أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد النور إدريس - اطْحَن ْالدولار! للقاص إدريس عبد النور














المزيد.....

اطْحَن ْالدولار! للقاص إدريس عبد النور


عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)


الحوار المتمدن-العدد: 8240 - 2025 / 2 / 1 - 22:09
المحور: الادب والفن
    


مغامرات باحميد في حلقات
"اطْحَنْ الدولار"الحلقة 5
للقاص إدريس عبد النور



جلس نوري19 في غرفته المضاءة بضوء شاشة هاتفه، يتأمل تيار التفاعل الرقمي الجارف الذي صنعه تيك توك. منذ سنوات وهو يغوص في الإنسانيات الرقمية، يحلل كيف تتحول العفوية إلى سلطة، وكيف يمكن لصيحة جوفاء أن تصبح قانونًا داخل نظام خوارزميات عمياء، لا يرى سوى الأرقام والتفاعل.

فتح التطبيق، تسلل إلى البث الذي ظل يراقبه منذ أسابيع بما هو مختبر لتجاربه: "لايف باحميد". شاشة تتراقص تحت وطأة الأضواء الزرقاء، صوت مشوش، رجل يتأرجح بين الصراخ والتوسل، و200 متابع يحدقون، يضغطون(يكبسون)، يكتبون تعليقات بلا معنى. وكأن الزمن صار فيروسيًا، يعيد تدوير نفسه دون غاية.

قبل حميد طلب نوري للانضمام إلى الكيست. لم يعره انتباهًا، إذ كان مشغولًا بهتافه المتكرر:

"أوثطلعوني إلى مئة ألف تكبيسة!"

صدى صوته ارتطم بالفراغ الرقمي، بينما ظلت أصابعه ترتجف فوق الشاشة. ليس خوفًا، بل جوعًا، جوعًا لتلك الأرقام الصغيرة (قلوب التكبيس) التي تصعد ببطء، مثل طقوس بدائية لاستجلاب المطر.

لم يمضِ وقت طويل حتى ظهر وجه آخر على الشاشة: SMART. وجه هادئ، عينان تحللان كل تفصيلة، نبرة واثقة. لم يكن مجرد مستخدم، بل قارئ محترف لخوارزميات المنصة، وصاحب الجملة الشهيرة التي يرددها كلما سُئل عن النجاح في تيك توك:

"اطْحَن ْالدولار!"

ألقى نوري سؤاله الأول دون مقدمات:

— "سمارت SMART، كيف يمكن لبث مثل لايف باحميد أن يحقق هذا الكم من المتابعين رغم أنه لا يقدم أي محتوى بالمعنى التقليدي؟"

ابتسم سمارت، وأجاب بثقة من اعتاد فك شفرة العالم الرقمي:

— "تيك توك لا يهتم بالمحتوى، بل بالإيقاع. الخوارزميات لا تفكر، لكنها تتعلم، وتتعلم مما يبقي الناس في المكان نفسه لأطول وقت، سجناء الرقمي. باحميد يصنع توترًا دائمًا، يخلق لحظة لا تكتمل أبدًا، ويترك المتابع معلقًا بين الفعل ورد الفعل، بين المشاركة والانصراف، وكلاهما لا يحدثان بسرعة كافية."

نوري كان يعلم ذلك، لكنه أراد أن يذهب أعمق، ويستمطر كل الأفكار:

— "ولكن، هل هناك بُعد نفسي لهذا التفاعل؟ لماذا يبقى الناس رغم أنهم يدركون أن ما يشاهدونه عبثي؟"

تأمل سمارت للحظة، ثم قال:

— "هناك ما يُعرف بـ التأثير الاجتماعي الرقمي. نحن لا نتفاعل مع المحتوى، بل مع الآخرين الذين يتفاعلون معه. كل شخص هنا يرى الآخرين يتفاعلون، فيشعر بالحاجة لأن يكون جزءًا من هذا الحشد العابر. إنها القبيلة الرقمية، حيث يكون الانتماء مؤقتًا لكنه قوي. تيك توك لا يبني مجتمعات، بل يبني لحظات من الانتماء السائل، وهذا سبب هلامية مفهوم صديق ب TikTok."

وقبل أن يرد نوري، جاء صوت باحميد مرة أخرى، كأنما شعر بأن البث بدأ ينجرف بعيدًا عن فوضويته المألوفة:

"اعْطيوْ لهاد اللي فالكيست 100متابعة!"

ضحك نوري وقال لسمارت:

— "إذن، باحميد ليس مجرد شخص يصرخ، بل هو مهندس رقمي بالفطرة. يستخدم القواعد النفسية للمنصة دون أن يعي ذلك."

أومأ سمارت موافقًا:

— "إنه يطحن الدولار دون أن يدرك كيف يفعل ذلك. في هذا العالم، لا تحتاج إلى وعي بما تفعله، بل إلى استمرارية تفعل بها ما لا تدرك."

خارج البث، في العالم الحقيقي، كانت الليلة تتقدم، لكن في عالم تيك توك، لا يوجد زمن حقيقي. فقط تكبيسات متراكمة، وضغطات عشوائية، وأصوات متقطعة، تحرك اقتصادًا خفيًا حيث يُشترى الانتباه بصرخة، وتُباع الدقائق بتمرير إصبع على الشاشة.

أما باحميد، فقد واصل هتافه، غير مدرك أنه، وهو يغرق في زحام البث، قد أصبح درسًا حيًا في فلسفة السوق الرقمية.



#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)       Abdennour_Driss#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغامرات باحميد : وجوه في المرآة العمياء للقاص عبد النور إدري ...
- صراخ باحميد وصمت الجبناء للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات باحميد وصراخ التكتوك للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات BH ومنصة التكتوك للقاص عبد النور إدريس
- قصيدة - الأناني - للشاعر عبد النور إدريس
- قصيدة -زوبعة المشاعر- عبد النور إدريس
- قصيدة: أَخافُ عَلَيْكِ شعر:عبد النور إدريس
- قصيدة -أغار عليكِ- شعر عبد النور إدريس
- قصيدة غناء النجوم شعر عبد النور إدريس
- قصيدة -دهشة المطر- شعرعبد النور إدريس
- قصيدة الرقص عند الفجر شعر عبد النور إدريس
- قصيدة: الشاعر الفينيكس شعر عبد النور إدريس
- قصيدة:هَمس الطين شعر عبد النور إدريس
- قصيدة : أميرة البنفسج شعر عبد النور إدريس
- قصيدة خريطة التاج شعر عبد النور إدريس
- قصيدة:أحرف تهجٍّ للبدء المقدس شعر عبد النور إدريس
- قصيدة تراتيل صوفية ،شعر عبد النور إدريس
- فِلِيسُ... امرأةٌ بنت الطين شعر عبد النور إدريس
- قصيدة مسرودة الفجر
- قصيدة اختيار شعر عبد النور إدريس


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد النور إدريس - اطْحَن ْالدولار! للقاص إدريس عبد النور