الظل في عقل نيوتن

منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي
(Manal Hamesh)

الحوار المتمدن-العدد: 8321 - 2025 / 4 / 23 - 21:25
المحور: قضايا ثقافية
    

الظل في عقل نيوتن: بين العلم، الغموض، والنبوءة

مقدمة: عبقريةٌ ذات وجهين

حين نتأمل في صورة إسحاق نيوتن التي رسمها لنا تاريخ العلم، نراه العالِم الصارم، واضع أسس الفيزياء الكلاسيكية، ومُعظّمًا لعقلانية صارمة لا مكان فيها للأساطير. لكن هذه الصورة، رغم عظمتها، ليست كاملة. ففي عمق ذهن هذا العبقري، كان يعيش ظلٌّ كثيف، يتأرجح بين العزلة، الغموض، والنبوءة. هذا المقال يغوص في العالم السري لعقل نيوتن، حيث يتشابك الضوء مع الظلال، والحساب مع الرؤيا.


---

العبقري الكلاسيكي: إنجازات لا تموت

وُلد إسحاق نيوتن في عام 1642، عام وفاة غاليليو، وكأن العالم القديم سلّم الراية لجيل جديد. في شبابه، وخلال سنوات الطاعون التي أجبرته على العزلة، أبدع أعظم أفكاره:

قوانين الحركة الثلاثة التي أسست للميكانيكا الحديثة.

قانون الجاذبية العام: الرابط بين سقوط التفاحة ودوران الكواكب.

نظرية الضوء وتفكيك الضوء الأبيض إلى طيف من الألوان.

ابتكار حساب التفاضل والتكامل (بالتوازي مع لايبنتز).

وكتابه الأعظم "المبادئ الرياضية" (Principia)، الذي أسس للعلم الحديث.


لكن خلف هذه الإنجازات كان هناك رجل يكتب بلغة خفية عن أسرار الطبيعة، ويؤمن أن قوانين الكون ليست إلا وجهاً واحدًا من الحقيقة.


---

الخيمياء: نيوتن الباحث عن النور الخفي

قضى نيوتن عقودًا في دراسة الخيمياء، لا باعتبارها خرافة بل كعلم سري موجه للخواص. كتب آلاف الصفحات في هذه المجالات، مستخدمًا لغة رمزية معقدة. كان يعتقد أن العالم المادي يخفي قوى نورانية، وأن هناك وحدة أصلية للطبيعة يمكن استعادتها من خلال المعرفة والتطهير الروحي.

كان يؤمن بـ"حجر الفلاسفة"، لا فقط كوسيلة لصناعة الذهب، بل كرمز لتحويل الوعي البشري وإعادة الاتصال بـ"الجوهر النوراني" للعالم.


---

الجانب الروحي والميل إلى النبوءة

لم يكن نيوتن عالمًا فقط، بل كان قارئًا دؤوبًا للكتاب المقدس بلغاته الأصلية، باحثًا في أعماقه عن رموز زمنية ونبوءات خفية. وكتب في اللاهوت أكثر مما كتب في الفيزياء، وكان يرى أن الخالق ترك خريطة زمنية داخل الكتب المقدسة لمن استطاع فهمها.

رفض التثليث واعتنق عقيدة التوحيد.

درس نبوءات سفر دانيال وسفر الرؤيا.

اعتقد أن التاريخ يسير وفق خطة إلهية محسوبة.



---

الحسابات السرّية لنهاية الزمان

اعتمد نيوتن على رموز من سفر دانيال لتحديد موعد نهاية السلطة الزمنية وبداية عصر النور:

استخدم رموز 1290 و1335 يومًا من دانيال، واعتبر كل يوم يمثل سنة.

حسب أن بداية هذه الفترات تعود إلى حوالي 609م، ما ينتج:

609 + 1290 = 1899م

609 + 1335 = 1944م



واعتبر هذه علامات على التحولات الكبرى التي بدأت فعلاً في تلك الفترات.

لكنه لم يكتفِ بذلك، ففي ملاحظات خفية كتب:

> "قد لا تكون نهاية الزمان قبل عام 2060، لكنها لن تتأخر كثيرًا بعد ذلك."



كيف وصل لهذا التاريخ؟
افترض أن عهد شارلمان سنة 800م يمثل بداية سيطرة دينية كبرى (الكنيسة)، وأضاف إليها 1260 سنة (من رموز سفر الرؤيا):

800 + 1260 = 2060


فرأى أن هذا التاريخ قد يشكل نهاية الدورة الحالية وبداية عصر جديد يسوده النور والمعرفة.


---

الانعزال والعبور الداخلي

لم يكن نيوتن اجتماعيًا، بل عُرف بانعزاله وطباعه الصعبة. أحيانًا كان ينسى الطعام والانشغال بالناس، وينغمس في تأمل داخلي يكاد يكون صوفيًّا. كان يمر بحالات من الذهان والارتباك العقلي، وربما رؤى، جعلته يشعر وكأنه يتلقى معرفة من مصدر غير بشري.


---

لغة الغموض ورمزية السرّ

كتب نيوتن الكثير من أعماله الخفية بلغة رمزية، ولم يُنشر معظمها في حياته. احتفظ بدراساته في الخيمياء والتفسير النبوي سرًّا، وكأن هناك معرفة لا يجب أن تُمنح للعالم، بل لأولئك "الذين يستحقون". هذه النزعة نحو السرية، وهذه الثقة بوجود "أسرار عميقة وراء المادة"، تجعله أقرب إلى حكيم صوفي منه إلى عالم تجريبي.


---

خاتمة: من هو نيوتن الحقيقي؟

هل كان نيوتن عالمًا ماديًا أم نبيًّا متخفيًا؟ هل كان يبحث عن قوانين الحركة... أم عن شفرة الخلق؟
ما الذي جعله يعتقد أن النور والعدد والمادة والحرف، كلها أوجه لجوهر واحد؟
وهل نحن اليوم نقرأ فقط نصف قصة نيوتن؟ النصف الظاهر، المطبوع، المُمَأسس في مناهج الفيزياء؟

ربما لم يكن نيوتن عبقريًّا عاديًّا، بل كان "نقطة التقاء" بين عالمين:
عالم المنطق والرياضيات، وعالم الخفاء والرمز والنبوة.

فهل كانت الجاذبية عنده قوة فيزيائية؟ أم تشبيهًا لقوة أشد جذبًا: سر الترابط الكوني؟
وهل كانت التفاحة التي سقطت عليه تفاحة علم... أم تفاحة معرفة؟

ربما علينا أن نعيد قراءة نيوتن، لا كأبٍ للفيزياء فقط، بل كعقلٍ كونيّ تَلبّسه النور، وعاش في ظلاله.

#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل