ذاته ؟
- في الموقف الفلسفي، أو الموقف من الحقيقة .
- في ماهية القول الفلسفي وضرورته .


المزيد.....




- اليخت -مادلين- يبحر نحو غزة في محاول جديدة لكسر الحصار الإسر ...
- -جوعتونا يا كلاب-.. أم فلسطينية تحاول يائسةً جمع بقايا طحين ...
- أحمد الشرع يصل الكويت بأول زيارة رسمية تلبية لدعوة من الشيخ ...
- الكويت تسحب الجنسية من الإعلامي شعيب راشد
- الحب يحميك من أمراض القلب
- حشود الجوعى في غزة تعود أدراجها خالية الوفاض بعد إطلاق نار ق ...
- الجيش السوري الجديد بين قواعد الإدارة الانتقالية والانفلات ا ...
- نيجيريا: فيضانات عارمة تخلف 111 قتيلًا على الأقل وخسائر بشري ...
- الكرملين: لا توجد اتفاقات محددة حتى الآن بشأن لقاء بوتين وتر ...
- عروس برازيلية تثير الجدل بعد وصولها لحفل زفافها بسيارة جنازة ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين جباري - ما بعد القطيعة