أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 08:14
المحور:
الادب والفن
المثقف في جوهره هو تناقض متجسد، وهو في نفس الوقت سيد وخادم لنفسه، مدرك لحالته، لكنه غير قادر على إخضاعها بشكل كامل. إن المعركة ضد كبرياءه ورغباته التي لا توصف وأباطيله الخفية ليست معركة عرضية، بل هي حرب تتجدد في كل لحظة، وتخاض في أعماق الروح. ومن المفارقات أن ألد أعداء هذا الصراع ليسوا بأعداء خارجيين، بل أشباح داخلية تتربص به في ظلال النفس وتهمس له بما لا يرغب في سماعه. أي - المثقف-. إن شئتم.
هناك في داخله ميلًا مقلقًا نحو العبودية الطوعية. أنه عبيد لما هو أعلى منه، ولكن من المفارقات أنه يولد في داخله. الكبرياء يفسده ليس لأنه قوة غريبة تهاجمه، بل لأنه جدار يشيد بناءه لنفسه، لبنة تلو الأخرى، في محاولة يائسة للحفاظ على صورة مثالية لنفسه. الرغبة تسيطر عليه ليس لأنها تفرض استبدادها عليه، ولكن لأنه، في الخفاء، يعزز حضورها مثل السم المسبب للإدمان. إن الغرور يخدعه ليس لأنه يعميه، بل لأنه يسحره بانعكاس مشوه لعظمة لا يملكها.
وفي هذه الرقصة السخيفة بين الرغبة والكائن، ينتهي إلى التورط في شبكات جهله. انه يتصرف، ولكن دون أن يفهم بشكل كامل الأسباب التي تحركه. انه يختار، ولكن دون أن يعرف على وجه اليقين من الذي يملي قواعد اللعبة. معتقدًا أنه يتحكم في خطواته، بينما في الواقع يتبع مسارات رسمتها له قوى لا يستطيع السيطرة عليها. ما ينبغي أن يكون زائدا عن الحاجة، وما ينبغي أن يكون غير ذي صلة، وما يبعده عن الحقيقة الأكثر حميمية للوجود، يأخذ دورا قياديا في دراماتورجيا دورة البقاء.
إن ما يجرده من إنسانيته، في نهاية المطاف، ليس فقط الظروف الخارجية والاجتماعية، وهياكل السلطة، والظروف التي تسجنه، بل أيضًا ما يقبله دون التشكيك في داخله. الكبرياء يفرقه، الرغبة تستعبده، الغرور يشوهه. وفي وسط هذه الدوامة يبقى السؤال المزعج: من المثقف عندما نزيل عنه كل الأقنعة، عندما نُسكت عنه كل الأصوات، عندما ينظر أخيراً لنفسه في المرآة دون أوهام؟
ربما لن يتمكن من النجاة بهذه الحرب أبدًا. ربما لا تكمن العظمة في الانتصار المطلق على نقاط ضعفه، بل في وضوح الاعتراف بها، وفي كرامة عدم الانحناء لها بشكل كامل. أن تكون إنسانًا - مثقفًا يعني أن تكون منقسمًا إلى الأبد بين ما ينبغي أن تكون عليه. وبين ما هو عليه حتمًا. والحرية، إن وجدت، لا تكمن في إنكار هذا الصراع، بل في الشجاعة لمحاربته حتى النفس الأخير. إنشئتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيو ـ 03/12/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟