|
الاعدام رفض لرحمة الله
رشا أرنست
(Rasha Ernest)
الحوار المتمدن-العدد: 1795 - 2007 / 1 / 14 - 13:50
المحور:
الغاء عقوبة الاعدام
جدران متعددة بغرفة ليس لها وصف محدد ، مظلمة ، لا يوجد بها شيء يذكر سوى حبل سميك متدلي من سقفها و بأحد أركانها يوجد سلم . هذه كانت مواصفات أشهر غرفة لعام 2006 م . تلك الغرفة التي شهدت إعدام واحد من أشهر رؤساء هذا العصر و الذي يكاد يكون أقواهم . حقيقة لا اعرف لماذا اكتب للمرة الثانية عن إعدام الرئيس صدام حسين ، رئيس العراق الذي اسلم الروح بين يديّ الله منذ يومين . و لكن مشهد إعدامه الذي فاق كل إهانة إنسانية ، هذا المشهد الذي شاهدناه على قنوات الأخبار و الفضائيات . هذه القنوات التي قامت بعرض المشهد بكل وحشية بدون أي اعتبار للمشاهدين ، و هم يعلمون جيداً أن هناك ملايين الأطفال في كل العالم تشاهد قنواتهم و ملايين من البشر يختلفون عنهم في الإحساس و سيكون لهم ردود أفعال لمشاهدة هذا المشهد البشع كما فعل طفل باكستان البريء الذي قام بكل براءة و طفولة تمثيل مشهد الإعدام بمساعدة أخته و النتيجة انه ألحق بصدام . قتل الطفل و الإعلام هو القاتل . فلم تكن يوماً هذه رسالة الإعلام ، الإعلام الذي من المفترض أن يدافع عن الإنسان و إنسانيته و كرامته و طرق تنميته في كل المجالات . و ما عرض كان تشويه لدور الإعلام و الإعلاميين في كافة المستويات . علمنا في السابق أن موعد إعدام الرئيس صدام سيكون قبل نهاية شهر يناير 2007 م ، و بعدها تغير الوضع و أصبح قبل بداية العام الجديد و مع نهاية عام 2006 م . و الغريب إننا بعد كل هذه المناورات حول موعد إعدامه و المسرحية الهزلية لمحاكمته نفاجئ بالموعد قبل ست ساعات حسب أول وكالة أنباء أصدرت خبر تحديد موعد إعدامه . و لم يكن موعد الإعدام بمفاجئة لنا ، نحن نعلم انه في كل الأحوال سيُعدم و يكون عبرة للجميع . و لكن مفاجئتنا جاءت أن إعدامه يوافق أول أيام عيد الأضحى المبارك . فلماذا هذا التوقيت ؟ الم يكتفوا بأنه سيكون حدث يصب في قلوب كل رؤساء العرب بجمرة خوف لا تنطفئ ! و أن يكون إعدامه بهذا الشكل المهين . أحداث كثيرة و متتالية و مبهمة بخصوص الإعدام و موعده و ظروفه و لكن الأحداث التي كانت داخل غرفة الإعدام كانت أكثر إثارة و سرعة . عندما تشاهد مشهد الإعدام ، و الذي لا يتعدى خمس دقائق ، تُشاهد اكبر عملية لاختلال توازن الإنسان نتيجة الحقد و رغبة الانتقام و الألم و انعدام للمشاعر الإنسانية التي خلقها الله بداخلنا ، و بنفس المشهد ترى شجاعة إنسان في اظلم لحظات حياته و هو يعلم أن العالم كله يراه في هذه اللحظة . بين هؤلاء الملثمين الذين يدورون داخل الغرفة و هم و أن كان صدام نفسه بين أيديهم مختبئين تحت أقنعتهم رعباً ، و بين هذا الجبار الذي لم يهتز لحظة واحدة و هو بين أيديهم و أربكهم أكثر بقوته التي جعلته يستلذ بحبل المشنقة حول عنقه دون أن يختبئ داخل قناع و كأنهم يلبسونه عقد من الماس . يا لجبروت هذا الرجل . و يا لضعف هؤلاء الملثمين و حولهم من تعلوا أصواتهم مرددين في وجهه " إلى جهنم و بئس المصير " . للحظات شعرت كأن قلبي ينسحب معه في غفلة منه و هم بمنتهى الوحشية يأخذونه على غرة و يسحبون الحبل ليتدلى عبر هذه الغرفة المظلمة لمَّا هو اظلم يتدلى قبل أن يكمل النطق بالشهادتين حسب مسمعي ، منطلقاً إلى تحت أقدامهم ، و كأنه سقط في هاوية من الماضي المظلم له . أثناء هذا المشهد لعنت كل شيء و أولها هذا الزمن الذي جعل البعض بلا إنسانية و البعض بلا كرامة . لا أقول أن صدام لم يستحق العقاب ، فهو قد فعل الكثير و الكثير من القتل و النهب و المذابح الجماعية و أصاب الملايين لثلاثون عاماً بالرعب المطلق . و لكن ألا نعد نرى الوجه الآخر للإنسانية في وجهه البائس و الذي مضى و داسته الأقدام . لأي حد صارت ذواتنا فارغة ، هالكة في طرق من الدماء الأسود و الغضب المضني ، الحقد اللامتناهي . مشهد إعدامه يثبت أن نهاية صدام حسين كان أمراً لابد منه باعتباره شهادة على تحقيق العدالة التي يظنوا أنهم بموته تحققت . و لا يدرون أن هناك مئات صدام مختبئة و جلودها تتغير حسب الوضع الراهن . فهو و إن كان إمبراطور القتل و لكنه كان أيضاً يملك من الشجاعة و القوة ما تجعله مكشوفاً للجميع ، ليس كهؤلاء الذين يبررون غاياتهم بسفك الدماء . فغايته و أهدافه كانت واضحة وضوح الشمس . و رغم كل ما فعله هذا صدام يبقى هو الأقوى حتى لحظة موته . الأوضاع انعكست أثناء مشهد الإعدام ، فبدل من أن يكون هو المُلثم خوفاً و هم الفاعلين فرحاً و انتصاراً ، انقلب الوضع و السؤال : لهذه الدرجة لم تنجب بلادنا رجل بقوة هذا الرجل ؟ أحاول محو مشهد الإعدام من ذاكرتي و إن كنت اشعر إنني لا استطيع ، فمشهد إعدامه وسط هؤلاء و بهذه الطريقة فاقت أفضل تصوير سينمائي لمشهد إعدام ، حقيقة تجسدت داخل هذه الغرفة هي أننا أصبحنا لا نسوى شيئاً . رحل صدام عن عالمنا ، كان و مازال و سيظل أسطورة رئيس حكم بيد من حديد . و مات بأبشع مما ظن انه فعل . الموت صوره عديدة و لكن أبشعه ما يكون بأيدينا ، فالجوع و الفقر و الأمراض و الأوبئة تقتل الآلاف كل يوم . و لكن موتاً مثل هذا الموت يظل بذاكرتنا . هذا الموت الذي نقرره و نبرره و ننفذه دون مقاومة من الطرف الآخر . عقوبة الإعدام هي إعدام لإنسانيتنا و رفض لرحمة الله و الوقوف في وجه العدالة . ليرى كل العالم هذا المشهد و خاصة القضاء الذين يقررون حكم الإعدام . ليروا مقدار بشاعة هذا الحكم . فالبدائل له متوفرة . الله يرحم ... فلماذا نحن نرفض الرحمة ؟ الله يجرح و يَعصب ... فلماذا لا نُبصر نحن ؟ لنبصر كرامتنا و إنسانيتنا و نقول لا للإعدام من اليوم . الحياة و الموت بيد الله فلندعها لله .
#رشا_أرنست (هاشتاغ)
Rasha_Ernest#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحببت
-
العشرة الطيبة
-
موعد
-
عيناه
-
المشهد الأخير من حياة رئيس
-
لستُ فتاة عادية
-
مشوار الصداقة
-
إذا وجدت
-
رفيق
-
قلمي
-
تعددت الأنواع و الزواج لم يعد زواج
-
الشحاذ بين الماضي و الحاضر
-
وقت بلا عنوان
-
دعوة للحبّ
-
الصعيد ضحية إعلامنا المستنير
-
إعاقات متنوعة
-
أطفال يحملون الأثقال
المزيد.....
-
منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال
...
-
ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ
...
-
العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على
...
-
إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
-
العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق
...
-
-سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا
...
-
المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي
...
-
العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر
...
-
عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس
...
-
استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري
...
المزيد.....
-
نحو – إعدام! - عقوبة الإعدام
/ رزكار عقراوي
-
حول مطلب إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب ورغبة الدولة المغربية
...
/ محمد الحنفي
-
الإعدام جريمة باسم العدالة
/ عصام سباط
-
عقوبة الإعدام في التشريع (التجربة الأردنية)
/ محمد الطراونة
-
عقوبة الإعدام بين الإبقاء و الإلغاء وفقاً لأحكام القانون الد
...
/ أيمن سلامة
-
عقوبة الإعدام والحق في الحياة
/ أيمن عقيل
-
عقوبة الإعدام في الجزائر: الواقع وإستراتيجية الإلغاء -دراسة
...
/ زبير فاضل
-
عقوبة الإعدام في تونس (بين الإبقاء والإلغاء)
/ رابح الخرايفي
المزيد.....
|