الصراع العالمي القادم على الليثيوم: وقود معركة الطاقة المستقبلية

أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 18:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

مقدمة: لماذا الليثيوم؟
في ظل التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، أصبح الليثيوم أحد أهم المعادن الاستراتيجية في العالم، حيث يُعرف بـ”الذهب الأبيض” نظرًا لدوره المحوري في صناعة البطاريات، خصوصًا في السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية. مع ازدياد الطلب على الطاقة النظيفة وانخفاض الاعتماد على الوقود الأحفوري، باتت السيطرة على موارد الليثيوم هدفًا رئيسيًا للقوى الكبرى، مما أشعل صراعًا عالميًا حول تأمين إمداداته.
يمتلك الليثيوم خصائص كيميائية تجعله ضروريًا لصناعة البطاريات الحديثة، حيث يتميز بخفة وزنه وكثافة طاقته العالية، مما يجعله العنصر الأساسي في بطاريات الليثيوم-أيون التي تُستخدم في الهواتف الذكية، الحواسيب المحمولة، والسيارات الكهربائية.
الدول المنتجة لليثيوم: خارطة الثروة الجديدة
بحسب بيانات عام 2023، تتوزع الإنتاجية العالمية لليثيوم بين عدد من الدول الرئيسية:
1. أستراليا - 86 ألف طن متري
2. تشيلي - 44 ألف طن متري
3. الصين - 33 ألف طن متري
4. الأرجنتين - 9.6 ألف طن متري
5. البرازيل - 4.9 ألف طن متري
6. كندا - 3.4 ألف طن متري
7. زيمبابوي - 3.4 ألف طن متري
أضف إلى ذلك، أن أوكرانيا تُعتبر من الدول الواعدة في هذا المجال، حيث تمتلك نحو 10% من احتياطيات العالم من الليثيوم، مما يجعلها محط أنظار القوى الكبرى.
الصراع الجيوسياسي على الليثيوم: من يتحكم بالمستقبل؟
1. الولايات المتحدة وأوكرانيا: اتفاقية المعادن بعد الحرب
بعد توقف العمليات العسكرية في أوكرانيا، سعت واشنطن إلى تأمين مواردها من الليثيوم عبر اتفاقية جديدة مع كييف. في فبراير 2025، تم توقيع مسودة اتفاقية تمنح الشركات الأمريكية حقوق استخراج وتصنيع الليثيوم والتيتانيوم في أوكرانيا، على أن تذهب نصف عائدات هذه الموارد لصندوق إعادة الإعمار الأوكراني.
ورغم الأهمية الاقتصادية للاتفاقية، فإنها لم تتضمن ضمانات أمنية صريحة لحماية المصالح الأوكرانية، وهو ما أثار جدلًا داخل الأوساط السياسية في كييف، خاصةً في ظل استمرار النفوذ الروسي في بعض المناطق الغنية بالمعادن النادرة.
2. الصين: اللاعب المهيمن على السوق
تهيمن الصين على 77% من القدرة الإنتاجية العالمية لبطاريات الليثيوم-أيون، ما يجعلها طرفًا أساسيًا في الصراع العالمي على المعدن. خلال العقد الماضي، عززت الصين نفوذها في الأسواق من خلال استثمارات ضخمة في مناجم الليثيوم في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، مما أدى إلى خلق نوع من الاعتماد الدولي على الصين في توريد الليثيوم المكرر.
إدراكًا لهذه الهيمنة، بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في البحث عن بدائل وتقليل الاعتماد على الصين، وهو ما يُفسر اندفاع الشركات الغربية نحو أوكرانيا وصربيا لتأمين موارد جديدة.
3. ألمانيا وصربيا: شراكة أوروبية لمستقبل السيارات الكهربائية
في خطوة لتعزيز استقلال أوروبا في سوق البطاريات، وقّعت ألمانيا وصربيا اتفاقية شراكة لاستغلال احتياطيات الليثيوم الضخمة في وادي جادار الصربي. هذه الاتفاقية تضمن بقاء الليثيوم المُستخرج داخل السوق الأوروبية، مما يعزز من قدرة القارة على المنافسة في صناعة السيارات الكهربائية وتقليل اعتمادها على الواردات من الصين وأمريكا الجنوبية.
إيلون ماسك ودوره في سباق الليثيوم
يُعتبر إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، من أكثر الشخصيات تأثيرًا في صناعة الليثيوم. فمن خلال رؤيته لمستقبل السيارات الكهربائية، عمل ماسك على تأمين مصادر مستقلة للليثيوم بعيدًا عن النفوذ الصيني. في عام 2023، أعلنت تسلا عن بناء مصنع تكرير الليثيوم في تكساس، بطاقة إنتاجية تكفي لصناعة بطاريات لمليون سيارة سنويًا.
يُذكر أن ماسك وصف الليثيوم بأنه “آلة طباعة النقود”، مشيرًا إلى أن من يسيطر على إنتاجه وتكريره سيكون صاحب اليد العليا في صناعة السيارات الكهربائية خلال العقود القادمة.
الاستخدامات الرئيسية لليثيوم في أمريكا
يُستخدم الليثيوم في الولايات المتحدة في عدة مجالات حيوية، أبرزها:
1. بطاريات السيارات الكهربائية - حيث تعتمد شركات مثل تسلا، فورد، وجنرال موتورز على الليثيوم في تصنيع بطاريات الليثيوم-أيون.
2. تخزين الطاقة المتجددة - تُستخدم بطاريات الليثيوم في تخزين الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية والرياح، مما يساعد في استقرار شبكة الكهرباء.
3. التطبيقات العسكرية - يدخل الليثيوم في صناعة بطاريات الطائرات بدون طيار وأنظمة الطاقة للمعدات العسكرية المتقدمة.
4. التكنولوجيا الاستهلاكية - مثل الهواتف الذكية، الحواسيب المحمولة، والساعات الذكية.
التحديات والمستقبل: من سيسيطر على سوق الليثيوم؟
رغم التوسع الكبير في إنتاج الليثيوم، إلا أن هناك عدة تحديات تواجه السوق العالمية:
• الاضطرابات السياسية: كما هو الحال في أوكرانيا وصربيا، حيث تلعب الجغرافيا السياسية دورًا كبيرًا في تحديد من يمكنه الوصول إلى الموارد.
• التحديات البيئية: استخراج الليثيوم يستهلك كميات ضخمة من المياه، مما أثار اعتراضات بيئية في العديد من الدول، مثل تشيلي وصربيا.
• التقلبات السوقية: شهدت أسعار الليثيوم تقلبات حادة في السنوات الأخيرة، مما يؤثر على الاستثمارات في التعدين والتكرير.
مع تزايد الطلب العالمي على السيارات الكهربائية، يُتوقع أن ترتفع الحاجة إلى الليثيوم بأكثر من 500% بحلول عام 2050. هذا يجعل السيطرة على مصادره تحديًا استراتيجيًا للدول الصناعية الكبرى.
الخاتمة: الليثيوم.. وقود المستقبل؟
إن الصراع على الليثيوم لا يختلف كثيرًا عن الصراعات التي شهدها العالم سابقًا حول النفط، حيث تسعى القوى الكبرى إلى تأمين حصصها في سوق المستقبل. وبينما تتحرك الولايات المتحدة وأوروبا للحد من الهيمنة الصينية، يبقى السؤال الأهم: هل سيتحول الليثيوم إلى عامل حاسم في رسم خريطة القوى العالمية خلال العقود القادمة؟
ما هو مؤكد أن الدول والشركات التي ستنجح في تأمين موارد الليثيوم ستكون في طليعة الثورة الصناعية الجديدة، التي تقوم على الطاقة المتجددة والنقل المستدام.
المراجع والمصادر:
1. أميركا وأوكرانيا تقتربان من اتفاق بشأن المعادن النادرة - الجزيرة نت
https://www.aljazeera.net/.2/23/us-ukraine-deal-metals
2. أبعاد الصراع الدولي على الليثيوم - APA International
https://apa-inter.com/post.php?id=6072
3. اتفاق شراكة بين صربيا والاتحاد الأوروبي حول الليثيوم - العربية نت
https://www.alarabiya.net/aswaq/cars/2024/07/19/اتفاق-شراكة-بين-صربيا-والاتحاد-الأوروبي-حول-الليثيوم

#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل