أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عقيل الفتلاوي - جزى الله الشدائد كل خير.. عرفت بها عدوي من صديقي














المزيد.....

جزى الله الشدائد كل خير.. عرفت بها عدوي من صديقي


عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث

(Aqeel Al Fatlawy)


الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 08:40
المحور: الادب والفن
    


تمرّ الحياة بنا كالنهر الجاري، تارةً هادئاً رقراقاً، وتارةً عاصفاً متلاطماً، لكنها لا تخلو أبداً من المحن والشدائد التي تُقلب موازين القلوب، وتكشف الحقائق التي كانت خافية. ففي لحظات الرخاء، يكثر الأصحاب وتزدهر الابتسامات، لكنّ الشدائد هي التي تنخل الناس، فتميز الصادق من المنافق، والصديق من العدو. وكما قيل: ( جزى الله الشدائد كل خيرً.. عرفت بها عدوي من صديقي ).
الإنسان مفطور على حب الراحة والاستقرار، لكنّ الاختبار الحقيقي للعلاقات الإنسانية لا يظهر إلا عندما تضيق بك السبل، وتنقلب عليك الدنيا. فكم من صديقٍ ظننته أخاً لك، حتى إذا نزلت بك محنة توارى خلف الأعذار، أو تحوّل إلى عدوٍ يطعنك حين تضعف! وكم من شخصٍ لم تكن تعطيه أهمية، فإذا بالشدائد تظهره كالسند الحقيقي الذي لا يتزعزع.
الشدائد كالمصفاة التي لا يبقى فيها إلا الأصيل، وهي التي تُظهر معادن الناس. فالبعض يفرّ عند أول أزمة، والبعض الآخر يقف معك حتى في أحلك اللحظات. وفي هذا اختبارٌ عظيمٌ للنفس، فليس كل من ادعى المحبة صدق فيها، وليس كل من شاركك الضحك سيبقى حين يعلو صوت البكاء.
أشدّ أنواع الخذلان ألا تكتشف أن عدوك كان يرتدي قناع الصداقة، حتى جاءت الشدائد فمزقت هذا القناع، وكشفت الحقد المكنون. قد يكون هذا الصديق أول من يتركك عند المحنة، أو يتلذذ بسقوطك، أو يزيد الطين بلّة بنفاقه وخيانته. لكنّ الشدائد رغم مرارتها أنقذتك من استمرار الوهم، ووفرت عليك سنواتٍ من العلاقة الزائفة.
في القصص القديمة والحديثة عبرة، فكم من رجلٍ ظن نفسه محاطاً بالأحبّة، حتى إذا افتقر أو مرض انفضّوا من حوله! وكم من امرأةٍ اكتشفت أن أقرب الناس إليها كانوا يتربصون بها! لكنّ الله، في حكمته البالغة، يسلط هذه المحن لتنقية حياتنا من الزيف، فتصبح المصائب نعمةً مقنعةً، تخلصك من شرٍ أكبر لو استمر مختبئاً.
لكنّ الشدائد لا تظهر الأعداء فقط، بل تبرز الأصدقاء الحقيقيين الذين يثبتون كالجبال. هؤلاء هم الذين لا تغيرهم الظروف، ولا تزعزعهم المصائب. قد لا يكونون كثيرين، لكن وجودهم يضيء ظلمة المحن، ويجعل الألم أخف وطأة.
الصديق الحق هو الذي يقف بجانبك عندما يهرب الآخرون، لا يطلب شيئاً في المقابل، بل يرى في وقوفه معك واجباً إنسانياً وإيمانيًا. وهو الذي يذكرك بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ )، (المائدة: 2). مثل هؤلاء الأصدقاء هم هبة من الله، يكافئك بهم بعد أن يخلصك من العلاقات السامة.
لولا المحن، لبقينا سطحيين في أحكامنا، ضعفاء في إدراكنا. الشدائد تُعلّمنا دروساً قاسية لكنها ضرورية: فهي تزيدنا حكمةً في اختيار من نثق بهم، وتجعلنا أكثر امتناناً للقلوب النقية التي تبقى. كما أنها تذكرنا بأن الدنيا دار اختبار، وأن الناس فيها ليسوا سواء.
في النهاية، فإن كل محنة تمر بها، مهما بلغت صعوبتها، تحمل في طياتها حكمة إلهية.
فاحمد الله على الشدائد كما تحمده على النعم، لأنها نعمٌ قد تخفى على القلوب الضعيفة. وتذكّر أن الله يختبر عباده ليميز الخبيث من الطيب، ولكي لا تبقى قلوبنا معلقةً بمن لا يستحق.
فطوبى لمن جعلتْه الشدائد أكثر حكمةً، وأعمق بصيرةً، وأقوى إيماناً.



#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)       Aqeel_Al_Fatlawy#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاطعة الصدر للانتخابات: احتجاج أم استراتيجية لتغيير اللعبة ...
- نظرية كيس الفئران: السرّ المظلم في حكم الشعوب عبر الفوضى!
- بين (بغدادة) و(متبغدد).. أسرار أناقة بغداد التاريخية في الله ...
- نيكولو مكيافيلي الرجل الذي فهم القوة أكثر من أي أحد ..
- شاي بالياسمين على الطريقة العمانية .. مفتاح التفاوض مع إيران ...
- الصلاة مع المرشد أتم.. والتجارة مع ترامب أدسم ..
- على من ترتل مازاميرك يا داود ؟
- إيران والغرب.. من الموت لأمريكا إلى رئيس السلام – هل تغيرت ا ...
- من علم الأجيال كيف يمسكون القلم قبل أن يمسكوا الحجر؟
- سوريا إلى ما قبل الصفر.. قرار أمريكي يطيح بالشرعية الدولية ل ...
- الشرق الأوسط في عهد ترامب الجديد .. استقرار أم فوضى ؟
- مطالب عادلة ونظام تعليمي على المحك.. معلمو العراق في إضراب ش ...
- من الريف إلى الحرم.. كيف أثّرت الهجرة العشوائية على هوية الن ...
- بين المطرقة والسندان.. كيف يريد الكونغرس الأمريكي تحرير العر ...
- هل تُشعل واشنطن المواجهة مع إيران؟.. حاملة طائرات نووية أمري ...
- تداعيات الفوضى الخلاقة: تحليل لواقع العراق السياسي والاقتصاد ...
- البروباغندا الأمريكية ودورها في الحرب على العراق 2003
- من وراء قطر غيت ؟.. لعبة استخباراتية أم فساد داخل الكيان الإ ...
- العار أصبح ترنداً .. معركة الحياء في السوشيال ميديا ..
- ضربة استراتيجية تشلّ (هاري ترومان) وتُغيّر قواعد اللعبة


المزيد.....




- فنانون إسبان يخلّدون شهداء غزة الأطفال بقراءة أسمائهم في مدر ...
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء أطفال غزة بقراءة أسمائهم في مدريد ...
- الفنان وائل شوقي : التاريخ كمساحة للتأويل
- الممثلة الأميركية اليهودية هانا أينبيندر تفوز بجائزة -إيمي- ...
- عبث القصة القصيرة والقصيرة جدا
- الفنان غاي بيرس يدعو لوقف تطبيع رعب الأطفال في غزة.. الصمت ت ...
- مسرحية الكيلومترات
- الممثلة اليهودية إينبندر تحصد جائزة إيمي وتهتف -فلسطين حرة- ...
- الأبقار تتربع على عرش الفخر والهوية لدى الدينكا بجنوب السودا ...
- ضياء العزاوي يوثق فنيًا مآسي الموصل وحلب في معرض -شهود الزور ...


المزيد.....

- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عقيل الفتلاوي - جزى الله الشدائد كل خير.. عرفت بها عدوي من صديقي